وقال الامام العلامة السمعاني رحمه الله ايضا
ولئن دخل في غمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث ورتوت العلماء حتى أنهم عدوا أغاليط من غلط في الأسانيد والمتون بل تراهم يعدون على كل رجل منهم في كم حديث غلط وفي كم حرف حرف وماذا صحف فإذا لم ترج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث
يقول بعض الناس إن بعض الزنادقة ادعى أنه وضع ألوفا من الأحاديث وخلطها بالأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها
وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب يريد أن يهجن بهذه الدعوى الكاذبة صحاح أحاديث النبي وآثاره الصادقة فيغلط جهال الناس بهذه الدعوى
وما احتج مبتدع في رد آثار رسول الله بحجة أوهى منها ولا أشد استحالة من هذه الحجة فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يسف في فيه الرماد وينفى من بلاد الإسلام
فتدبر رحمك الله أيجعل حكم من أفنى عمره في طلب آثار رسول الله شرقا وغربا برا وبحرا وارتحل في الحديث الواحد فراسخ واتهم أباه وأدناه في خبر يرويه عن النبي إذا كان موضع التهمة ولم يحابه في مقال ولا خطاب غضبا لله وحمية لدينه ثم ألف الصحف والأجلاد في معرفة المحدثين وأسمائهم وأنسابهم وقدر أعمارهم وذكر أعصارهم وشمائلهم وأخبارهم وفصل بين الرديء والجيد والصحيح والسقيم حنقا لله ورسوله وغيرة على الإسلام والسنة
ثم استعمل آثاره كلها حتى فيما عدا العبادات من أكله وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وقيامه وقعوده ودخوله وخروجه وجميع سيرته وسننه حتى في خطراته ولحظاته
ثم دعا الناس إلى ذلك وحثهم عليه وندبهم إلى استعماله وحبب إليهم ذلك بكل ما يمكنه حتى في بذل ماله ونفسه
كمن أفنى عمره في اتباع أهوائه وآرائه وخواطره وهواجسه ثم تراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله وأشهر من الشمس برأي دخيل واستحسان ذميم وظن فاسد ونظر مشوب بالهوى
فانظر وفقك الله للحق أي الفريقين أحق بأن ينسب إلى اتباع السنة واستعمال الأثر الفرقة الأولى أم الثانية فإذا قضيت بين هذين بوافر لبك وصحيح نظرك وثاقب فهمك فليكن شكرك لله على حسب ما أراك من الحق ووفقك للصواب وألهمك من السداد واختصك به من إصابة الحسن في القول والعمل
فإذا كنت كذلك فقد ازددت يقينا على يقين وثلجا على ثلج وإصابة على إصابة ومن الله التأييد والتسديد والإلهام والإعلام وهو حسب أهل السنة وعليه توكلهم ومنه معونتهم وتوفيقهم ونصرتهم بمنه وفضله وعميم كرمه وطوله ) اهـ من كتابه الانتصار ص 52 - 58