منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ۝♦۝ لإِدْرَاجُ نُصُـــوصْ مُسَابَقَـــةْ "النَـــصُ الـــذَهَبِـــي" ۝♦۝
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-08-05, 15:48   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
(~ ..أســـامة .. ~ )
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية (~ ..أســـامة .. ~ )
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


اختر الحياة الأكثر نفعا ......... والتعود سيجعل منها الحياة الأكثر قبولا...........





ربما كان هذا الدافع وراء دراستي أبعد التخصصات عن أحلامي ....... دراسة طب الأسنان........ اقترب الدخول الجامعي للسنة القادمة ............... وقد أجلّت خطوة الكتابة عن هذا الامر مرارا................... لأني كنت أفكر و أقع في الحيرة على الدوام متسائلا.........هل ينجح هذا دائما ؟ هل العادة بامكانها جعلنا نختار طريق اخر تماما عن حقيقتنا؟ ما الذي أوصلني إلى هذا المكان بالذات؟..........

و عندما أفكر في حياتي ما قبل الجامعة ارى الكثير من التفاصيل ............ جميعنا مررنا بتلك السنة التي انتهت بنتائج مفرحة و بأقل خسائر ممكنة ............... كنت بالطبع تلميذا في الفرع التقني أنظر إلى مواد التخصص نظرة الوداع الفرح ........................وأتكلف بقولي أنني سأشتاق للأرقام والمعادلات والحقائق العلمية...................... ولم يكن ليخطر لي أنني فقط سأعيش إجازة أعاود من بعدها مباشرة التخصص الأبعد عن القائمة الأقرب إلى كل ذلك....................... كنت أميل لرسم عالمي بالخطوط الزاهية معبدة طرقاته بالأمل بالمجهول........ واثق بأني سأكون فرح بما سأصنع بغض النظر عن النهاية التي سيؤول إليها كل شيء......... أردت أن أجعل من عالمي المتخيل حقيقيا وأن أثبت للجميع أنك لو حققت كل شيء يبقى رضاك عن ذاتك هو الأهم على الدوام.......... وكيف ترضى عن ذاتك إن سلكت طريقًا غير الذي تريد؟!.................................


تبارك لي الموظفة في الجامعة بقبولي....... وتسلمني بطاقتي الجامعية......... "رقمي62 رقمي جميل جدًّا" أقولها بكل فرح........... لأنني فقط أحب هذين الرقمين.......... استكمل الاجراءات وأجدني على طريق لم أتخيله مسبقا.......

كل ما يسعني قوله الآن ........ليس بوسعنا أن نحكم على شيء ما لم نحظى بتجربته ........لطالما تألمت لأني سأصنع حياة قد لا تشبهني على الدوام.............. ولأنني أخشى أن أقف بعد عقدين من الزمان على طلل الحلم الذي تركت مسبقًا وآمل أن يعود الزمن أدراجه.............. ولكن ربما لن يحصل كل هذا............ فأنا كالجميع امتلك مخاوفًا وآمالاً إزاء المستقبل...........

ليس من السوء بمكان أن تسلك طريقًا لم تتخيل أنه لك............. بل السيء أن لا تدرك أن خطواتك ستحفر فيه إلى الأبد.......... فتبقى عاثر الخطوات مرتجفًا تخسر الحاضر ولا تبشر بكسب المستقبل............

تبدو الكتابة عن الأمر أصعب مما تخيلت......... فلطالما عللت نفسي بأن هذا هو انتصار الواقعي......... وأنه أنا الجديد التي سيتصالح ولا بد مع كل ما كان............ وسيجد السبيل لبناء جسر يصل الماضي بالحاضر..........

أما الحديث عن الأمر فليس الأسهل على كل حال.......... فالكل حولنا يتَّبعون الترتيب التصاعدي للحياة والتنازلي للمراتب........ كأن على الجميع أن يسير بنسق واحد.......... يتسبب كل منا بتضييق الأفق شيئًا فشيئا...... حتى يكون رأيك عن نفسك أنت بدافع الجحود والتكبر الداخلي على الفرح لا غير. لا أكتب عن طب الأسنان لأني كرهته مسبقًا أو لأني لم أتوقع ذلك.......... بل أكتب عن انحسار المتخيل في عقولنا البسيطة أو وجوب احلال الآخر في نضجنا وتكوننا في كل مرحلة مستقبلة........... لا أذكر أني في طفولتي عمدت لألعب دور الطبيب مع أقراني أو أني كنت أجيب السائلين عن رغبتي بمهنة مستقبلية بأني سأصبح طبيب أسنان............. ولا ضير في ذلك أبدا................. ولكن إنه لمن الغريب حقا أن يكون الفاصل بين طريقين مختلفين تمامًا مفرق ضيق لا يتسع لإطالة الجلوس أو لوجود من يقودك خلال أيٍّ منهما............


أسعدني اكتشافي قوة في داخلي كانت لتظل مكنونة لو أني اكتفيت باتباع الحلم......... وأدهشني أني ملكت من فهم الذات الكثير في غضون أشهر قليلة.............. الآن أرى حلمي هناك في تضافر الفهم الجسدي والنفسي......... في جمعي بين الواقعي المقبول والخيالي المأمول............. وأرى أنني أنتمي إلى عالم أوسع سيجعل مني إنسان يصنع الرضى عن الذات وينبت غرسه بكل الصبر والتأمل بدل أن يكتفي بالبحث عنه في عتمات النفس.......... وأشعر أن الجزء الذي خفت عليه مسبقًا أن يموت يسقى الآن بماء المعرفة والإرادة...........

وأختم باقتباس من رواية فتاة البرتقال لعلي رأيت نفسي فيه نوعًا ما:
"دعني الآن أبح إليك بهذا السر: قبل أن أبدأ دراستي في الطب كان أمامي بديلاً من خيارين، إما أن أصبح كاتبا أبجل بالكلمات العالم المفتون الذي نعيش فيه، وظني أني حدثتك في الأمر يومًا، وإما أن أصبح طبيبًا، أي رجلاً يقدّم خدماته للحياة. وقد قررت من باب الحيطة أن أكون طبيبًا أولاً!"


انتهى الاقتباس ولكني امل أن تسعفني الأيام في أن أكون كاتبا.