منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مذكرة : الدولة القانونية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-05-23, 20:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
slomerck
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية slomerck
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ومن تطبيقات مبدأ خضوع الادارة للقانون، ان التفويض التشريعي يجب ان يكون خاصا محددا، لان التفويض العام او غير المقيد يعني نقل السلطة التشريعية من البرلمان الى الادارة، كما يكون من نتيجة اعفاء الادارة من الخضوع للبرلمان( وهذا ما كانت تقرره المادة 163 من الدستور المصري في سنة1956 ).

4ـ تدرج القواعد القانونية:
كان للمدرسة النمساوية، وعلى رأسها كلسن ومركل الفضل في استخلاص هذه النظرية التي تقول بان القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني في الدولة ترتبط ببعضها البعض ارتباطا تسلسليا ، بمعنى انها ليست جميعا في مرتبة واحدة من حيث القوة والقيمة القانونية، بل تتدرج فيما بينها ما يجعل بعضها اسمى من مرتبة بعضها الاخر. فنجد في القمة القواعد الدستورية التي تكون اعلى مرتبة من القواعد التشريعية العادية أي الصادرة عن السلطة التشريعية، وهذه بدورها اعلى من القواعد القانونية العامة(اللوائح) التي تصدرها السلطات الادارية. ونستمر في هذا التدرج التنازلي حتى نصل الى القاعدة الفردية (القرار الفردي) الصادر من سلطة ادارية دنيا.
يترتب على مبدأ تدرج القواعد القانونية، وجوب خضوع القاعدة الادنى للقاعدة الاسمى من حيث الشكل والموضوع، أي ان صدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الاسمى وباتباع الاجراءات التي بينتها، وان تكون متفقة في مضمونها مع مضمون القاعدة الاعلى. كما ان القرار الفردي لابد ان يكون تطبيقا لقاعدة عامة مجردة موضوعة سلفا. واخيرا فان العمل المادي التنفيذي نفسه لن يكون الا تنفيذا للقرار المطبق للقاعدة العامة على الحالة الفردية، أي انه لا يجوزللجهة الادارية عند تطبيقها للقاعدة القانونية العامة على الحالات الفردية، ان تلجأ الى اتخاذ اجراءات مادية تنفيذية مباشرة، بل يجب عليها قبل اتخاذ هذه الاجراءات ان تصدر قبلا قرارات فردية تعلن فيها ان الحالات الفردية المعروضة تندرج تحت القاعدة القانونية وتخضع لاحكامها. وبعبارة اخرى ان التنفيذ المادي يسبقه دائما قرار اداري فردي يحدد مجال نطاقها في القاعدة القانونية ويعين الافراد الذين تسري عليهم، ولعل في هذا الارتباط بين القواعد القانونية التي تكوّن النظام القانوني للدولة ما يحقق نظام الدولة القانونية على أحسن وجه، لان كل قاعدة قانونية تتولد عن قاعدة قانونية أعلى منها مرتبة، كما تولد في نفس الوقت قاعدة اخرى تأخذ مرتبة أدنى : أي ان القواعد القانونية تتتابع في حلقات تنازلية او تتدرج في نظام قانوني هرمي . وهذا النظام كله يقوم على أساس قانوني هو اخر .فاذا كانت القواعد الدستورية توجد في قمة هذا النظام الهرمي ، فان ذلك لا ينفي خضوعها للقانون ، لانه لابد ان تكون هناك قاعدة قانونية ترتكز اليه أو قاعدة تعد خارج النظام الهرمي . ففي حالة تعديل الدستور لابد من مراعاة القواعد التي نص عليها الدستور السابق، وإذا كان التعديل نتيجة ثورة او انقلاب فان الدستور الجديد لابد ان يلتزم المبادئ والاهداف التي قامت من أجلها الثورة او الانقلاب.

5ـ الاعتراف بالحقوق الفردية:
قلنا فيما سبق إن نظام الدولة القانونية يهدف الى حماية الافراد من عسف السلطات العامة واعتدائها على حقوقهم، فهو يفترض وجود حقوق للافراد في واجهة الدولة لأن المبدأ ما وجد الا لضمان تمتع الافراد بحرياتهم العامة وحقوقهم الفردية.
غير ان الحقوق الفردية في الدولة الحديثة قد فقدت مدلولها التقليدي الحر الذي كان يجعل منها حواجز منيعة امام سلطان الدولة ويسد بوجهها مجالات معينة يحظر عليها الاقتراب منها، ومن ثمَّ يحدد سلطاتها. واصبحت الحقوق الفردية في مدلولها الجديد لا تتطلب حتما تقييد سلطات الدولة، بل على العكس توجب تدخل الدولة في بعض الاحيان. كما انه ظهرت حقوق فردية جديدة، فالحقوق الاقتصادية تفرض على الدولة التدخل من اجل تحقيق مستوى مادي معين للافراد، يسمح لهم بممارسة حرياتهم الاخرى التقليدية.
ولاشك ان الحقوق الفردية بمدلولها التقليدي الحر، هي الاقرب الى تحقيق نظام الدولة القانونية الكامل، لما تفرضه من قيود على سلطات الحكام ولما تتضمنه من امتيازات للافراد. ومع ذلك فان الحقوق الفردية بمدلولها الحديث ـ وان كانت تحد من مبدأ خضوع الدولة للقانون بما تتضمنه من توسع في اختصاصات الدولة ـ فهي لا تتنافى كليا مع ذلك المبدأ، بل على العكس تدعمه وتقويه من حيث انها تفرض على الدولة التزامات معينة ومن ثمَّ تخضع نشاطها لقواعد معينة يمتنع عليها ان تخالفها. غاية الامر ان مدلول المبدأ قد تغير فبعد ان كان خضوع الدولة للقانون خضوعا سلبيا، إذ يمتنع عليها الاعتداء على الحقوق الفردية اعمالا لمبادئ المذهب الفردي الحر، اصبح الخضوع ايجابيا في الدولة الحديثة ذات النزعات الاشتراكية نظرا لما يفرضه عليها القانون من التزامات ايجابية بقصد تحقيق مستوى مادي معين للافراد. ففي كلتا الحالتين نجد الدولة تخضع لقانون وان كان خضوعها في الوقت الحاضر اضيق نطاقا من خضوع الدولة الحرة التي تقوم على المذهب الفردي، اذ ان الدولة الحديثة قد اتسع اختصاصها بعكس الدولة الحرة التي كانت مقيدة في اختصاصها الى حد بعيد.

6ـ تنظيم رقابة قضائية:
واخيرا فانه لتحقيق نظام الدولة القانونية يجب تنظيم حماية مناسبة للقواعد المقيدة لنشاط السلطات العامة اذ انه ما لم يوجد جزاء منظم لتلك القواعد فانها لن تكون قيدا حقيقيا على نشاط الدولة.
على انه من الممكن تنظيم صور مختلفة لهذه الحماية. فهناك الرقابة البرلمانية والرقابة الادارية والرقابة القضائية. والحماية التي تحققها كل من الرقابة البرلمانية والرقابة الادارية غير كافية، لان الاولى سياسية يتحكم فيها حزب الاغلبية وتخضع لاهوائه، والثانية تجعل الافراد تحت رحمة الادارة اذ تقيم من الادارة خصما وحكما في وقت واحد.
اما الرقابة القضائية فهي وحدها التي تحقق ضمانة حقيقية للافراد، اذ تعطيهم سلاحا بمقتضاه يستطيعون الالتجاء الى جهة مستقلة تتمتع بضمانات حصينة من اجل الغاء او تعديل او التعويض عن الاجراءات التي تتخذها السلطات العامة بالمخالفة للقواعد القانونية المقررة. واستقلال السلطة القضائية وتمتعها بالضمانات الكافية لصيانة هذا الاستقلال ضروريان لتحقيق رقابة فعالة ومنتجة. ولاشك ان ما يتمتع به القضاء في بلد مثل بريطانيا من حصانة واستقلال، وعلى الخصوص تجاه السلطة التنفيذية لكفيل بتحقيق رقابة قوية على الادارة البريطانية وباخضاع الحكام البريطانيين لاحكام القانون وتحديد سلطاتهم تحديدا فعالا . اما حيث يفقد القضاء استقلاله ويكون رجاله من حيث اختيارهم او ترقيتهم او ممارسة اختصاصاتهم خاضعين للسلطة التنفيذية فان الرقابة القضائية تفقد معناها على الاقل بالنسبة للحكام، ويصبح مبدأ خضوع الدولة للقانون وهميا لا وجود له. الا ان البحث يثور مع ذلك حول المفاضلة بين تخصيص قضاء مستقل للنظر في اقضية ومنازعات السلطات العامة(أي بين فكرة القضاء المزدوج التي تقيم الى جانب القضاء العادي الذي يفصل في منازعات الافراد، قضاء اداريا خاصا بمنازعات الجهات الادارية) وبين فكرة توحيد القضاء وجعل المنازعات الخاصة والعامة أي سواء السلطة العامة طرفا فيها او لم تكن من اختصاص جهة قضائية واحدة. ومهما تكن نتيجة هذا الجدل فلا شك ان الضمانة الاساسية لتحقيق نظام الدولة القانونية هو خضوعها لقضاء في جميع نشاطها التشريعي ونشاطها الاداري. ومن ثم يكون من اللازم حتى يكتمل خضوع الدولة للقانون، ان يتم َّ تنظيم رقابة قضائية على القوانين وعلى الاعمال الادارية معا.
وبذلك نكون قد انتهينا من بيان العناصر الاساسية لنظام الدولة القانونية الكامل وما يكفل تحقيقه من ضمانات . على انه يجب التنبه الى تخلف عنصر من هذه العناصر او اغفال ضمانة من الضمانات، لا يعني عدم خضوع الدولة للقانون، وانما يعني فقط ان نظام الدولة القانونية ليس كاملا . فقد سبق لنا القول بان نظام الدولة القانونية نظام مثالي لم يتحقق بصورة كاملة في القانون الوضعي، وانما تأخذ الدول ببعض مظاهره من دون بعضها الاخر، كما ان قائمة العناصر والضمانات التي سردناها، ليست سوى محاولة فقهية من جانبنا، اردنا بها ان نسوِّغ العناصر والضمانات التي نرى ضرورة توافرها لقيام ذلك النظام وقد يرى غيرنا ان هذه العناصر او تلك الضمانات ليس من اللازم توافرها جميعا لتحقيق نظام الدولة القانونية، بينما من الممكن ان يجدها غير كافية لاقامة النظام.

7ـ مبدأ خضوع الدولة للقانون في الانظمة السياسية الحديثة:
بالرجوع الى العناصر والضمانات المختلفة المشار اليها ، يتبين لنا مدى الارتباط بين الدولة القانونية والنظام الحر . فلا شك ان مبدأ خضوع الدولة للقانون وما يتضمنه من وجوب الاعتراف بالحقوق الفردية وضرورة الفصل بين السلطات فصلا عضويا كان وليد المذهب الحر الذي يقدس الحريات الفردية ويمنع الدولة من المساس بها او الاعتداء عليها ، ويجعل من مبدأ الفصل بين السلطات الوسيلة الى حماية تلك الحريات من استبداد الحكام. ولكن المذهب الحر قد أخلى السبيل لمذاهب التدخل ، واخذت الانظمة السياسية الحديثة بمفهوم جديد للحقوق الفردية ، واهدرت مبدأ الفصل بين السلطات فهل مقتضى ذلك انهيار نظام الدولة القانونية ، وان الدولة الحديثة لا تخضع للقانون؟
لا شك ان النظم السياسية الحديثة قد وسعت في اختصاصات الحكام ورفعت عنهم كثيرا من القيود التي كانت تكبلهم. وكلما اتجهت الدولة نحو الاخذ بالمبادئ الاشتراكية ضعضعت القيود التي تقيد الحاكم. ولكن ذلك لا ينفي استمرار خضوعه لقواعد تقليدية. فالنظم السياسية الحديثة ـ الاشتراكية منها وغير الاشتراكيةـ تعترف بالحقوق الفردية. وسواء كونت هذه الحقوق مجالا يمتنع على الدولة التعرض له كما يقول دعاة المذهب الفردي، او مجرد قدرات في يد الافراد على مطالبة الدولة بالتزامات ايجابية معينة من اجل الارتفاع بمستواهم المادي ودفع الفقر والمرض عنهم وتحريرهم من الاستغلال والسيطرة كما يقول دعاة المذاهب الاشتراكية ، فانها ـ اي الحقوق الفردية ـ اذ تفرض على الدولة التزامات معينة، سلبية او ايجابية، تقيد سلطانها في الوقت نفسه وتعمل مبدأ خضوع للقانون.
ولان كانت الانظمة السياسية الحديثة لم تعد تؤمن بالفصل بين السلطات، وتتجه نحو تقوية الجهاز التنفيذي وتوسيع اختصاصاته على حساب السلطة التشريعية فان ذلك لا يعني بالضرورة انهيار نظام الدولة القانونية، لان مبدأ الفصل بين السلطات ليس الا وسيلة لتحقيق ذلك النظام الذي يمكن ان يتحقق من دونها. فخضوع الدولة للقانون يتم بمجرد احترام الهيئات الحاكمة لقواعد اختصاصها وعدم خروجها على حدود سلطاتها. الامر الذي بمكن ان يحدث من دون الاخذ بمبدأ الفصل بين السلطات. وما فصل السلطات الا ضمانة من بين ضمانات اخرى لاجبار السلطة على احترام قواعد اختصاصها وعدم الخروج عليها.

خلاصة:
وخلاصة ما تقدم ان نظام الدولة القانونية قد اصبح حقيقة معترفا بها في الانظمة السياسية الحديثة. واذا كان التطور في مد وجزر، وصعود وهبوط فان الفكر البشري قد وصل الى درجة عليا في تقويم الإنسان لا يتصور معها العودة الى النظم البدائية التي كانت لا تعترف بأي قيد على سلطات الحاكم، والتي كانت تخلط بين الحاكم والدولة، وهي ملكا لكل شئ ومطلق السيادة على المحكومين في اشخاصهم وفي اموالهم وفي معتقداتهم.
ولئن كان الارتباط وثيقا بين ظهور المبادئ الحرة وتقرير مبدأ خضوع الدولة للقانون، وان ثمة تعاصرا زمنيا قد وجد بين نشأة المذهب الفردي وقيام نظام الدولة القانونية في اوربا، فان التلازم ليس حتميا بين هذا وذاك. فقد عرف الاسلام نظام الدولة القانونية قبل ان تأخذ به الدول الاوربية وقبل ظهور المذهب الفردي بقرون كثيرة. كما ان النظم السياسية الحديثة، الشرقية منها والغربية قد هجرت تعاليم المذهب الفردي واخذت بمذاهب التدخل، ولكنها مع ذلك تقوم جميعا على اساس إخضاع الحكام لقواعد تسمو عليهم وتقيّد سلطاتهم. فالدولة الحديثة، أيا كان نظامها السياسي، يقوم على اساس دستوري يحدد للحاكم اختصاصاته ويقيد سلطاته في حدود الاختصاصات الدستورية، وتخضعه لرقابة قضائية تقرر مسؤوليته اذا خرج على الرسالة التي فوضه الشعب في القيام بها.. وغاية الامر ان الدول تختلف فيما بينها من حيث مدى اخذها بعناصر الدولة القانونية، ومن حيث مدى تقريرها الضمانات التي تكفل تحقيق هذا النظام.


الفصل الثاني
مبدأ المشروعية

المشروعية " هي صفة كل ما هو مطابق للقانون". وهو مبدأ اساس للتصرف الاداري . حيث تتوافر الضمانات الاساس للفرد وحيث لا تستطيع الادارة بموجبه العمل الا طبقا للقانون. وهذا يعني ان تصرفات الاجهزة التي تتكون منها الدولة، وعلى وجه الخصوص الاجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية لا تتمتع بحماية القانون ولن تكون لها اية قيمة، ما لم تكن متوافقة مع قواعده النافذة، حيث ترسم هذه القواعد حدود التصرف الاداري وان اي تجاوز لهذه الحدود من قبل الادارة يضعها في دائرة المساءلة ويعرض تصرفها الىالاخطار، بمعنى اخر فانه " لا يجوز للادارة ـ والا كانت مخالفة للقانون، ومنتهكة لاحكامه ـ ان تقوم باي عمل قانوني او مادي الا على وفق القانون وبتخويل منه وعلى وفق الاجراءات الشكلية المحددة فيه تحقيقا للأهداف التي يتوخاها"
وما نعنيه ( بالقانون) هو معناه الواسع، وهو بهذا المعنى يشمل اغلب القواعد " وليس كلها في كل حال" متى ما كانت عامة ومجردة وأيا كان مصدرها دستوريا أو تشريعيا او عرفيا او قضائيا او اداريا . وهذا ما يجعل من مصطلح المشروعية مرادفا للتنظيم القانوني، وان كان بعض الفقهاء لا يقر بالتعريف الواسع للقانون من حيث كونه مصدرا للمشروعية كالفقيه الذي يحدد خضوع الادارة للقوانين الشكلية فقط.
إن خضوع الادارة للقانون قد يدفع الى الاعتقاد بانها لا تتميز بنظام يختلف من هذه الناحية عن الافراد، الذين يخضعون هم ايضا اليه الا ان المراحل التاريخية التي مرت بها الدولة تؤكد ان لا صحة لمثل هذا الاعتقاد فالدولة اولا كانت فوق القانون هذا من ناحية؛ كما ان الحكومة كانت متحللة من اي خضوع للقواعد وهي لم تصل الى مرحلة خضوعها للقانون الا بعد تحويلها من (دولة بوليس) الى (دولة قانون) من ناحية اخرى.. فمبدأ المشروعية لا يعني خضوع الادارة لقواعد خارجة عنها حسب بل هي الى جانب ذلك تخضع لقواعد تضعها هي بنفسها كالانظمة ولمبادئ صادرة عن قاض من عالم الادارة نفسه هو القاضي الاداري، واخيرا فان تدرج القواعد القانونية يولد تدرجا في السلطات العامة التي تختلف من حيث خضوعها لمبدأ المشروعية بعضها عن بعضها الاخر وهذا ما يجعل لكل من هذه السلطات محتوى متميزا من القواعد القانونية التي تخضع لها.
ان مبدا المشروعية لا يعني مجرد خضوع الادارة الى قواعد خارجية بل هو ايضا شكل من القواعد النفسية ـ مثلاـ ان تضع نصب عينيها تحقيق المصلحة العامة ومن البديهي إدراك ان تحقيق هذا الهدف مسألة لا تدخل ضمن القواعد الخارجية المفروضة على الادارة.

مصادر المشروعية
توطئة

مبدأ المشروعية، بوصفه علاقة بين قواعد محددة وبين النشاط الاداري يدفعنا الى ان نتساءل عن مصادر هذه القواعد فهذه المصادر ـ وهي مصادر القانون والمشروعية معا، على اختلاف تدرجاته ـ هي التي ينبع منها ما يلزم الادارة من قواعد وان تجاوزها او تصرف على خلافها بما يعرض العمل الاداري سواء كان قانونيا أم ماديا الى اللامشروعية ثم الى البطلان. وجريا مع المفهوم الواسع للقانون، فان قواعد هذا الاخير قد تنبثق عن مصادر مدونة او غير مدونة كما انها تتدرج فيما بينها من حيث قيمتها وقوتها الامر الذي يعطي مبدأ المشروعية عنصرا جديدا من الفعالية والحركة.
و في ضوء ما سبق ذكره سنتناول موضوع مصادر المشروعية على النحو الآتي: "المصادر المدونة" للمشروعية ثم "مصادرها غير المدونة".

المبحث الأول
المصادر المدونة

تقع المصادر المدونة في مقدمة مصادر المشروعية، وهي تنحصر في القوانين الدستورية ثم المعاهدات والاتفاقات الدولية، تليها القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية في الدولة ثم الانظمة التي تصدر عن الادارة بموجب السلطات الممنوحة لها، وهذا ما سنتناوله هنا بالشرح تباعا.

المطلب الاول
الدستور
تاتي القواعد الدستورية في مقدمة مصادر المشروعية وذلك لانها تعد اسمى من جميع القواعد الاخرى التي تخضع لها الادارة. والسبب في انها تنشأ وتنظم السلطات العامة وتحدد دائرة اختصاص كل منها وتبين كيفية ممارسة هذه الاختصاصات، كما انها تقرر حقوق والتزامات الافراد وحرياتهم واخيرا فانها هي التي تضع الاساس الذي يقوم عليه البناء الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
لكل هذا فالادارة لابد وان تخضع بداهة لهذه القواعد والا تعرض تصرفها الى الالغاء، كما لو قامت الادارة بتنفيذ قانون بامر رجعي من دون نص يسوّغ ذلك فقرارها سيكون مستحق الالغاء بسبب النص الدستوري الذي يحرم تبيطق القانون باثر رجعي، ما لم يقرر القانون ذلك بنص خاص.

القيمة القانونية لإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير:
ترتبط بالدستور نصوص اخرى تتطلب منا معرفة قيمتها القانونية كاعلانات الحقوق وما تتضمنه مقدمات الدساتير [الديباجات] من مبادئ عليا. ان مسالة القيمة القانونية لاعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير كانت محل جدل واختلاف كبير بين الفقهاء، اذ لم يكن هناك اتفاق حول ما اذا كانت تلك النصوص تملك قوة النصوص القانونية. ومن ثم فان خرقها من قبل قرار إداري يؤدي الى بطلان هذا الاخير.
وغالبا ما تسجل الدولة، على اثر ثورة وقيام نظام جديد يختلف عن سابقه من حيث الاسس والمبادئ، قيم المجتمع الجديد ونظمه في وثيقة رسمية يتعرف الشعب من خلالها على فلسفة النظام الجديد وما يثبّت له من حقوق وما يفرضه عليه من واجبات، وذلك لربط جسور الثقة والاستقرار بين السلطة الجديدة والشعب، ومع ذلك تظل تلك الوثائق تثير هي الاخرى مسائل تتعلق بقيمتها وقوتها القانونية بين مصادر المشروعية الاخرى.

وعلى كل حال فانه يمكن تلخيص الاراء التي تناولت هذه المسالة كما يلي :ـ

1ـ يرى جانب من الفقه بان لمقدمات الدساتير واعلانات الحقوق قيمة قانونية تسمو على النصوص الدستورية، بوصفها تتضمن الاسس التي تشيد عليها هذه النصوص وبهذا فهي ملزمة للسلطة التأسيسية التي تقوم بوضع الدستور، ومن باب أولى فهي ملزمة للسلطات المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2ـ بينما يساوي جانب اخر من الفقه بين النصوص الدستورية وبين مقدمات الدساتير واعلانات الحقوق بسبب ورودها عن ذات المنبع الا هو ادارة السلطة التاسيسية.
3ـ ويميز جانب ثالث بين القواعد القانونية التي تحتويها اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير، فالقاعدة الملزمة لسلطات الدولة اذا ما كانت قابلة للتطبيق المباشر وهي ليست كذلك اذا ما اقتصرت على مجرد توجيهات او اتجاهات فلسفية او برنامج عمل يراد ادراكه وتحقيقه.
4ـ ومن الفقهاء من يجرد اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير من اي قوة الزامية وينكر عليها ان تكون لها قيمة قانونية فهي برأيهم لا تبدو ان تكون مجرد امال وطموحات لواضعي الدستور ولا تتضمن سوى مبادئ فلسفية و سياسية اكثر منها قانونية محددة. ومن ثم لا تعد قواعد قانونية منشئة لمراكز قانونية واضحة المعالم، ظاهرة الحدود، ومن ثم لا تكون مقيدة للسلطات التي ينشئها الدستور ولا يكون لها ازاء هذه السلطات سوى قيمة ادبية.

موقف مجلس الدولة الفرنسي:

خضع موقف مجلس الدولة الفرنسي من مسألة القيمة القانونية لاعلانات ومقدمات الدساتير والمبادئ الواردة فيها الى تطوير كبير، حيث لم يعط مجلس الدولة هذه المبادئ في البدء، قيمة النصوص القانونية المكتوبة وان كان يعترف لها بنوع من الالزام بوصفها اما قواعد عرفية غير مكتوبة او مبادئ قانونية عامة. الا ان موقف مجلس الدولة ـ كما يبدوـ قد تغير منذ قضية
candamine في 7 حزيران 1957. حيث اعترف لاول مرة بالقيمة القانونية للنصوص الواردة في اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير. بوصفها مصدرا لقواعد قانونية مكتوبة لها بذاتها قوة الزامية قانونية، ويترتب على مخالفتها من جانب الادارة بطلان ما تصدره من قرارات للمخالفة لها.
ولكنه على الرغم من أنَّ مجلس الدولة قد وصل الى اقرار القيمة القانونية لاعلانات الحقوق و مقدمات الدساتير والزاميتها فقد كان هذا التردد للمجلس السبب الذي دعا بعض فقهاء القانون العام الى تحديد مرتبة هذه النصوص.

المطلب الثاني
المعاهدات والاتفاقات الدولية

تعد المعاهدات ، او بشكل اعم قواعد القانون الدولي ـ من حيث المبداـ ملزمة للادارة ، بشرط ان تكون القواعد الواردة فيها مصادق عليها من السلطة المختصة في الدولة والمنشورة على وفق الاجراءات القانونية، فهي بهذا التصديق والنشر تصبح جزءا من القانون الداخلي للدولة ومن ثم ستلزم السلطة العامة والافراد
على احترامها، ومع هذا فقد تواجه القاضي في هذا المجال بعض المشاكل منها ان تتسم المعاهدة او بعض نصوصها بالغموض، الامر الذي يدعو القاضي الى ان يطلب من وزارة الخارجية التفسير وازالة الغموض، ومنها ما يُخرِج تصرف السلطة العامة من رقابة القضاء بوصفه عملا من اعمال الحكومة، اذا ما ادى تطبيق المعاهدة الى ان يضع العلاقات الدولية في حالة نزاع.
ومن حيث مرتبة النصوص الواردة في المعاهدة او الاتفاق الدولي بين مصادر المشروعية الاخرى فهي تختلف بين دولة واخرى ففي بعض الدول كفرنسا مثلا ـ تحتل مرتبة تسمو على الدستور وهذا ما اورده دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946 في مادته السادسة والعشرين وما اكدته المادة الخامسة والخمسين من دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958، حيث اعطت ا لمعاهدات والاتفاقات المصدق عليها، على وفق القانون بدءا من وقت نشرها ـ قوة اعلى من قوة القوانين.
اما في مصر فهي تحتل نفس مرتبة القوانين العادية ودليل ذلك ما نص عليه دستور الجمهورية المصرية سنة 1956 في مادته(134) مااورده الدستور المؤقت المعلن في 25 اذار 1964 في مادته (125) التي تنص على ان" رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الامة مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون، بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للاوضاع المقررة........."، ثم ان دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 يورد ذات المضمون.

المطلب الثالث
التشريعات العادية

التشريع العادي، هو ما تقرره السلطة التشريعية من قوانين، ولهذا فهو يعرف بمعناه الدقيق بأنه" القواعد الصادرة من الهيئات الخاصة بالتشريع وعلى وفق اجراءات التشريع"، فالهيأة التشريعية تتحدد بحكم تخصصها الدستوري في القوانين العامة التي توضح سياسة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ويأتي تخصص الهيأة التشريعية بوضع القانون، تجسيدا لمبادئ السيادة الشعبية في الدولة الديمقراطية، بوصفها تضم ممثلي الارادة الشعبية، واعمالا لمبدا المشروعية فانه يتعين على السلطات الادارية في الدولة ان تمارس اعمالها طبقا لما تقضي به القوانين والا تعرض تصرفها المخالف لتلك القوانين، للالغاء لعدم مشروعيته، كما ان التشريعات العادية تظل ملزمة للادراة ما لم تلغ او تعدل على وفق ما يحدده ذلك الدستور.
اما من حيث القاعدة القانونية المقررة من قبل الهيأة التشريعية في سلم تدرج القواعد القانونية في الدولة، فانها تأتي في المرتبة الثالثة التي تلي مرتبةالتشريع الدستوري.
ولمعرفة مدى التزام الادارة بالخضوع الى القانون لابد من ان نبين ابتداء بان هناك من القواعد القانونية ما لا يتلاءم وطبيعة عمل الادارة وانه من البديهي ان لا تلتزم هذه الاخيرة بجميع قواعد القانون وانما فقط التي تتفق وطبيعة عملها الامر الذي يجيز لها ان تستبعد كلية بعض القوانين التي لا تتلاءم ونشاطها الاداري، وتعمل على تطبيق قواعد واحكام اخرى مغايرتتماشى وطبيعة هذا النشاط.
غير ان للادارة ان تتخلى ـ اذا ما تطلب ذلك تحقيق المصلحة العامةـ عن وسائل القانون العام. وتلجا في تصرفها الى وسائل القانون الخاص وعندئذ وفي حدود هذا التصرف تتصف بما يتصف به الافراد العاديين . ولما كانت مهمة الادارة او السلطة التنفيذية بصفة عامة تتجسد بادارة المرافق العامة والاشراف على حسب سيرها بهدف اشباع الحاجات العامة، وان هذه المهمة ترسم اطارها العام قواعد التشريع العادي، فانه من الطبيعي ان تخضع وظيفة السلطة التنفيذية لوظيفة السلطة التشريعية فيما تصدره من قرارات تنظيمية او فردية، ومن البديهي فان من يقوم بالتنفيذ ليس له منطقيا ان يخالف ما يقوم بتنفيذه.
وتجدر الاشارة بان التزام السلطة التنفيذية لا يقتصر على مجرد اعمالها المتعلقة بتنفيذ القوانين بل يتجاوزه الى تصرفاتها غير التقليدية ايضا او بما يعرف بقراراتها المستقلة، حيث تتسم بلا مشروعية اذا ما جاءت مخالفة للقانون.
وبمقتضى القاعدة العامة فان اثر القانون ينطبق على الافعال والوقائع التي تحصل بعد نفاذه ولا ينسحب اثره على الماضي ومع هذا فقد ينسحب اثر القانون على افعال ووقائع مضت، بمعنى اخر ان يكون ذا اثر رجوعي بشرط ان يقرر ذلك من قبل المشرع، ذلك ان مبدأ عدم الرجوعية، وان كان من المبادئ المقررة في دساتير الدول الحديثة، الا انه يحتمل بعض الاستثناءات.. غير انه وفي كل حال لا تجوز الرجوعية بالنسبة للقوانين الجزائية والمالية.

المطلب الرابع
القرارات التنظيمية

تقع على الادارة او السلطة التنفيذية بشكل عام مهمة تحقيق الصالح العام واشباع الحاجات العامة، ولكي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها هذه تمارس وسائل واساليب متنوعة ( وهي ما يطلق عليها اعمال الادارة).
ويمكن بشكل عام تقسيم هذه الاعمال على طائفتين : طائفة الاعمال او التصرفات القانونية، وهي التي ينتج عنها اثر قانوني، وطائفة الاعمال التي لا يكون لها مثل هذا الاثر وهي ما يطلق عليها (اعمال الادارة المادية) غير انه من الممكن ان تكون لبعض الاعمال صلة بتصرفات او اعمال قانونية كالاعمال التحضيرية لتصرف قانوني ما او الاعمال المادية السابقة على ابرام عقد من عقود الادارة... الخ.
كما تنقسم الاعمال القانونية بدورها على قسمين: فهي إما ان تنتج مراكز قانونية جراء التقاء ارادتين او اكثر، حيث يأخذ التصرف شكل العقد، او ان يكون انشاء المراكز القانونية او تعديله او الغاؤه صادرا عن الادارة المنفردة للادارة. حيث يأخذ التصرف شكل القرار الاداري الأمر الذي تتجسد فيه امتيازات السلطة العامة.
وتعدالقرارات التنفيذية استنادا لـ( حجية الشئ المقرر به) من العناصر التي لابد ان تضع الادارة في حسابها، احترامها في التصرف الذي تقوم به ويمكننا بشكل عام رد التصرفات القانونية التي تصدر عن الادارة بادارتها المنفردة على طائفتين:

1ـ القرارات الادارية الفردية : وهي القرارات التي تتولد عنها مراكز قانونية فردية كقرار التعيين والفصل ومنح الرخصة او الاجازة... الخ.
2ـ القرارات التنظيمية (الانظمة) : وهي القرارات التي تتضمن قاعدة عامة مجردة ولا يهم في ذلك عدد الذين تنطبق عليهم ما دام القرار قد احتوى على قاعدة عامة موضوعية، تنطبق على اشخاص معينين لاوصافهم لا بذواتهم وتتشابه هذه القرارات من الناحية المادية او الموضوعية مع القواعد التشريعية الامر الذي حدا ببعض الفقهاء لان يطلق عليها مصطلح (التشريعات الفرعية) غير انها تبقى من ناحية مصدرها ( الناحية العضوية والشكلية) عملا اداريا خالصا لا يمكن منحه سلطة مطلقة تجعله بمنجى من التعديل او السحب او الالغاء. ولما كان الاصل في التشريع يعود الى السلطة التشريعية، صاحبة الاختصاص الاصيل، فانه من البديهي عدم تجاوز التشريعات الفرعية (الانظمة) للقواعد الصادرة عن هذه السلطة وذلك اعمالا لمبدا علو القانون.
اما السبب الذي يجعل من القرارات التنفيذية، مصدرا من مصادر المشروعية التي يجب على الادارة احترامها والالتزام بها، في تصرفها فيعود إلى المبادئ الآتية:
أـ مبدأ احترام الحقوق المكتسبة: التي تتولد عن قرار حقوق للأفراد فانه لا يجوز من حيث المبدا سحبها الا استثناءَ َ، كما ان نقضها لابد وان يتم بموجب قانون او نظام، وعلى سبيل المثال فانه لا يمكن لقرار وان صدر من جهة ادارية اعلى ان يلغي قرارا لجهة ادارية ادنى اذا تعلق بهذا الاخير حق مكتسب للافراد كما انه لا يجوز ايضا ان يمس القرار التنظيمي الحقوق المكتسبة بموجب قرار فردي.
ب ـ مبدا التدرج الشكلي للقرارات: في حالة عدم وجود مشكلة تتعلق بحق مكتسب، فان مبدا التدرج الشكلي سيحدد من حيث المبدأ ـ الشروط التي يتم بموجبها احترام القرارات التنفيذية من قبل الادارة. فالرئيس الاداري ـ مثلاـ لا يمكن ان يرتبط بقرارات صادرة من جهة ادارية ادنى منه في السلم غير ان السلطة الادارية الاعلى، وان كانت تملك حق التعديل والالغاء فانها لا تستطيع ان تحل محل السلطة الادارية الادنى في اتخاذ القرار العائد لصلاحية هذه الاخيرة، بموجب قانون او نظام.
جـ ـ مبدأ علو القرارات التنظيمية على القرارات الفردية : على السلطة الادارية التي تصدر القرار التنظيمي ان تضع في حسابها احترامه، عند اصدارها قرارا فرديا فهي وان كانت تملك حق تعديله والغائه فانه ليس لها ان تنتهكه بقرار فردي.


المبحث الثاني
مصادر المشروعية غير المدونة

تشكل القواعد والمبادئ العامة للقانون واحكام القضاء ـ الى جانب المصادر المدونةـ مصدرا من مصادر القانون الاداري. وهي بهذه الصفة تساهم في تكوين قواعد ملزمة للادارة وبمعنى اخر فهي تشكل مصدرا اخر للمشروعية.

المطلب الأول
العرف
العرف بصفة عامة هو عادة درج الناس عليها في تنظيم علاقة من علاقاتهم ان احسو بالزامها اما العرف القانوني فهو ( القواعد التي لم تصدر من السلطة العامة، بل نشأت جراء الاستعمال العام المستمر مع الايمان بوجوب عقاب يتعلق بها).
ويتضح لنا من خلال التعريفات المتعددة للعرف انه يتألف من عنصرين الاول مادي ويتمثل في تكرار التصرف على نهج واحد وبشكل مستمر منتظم اما الثاني فنفسي (معنوي) ويتمثل بشعور اطراف العلاقة التي تنظمها القاعدة العرفية، بالزام هذه القاعدة وان الخروج عليها (لا يستفز الانكار فحسب ويستوجب العقاب).
والقواعد العرفية اما ان تكون خاصة فتعالج المواضيع المتعلقة بمعاملات الافراد بعضهم مع بعض او ان تكون قواعد عرفية دستورية حيث تعالج العلاقات بين سلطات الدولة، او بينها وبين الافراد كما يمكن ان تكون قواعد عرفية ادارية في حالة ما اضطرد سلوك الادارة وبشكل مستمر و منتظم ازاء تنظيم علاقة من العلاقات.
ففي نطاق القانون العام اذن يعد العرف الدستوري والاداري مصدرا من مصادر المشروعية. وهذا يعني ان مخالفة هذه الاعراف من قبل الادارة انما يؤدي الى الغاء تصرفها لعدم مشروعيته على الرغم من أن اقرار هذه المسالة لم يلق اجماع الفقهاء عليها. ومع ذلك فانه لا يوجد هناك شك بان العرف يشكل مصدرا من مصادر القانون.
ان القضاء الاداري في كل من فرنسا ومصر، قد اعترف للعرف في نطاق القانون العام وللعرف في الاداري بوجه خاص بقوته القانونية الملزمة حيث يرى مجلس الدولة الفرنسي ان بامكان تصرف الادارة المستمر (إزاء موضوع معين) ان ينشئ عرفا يلزم الادارة وان مخالفته يعد امرا غير مشروع كما عبرت
عن ذلك محكمة القضاء بقولها " ان المخالفة ليست مقصورة على مخالفة نص في قانون او لائحة بل هي تشمل مخالفة كل قاعدة جرت عليها الادارة والتزمتها واتخذتها منهجا لها ".
وما تجدر ملاحظته ان احترام القواعد العرفية والالتزام بها من قبل الادارة لا يعني باية حال من الاحوال دوام هذه القواعد. واستمرار العمل بموجبها الى الابد، حيث ان القول بابدية هذه القواعد يعني توقف الادارة عن ملاحقة ما تفرزه الظروف المستمدة من متغيرات في مجريات الحياة بشكل عام. الامر الذي سيحول بينها وبين ما تتطلبه هذه المتغيرات من تطور في العمل الاداري.
ولهذا فللادارة ان تغير او تعدل في العرف الذي داومت على اتباعه متى ما تطلبت ذلك مقتضيات تطور العمل الاداري في زيادة كفاءة الاجهزة المكلفة بالتنفيذ. وبالشكل الذي يحقق الوصول لما تفرضه الظروف المستمدة من متغيرات.
ويتم تعديل القاعدة العرفية القائمة لمخالفتها من قبل الادارة بقصد العدول عنها وانشاء قاعدة جديدة تتفق مع التطور الحاصل في العمل الاداري.
والمهم في مسالة تعديل العرف القائم وانشاء عرف جديد هو ثبوت قصد الادارة بالعدول نهائيا وبصفة مطلقة عن العرف القديم ولهذا فان التصرف الذي تقوم به الادارة خلافا للعرف القائم يعد تصرفا معيبا ومخالفا لمبدا المشروعية اذا ثبت انها ماتزال تتمسك بهذا العرف وان خروجها عنه كان بسبب حالة فردية ويعود للقضاء تقرير ما اذا كانت الادارة قد خالفت العرف القائم بنية العدول عنه نهائيا او ان مخالفتها كانت بسبب حالة فردية.
ان تعديل القاعدة العرفية لابد وان يتم بنفس الاسلوب الذي نشات به فلابد من توافر جميع عناصر القاعدة العرفية الجديدة، المادية والمعنوية.

المطلب الثاني
المبادئ العامة للقانون
من المسائل المستقرة في فقه القانون العام ان مبدا المشروعية لا يعني خضوع الادارة للقانون بمعناه الضيق فحسب وانما يعني خضوعها لكل قاعدة قانونية ايا كان مصدرها ومن بين هذه القواعد التي اقر القضاء بان مخالفتها تشكل حالة من حالات المشروعية، المبادئ العامة للقانون.
ويراد بالمبادئ العامة للقانون القواعد القانونية الملزمة للادارة التي لا تجد مصدرها في النصوص المكتوبة والتي يستخلصها القاضي ويكشف عنها بالرجوع الى روح التشريع، وظروف المجتمع السياسية والاجتماعية ومبادئ العدالة والانصاف، وتعد هذه المبادئ في الوقت الحاضر من اهم المصادر غير
المدونة لمبدا المشروعية.

الأصل القضائي في النظرية:
يعود الفضل في ظهور المبادئ العامة للقانون لمجلس الدولة الفرنسي الذي عمل على استنباط هذه المبادئ من خلال احكامه الكثيرة حيث عمل على خلق نظرية متكاملة لتحل هذه المبادئ محل ما انهار من المبادى الدستورية بسبب الاحتلال، دفاعا عن الحقوق والحريات العامة وحرصا على استمرار العمل بمبادئ الحرية الفردية التي بدت مهددة بسنن نزعة التدخل لدى الدولة، التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الا ان مجلس الدولة استمر في مسلكه لاستنباط المبادئ العامة على الرغم من عودة الحياة الدستورية لفرنسا على اثر صدور دستور سنة 1946 ومن ثم بيَّن الحالات الكثيرة التي تؤكد الاصل القضائي لهذه النظرية نورد على سبيل المثال قضيتين:
1ـ قضية الارملة
trompier- gravier ( مجلس الدولة مايس 1944) .
2ـ قضية الاوركسترا السمفوني ( مجلس الدولة في 9/اذار/1951).
ان مهمة وضع قائمة كاملة بالمبادئ العامة للقانون، تبدو امرا صعب التحقيق خاصة وان قائمة المبادئ هذه لم تغلق طالما وجدت منازعات لا تجد حلها في النصوص المكتوبة لكن هذا لا يتنافئ مع ايراد بعض المبادئ العامة التي استنبطها مجلس الدولة الفرنسي من خلال الحلول التي وضعها للمنازعات المعروضة عليه وفيما يلي بعض الامثلة على هذه المبادئ:
1ـ في الحريات العامة والحقوق الفردية ( مبادئ الحرية الفردية ، حرية الرأي والتفكير، حرية التجارة والصناعة وبشكل عام حرية المهنة) ومن البديهي ذلك لان الحريات لا تعد مبادئ عامة الا في حالة عدم ورودها في بعض نص.
2ـ في المساواة حيث استنبط مجلس الدولة مبادئ عامة للقانون في كل مظاهر المساواة كمبدا المساواة امام القانون، المساواة امام التكاليف العامة سواء المساواة في الخدمات التي تقدمها هذه المرافق أم المساواة في التقدم لإشغال الوظائف فيها.
3ـ في حق الدفاع ، حيث يعد مبدا عاما للقانون منح الفرد فرصة الدفاع عن نفسه ضد الاتهامات الموجهة اليه.
4ـ فيما يتعلق بالاحكام القضائية كمبدا ( حجية الشئ المقضي) وكالمبدا القاضي بعدم جواز منع وايقاف حكم نهائي في طرف او عدم تنفيذه.
5ـ واخيرا في موضوع القرار الاداري ومسؤولية الادارة يجئ مبدا عدم رجوعية القرارات الادارية ومبدا ضمانات الادارة لموظفيها ازاء الاحكام الصادرة بحقهم في حالة غياب الخطأ الشخصي.
لقد تعرضت نظرية المبادئ العامة لطروحات ومناقشات فقهية كثيرة وثارت حولها مسائل متعددة سنحاول التعرض لاهمها:
أـ القوة الالزامية للمبادئ العامة للقانون:
استهدفت المناقشات الفقهية التي تعرضت لهذه المسالة معرفة المصدر الذي تستمد منه المبادئ العامة قوتها الملزمة، حيث يرى جانب من الفقه ان القوة الالزامية التي تتمتع بها المبادئ تستمد من ورودها في اعلانات حقوق الانسان ومقدمات الدساتير. ويؤخذ على هذا الراي بان هناك من المبادئ التي استنبطها القضاء في احكامه. مالا وجود لها في اعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير كمبدا حق الدفاع في المحاكمات التاديبية ومبدا انتظام سير المرافق العامة... الخ كما ان مجلس الدولة الفرنسي يرى انه لا يمكن لهذه الوثائق ان تكون مصدرا حتى لبعض المبادئ الواردة فيها. التي تسبقها وجودا وان ورود هذه الوثائق لايعدو ان يكون مجرد تسجيل لها. ومن الفقهاء من عزا القوة الملزمة للمبادئ العامة للقانون الطبيعي حيث يرون فيه مصدرا لهذه المبادئ، غير ان مجلس الدولة الفرنسي يرفض هذه الفكرة
كما ان القضاء الاداري بكامله استبعد من قضائه الطعون المستندة الى القانون الطبيعي وذلك لان تبني هذا المفهوم سيؤدي به الى تطبيق القوانين القائمة المخالفة للمبادي العامة بوصفها مخالفة للقانون الطبيعي.
والراي الراجح الذي اعتمده اغلب الفقهاء هو ان القوة الملزمة التي تتمتع بها المبادئ العامة انما تجد مصدرها في سلطة القضاء ذاته حيث انها وكما يورد ذلك الفقيه (
de laubadere) مبادئ من خلق االقضاء. وان قوتها انما تستمد من السلطة التي يتضمنها نص الحكم القضائي وخاصة احكام القضاء الاداري المعترف له فقها بالدور الانشائي للمبادئ والقواعد القانونية.
ب ـ المرتبة القانونية للمبادئ العامة:
تختلف مرتبة المبادئ العامة في سلم تدرج قواعد المشروعية في فرنسا باختلاف الواقع القانوني في ظل الجمهورية الخامسة لسنة 1958 عنه في ظل ما سبق من دساتير.
1ـ قبل دستور1958 :
كانت المبادئ العامة للقانون تمثل قبل ظهور دستور 1958 ذات المرتبة التي تتمتع بها التشريعات العادية( القانون بمعناه الضيق) . وهذا ما ذهب اليه الفقه والقضاء الفرنسيين، وبسبب مرتبتها هذه كانت الادارة وكأنها قانون غير مكتوب، غير ان المشرع يستطيع مخالفة المبدا العام كاستطاعته تعديل القوانين السابقة. كأن يشرع مثلا قانونا يمنح اثرا رجوعيا خلافا للمبدا العام الذي يقضي بعدم رجعية القوانين.
2ـ منذ ظهور دستور 1958:
المشكلة التي واجهها مجلس الدولة الفرنسي هي صعوبة بقائه على فريضته المتعلقة بمرتبة المبادئ العامة. حيث تمتلك قيمة للقانون وانها في حقيقتها ليست سورا للقواعد التشريعية. ويعود السبب في ظهور الاشكال التشريعية الى انشاء ما أطلق عليه بالانظمة المستقلة بموجب المادة 37 من دستور 1958 وتتحدد المشكلة التي تناولها الفقه وتعرض لها القضاء في صعوبة فرض المبادئ العامة على الادارة في مجال اتخاذ القرارات الممنوح لها بوجب المادة 37 من الدستور، فهي تستطيع ان تتصرف داخل اطار هذا المجال بمعزل عن القانون، ولاشك ان هذا الامر يضعف
يضعف بشكل كبير رقابة القضاء على الادارة في مجال انظمتها المستقلة حيث لا تخضع هذه الانظمة للرقابة القضائية الا من حيث الاختصاص والشكل اما من حيث المضمون فانها في معزل عن الرقابة ما اذا تضمن القرار خرقا واضحا لمقدمة الدستور او النصوص المتعلقة بها هذا مع العلم بان عددا كبيرا من المبادئ لم ترد لا في مقدمة الدستور ولا في النصوص المترتبة عليها.
لقد تعرض الراي القائل بعدم تبعية الانظمة المستقلة للقانون وعدم خضوعها للمبادئ العامة الى نقاشات فقهية كثيرة بل ان هذه المسالة كانت محل جدل كبير بين الفقهاء وقد تمخض عن الاطروحات المتعددة التي تعرضت لهذا الامر ظهور نظرية جديدة، تحتل المبادئ العامة بموجبها قيمة قانونية اعلى من قيمة القواعد التشريعية بمعنى اخر الاعتراف لهذه المبادئ بقيمة دستورية وبهذا التحليل التزم القضاء الاداري الفرنسي .
جـ معيار تمييز المبادئ العامة:
من بين القواعد الكثيرة التي يطبقها مجلس الدولة في فرنسا من دون نص مكتوب ، ما لا يمكن عدها مبادئ عامة ، وذلك لكونها لا تعدو ان تكون مجرد قواعد بسيطة او حلولا قضائية يلجأ اليها القاضي لسد النقص الذي يسببه سكوت النص، لتفسيره في حالة غموضه ولهذا سيكون باهضا ولا معنى له منع الادارة
من اصدار الانظمة المستقلة خلافا لمواضيع هذه القواعد او الحلول.
وبناء على هذا فانها لا تعد مبادئ عامة، وبما ان القضاء الاداري يؤلف المصدر الرئيس للمبادئ العامة فانه يتعين الرجوع الى احكامه لمعرفة ما اذا كان مبدا عاما للقانون من عدمه.
المطلب الثالث
الأحكام القضائية
بسبب تنوع المنازعات التي تعرض امام القضاء وتعددها يواجه القاضي حالات معينة لا تتوافر حلولها في التشريعات مع وفرتها وحيث انه ملزوم قانونا بايجاد الحل المناسب للنزاع والا كان منكرا للعدالة نجده يلجا الى ( استخلاص القواعد التي استقرت في نفس الجماعة وضمير المشرع مستهديا في ذلك بالمبادئ التي اوردتها النصوص في فروع القانون الاخرى اذا ناسبت الروابط الادارية، فان لم يجد وجب عليه ان يستوحي قواعد القانون الطبيعي ومبادئ العدالة ).
وتتمتع الحلول التي يبتدعها القضاء باهمية كبيرة في مجال القانون بوصفه قانونا غير متقن وقليل النصوص كما تؤلف هذه الحلول قواعد ومبادى جديدة تضاف الى المصادر المشروعية الاخرى التي تلتزم بها الادارة في تصرفاتها وان تجاوزها يعرض عملها الى حالة من حالات اللامشروعية ومن ثم تعرضها للجزاءات القضائية.
كما وتتمتع الاحكام القضائية بما يطلق عليه بـ( قوة الحقيقة القانونية) سواء في مواجهة اطراف النزاع او في مواجهة الكافة فما هو مصدر هذه القوة؟ وكيف يمكن الاحتجاج بالحكم القضائي في مواجهة الادارة؟
وللاجابة عن هذا فان قرار الحكم الذي اكتسب درجة القطعية يتمتع من حيث المبدا بصفة مميزة وهو ما يطلق عليه بحجية الشئ المقضى به.
(
autoritede. Chose jugee) ويتضمن هذا المصطلح معنيين:
1ـ المعنى الشكلي : وهو ان قرار الحكم يجسد القوة الحقيقة القانونية او انه على راي الدكتور محمود محمد حافظـ ـ عنوان الحقيقة القانونية . وهذا يعني ان موضوع النزاع الذي صدر به الحكم لا يمكن ان يكون محلا لاي منازعة في المستقبل.
2ـ المعنى المادي : ويتعلق بتنفيذ قرار الحكم فاذا صعب تنفيذه تلقائيا، وجب تنفيذه من قبل السلطة العامة بقوة الوسائل التي تتمتع بها وذلك من اجل ايصال الشئ المضى به للمنتفعين من القرار.
اما من حيث الاحتجاج بالشئ المقضي به في مواجهة الادارة فان قرارالحكم ملزم لهذه الاخيرة من الناحيتين الشكلية والمادية، فمن الناحية الشكلية تعد الادارة ملزمة بالقرار القضائي سواء كانت طرفا في الخصومة ام لم تكن كذلك. وهذا في حالة ما اذا كان القرار ما يحتج به على الكافة. غير ان الادارة لا تلتزم بالشئ المقضى اكثر من التزام الافراد انفسهم بذلك اما من الناحية المادية فانه على الادارة ان تسعى بما تمتلكه من وسائل تنفيذ قرار الحكم الذي تستوجبه صيغة التنفيذ.
اذا كان الاصل ان تكون الادارة متوافقة بتصرفها مع قواعد المشروعية خاضعة لها فانه ولاسباب متعددة قد يخفف ضغط هذه القواعد على رجل الادارة فيستطيع التصرف خارج اطارها ضمن ما يتمتع به من سلطة تقديرية. وقد يتعطل العمل بشكل تام بقواعد المشروعية حيث تلجأ الادارة الى قواعد اخرى تمنحها سلطات واسعة، وهو ما يحدث في الظروف الا ستثنائية. واخيرا قد تتصرف الادارة خلافا لقواعد المشروعية دون الابطال وهو مانره عند اعمال نظرية أعمال الحكومة (السيادة).