فهم يثبتون من صفات الله كل ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة لا يفرقون بين صفات دون صفات فكل ما جاءت به النصوص من ذلك فهو مثبت عندهم إثباتا حقيقيا صادقا لا كذب فيه ولا تمويه من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل ومن غير تشبيه أو تكييف أو تمثيل
فهم يثبتون كل صفة بمعناها الظاهر من النص وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب
فالمعنى لغة هو المفهوم من ظاهرِ اللفظِ والذي تصِلُ إليه بغيرِ واسِطَة
كما عرفه المتخصصون من أهل العلم .
ولتتضح هذه الخلاصة أقول :
الإثبات هو :
ـ اعتقاد أن ظاهرها مراد
ـ اعتقاد أن الصفة المذكورة في ظاهر اللفظ هي على حقيقتها
ـ اعتقاد أن معناها الظاهر معلوم لنا .
ـ اعتقاد أن لها كيفية وإن جهلناها
وباختصار نحن نثبت أي معنى للصفات جاءت به النصوص أو جاء عن السلف ولو كان بعضا من معنى الصفة
أما التكييف فهو وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة .
والتشبيه هو وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا
والتمثيل هو وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا
والتعطيل نفي حقيقة الصفات المثبتة في النصوص عن الله
:
ـ تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها .
ـ تطبيقات الصحابة في ذلك
ـ تطبيقات التابعين في ذلك
ـ تطبيقات بقية السلف في ذلك
ـ تطبيقات أئمة أهل السنة السائرين على ما كان عليه السلف
ـ فصل في الكيف وما ورد عن السلف فيه
ـ فصل في الحد وما ورد فيه
ـ فصل فيما تعلّق به من نسب التفويض إلى السلف
قال القاضي عياض :
" قال أبو طالب المكي :
كان مالك -رحمه الله- أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين .
قال سفيان بن عيينة : سأل رجلٌ مالكاً فقال: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال :
" الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه " .
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل :
" قال سحنون :
أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال: " يا أبا عبد الله مسألة ؟ ، فسكت عنه ثم قال له : مسألة ؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له .
فقال السائل : يا أبا عبد الله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال: (( سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه .
ـ الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 276 هـ
قال رحمه الله :
" الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك "
عن كتابه اختلاف اللفظ ص25.
وسيأتي في باب التطبيقات ما يجلي مذهبه
ـ الإمام أبو العباس ابن سريج كبير الشافعية في زمانه ت 303 هـ
قال في رسالته في الاعتقاد عن نصوص الصفات :
" ... أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة.." ا.هـ
ـ الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري ت 310 هـ
قال في كتابه " التبصير في معالم الدين " [ ص : 132-142 ] :
" القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه : ( سميع بصير ) وأن له يدين بقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) ، أن له يمينا لقوله : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ، وأن له وجها بقوله : ( كل شي هالك إلاّ وجهه ) وقوله : ( ويبقى وجه ربك ) ، وأن له قدما بقول النبي : ( حتى يضع الرب فيها قدمه ) ، وأنه يضحك بقوله : ( لقي الله وهو يضحك إليه ) ، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي
إذ ذكر الدجال فقال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية ، وكما يرون القمر ليلة البدر ، لقول النبي ، وأن له أصابع لقول النبي : ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ) " إلى أن قال :
"فإن قيل : فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله ، قيل : الصواب من هذا القول عندنا : أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شي وهو السميع البصير ) ."
فهذا صريح منه في أن الصواب في نصوص الصفات الخبرية أن نثبت من معانيها حقائقها على ما نعرف منها
والمراد بحقائقها ما هو ضد المجاز لأن الحقائق بمعنى الكيفيات ممتنع بالاتفاق وقوله على ما نعرف دال على ذلك فالكيفيات لا تعرف
ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله أبو عبد الله، محمد بن إسحاق ابن مندة ت 395 هـ
قال في كتابه التوحيد ج3/7:
" إن الأخبار في صفات الله جاءت متواترة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن ، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات والمعرفة والإيمان به والتسليم ...وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها " ا.هـ ـ شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني
قال رحمه الله :
" وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب " أ.هـ.
الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني الشافعي 537 هـ
قال في كتابه الحجة في بيان المحجة ج1/ص183 :
" باب : قال علماء السلف :
جاءت الأخبار عن النبي متواترة في صفات الله تعالى موافقة لكتاب الله تعالى نقلها السلف على سبيل الإثبات والمعرفة والإيمان به والتسليم وترك التمثيل والتكييف وأنه عز وجل أزلي بصفاته وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه الرسول الحجة في بيان مدحه بذلك وصدق به المصطفى وبين مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهوما عند العرب غير محتاج إلى تأويله " ا.هـ
وقال وقد سئل عن صفات الرب ؟ فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل ، قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
ثم قال : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
وقال :
" دليل آخر ، أن من حمل اللفظ على ظاهره ، وعلى مقتضى اللغة حمله على حقيقته ، ومن تأوله عدل به عن الحقيقة إلى المجاز ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله وتعالى " ا.هـ
وكتابه مليء بإثبات معاني الصفات وكلامه أوضح من أن يوضح
الإمام العلامة أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ
قال رحمه الله تعالى تعليقاً على كلام مالك في الاستواء :
" وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة ولا نعلم كيفية ذلك ، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك ا.هـ
وأقواله في هذا المعنى أكثر من أن يسعها هذا الموضع وإنما ذكرت كلامه هنا لتجرؤ من لا يستحي ممن حشر شيخ الإسلام في سلك المفوضة فسبحان الله كم بلغت الصفاقة ببعض الناس اليوم
ـ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ت 7
قال رحمه الله :
" وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ } [البقرة :210] . وقال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام :
158] ، وقال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ } [الفجر :22] .
ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم ما يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ
تأمل قوله في مقام الكلام عن الصفات الخبرية : " ولا أخرجوه عن مدلوله "
فهي ذات مدلول ( مفهوم ) والسلف يحملونها على هذا المدلول ( المفهوم ) اللغوي لا يخرجونها عنه
وقال الصابوني :
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا.هـ
هناك كيفية لنزوله لا يعلمها إلا هو تعالى .
وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر -هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا.هـ
ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد.
فأثبت للنزول والضحك والمباهاة كيفيات لكن نحن لا نعلمها ولا ينبغي لنا أن نتوهمها
كن روى الدولابي في الكنى عن الدوري قال :
قال : سمعت يحيى يقول :
» شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان هذه الأحاديث ، يعني مثل : حديث الكرسي ، موضع القدمين ، ونحوها فقال وكيع : « أدركنا إسماعيل بن أبي خالد ، وسفيان ، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ، ولا يفسرون بشيء » .
وهو في تاريخ الدوري كما روى الدولابي
والعبد لله يفهم من لفظ الدوري الذي في تاريخه أن التفسير هنا يراد به التأويل لأنه عداه بحرف الباء
وهو على هذا موافق لاستعمالات السلف السابقة والتي عبرت عن التأويل بالتفسير
ويؤيد هذا التوجيه ما روي عن وكيع نفسه وبسياق مقارب
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
فهذا قاض للنزاع ودال بصراحة على أن المنقول عنهم هو ترك التفسير الذي هو التأويل فهم لا ينكرون الأحاديث لا يؤولونها لا يفسرونها بالتأويل لأن التأويل هو إنكار لظاهر الأحاديث وهم لا ينكرون شيئا من أحاديث الصفات