"فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"(سورة النساء الاية 65).
كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"(سورة ال عمران الاية 110).
وفي الحديث القدسي ورد عن رسول الله(ص) قوله:
" ياعبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…"وجاء في الحديث الشريف ايضا" ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، اوشك ان يعمهم الله عقاله".
استنادا الى هذه الايات الكريمة والاحاديث الشريفة فقد اجمع الفقهاء على ان رد المظالم هو فرض على كل مسلم ومسلمة، غير انه فرض كفاية أي لا فرض عين، متى قام به البعض سقط عن البعض الاخر.
3ـ وظيفة صاحب المظالم:
ان وظيفة صاحب المظالم لم تظهر كوظيفة مستقلة الا في وقت متأخر من الدولة الاسلامية، حيث يلاحظ ان رئيس الدوله هو الذي كان يتولى مهمة النظر في المظالم فقد تولى الرسول الكريم (ص) ولاية المظالم ، كما ان الخلفاء الراشدين الاربعه قد جلسوا للمظالم فحذو حذو الرسول(ص) اما عبد الملك بن مروان ، الخليفه الاموي، فقد خصص يومأ للمظالم ، وكان الخليفه العادل عمر بن عبد العزيز يمارس بنفسه وظيفة صاحب المظالم منصفأ الرعيه من الحاكمين ومبتدأ باهل بيته واقاربه.
وفي العهد العباسي تولى كل من المهدي والهادي والرشيد والمأمون على التعاقب مهمة ازالة المظالم . وفي وقت متأخر من العهد العباسي ظهر ديوان المظالم كسلطه منفصله عن سلطة الخلافه تمارس من قبل اشخاص يعينهم الخليفه واطلق على من تولى هذا المنصب (صاحب المظالم) الذي كان يمارس اختصاصات متنوعه منها :
أ ـ منع تعسف الولاة وحماية حقوق الرعيه : ان صاحب المظالم يمارس هذا الاختصاص من تلقاء نفسه وبقوة القانون دونما حاجة الى دعوى او مراجعه من متظلم ، ذلك ان ازالة المظالم واجب على كل مسلم ومسلمه . ان حكم هذا الاختصاص حكم كل مايتعلق بالنظام العام في نظمنا القانونيه الحديثه.
ب ـ النظر في الظلم الذي يوقعه موظفو بيت المال بالافراد عن طريق الضرائب والرسوم التي تفرض عليهم.
ج ـاختصاص انضباطي على موظفي الدوله، فهو بمثابة ديوان لانضباط موظفي الدوله الاسلاميه . ان صاحب المظالم يمارس اختصاصاته بمعونة عدد من العمال يقومون بتوقيع الجزاء او باحضار الخصوم وهم موزعون على النحو الاتي:
أ : حراس ومعاونون(لجلب القوي وتقديم الجرئ)
ب: مجموعة القضاة والحكام ( لاستلام مايثبت عندهم من الحقوق)
ج: مجموعه من الفقهاء ( ليرجع اليهم فيما اشكل ويسألون عما اشتبه )
د: مجموعه من الكتبه ( لتسجيل الوقائع وتدوين ما جرى من خصوم )
اما من حيث الاجراءات امام صاحب المظالم ، فلم يكن هناك اي شرط للدعوى وليس هناك مدة ايضا لسماع الدعوى ، كما ان لصاحب المظالم ان يحكم في بعض الاقضيه من تلقاء نفسه وقوة القانون كما سبق ان بينا ذلك .
ان عمل صاحب المظالم قضائي وتنفيذي كما يرى ذلك بحق، العلامه المرحوم الشيخ محمد ابو زهره . غير انه يجب التمييز بين عمل صاحب المظالم وعمل القاضي ، وفي هذا يقول الفقيه ابو يعلى الحنبلي في كتابه الاحكام السلطانيه :
ان ناظر المظالم يستعمل كل الطرق في سبيل كشف الاسباب والامارات الداله وشواهد الاحوال اللائحه ما يضيق على الحكام ، فيصل الى ظهور الحق ومعرفة المبطل من الحق وان له من التأني في ترداد الخصومه عند اشتباه امورهم ليمعن في الكشف عن اسبابهم واحوالهم ما ليس للحكام اذا سألهم احد الخصمين فصل الحكم فلا يسوغ ان يؤخره الحاكم ويسوغ ان يؤخره والي المظالم وانه يفسح في ملازمة الخصوم اذا وضحت امارات التجاحد ويأذن من الزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفيل لينقاد الخصوم الى التناصب ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب وانه يسمع شهادات من لم يثبت عدالاتهم ولم يثبت فسقهم وبذلك يخرج عن عرف القضاء لانهم لايقبلون الا شهادة المعدلين ، ولان نظرهم احيانأ يكون في مسائل الحسبه يجوز ان يبتدئ باستدعاء الشهود ويسألهم عما عندهم من تنازع الخصوم بين القضاة لابد ان يسبق الاثبات عندهم الدعوى .
الظاهر مما تقدم ان صاحب المظالم لايتقيد بطرق اثبات معينه اذ يجوز الاثبات امامه بجميع الوسائل . كما يجوز لصاحب المظالم في حالة الاشتباه وبغية الوصول الى الحقيقه الى التأني في الحكم وتأخيره وهو ما يجوز للقاضي هذا ويجب ان لايفوتنا ان نذكر ان الدولة العثمانية التي ورثت الخلافه الاسلاميه لم تعر ديوان المظالم الاهميه التي يستحقها , فلم يعد لهذا النظام الاسلامي تطبيق او حتى وجود في هذه الامبراطوريه ، ذلك ان الدولة العثمانية اقتبست ـ في حمأة النقل والاقتباس من الغرب ـ نظام القضاء الفرنسي فنشأ أول مجلس دولة في عام 1868 بالقانون الصادر في 2 نيسان من السنة ذاتها .
4-ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية :
ان المملكة العربية السعودية قد انشأت ديوانا للمظالم بالمرسوم الملكي الصادر في 17 رمضان سنة 1374 هجريه الموافق 20 مايس 1954 م . فالمشروع السعودي قد اقتبس اسم ديوان المظالم من التأريخ الاسلامي وقد اريد لهذا الديوان ان يكون جاهزأ مستقلأ بدار من قبل رئيس برتبة وزير يعين بمرسوم ملكي ويسأل امام الملك .
اـ ختصاصات الديوان :
من مراجعة المرسوم الملكي السابق ذكره يظهر ان اختصاصات الديوان وردت في المادة الخامسة منه فهي تعطي رئيس ديوان المظالم او من ينتدبه من موظفيه الصلاحيات الكاملة في البحث والتعقيب في الوزارات والمصالح المختلفة لتحديد المسؤولية والمسؤولين ثم استدعاء الموظفين المسؤولين عن كل ما يوجب المؤاخذة للتحقيق معهم او تفتيشهم او حتى تفتيش منازلهم ان اقتضى الامر مع وجوب اخطار الوزير المختص او الرئيس الاعلى لهم . ان الجهات الرسمية والاهلية ملزمة بتقديم العون للديوان في بحثه عن الحقيقة وهو يمارس اختصاصه عن طريق شكوى تقدم اليه بعريضة وفي هذه الناحية يختلف ديوان المظالم السعودي عن ديوان المظالم الذي عرفته الدولة الاسلامية، حيث ان الاخير يمارس بعض الاختصاص بقوة حاجة القانون الى شكوى او تظلم.
ب ـ اجراءات الدعوى:
ان الاجراءات امام ديوان المظالم يجب ان تمر بالمراحل الاتية:
1ـ تسجيل الشكوى في سجل عام للمظالم.
2ـ التحقيق من الشكوى سواء كانت مقدمة اليه او محالة عليه.
3ـ يعد الديوان تقريرا مفصلا عن الشكوى يتضمن وقائعها وما أسفر عنه التحقيق فيها مع بيان الاجراء الذي يقترح اتخاذه بشأنها والاسباب التي تستوجب اتخاذ مثل هذا الاجراء.
4ـ يجب تقديم السابق ذكره الى الوزير المختص الذي عليه ان يبين للديوان خلال اسبوعين من تاريخ استلامه التقرير تنفيذ الاجراء المقترح او معارضته مع بيان هذه المعارضة، علما بانه في حالة اعتراض الوزير على الاجراء المقترح من الديوان تكون صلاحية البت في الامر من الملك، أي ان الاجراء المقترح من الديوان يكون نهائيا اذا اقره الوزير، اما اذا اعترض عليه يعرض الامر على الملك للبت فيه ويكون قراره في هذا الشان نهائيا.
والجدير بالاشارة هو ان رئيس الديوان يمارس اختصاصه بالتعاون مع عدد كاف من المستشارين والمدققين والاداريين والكتبة.
ثانيا: القضاء الاداري في فرنسا وفي بعض الدول العربية:
سنتعرض في هذه الفقرة الى القضاء الاداري الفرنسي ودور فرنسا في ادخال هذا النوع من القضاء الى كل من سوريا ولبنان ثم سنتحدث بايجاز تام عن القضاء الاداري المصري.
1ـ القضاء الاداري الفرنسي:
لقد عرفت فرنسا نظاما قضائيا خاصا ومحاكم خاصة للشؤون الادارية قبل قيام الثورة وفي ظل الملكية ، ان هذه الفترة يطلق عليها الفرنسيون اسم النظام القديم ففي ظل هذا النظام القديم كانت المحاكم الخاصة بالشؤون الادارية تخضع لرقابة وتوجه مجلس الملك، هذا المجلس الذي كان مؤلفا من اربع هيئات اولها تمارس الوظيفة الادارية اما الوظيفة الادارية فقد كانت تمارس من قبل الهيئتين الثانية والثالثة ، كما كاني تقضي بالفصل في المنازعات الادارية في حين ان الهيئة الرابعة كانت تقابل محكمة النقض الحالية.
ان الراي العام الفرنسي كان ناقما على المحاكم الخاصة بالمنازعات الادارية ولذلك اقترح مجلس الطبقات عام 1560 الغاءها غير انه كان يجب الانتظار الى عام 1788 حيث نقل اختصاص معظم هذه المحاكم الى المحاكم العادية ولم تلبث ان الغيت بعد ذلك.
وبعد الثورة قررت الجمعية التاسيسية ان تتولى السلطات الادارية ذاتها النظر في القضايا الخاصة بها وبهذا تقرر الاخذ بمبدا الادارة وانطلاقا من الرغبة في تقرير سلطة الفصل في القضايا الادارية للادارة ذاتها فقد اقرت الجمعية التاسيسية مبدا فصل السلطة الادارية عن السلطة القضائية . لقد نص على هذا المبدا في قانون 16ـ 24 اب 1790 والذي تأيد بالمرسوم الصادر في 16 فريكيدور السنة الثالثة للثورة وبموجب ذلك منعت المحاكم العادية النظر في المنازعات الادارية.
ان قانون 27 نيسان ـ 25 مايس 1791 قد الغى مجلس الملك بعد ان جرده من اختصاصه القضائي وانشاء محكمة النقض عام 1790 والتي انيط بها هذا الاختصاص، كما ان القانون المذكور انشأ مجلس الدولة الذي كان في حقيقته مجلس وزراء ذوصلاحيات قضائية في جزء من المنزعات الادارية طبقا للمبدأ المعروف.
وفي عهد نابليون الاول اعيد النظر في تكوين وصلاحيات مجلس الدولة فدستور 22 الصادر في السنة الثامنة للثورة قد عهد الى مجلس الدولة ـ الذي حل محل مجلس الملك ـ وظيفة اعداد مشروعات القوانين والانظمة وحل المشاكل التي تثور من جراء العمل الاداري ورغم المحاولات التي جرت لالغاء مجلس الدولة هذا وخاصة بعد عودة الملك الى فرنسا الا انه صمد بوجه هذه المحاولات مستفيدا من دعم الراي العام له.
وفي عام 1831 حصل تطور كبير في اجراءات المرافعة امام المجلس المذكور حيث أقر مبدا المرافعة الشفهية وعلانيتها. وفي عام 1849 حصل تطور اخر اعتبرت بموجبه قرارات مجلس الدولة نهائية بعد ان كانت تخضع لمصادقة السلطة التنفيذية وأصبح يتمتع بالاختصاص المفوض . ثم وضع للمجلس نظاما عاما ظل يحكم من 1872 حتى 1940.
اما في الوقت الحاضر فأن المجلس يحكمه المرسومان الصادران في 30 تموز 1963. لقد عدل هذان المرسومان بمرسوم 9 ايلول 1968 ومرسوم 24 شباط ثم اصدرت الحكومة مؤخرا مرسومين لاصلاح القضاء الاداري في 26 اب 1975.
ان مجلس الدولة ـ بهيئاته المختلفةـ يمارس اختصاصات استشارية واختصاصات قضائية يعاونه في ذلك مجموعة من المحاكم يطلق عليها المحاكم الادارية تنتشر في ارجاء فرنسا.
اما الدولة العثمانية التي كانت تحكم اجزاء كبيرة من العالم العربي فقد ادخلت نظام القضاء الاداري على النمط الفرنسي وذلك بالقانون الصادر في 2 نيسان 1868 كما سبق ان بينا . ان هذا القانون قد طبق في كافة ارجاء الامبراطورية بما فيها الاقطار العربية الخاضعة لها . وفي نهاية الحرب العالمية الاولى ، انسلخت كل من سوريا ولبنان عن الامبراطورية المذكورة وخضعت للانتداب الفرنسي حيث قامت السلطة المنتدبة بادخال نظامها القضائي الى هذين البلدين ، فانشأ مجلس دولة على غرار مجلس الدولة الفرنسي . غير انه كان الهدف من وجود قضاء اداري متخصص في فرنسا هو حماية حريات الافراد وحقوقهم فان وجود هذا القضاء في البلدان الخاضعة للسيطرة الفرنسية كسوريا ولبنان لم يكن يهدف الى ضمان هذه الحقوق والحريات او اقامة ادارة جديدة متطورة بقدر ما كان يقصد به تكريس الوجود الاجنبي في هذه البلدان . كما ان من المعروف لدى الجميع ، ان ما يصلح لبلد ما من المؤسسات الدستورية قد لايصلح لبلد اخر ، أي انه لايمكن وضع نموذج موحد وتعميم وجوده على بلدان متعددة ، لان لكل بلد طبيعته وظروفه ومشاكله الخاصة به ولذا يقتضي ان يكون لكل بلد نظاما خاصا به سواء كان قضائيا او سياسيا والادل على قولنا هذا من تجربة الدول الافريقية الناطقة باللغة الفرنسية حيث اقتبست عن فرنسا النظام السياسي الذي ارست قواعده الجمهورية الخامسة لكنها سرعان ماعدلت عنه لعدم ملاءمته لها.
2ـ القضاء الاداري في مصر:
لقد انشأ مجلس الدولة المصري بناء على مبادرة برلمانية فهو ثمرة عمل تشريعي ، اذ تقدم احد النواب المصريين عام 1945 بمشروع قانون لانشاء مجلس دولة ، فقدمت الحكومة بدورها مشروعا مضادا اصبح هو القانون رقم 112 لسنة 1946 (قانون مجلس الدولة المصري).
ان مجلس الدولة المصري يتألف من ثلاثة أقسام: قسم الرأي وهو يعطي رأيه في المواضيع التي تعرض عليه من رئيس الجمهورية او الهيئات الادارية او المؤسسات العامة، وقسم التشريع ويختص بفحص مشروعات القوانين والانظمة والقرارات التي ترسلها له الحكومة اما القسم الثالث فهو قسم القضاء الذي يتألف من:
أـ المحكمة الادارية العليا وهي تنظر تمييزا في احكام محكمة القضاء الاداري او محاكم الانضباط .
ب ـمحكمة القضاء الاداري وتنظر في القضايا الخاصة بالانتخابات والقضايا الانضباطية ودعاوى التعويض والعقود الادارية وقضايا جنسية الضرائب والرسوم.
ثالثا: القضاء الاداري في العراق وقانون المحاكم الادارية الجديد:
رغم ان الدولة العثمانية عرفت القضاء الاداري منذ عام 1868 الا ان قانون 2 نيسان المنشئ لمجلس الدولة لم يأخذ بالقضاء الاداري حتى بعد عام 1817 كما ان العراق لم ياخذ بالقضاء الاداري حتى بعد انفصاله عن الدولة العثمانية، ورغم المحاولات التي جرت للاخذ بنظام القضاء المزدوج الى ان صدر قانون المحاكم الادارية رقم 140 لسنة1977 .
ولذلك يقتضي الامر البحث في المحاولات التي جرت لانشاء قضاء اداري في العراق ومصر هذه المحاولات ثم بحث احكام القانون الاخير الذي قرر انشاء المحاكم الادارية.
1ـ محاولات انشاء قضاء اداري في العراق:
لقد جرت محاولات عديدة لانشاء قضاء اداري في العراق فقد صدر قانون رقم 49 لسنة 1933 وقد اريد لهذاالديوان ان يكون نواة لقضاء اداري متخصص ينظر في المنازعات الادارية غير ان هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح اذ اصبح ديوان التدوين القانوني مجرد هيئة استشارية للحكومة تعد مشروعات القوانين والانظمة وتصدر الفتاوى غير الملزمة لما تعرضه عليها مؤسسات الدولة من استشارات قانونية. هذا ويجب الاشارة الى امكانية اعتبار مجلس الانضباط العام جزءا من ديوان التدوين القانوني بمثابة قضاء اداري يختص بالفصل في منازعات الوظيفة العامة.ان قرارات مجلس الانضباط العام ملزمة للسلطات الادارية اعمالا بنص الفقرة الرابعة من المادة 59 من قانون الخدمة المدنية المعدل رقم 24 لسنة 1960.
هكذا اذن لم يكتب لديوان التدوين القانوني ان يكون قضاء اداريا بمعنى الكلمة ولذا فقد استمرت المحاولات لانشاء مجلس دولة عراقي.
فقد جرت محاولات عام 1950،1938،1936 وعام1954 وبعد قيام ثورة 14 تموز 1958 استمرت المحاولات لانشاء مجلس دولة منها محاولة 1962 وعام 1963 وعام 1970. غير ان جميع هذه المحاولات باءت بالفشل الى ان اصدرت السلطة المحلية قانون المحاكم الادارية المعمول به حاليا والذي سنتطرق الى احكامه فيما يلي:
2ـ القانون رقم 140 لسنة 1977 (قانون المحاكم الادارية):
لقد أوردت السلطة السياسية آنذاك في إطار نتائج التوجهات الدولية السائدة وفي سياق التقديم لمسألة إصدار القانون المقصود القول بـ " ان القوانين هي الانعكاس للافكار والمصالح الاقتصادية السائدة في المجتمع... وقد صيغت القوانين [الموروثة] في ظل العهود الاستبدادية والرجعية الماضية وعبرت عن مصالح الطبقات المستغلة الحاكمة فيها وعن ايديولوجياتها الرجعية والمتخلفة". ومع الالتفات إلى لغة خطاب المرحلة المعنية وتبعيته للنظام السياسي وخطابه آنذاك بكل ما ينطوي عليه من ملاحظاتنا الفكرية والسياسية فإننا نلتزم هنا مسألة استعراض تجربة قانونية بمحدداتها الإجرائية وبما استوفته من التفاعل مع التجاريب القانونية في المصادر الأساس لها دوليا وإقليميا ومحليا.. وتتلخص تلك التجربة في صياغة ورقة الإصلاح من جهة استقراء محددة.. وبالعودة للفقرة المذكورة في اعلاه المقتبسة من التقرير السياسي للسلطة القائمة في حينها فإن الاقتباس يبين ما كان يفرضه الواقع على النظام من لزوم وضع قوانين جديدة تتفق والمرحلة التي كان يمر بها العراق في إطار التفاعلات المحلية والدولية، ولذلك فقد نوقشت ورقة عمل لاصلاح النظام القانوني ، ثم صدرت هذه الورقة بشكل قانون هو قانون اصلاح النظام القانوني رقم 25 لسنة1977.
لقد اشار هذا القانون الى ضرورة انشاء محاكم مختصة بالمنازعات الخاصة بقضايا الموظفين ومنازعات الوزارات او المؤسسات العامة أي بالمنازعات الادارية فقد ورد في الفصل الثالث من القسم الثاني منه مايلي:
" انشاء محاكم خاصة وهيئات تنظر في قضايا موظفي الدولة والقطاع العام والمنظمات المهنية وفي الفصل في المنازعات التي تكون الوزارات او المؤسسات العامة او القطاع العام طرفا فيها.
كما ورد في الصفحة 23 السند الاول من الفصل الاول من القانون انف الذكر مايلي:" وضع القواعد المنظمة لحل الخلافات التي يمكن ان تنشأ داخل الوحدات الاقتصادية او فيما بينها في ضوء مصلحة الاقتصاد الوطني".
هذه الاشارات وردت للتدليل على اهمية قيام قضاء خاص بالمنازعات الناشئة بين الوزارات ومؤسسات الدولة وما سميَّ في حينه القطاع الاشتراكي ، واستجابة لهذه الضرورة فقد انشئت المحاكم الادارية بالقانون رقم 140 لسنة 1977.
ان الاسباب الموجبة للقانون 140 لسنة 1977 ذكرت في تبرير إنشاء هذه المحاكم مايلي:" لهذا فقد بات من الضروري التوجه نحو خلق قضاء متخصص تعهد اليه مهمة البت في المنازعات ذات الطبيعة الخاصة وجعل الدعاوى المعروضة عليه من الدعاوى المستعجلة واختصار مراحل الطعن بقصرها على التمييز مهما كانت قيمة الدعوى دون التفريط باصل الحق".
ان دراسة القانون الجديد بامعان وتروي تؤدي الى استخلاص جملة ملاحظات مهمة من حيث كونه تجربة جديدة في العراق ومن حيث كونه قضاء للمنازعات بين مؤسسات الدولة و"القطاع الاشتراكي" غير ان الضرورة تقضي بعرض الاحكام التي وردت في هذا القانون قبل ايراد الملاحظات المنوه عنها:
1ـ لقد اطلق المشرع اسم المحاكم الادارية على المحاكم التي الفت في منطقة استئناف بغداد او التي ستؤلف في المناطق الاستئنافيه الاخرى ( الفقره الاولى والثانيه من الماده الاولى من القانون رقم 40 لسنة 1977 ) ويكون تأليف هذه المحاكم ببيان يصدره وزير العدل وينشر في الجريدة الرسمية متضمنأ تحديد الاختصاص المكاني ومركز انعقاد هذه المحاكم .
2-ان المحكمة الادارية تتألف من حاكم واحد من الصنف الاول او الثاني. يعين بأمر وزاري بناء على اقتراح من رئيس محكمة استئناف المنطقة (الفقرة الرابعة , المادة الاولى) .
3- تختص هذه المحاكم بالنظر في المنازعات التي تقع بين الوزارات ومؤسسات الدولة و"القطاع الاشتراكي" مهما كانت قيمة الدعوى .
ان القطاع الخاص يمكن ان يدخل مع احد اطراف الدعوى الادارية على ان ليس للافراد الحق في الالتجاء الى هذه المحاكم لعرض منازعاتهم مع السلطة الاداريه وبصورة مستقلة ( المادة الثانيه الفقرة أ ، ب من قانون المحاكم الادارية ) كما تختص المحاكم الادارية بالقضاء المستعجل والاوامر على العرائض والحجز الاحتياطي في كل ما له علاقة بالدعاوى التي تعتبر من اختصاصها ( الفقرة الثانية ، المادة الثانية ) علمأ ان الدعاوى الداخلة في اختصاص المحاكم الادارية تعد من الدعاوى المستعجله ( المادة السادسة) .
4-عالج القانون مسألة تنازع الاختصاص بين المحاكم الادارية والمحاكم الاخرى او بين المحاكم الادارية نفسها، في المادة الثالثة من القانون والتي عهدت الى الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق صلاحية الفصل في هذا النزاع، كما جعلت المادة الرابعة من القانون المذكور الاحكام الصادرة من المحاكم الادارية قابلة للطعن تمييزأ امام هيئة القضايا الاداريه التي انشأت في محكمة التمييز ومهما كانت قيمة الدعوى ، على ان يرفع الطعن في هذه الاحكام الى الهيئة المذكورة خلال مدة ثلاثون يومأ تبدأ من اليوم الثاني لتبليغ الحكم .
5ـ ان القانون لم يتعرض لموضوع الاجراءات امام هذه المحاكم بل ان المادة الخامسة منه قد أحالت، في هذه الفقرة الاولى منها الى قانون المرافعات المدنية وجعلت احكام هذا القانون تسري على المحاكم الادارية فيما لم يرد فيه نص في الدعاوى الواردة في هذا القانون( الفقرة الثانية من المادة الخامسة).
6ـ ان المادة السابعة من القانون رقم 140 لسنة 1977 منعت سريان هذا القانون بأثر رجعي اذ انه لايسري على الدعاوى المنظورة او المرفوعة امام محاكم مختصة بها قبل نفاذ هذا القانون ان المحاكم هذه ثبتت في الدعاوى نهائيا طالما انها رفعت قبل نفاذ القانون.
هذه هي اهم الاحكام التي اوردها المشرع في القانون رقم 140 لسنة 1977. ان احكام هذا القانون تثير ملاحظات كثيرة نوردها فيما يلي دون تمييز بين ما يختص منها بالشكل ام الموضوع .
1ـ ان اول مايلفت النظر هو تسمية هذه المحاكم بالمحاكم الادارية ان هذه التسمية هي ابعد ماتكون عن المسمى ذلك ان المعروف لدى الدول ذات انظمة القضاء المزدوج ان لتعبير المحاكم الادارية مفهوما خاصا يختلف عما قصد اليه القانون رقم 140 لسنة 1977. فالمحاكم الادارية حسب القانون الاخير هي التي تؤلف في منطقة استئناف بغداد او في المناطق الاستئنافية الاخرى للنظر في المنازعات التي تقع بين مؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي منازعات داخلية كما ورد في الاسباب الموجبة للقانون .
في حين يقصد بالمحاكم الادارية في فرنسا بمحاكم الدرجة الاولى في تدرج هيئات القضاء الاداري وهي تنظر في المنازعات الادارية كافة سواء قامت بين الهيئات الادارية ضد البعض الاخر او بينها وبين الافراد، فالمحاكم الادارية هي محاكم تختص في الدعاوى الادارية بدرجة اولى وتخص لاجراءات خاصة تختلف عن اجراءات الدعاوى المدنية الاعتيادية . كما ان احكامها تكون قابلة للطعن فيها استئنافا امام مجلس الدولة . مما تقدم يتضح ان تلك المحاكم الادارية بعيدة كل البعد عن التحديد الذي ذكرناه اعلاه لذا نعتقد انه كان يمكن ان يطلق عليها اسم " محاكم منازعات ما سُمِّي القطاع الاشتراكي" مثلا .
2ـ لقد ورد في الصفحة 64 من قانون اصلاح النظام القانوني ما يشير الى ضرورة قيام محاكم خاصة تتولى( الفصل في المنازعات التي تكون الوزارت او المؤسسات العامة طرفا فيها) في حين ان قانون المحاكم الادارية قصر اختصاص المحاكم على المنازعات التي تنشا بين مؤسسات الدولة " الدعاوى المدنية التي تقيمها الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي البعض منها على البعض الاخر.
ان النص الاول جاء مطلقا فهو ذكر المنازعات التي تكون الادارة طرفا فيها ، فيمكن اذن ان يكون الافراد الطرف الاخر، كما يمكن ان يكون الطرف شخصا اداريا اخر. غير ان القانون رقم 140 لسنة 1977 قصر الدعاوى على المنازعات التي تنشا بين مؤسسات الدولة وما سميّ القطاع الاشتراكي وبذلك منع الافراد من اللجوء مباشرة وبصورة مستقلة الى هذه المحاكم . ان الفقرة ب من المادة الثانية وان اجازت للقطاع الخاص الدخول مع احد اطراف الدعاوى الادارية الا اننا نعتقد انه كان الاجدر بالمشرع السماح لهذا القطاع باللجوء الى المحاكم الادارية مستقلا .
3ـ لقد رأينا ان القانون رقم 140 سنة 1977 قضى بتاليف محكمة ادارية في منطقة استئناف بغداد من حاكم واحد من الصنف الاول او الثاني( الفقرة الاولى ، المادة الاولى) . ان القانون ـ كما يلاحظ ـ لم ينشئ قضاء اداريا مختصا ومستقلا عن القضاء الاداري بدليل ان المحكمة الادارية تؤلف في منطقة بغداد من حاكم واحد يعين بأمر صادر عن وزير العدل بناء على اقتراح من محكمة الاستئناف وكذا الامر بالنسبة لانشاء المحاكم الادارية الاخرى اذ ان القانون ترك الامر لمحض تقدير الوزير ، لذلك كان الاجدر بالمشرع ـ كما يبدو لنا ـ الاستغناء عن اصدار هذا القانون وترك امر هذه المنازعات الى المحاكم العادية مادام الامر بالصورة التي بيناها .
4 ـ لم يشترط في قضاة هذه المحاكم شروطا خاصة تقتضيها طبيعة القضاء الاداري كالحصول على ماجستير في القانون العام مثلا ذلك ان ماورد في القانون هو اشتراط كون القاضي من حكام الصنف الاول او الثاني على الاقل( الفقرة الاولى ، المادة الاولى) وعليه فان قضاة هذه المحاكم هم مدنيون في الاصل كما يؤخذ على هذه المحاكم انها تؤلف من قاض واحد في حين ان المحاكم الادارية تتألف من هيئة، اننا نعتقد انه كان الاجدر ان تؤلف من رئيس وعضوين لضمان التوصل الى قرارات تتسم بالموضوعية والدقة والبعد عن الارتجال اذ ان هذا الاسلوب يؤدي الى منع الانفراد بالقرارات القضائية التي تحتاج الى التمحيص والبحث المستفيض .
5ـ ليس للافراد اللجوء الى هذه المحاكم بصورة مستقلة ومباشرة بل بشكل غير مباشرمع احد اطراف الدعوى الادارية اي ان الى جانب المؤسسات العامة والقطاع الاشتراكي فهم اذن ممنوعون من اقامة الدعاوى الادارية ضد الهيئات الادارية ومؤسسات القطاع الاشتراكي ( الفقرة الاولى من المادة الثانية من قانون المحاكم الادارية) وقد ايدت المحكمة الادارية في بغداد ذلك في قرار لها جاء فيه :
"لدى التدقيق والمداولة لاحظت المحكمة نص الفقرة الاولى ـ1ـ من المادة الثانية من قانون المحاكم الادارية رقم 140 لسنة 1977 فقد حددت اختصاص المحكمة الادارية بالدعاوى المدنية التي تقيمها الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي البعض منها على البعض الاخر مهما كانت قيمة هذه الدعاوى، من ذلك يتضح ان طرفي الدعوى ينبغي ان يكونا من القطاع الاشتراكي وحيث ان المدعى عليها من القطاع الخاص فعليه فان هذه المحكمة غير مختصة في النظر في هذه الدعوى فقرر الحكم برد دعوى المدعي العام لعدم اختصاص هذه المحكمة بالنظر فيها....."
اننا نعتقد ان هذه المحاكم تفقد جانبا مهما واساسيا من مهام القضاء الاداري الذي يعد ضمانة لحماية حقوق وحريات الافراد من قبل الهيئات الادارية.
6ـ لقد ورد في الفقرة الاولى (ا) من المادة الثانية من القانون رقم 140 لسنة 1977 ان المحاكم الادارية تختص بالنظر في الدعاوى المدنية التي تقيمها الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي البعض منها على البعض الاخر....، ثم اوردت الفقرة ذاتها في (ب) النص على امكانية دخول القطاع الخاص مع "احد اطراف الدعوى الادارية".
لقد كان الاوفق القول" احد اطراف الدعوى " او القول " الدعاوى التي تقيمها الوزارات...الخ" حفاظا على وحدة المصطلحات ذلك ان القانون ذكر الدعاوى المدنية ثم عاد لينص على الدعاوى الادارية.
7ـ اوردت الفقرة الثانية من المادة الثانية اختصاص المحكمة الادارية " بالقضاء المستعجل والاوامر على العرائض ( القضاء الولائي) بما فيه الحجز الاحتياطي في الدعاوى المختصة به واذا يجب الرجوع الى قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 للتعرف على احكام القضاء المستعجل والقضاء الولائي اذ ان قانون المحاكم الادارية ام يفصل هذه الاحكام.
8ـ جعل القانون قرارات هذه المحاكم قابلة للطعن فيها امام محكمة التمييز خلال مدة ثلاثين يوما تبدا من اليوم التالي لتبليغ الحكم. ان المقصود بمحكمة التمييز هي هيئة القضايا الادارية التي استحدثها قانون المحاكم الادارية وجعلها مختصة في نظر الطعون المتعلقةباحكام هذه المحاكم. ان اعطاء هذه الهيئة اختصاص النظر في المحاكم الادارية يؤدي الى التأخير في حسم القضايا المعروضة على هذه الاخيرة اذن ان الهيئة تعيد القضية الى المحكمة الادارية (محكمة الموضوع) دون ان تحسم النزاع وفي هذا تأخير لحسم الدعاوى وفي هذا ايضاا تعارض مع قصد المشرع من الاسراع في حسم منازعات القطاع الاشتراكي ومؤسسات الدولة.
ان محكمة التمييز تفصل ـ بهيئتها العامةـ في تنازع الاختصاص بين المحاكم الادارية فيما بينها وبين اي محكمة اخرى، فالنظام القانوني في هذه المحاكم كله مدني الطعن في الاحكام امام محكمة التمييز الفصل في تنازع الاختصاص امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ، الاجراءات امام المحاكم مدنية صرفة مصدرها قانون المرافعات المدنية. واذا علمنا ان المحكمة هي اعلى هيئة في القضاء العادي ظهر لنا جليا بعد هذه المحاكم الادارية عن كونها قضاءا مستقلا عن القضاء العادي وهذه الحقيقة تبدا بوضوح من مراجعةالمحاكم الادارية ـ على حداثة عهدهاـ حيث يظهر لنا ان هذه المحاكم تستند في احكامها على القوانين العادية التي تطبق من قبل المحاكم العادية.
9ـ لقد جاء في الفقرة الا ولى من المادة الخامسة من قانون المحاكم الادارية انه" يسري قانون المرافعات المدنية في مالم يرد به نص في هذا القانون،على المحاكم الادارية". ان القانون رقم 140 لسنة 1977 لم يورد الا النزر اليسير واليسير جدا من الاجراءات ( مثال ذلك الطعن في الاحكام امام هيئة القضايا الادارية في محكمة التمييز وخلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ في الحكم) وعليه فان الاصل في الاجراءات امام المحاكم الادارية هو مانص عليه قانون المرافعات المدنية، ان خضوع هذه المحاكم الى الاجراءات المدنية يتعارض تماما مع طبيعة القضاء الاداري الذي يقتضي السرعة في البت اضافة الى تعارضه مع قانون اصلاح النظام القانوني حيث نص هذا القانون بصريح العبارة على:" انشاء قضاء خاص او هيئات تحكيم للفصل في القضايا التي تنشا بين الوزارات او المؤسسات العامة... وفق قواعد خاصة تتسم بالتبسيط وسرعة البت ولاترتبط باجراءات المحاكم العادية". لقد اقتضى قانون اصلاح النظام القانوني خضوع منازعات هيئات الدولة الى قواعد خاصة في الاجراءات المدنية تتصف بالتبسيط وسرعة البت وتختلف عن الاجراءات الاعتيادية التي وردت في قانون المرافعات المدنية وتخضع لها المنازعات المعروضة على المحاكم العادية .
فاين سرعة البت ايضا واين القواعد الخاصة والقانون رقم 140 لسنة 1977 قد اخضع الدعاوى التي تنظرها المحاكم الادارية الى الاجراءات الواردة في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969.
10ـ ان اختصاص المحاكم الادارية بالنظر في الدعاوي التي تقع بين الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي ورد مطلقا (المادة الثانية، الفقرة الاولى) ومعنى هذا الدعاوى الخاصة بالاستملاك يمكن ان تدخل ضمن هذا الاختصاص اذا كان كل من المستملك والمستملك منه من الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي . غير انه يجب التذكير ان قانون الاستملاك رقم 45 لسنة 1970 المعدل نص صراحة على اختصاص محكمة البدء التي يقع العقار المستلك ضمن منطقتها بالنظر في قضايا الاستملاك(تقدير بدل الاستملاك وتحقق النفع العام) . ما حكم هذا التعارض بين القوانين ؟
يبدو لنا ان الاختصاص في قضايا الاستملاك يبقى لمحاكم البداءة نظرا الى ان هذه القضايا تتعلق بتحقق النفع العام وبتقدير بدل الاستملاك وهي في جوهرها اجراءات ، كما ان الاستملاك بوجه عام يقع من قبل جهة ادارية دائمة ، ثم ان قانون الاستملاك قانون خاص يتعلق فقط بموضوع الاستملاك ولذا فانه لايعدل بقانون المحاكم الادارية الذي هو قانون عام للمنازعات التي يقع بين مؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي.
لقد اصدر مجلس قيادة الثورة رقم 10405 واعتبر فيه القرارات الصادرة في المحكمة الادارية بخصوص بعض دعاوى الاستملاك التي ورد فيها جدول ملحق بالقرار انف الذكرـ نهائية وقطعيةـ كما تعبر الاجراءات الخاصة بتقدير بدل الاستملاك وبتحقيق النفع العام الصادرة عن المحكمة الادارية نهائية وقطعية ايضا وصدرجدول بالعقارات المشمولة بذلك ، هذا ويمكن ايراد بعض الملاحظات على هذا القرار.
أـ لقد تضمن القرار حكمين بذات الوقت اولهما اختصاص المحاكم الادارية في حسم دعاوى الاستملاك الواقعة بين الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي . وثانيهما ان قرارات واجراءات هذه المحاكم وفي هذا المجال قطعية وباتة . ان في هذا رد حاسم على موقف محكمة التمييز من اختصاص المحاكم الادارية في نظر دعاوى الاستملاك القائمة بين الوزارات ومؤسسات الدولة والقطاع الاشتراكي.
ب ـ لقد قرر اختصاص المحاكم الادارية بالنظر في دعاوى الاستملاك التي وردت في الجدولين العمل بالقرار الانف الذكر دون غيرها من الدعاوى الخاصة الاخرى والتي قد تقع مستقبلا . فالقرار لا يسري على غير الدعاوىالتي وردت فيه حصرا .
ج ـ انه اعتبر القرارات الصادرة من المحكمة الادارية في بعض دعاوى الاستملاك نهائية وقطعية بل لقد ذهب ابعد من ذلك اذ عد حتى الاجراءات السابقة لصدورها قرار المحكمة نهائية وقطعية ، اي غير قابلة للتمييز . ان في هذا المقف تمييز بيت الدعاوى الخاصة بالاستملاك والدعاوى الاخرى التي تخضع للطعن تمييزا خلال ثلاثين يوما .
الفصل الرابع
مجلس شورى الدولة وميلاد القضاء الاداري في العراق
استبشر رجال القانون وعلى الاخص منهم المعنيون بدراسات القانون الاداري والرقابة القضائية على اعمال الادارة ، بصدور القانون رقم 106 لسنة 1981، قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الولة رقم 65 لسنة 1979، والذي انشا لاول مرة في العراق قضاء اداريا مستقلا الى جانب القضاء العادي ينبثق عن مجلس شورى الدولة، ويتمثل كخطوة في مجلس الانضباط ومحكمة القضاء الاداري .
ومن المعروف ان الدول التي تنشا قضاء إداريا مختصا ومستقلا عن القضاء العادي تجعل هذا القضاء جزءا من مؤسسة يطلق عليها مجلس الدولة، كما في فرنسا ومصر ودول أخرى كثيرة او مجلس شورى الدولة في بعض الدول، وتتولى المؤسسات بالاضافة الى وظيفة القضاء الاداري من خلال محاكم متخصصة تابعة لها ، وظيفة استشارية للحكومة فتعمل كمستشار لها في مجال الصياغة التشريعية لمشروعات القوانين والانظمة في مجال تقديم الفتاوى القانونية او الاستشارات القانونية .
إن مجلس شورى الدولة العراقي الذي انشا بالقانون رقم 65 لسنة 1979 ليحل محل ديوان التدوين القانوني الذي كان قد انشا بالقانون رقم 49 لسنة 1933 كان كسلفه يمارس دورا استشاريا في مجال التقنين وتقديم الرأي والمشورة القانونية . ولكنه اصبح بهذا التعديل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 يمارس مهمة القضاء الاداري إلى جانب دوره الاستشاري كذلك. وبذلك اصبح يماثل بصورة عامة ـ مع اختلاف في التفاصيل ـ نظرائه مجالس الدولة او مجالس شورى الدولة في الدول الاخرى ، وعلى ذلك اصبح التنظيم القضائي في العراق قائما على فكرة القضاء المزدوج بعد ان كان قائما على فكرة القضاء الموحد.
إن التعديل الذي أضاف الى اختصاصات مجلس شورى الدولة اختصاص القضاء الاداري ، تناول بالتعديل أيضا تكوين المجلس والية قيامه باختصاصاته الاستشارية بالاضافة الى ترصين استقلاله لضمان قيامه باختصاصاته المهمة بشكل موضوعي مجرد عن عوامل التدخل في شوؤنه والتأثير على اتجاهاته . وليكون مؤهلا بالتالي للقيام بكل اختصاصاته على نحو من التكامل والتنسيق.
واذا كان الهدف الاساس من هذا البحث هو ابراز الدور القضائي لمجلس شورى الدولة وتقييمه ، فان ذلك يتطلب بالضرورة إلقاء الضوء على تكوين المجلس وبيان اختصاصاته الا خرى.
لذلك سنتناول في بحثنا هذا الموضوعات الاتية في كل مبحث مستقل:
المبحث الاول: تكوين المجلس.
المبحث الثاني: اختصاصات المجلس الاستشارية.
المبحث الثالث:اختصاصات المجلس القضائية.
المبحث الاول
تنظيم وتكوين المجلس وهيئاته المختلفة
نصت المادة الاولى المعدلة من القانون على مايلي ( يؤسس مجلس يسمى مجلس شورى الدولة يرتبط إداريا بوزارة العدل يكون مقره بغداد ويتالف من رئيس ونائبين للرئيس وعددا من المستشارين لايقل عن اثني عشر، ومن عدد من المستشارين المساعدين لا يزيد على نصف عدد المستشارين ) .
يشترط في تعيين الرئيس ونائب الرئيس والمستشار المساعد توافر الشروط العامة الواجب توافرها للتعيين في الوظيفة العامة بالاضافة الى شروط خاصة بكل من رئيس المجلس ونائب الرئيس والمستشار والمستشار المساعد يعين كل منهم بمرسوم جمهوري.
ولوزير العدل انتداب قضاة الصنف الاول والمديرين العامين في دوائر واجهزة الوزارة والمفتشين العدليين ورئيس الادعاء العام والمدعين العامين في المجلس كمستشارين حسب الشروط المنصوص عليها في القانون لمدة سنتين قابلة للتجديد لمر واحدة فقط .
كما يجوزانتداب المديرين العامين في دوائر الدولة ممن لهم خبرة في ؟ القانونية والادارية او الاقتصادية وتتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون المعدل كمستشارين لمدة سنتين قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط . وذلك بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة الوزير المختص.
ولوزير العدل بموافقة وزير التعليم العالي الاستعانة بخبرة عضو الهيئة التدريسية في الجامعات العراقية للمشاركة في بعض اعمال المجلس ذات الصلة باختصاصاته.
كما يجوز انتداب عضو الهيئة التدريسية في كلية القانون ممن تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون للعمل كمستشارين لمدة سنتين قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط وذلك بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة وزيرالتعليم العالي.
وقد وضع القانون قيدا لعدد المنتدبين في المجلس بان لايتجاوز عددهم ثلث عدد المستشارين.
وفي معرض توفير بعض الضمانات لاعضاء المجلس، نص القانون على عدم جواز توقيف الرئيس والمستشار المنتدب والمستشار المساعد او اتخاذ الاجراءات الجزائية ضدهم في حالة ارتكابهم جناية مشهودة الا بعد استحصال إذن وزير العدل.
كما لايجوز إحالة الرئيس ونائب الرئيس او المستشارا لمساعد على التقاعد قبل إكماله الثالثة والستين من العمر.
ونصت الفقرة الاولى من المادة الثانية المعدلة على ان ( يتكون المجلس من الهيئة العامة وهيئة الرئاسة والهيئة الموسعة ومجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الاداري وعدد من الهيئات المتخصصة حسب الحاجة ) .
ونبين فيما يأتي تفاصيل تكوين المجلس من الرئيس وهذه الهيئات واختصاصاتها بصورة عامة:
1ـ رئيس المجلس: يعين بمرسوم جمهوري مباشرة وهذا يعني أن تعيينه لايتوقف على ترشيح اواقتراح من وزير العدل . وذلك فيما يبدو لضمان الاستقلالية وابعادا لاي تاثير محتمل عليه من اي جهة كانت .
ويمارس رئيس المجلس اختصاصات كثيرة أهمها الاختصاصات المتعلقة بالاشراف والرقابة والتنسيق بين اعمال المجلس المختلفة . واهم هذه لاختصاصات:
ـ يترأس الهيئة العامة وهيئة الرئاسة وله ان يترأس الهيئة الموسعة ومجلس الانضباط العام.
ـ يعين الهيئتين المتخصصين اللتين تتكون منهما الهيئة الموسعة.
ـ يحيل الرئيس مشروعات التشريعات والقضايا المعروضة على المجلس الى الهيئات المتخصصة لدراستها وابداء الرأي فيها .
ـ يصادق على ماتنجزه الهيئة المتخصصة باستثناء مشروعات القوانين . واذا كان له راي يخالف الهيئة فيعيده إليها وعندئذ تعقد اجتماعها برئاسته فاذا صدر قرارها بالاتفاق يصبح نهائيا ، والا فللرئيس إحالة القضية على الهيئة العامة او الموسعة المؤلفة من الهيئة المختصة ذات العلاقة وهيئة متخصصة أخرى يعينها الرئيس ، وتنعقد الهيئتان برئاسته ويصدر القرار النهائي بالاتفاق او بالاكثرية واذا تساوت الاصوات فيرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس .
ـ إحالة ماتنجزه إحدى الهيئات من مشروعات القوانين على الهيئة العامة لمناقشة المبادئ التي تضمنها مشروع القانون.
ـ له إحالة على القضية على الهيئة العامة اذا اقرت إحدى الهيئات مبدأ جديدا أو اذا كان للمجلس رأي سابق يخالف الرأي الجديد ، او إذا أوصت الهيئة المكلفة بذلك أو إذا رأى هو إن القضية ذات أهمية أو تشكل مبدأ مهما.
ـ اختيار ثلاثة من بين أعضاء المجلس كاعضاء في الهيئة المتخصصة بالنظر التنازع في الاختصاص بين محكمة القضاء الاداري ومحكمة مدنية.
2ـ الهيئة العامة: تتألف الهيئة العامة من الرئيس ونائبيه والمستشارين وتنعقد برئاسة الرئيس وعند غيابه برئاسة أقدم نائبيه. ويحضر المستشارون المساعدون الهيئة العامة ويشتركون في النقاش د ون حق التصويت وقد اغفل القانون بيان العدد المطلوب حضوره لاكتمال النصاب لانعقاد الهيئة لعامة . لذلك وبحسب القواعد العامة يجب حضور نصف المستشارين زائدا واحدا لصحة الانعقاد وتتخذ الهيئة العامة قراراتها بأغلبية عدد الاعضاءالحضرين وإذا تساوت الاصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس.
وتتلخص اختصاصات الهيئة العامة كأعلى هيئة في المجلس بالعمل على توحيد المبادئ والاحكام واستقرارها فيما يختص بالمجلس في مجال التقنين وابداء الرأي في الامور القانونية ، ومجال القضاء الاداري وذلك من خلال مراجعتها النهائية لمشروعات القوانين التي تنجزها الهيئات المتخصص، ومن خلال نظرها فيما يحيل إليها الرئيس من القضايا التي تنجزها هذه الهيئات اذا كانت تضمن مبدا جديدا أو تتضمن مبدا يخالف قيامها بدور محكمة التمييزبالنسبة لما تصدره محكمة لقضاء الاداري من احكام بالنسبة لبعض ما يصدره مجلس الانضباط العام من احكام .
3ـ هيئة الرئاسة: تتألف هيئة الرئاسة ، وهي هيئة استحدثها التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة من الرئيس ونائبيه ورؤساء الهيئات المتخصصة ، وتختص بما يلي:
ـ إن تقدم إلى ديوان الرئاسة كل ستة اشهر وكلما رأت تقريرا متضمنا ما أظهرته الاحكام او البحوث عن نقص في التشريع القائم او غموض فيه او حالات إساءة استعمال السلطة من أية جهة من جهات الادارة او مجاوزة تلك الجهات لسلطاتها .
ـ تقديم التوصية بترقية المستشار المساعد الى مستشاراذا استوفى الشروط المنصوص عليها في المادة 20 والمادة 23 المعدلة من القانون ، الى وزير العدل للموافقة عليها لاستصدار المرسوم الجمهوري بذلك. ويجوز لهيئة الرئاسة رفع توصياتها الى ديوان الرئاسة لاستصدار المرسوم الجمهوري بذلك.
ـ الاقتراح بتشكيل محاكم اخرى للقضاء الاداري في مراكز المناطق لاستثنائية.
4ـ الهيئة المتخصصة : وتتألف كل هيئة متخصصة من رئيس بعنوان مستشار وعدد من المستشارين والمستشارين المساعدين شرط ان لاتزيد نسبتهم على ثلث عدد المستشارين وللهيئة المتخصصة سكرتير ذو شهادة جامعية أولية في القانون يرتبط برئيس الهيئة ولم يحدد القانون عدد الهيئات المتخصصة وترك ذلك لمقتضيات الحاجة إليها . ويتمثل اختصاص الهيئة بالنظر فيما يحيله اليها رئيس المجلس من مشروعات التشريعات والقضايا المعروضة على المجلس لدراستها وابداء الرأي فيها. وهذا يعني ان الهيئة المتخصصة هي الوحدة الاساسية الاولى والتي يمارس المجلس من خلالها ابتداء دوره الاستشاري في مجال التقنين ومجال الرأي والمشورة القانونية . ويكون ما تنجزه الهيئة في مجال التقنين خاضعا للمراجعة النهائية من قبل الهيئة العامة . إما فيما يتعلق بما تنجزه الهيئة في مجال الرأي والمشورة القانونية فيكون خاضعا لمصادقة رئيس المجلس او الهيئة العامة إذا وجد الرئيس مايدعو الى ذلك بحسب الاحوال التي نصت عليها المادة (17 ثانيا ) . وأن للرئيس ان يعترض على الهيئة المتخصصة ويحيله الى الهيئة الموسعة.
5ـ الهيئة الموسعة:الهيئة الموسعة هي هيئة مؤقتة تتكون كلما اقتضت الحاجة ذلك. وتتألف عندئذ من هيئتين متخصصتين يعينها الرئيس وتنعقد برئاسة أحد نائبيه ويحضر اجتماعاتها المستشارون المساعدون ويشتركون في النقاش دون حق التصويت. وقد استحدثت هذه الهيئة بالتعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة وقد أشار قانون التعديل الى حالات تشكيل هذه الهيئة ، وتظهر هذه الحالات عندا تحيل الهيئة المتخصصة ما تنجزه ـ باستثناء مشروعات القوانين ـ الى رئيس المجلس فأما ان يوافق عليه فيصبح نهائيا ، وأما أن يرى فيه رأيا مخالفا فيعيده الى الهيئة المتخصصة وعندئذ تجتمع برئاسته لبحث الموضوع فاذا صدر قرارها بالاتفاق يصبح نهائيا. ولكن قد يحدث أن لايتم الاتفاق على راي موحد، وفي هذه الحالة امام الرئيس خياران، إما أن يحيل الموضوع إلى الهيئةالعامة أو إلى أي هيئة تشكل من الهيئة المتخصصة ذات العلاقة وهيئة متخصصة أخرى يعينها الرئيس من بين الهيئات الاخرى ، وهذه هي الهيئة الموسعة التي نص عليها القانون والتي تتشكل في مثل هذه الحالات لبحث الموضوع الذي كان بشانه خلاف بين الرئيس والهيئة المتخصصة ، وتنعقد الهيئة الموسعة برئاسة الرئيس أوأحد نائبيه وتصدر قرارا نهائيا بالاتفاق أوالاكثرية . إما إذا تساوت الاصوات فيرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس.
6ـ مجلس الانضباط العام : نص قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة على أن الانضباط العام يتكون من رئيس مجلس شورى الدولة رئيسا له . وأعضاء مجلس الشورى أعضاء طبيعيين فيه. وينعقد مجلس الانضباط العام لممارسة اختصاصاته برئاسة الرئيس وعضوين من أعضاء مجلس شورى الدولة. وللرئيس أن ينيب عنه أحد نوابه أو أحد أعضاء المجلس. ويجوز انتداب القضاة من الصنف الاول أو الثاني لعضوية مجلس الانضباط العام من غير المنتدبين لعضوية مجلس شورى الدولة.
والاصل التاريخي لمجلس الانضباط العام يعود الى ما نص عليه قانون انضباط موظفي الدولة رقم 41 لسنة 1929 من ان تأليف المجلس يكون بقرار من مجلس الوزراء من رئيس وأربعة أعضاء ينتخبون من رؤساء الدوائر للنظر في الاعتراضات المرفوعة ضد القرارات الصادرة من اللجان الانضباطية. ولما صدر قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1933 نص على أن يتولى ديوان التدوين القانوني وظيفة مجلس الانضباط العام المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة رقم 41 لسنة 1929 ويكون رئيس الديوان رئيسا للمجلس بحكم وظيفته والمدونون القانونيون أعضاء طبيعيون فيه ، على أن يضاف إليه عضوان اخران من رؤساء الدوائر بقرار من مجلس الوزراء . وينعقد مجلس الانضباط من الرئيس وأربعة أعضاء على ان يكون إثنان منهم من الاعضاء المضافين.. وعندما صدر قانون انضباط موظفي الدولة الحالي رقم 69 لسنة 1936 والذي حل محل رقم 41 لسنة 1929 تناول بالتفصيل اختصاصات مجلس الانضباط العام الانضباطية . ولكنه فيما يتعلق بتشكيله احال إلى ما نص عليه قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1936 وبموجب القانون رقم 12 لسنة 1942 قانون تعديل قانون ديوان التدوين القانوني والذي تناول بالتعديل المادة السادسة من قانون الديوان ، المادة الخاصة بتشكيل مجلس الانضباط العام، أصبح انعقاد المجلس من رئيس الديوان وعضوين ويجوز تعيين واحد أو اكثر من رؤساء الدوائر بقرار من مجلس الوزراء كأعضاء إضافيين ليحلوا محل الاعضاء الاصليين عند غيابهم أو وجود معذرة لهم . وعندما صدر قانون مجلس شورى الدولة الحالي رقم 65 لسنة 1979 ليحل محل ديوان التدوين القانوني نصت المادة 32 منه" يلغى قانون ديوان التدوين القانوني رقم49 لسنة 1933عدا المادة السادسة منه" والمادة السادسة هي المتعلقة بتشكيل مجلس الانضباط العام . وهذا يعني أن القانون أبقى على نفس التشكيل السابق لمجلس الانضباط العام.
ثم صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1717 في 21/12/1981 ليجعل من مجلس الانضباط العام هيئة مستقلة تماما عن مجلس شورى الدولة . فقد نص هذا القرار على تطوير المجلس من رئيس وعضوين يسميهم وزيرالعدل ، على أن يكون الرئيس من بين قضاة محكمة التمييز او من المستشارين في مجلس شورى الدولة أو من قضاة الصنف الاول . وان يكون العضوان من قضاة الصنف الثاني في الاقل والمشرفين العدليين والمستشارين المساعدين والمديرين العامين في وزارة العدل . ويجوز تسمية رئيس وعضو احتياط أو اكثر ليحل محل من يغيب منهم . كما نص القرار على حذف الاشارة الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة والخاصة بتاليف مجلس الانضباط وفق قانون ديوان التدوين القانوني رقم 49 لسنة 1932. كما نص على حذف عبارة( عدا المادة السادسة) الواردة في المادة 32 من قانون مجلس شورى الدولة والتي اوردنا نصها قبل قليل.
وبصدور قانون التعديل الثاني لقانون مجلس الانضباط العام الى مجلس شورى الدولة وليصبح هيئة من هيئات وليمارس جانبا من اختصاص مجلس الشورى في مجال القضاء الاداري أما اختصاصاته التي يمارسها فهي المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة وقانون الخدمة المدنية والتي سنستعرض تفاصيلها فيما بعد . وتكون قراراته بشأن الدعاوى المرفوعة أمامه المتعلقة بحقوق الخدمة قابلة للطعن فيها تمييز امام الهيئة العامة.
7ـ محكمة القضاء الاداري: محكمة القضاء الاداري هي الاستحداث الهام الذي أحدثه قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة في المجلس . اذ نص على أن تشكل محكمة تسمى ( محكمة القضاء الاداري) في مجلس شورى الدولة . تتألف برئاسة قاضي من الصنف الاول أو مستشار في مجلس الشورى وعضوين من القضاة لا ؟ صنفهما من الصنف الثاني من صنوف القضاة أو من المستشارين المساعدين في مجلس شورى الدولة . ويجوز انتداب القضاة من الصنف الاول او الثاني إلى محكمة القضاء الاداري من غير المنتدين لعضوية مجلس شورى الدولة . وتمارس المحكمة مهمة القضاء الاداري إلغاءا وتعويضا بالنسبة للقرارات والاوامر التي تدخل في اختصاصاتها على التفصيل الذي سنتعرض له فيما بعد والتي يطعن فيها أمامها إذا كانت مخالفة للقانون . وقد اشترط القانون قبل تقديم الطعن الى المحكمة ان يتظلم صاحب الطعن لدى الجهة الادارية المختصة ، ويكون قرار المحكمة في الطعن قابلا للطعن به تمييزا لدى الهيئة العمة لمجلس شورى الدولة.
ان محكمة القضاء الاداري أصبحت الهيئة القضائية الثانية إلى جانب مجلس الانضباط العام واللتان يمارس مجلس شورى الدولة من خلالهما اختصاصاته في مجال القضاء الاداري.
8ـ هيئة التنازع: عندما تنشأ الدولة قضاء إداريا مستقلا عن القضاء العادي، يصبح من الضرري أن تنشأ إلى جانبهما هيئة قضائية عليا، تختص بحسم اشكالات التنازع المحتملة بين الجهتين القضائيتين، جهة القضاء العادي وجهة القضاء الاداري، لذلك فقد نص قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة الذي حث القضاء الاداري على إحداث هذه الهيئةالقضائية فنص على انه إذا تنازع الاختصاص في محكمة القضاء الاداري ومحكمة مدنية فيعين الجهة المختصة هيئة قوامها ستة أعضاء ثلاثة يختارهم رئيس محكمة التمييز من بين أعضاء المجلس ، وتجتمع الهيئة برئاسة رئيس محكمة التمييز وقرارها الصادر بالاتفاق او الاكثرية يعتبر باتا وملزما .
9ـ سكرتير عام المجلس: نص القانون على تعيين سكرتير عام للمجلس حاصل على شهادة جامعية لاتقل عن بكالوريوس في القانون يرتبط برئيس المجلس يعاونه عدد من الموظفين ويمارس الوظائف التالية:
ـ تنظيم مراسلات المجلس.
ـ الاشراف على الامور الادارية والمالية للمجلس.
ـ الاشراف على تنظيم وتبويب قرارات المجلس.
ـ تهيئة أوليات القضايا المعروضة على الهيئة العامة ويكون سكرتيرا لها.
المبحث الثاني
إختصاصات المجلس الإستشارية
منذ انشاء مجلس شورى الدولة بالقانون رقم 65 لسنة 1979 وهو يمارس دوره كمستشار للدولة في مجال التقنين وابداء الراي او الاستشارة القانونية . ودوره هذا هو امتداد للدور الذي كان يمارسه سلفه ديوان التدوين القانوني منذ انشائه بالقانون رقم 45 سنة 1933. وهو بذلك يشابه بصورة عامة المجالس المماثلة في الدول الاخرى كمجلس الدولة الفرنسي ومجلس الدولة المصري.... الخ. وان كان هناك من خلاف بينها في التفاصيل.
ونبين فيما ياتي تفاصيل دور المجلس الاستشاري في مجال التقنين ثم في مجال الاستشارة القانونية.
اولا: دور المجلس في مجال التقنين:
من الاهمية بمكان ان يناط امر اعداد مشروعات القوانين والانظمة او مراجعة مشروعات القوانين والانظمة المعدة من وزارات الدولة وهيئاتها المختلفة بجهة تتكون من الخبرة العلمية والفنية ، بحيث يكون لها وهي تعمل في هذا المجال باستقلال وموضوعية تحقيق التنسيق والترابط ووحدة الصياغة القانونية ، بين مختلف القوانين والانظمة ، ذلك لان أي واحد منها ان هو الا لبنة الصرح القانوني ، وبالتالي فلابد ان تكون هذه اللبنة موضوعة في مكانها الصحيح بانسجام وتنسيق وتكامل في هذا البناء الكبير.
وقد عبرت المادة الخامسة المعدلة من القانون عن هذا الدور لمجلس شورى الدولة على النحو الاتي:
يمارس المجلس في مجال التقنين:
اولا : اعداد وصياغة مشروعات التشريعات المتعلقة بالوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة بطلب من الوزير المختص او الرئيس الاعلى للجهة غير المرتبطة بوزارة بعد ان يرفق بها ما يتضمن اسس التشريع المطلوب مع جميع اولياته واراء الوزارات اوالجهات ذات العلاقة.
ثانيا : تدقيق جميع مشروعات التشريعات المعدة من الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة، من حيث الشكل والموضع على النحو الاتي:
اـ تلتزم الوزارة المختصة او الجهة غير المرتبطة بوزارة بارسال مشروع التشريع الى الوزارة او الوزارات او الجهات ذات العلاقة لبيان رأيها فيه قبل عرضها على المجلس .
ب ـ يرسل مشروع التشريع الى المجلس بكتاب موقع من الوزير المختص او الرئيس الاعلى للجهة غير المرتبطة بوزارة مع اسبابه الموجبة واراء الوزارات اوالجهات ذات العلاقة مشفوعا بجميع الاعمال التحضيرية ، ولايجوز رفعه الى ديوان الرئاسة مباشرة الا في الاحوال التي ينسبها الديوان.
ج ـ يتولى المجلس دراسة الموضوع وإعادة صياغته عند الاقتضاء واقتراح البدائل التي يراها ضرورية وابداء الرأي فيه ورفعه مع توصيات المجلس الى الوزارة او الجهة ذات العلاقة .
ثالثا: الاسهام في ضمان وحدة التشريع وتوحيد اسس الصياغة التشريعية وتوحيد المصطلحات والتعابير القانونية.
رابعا: تقدم هيئة الرئاسة في المجلس كل ستة اشهر وكلما رأت ذلك الى ديوان الرئاسة تقريرا متضمنا ما أظهرته الاحكام او البحوث من نقص في التشريع القائم او غموض فيه او حالات اساءة استعمال السلطة من اية جهة من جهات الادارة او مجاوزة تلك الجهات لسلطاتها .
كما بين القانون في مواد اخرى ميكانيكية او الية دراسة مجلس شورى الدولة لمشروعات التشريعات المحالة اليه والانتهاء بشأنها الى رأي ، وتتلخص اهم خطواتها في ان رئيس المجلس يحيل المشروع المرسل من الوزارات او الجهات الاخرى الى إحدى الهيئات المتخصصة او الى هيئى خاصة تؤلف بموافقة وزير العدل وعندما تفرغ من مهمتها وفق اجراءات بينها القانون، تحيل ما تنجزه الى رئيس المجلس ويحيل رئيس المجلس ما تم انجازه على النحو السابق من مشروعات القوانين الى الهيئة العامة لمناقشة المبادئ التي تضمنها مشروع القانون، بحضور ممثل الجهة او الجهات ذات الشأن عند الاقتضاء. وتتخذ الهيئة العامة قراراتها بأغلبية عدد الاعضاء الحاضرين، فاذا تساوت الاصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس. ويكون قرار الهيئة العامة خاضعا للاعتراض من قبل وزير العدل. وكانت المادة(18) من القانون:
" للوزير ان يطلب من الهيئة العامة اعادة النظر في قرارها مع بيان الاسباب الموجبةلذلك ، وله في هذه الحالةان يراس الهيئة العامة ، ويتخذ القرار باغلبية عدد أعضاء الهيئة العامة ويصبح قرارا نهائيا" .
ان نص المادة(18) المشار اليها، الغي بالقانون رقم (17) لسنة 1988 قانون التعديل الاول لقانون مجلس شورى الدولة وحل محله النص الاتي:
اـ" للوزير ان يطلب من الهيئة العامة إعادة النظر في قرارها مع بيان الاسباب الموجبة لذلك، ويتخذ القرار بأغلبية عدد أعضاء الهيئة ويصبح قرارها نهائيا.
ب ـ يكون قرار الهيئة العامة باتا اذا لم يرد اعتراض عليه من الوزير خلال ثلاثين يوما من تناريخ وصول القرار الى مكتبه".
وواضح من هذا التعديل، ان المشرع اراد ان يبعد أي تأثير محتمل على ما تتخذه الهيئة العامة من قرارات، فاستبعد حضور وزير العدل اجتماع الهيئة العامة وترؤسه لهذا الاجتماع عندما تبحث اعتراضه على قرارها الاول. كما انه من ناحية أخرى وضع بهذا التعديل سقفا زمنيا لاعتراض الوزير على قرار الهيئة والا يصبح باتا بانتهاء المدة المقررة.
ثانيا: دور المجلس في مجال الرأي والمشورة القانونية:
المادة السادسة المعدلة من القانون على الاختصاصات التي يمارسها المجلس في هذا المجال على النحو الاتي:
اولا: ابداء المشورة القانونية في المسائل التي تعرضها الجهات العليا.
ثانيا: ابداء المشورة القانونية في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل عقدها اوالانضمام اليها.
ثالثا: ابداء الرأي في المسائل المختلف فيها بين الوزارات او بينها وبين الجهات غير المرتبطة بوزارة اذا احتكم اطراف القضية الى المجلس كون رأي المجلس ملزما بها.
رابعا: ابداء الرأي في المسائل القانونية اذا حصل تردد لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة على ان تشفع لدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة برأي الدائرة القانونية فيها مع تحديد النقاط المطلوب ابداء الرأي بشأنها والاسباب التي دعت الى عرضها على المجلس ويكون رأيه ملزما للوزارة او الجهة طالبة الرأي.
خامسا: توضيح الاحكام القانونيةعند الاستيضاح عنها من قبل احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة.
سادسا: لايجوز لغير الوزير المختص او الرئيس الاعلى للجهة غير المرتبطة بوزارة عرض القضايا على المجلس.
ونصت المادة الثامنة من القانون على ان يمتنع المجلس من ابداء الرأي والمشورة القانونية في القضايا المعروضة على القضاء وفي القرارات التي لها؟ قانوني للطعن.
كما نصت المادة العاشرة على ان لوزير العدل تكليف عضو تمثيل الوزارة او المجلس في اللجان خارج الوزارة.
كما يبين القرار في مواد أخرى ميكانيكية او الية دراسة مجلس الدولة من خلال هيئاته للقضايا التي طلب راي المجلس او مشورة المجلس القانونية بشأنها. وتتلخص اهم خطوات هذه الالية في ان رئيس المجلس يحيل الى احدى الهيأت المتخصصة او الى هيئة خاصة تؤلف بموافقة وزير العدل وابداء الرأي فيها. وعندما تفرغ من مهمتها يحال ما تنجزه الى رئيس المجلس وعند موافقته عليه يصبح نهائيا. اما اذا كان للرئيس رأي اخر يخالف رأي الهيئة فيعيده اليها ، وعندئذ تعقد اجتماعا برئاسته ، فاذا صدر قرارها بالاتفاق يصبح نهائيا . والافللرئيس احالة القضية على الهيئة العامة والموسعة المؤلفة من الهيئة المتخصصة ذات العلاقة وهيئة متخصصة اخرى يعينها الرئيس ، وتنعقد الهيئات برئاسته ويصدر القرار النهائي بالاتفاق او الاكثرية . واذا تساوت الاصوات فيرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس. وهكذا يتبنى المجلس الرأي النهائي بشأن القضية التي طلبت رأيه القانوني بشأنها.
غير ان رئيس المجلس قد لايحيل القضية الى الهيئة الموسعة وانما يحيلها الى الهيئة العامة في الاحوال الاتية:
اـ اذا قررت احدى الهيأت مبدأ الرأي الجديد.
بـ اذا كان للمجلس رأي سابق يخالف الرأي الجديد.
جـ اذا أوصت الهيئة المكلفة بدراسة القضية بذلك.
دـ اذا رأى المجلس ان القضية ذات اهمية او تشكل مبدأ مهما.
وتتخذ الهيئة العامة قراراتها باغلبية عدد الاعضاء الحاضرين واذا تساوت الاصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس، ويكون قرار الهيئة العامة قابلا للاعتراض فيه من قبل الوزير على النحو الذي بيناه فيما يتعلق باختصاص المجلس في مجال التقنين.
نستطيع ان نلاحظ مدى التطور التشريعي الذي تحقق في مجال ابداء الرأي والمشورة القانونية الذي يمارسه المجلس بالمقارنة بما كان ينص عليه؟
من حيث الاقدام عليها مع الالتزام بالرأي الاستشاري من قبل الجهة المستشيرة . الى جانب تنظيمه بالنسبة لموضوعات اخرى للاستشارة الالزامية من حيث الاقدام عليها مع حرية الجهة المستشيرة في الالتزام بالرأي الاستشاري من عدمه .
هذا الى ان التطور شمل ايضا اجراءات اعداد الرأي الاستشاري وصلاحية وزير العدل اليه . فقد كان قانون الديوان ينص على ان تعرض الاراء والايضاحات والبيانات القانونية على وزير العدل وعند موافقته عليها يصبح العمل بموجبها في دوائر الحكومة صحيحا. اما القانون الحالي فلا يلزم بأخذ موافقة وزير العدل على ما يعده المجلس من اراء واستشارات وما له ان يعترض خلال فترة محددة على قرارات الهيئة العامة فقط على النحو الذي بيناه.
المبحث الثالث
اختصاصات المجلس القضائية
يمارس مجلس شورى الدولة اختصاصاته القضائية باعتباره قضاء اداريا من خلال هيئتين قضائيتين ، مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الاداري . وقد سبق ان بينا تفاصيل تكوين مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الاداري ، في المبحث الاول عندما تكلمنا عن تكوين المجلس وهيئاته ، وبقى ان نتكلم عن الاختصاصات القضائية لكل منهما.
اولا: الاختصاصات القضائية لمجلس الانضباط العام:
نصت المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدلة بقانون التعديل الثاني، على ان مجلس شورى الدولة يمارس في مجال القضاء الاداري الاختصاصات التالي ذكرها:
اولا: وظائف مجلس الانضباط العام:
لم يتطرق القانون بعد ذلك الى بيان تفاصيل هذه الوظائف ذلك لان مجلس الانضباط العام ليس هيئة مستحدثة بقانون المجلس او قانون التعديل الثاني وانما هو مجلس قديم ، اطلعنا على تطوره التاريخي من حيث تنظيمه وتبعيته الى ان اصبح بقانون التعديل الثاني جزء من مجلس الشورى او هيئة من هيئاته. ولذلك فان وظائفه او اختصاصاته محددة بقوانين سابقة، وهي على الاخص قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة1936 وقانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 وتعديلاتها. وعلى ذلك يمكن التمييز بشأن اختصاصه بين مجموعتين:
الاولى: اختصاصه في مجال انضباط موظفي الدولة.
الثانية: اختصاصاته في مجال النظر في دعاوى الموظفين الخاصة بحقوق الخدمة.
اختصاصات مجلس الانضباط العام في مجال انضباط موظفي الدولة:
تناول قانون انضباط موظفي الدولة رقم 69 لسنة 1936 المعدل بيان واجبات الموظف والعقوبات الانضباطية والتأديبية التي يمكن ان تفرض على الموظف اذا ما ارتكب مخالفة لواجبات وظيفته. كما بين القانون صلاحية الوزير ورئيس الدائرة او من يخوله الوزيرفرض العقوبات الانضباطية وصلاحية الوزير فرض بعض العقوبات التأديبية بالنسبة الى الموظفين من الدرجة الرابعة فما دون.كما نص على تشكيل اللجان الانضباطيه في الوزارات لمحاكمة الموظفين المحالين اليها على ان يكون قرارها قابلأ للطعن امام مجلس الانضباط العام. كما بين اختصاص مجلس الانضباط العام بمحاكمة رؤساء الدوائر. وعلى ذلك فان اختصاصات مجلس الانضباط العام في المجال الانضباطي هو كونه جهه يطعن امامها بقرارات اللجان الانضباطيه وكونه مختصأ بمحاكمة رؤساء الدوائر وفي مايلي بيان لهذين الاختصاصين:
أـ اختصاص مجلس الانضباط العام في النظر في الطعون ضد قرارات اللجان الانضباطيه:
ينص قانون انضباط موظفي الدوله على ان للوزير او لرئيس الدائرة ان يأمر بأجراء تحقيق بشأن اي موظف من موظفي وزارته او دائرته ، واذا تحقق ان الموظف ارتكب ذنبأ يمكن ان يعاقب عليه ضمن سلطته فله ان يفرض عليه احدى العقوبات الانضباطية،ويكون قراره قطعيأ فيما يتعلق بالموظف غير المعين بارادة ملكيه ( مرسوم جمهوري) . اما الموظف المعين بمرسوم جمهوري فيجوز له ان يعترض ويطلب احالة قضيته الى اللجنة الانضباطية لتصدر بشأنه حمكها. واذا ظهر للوزير او لرئيس الدائرة من التحقيق ان الموظف قد ارتكب ذنبأ يستدعي عقوبة اشد مما خول للوزير او لرئيس دائرته فعليه ان يحيل المسألة الى اللجنة الانضباطيه . وللجنة الانضباطية ان تفرض اية عقوبة من العقوبات الانضباطية او التأديبيه المنصوص عليها