الحرب غير المباشرة وعودة بندر وكالة أخبار الشرق الجديد القرار الأميركي بطلب إعادة بندر بن سلطان إلى منصب مدير المخابرات السعودية لا يعود فحسب إلى تاريخ علاقة هذا الرجل بالاستخبارات المركزية الأميركية منذ الثمانينات ، وشراكته الأساسية في الحروب الأميركية غير المباشرة التي طالت المنطقة والعالم الإسلامي منذ ذلك الحين ، في زمن الحرب الباردة ، بل إن مجموعة من العناصر الإستراتيجية والتكتيكية تتطلب وجود هذه الشخصية في الموقع الأول المسؤول عن إدارة الدور السعودي في المخطط الأميركي الموضوع للمنطقة. أولا: يبدو واضحا أن الولايات المتحدة وبدفع من المؤسسة الحاكمة وجنرالات البنتاغون قد اعتمدت مبدأ الحروب غير المباشرة بعد فشل حروبها الأربعة في كل من أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين ، وفي حين تتجه الاستراتيجيات الأميركية الجديدة نحو تثبيت وتعزيز تموضع الأساطيل والقواعد العسكرية في مجابهة الصين ، القوة المنافسة الصاعدة ، وفي حين يستعد المخططون الأميركيون لحرب باردة جديدة مع روسيا فلاديمير بوتين ، ومن خلفها دول البريكس ، فإن الإدارة الأميركية تنظر بقلق إلى الوضع في الشرق العربي والإسلامي حرصا على إسرائيل التي فقدت هيبة الردع وسعيا إلى إدامة الهيمنة الغربية على موارد النفط وخطوط نقله. فقد تمكنت منظومة المقاومة التي تضم إيران وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية من تطوير التوازن الرادع الذي يمنع الولايات المتحدة وإسرائيل من شن حرب على سورية أو إيران أو لبنان أو حتى على قطاع غزة خوفا من الحرب الكبرى التي يصفها جنرالات إسرائيل وأميركا معا بالكارثة الكبرى لأن السيناريوات الأكثر تفاؤلا تقود إلى حتمية فتح منظومة المقاومة لجميع الجبهات وتكبيد الغرب خسائر ضخمة عسكرية واقتصادية بينما إسرائيل ستكون مهددة بوجودها من اًلأصل. ثانيا: إستراتيجية الحرب غير المباشرة التي يقودها رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس ضد سورية ، تمثل نموذجا لسيناريو مماثل يجري التحضير له ضد إيران ، وقد صدرت مجموعة من التقارير والدراسات منذ ما سمي بالثورة الخضراء التي أشعلها الغرب تؤكد أن هذا المخطط موضوع وجاهز بالفعل خصوصا في مجال الاشتغال على تحريك الجماعات القومية والإثنية المتعددة ، والتي زرع فيها الغرب وبعض حكومات الخليج عددا من العملاء ويشمل ذلك الأقلية العربية في خوزستان والبلوش والآذريين. فقد كشف تقرير أعده مركز الدراسات التقدمي غلوبل ريسرش الكندي أن مشروع إقامة بلوشستان هو خطة أميركية جدية تستهدف إيران وباكستان في وحدتهما الجغرافية والسياسية وحيث تجري المخابرات المركزية الأميركية دورات تعد فها سياسيا وعسكريا مجموعات إرهابية ، تطرح شعار الانفصال و إقامة دولة بلوشستان ، بينما يستمر العمل على تحويل الأكراد إلى قنبلة موقوتة تفجر الكيانات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وهي فكرة تدعمها إسرائيل بقوة لأنها يمكن أن تؤثر على كل من إيران وسورية والعراق وتركيا وتغرقها في حروب داخلية طويلة. ثالثا: بندر بن سلطان هو المسؤول الأمني السعودي الذي أقام علاقة مباشرة وشبه يومية مع قيادات الأخوان المسلمين في دول المنطقة وأقنعها بتجنيد شباب تنظيماتها للقتال في أفغانستان في الثمانينات ، وهو الذي مول معسكرات الأخوان المسلمين السوريين التي أقيمت في الأردن بإشراف ولي العهد آنذاك الحسن بن طلال ، وبندر بن سلطان هو الذي لعب الدور الرئيسي في رعاية ما سمي بمكتب المجاهدين العرب الأفغان ، و ساهم في تنظيم فصائل الشيشان التي أقلقت المن الروسي لثلاثة عقود ، و هو أيضا شريك رئيسي في تكوين تنظيم القاعدة الذي رأسه أسامة بن لادن وكان بندر آنذاك يعمل بإمرة مدير المخابرات الأميركية جورج بوش الأب وبالتعاون مع وزير الدفاع ديك تشيني ومستشاره رامسفيلد في إدارة رونالد ريغان. بصمة بندر حاضرة في جميع عمليات الإرهاب التي شهدها العالم الإسلامي وخصوصا البلاد العربية ، وكانت تلك البصمة حاضرة في علاقات بشير الجميل بحكومات الولايات المتحدة و مصر و المملكة السعودية ، والتحضير للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومن ثم رعاية السعودية لاتفاق 17 أيار وفي السنوات العشر الأخيرة كان بندر شريك المخابرات الأميركية والإسرائيلية في كل نشاطاتها التي تستهدف إيران وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية. رابعا رئيس المخابرات الأميركية ديفيد بترايوس الذي يستعد لتصعيد حرب الاستنزاف ضد سورية ويحضر لأجندة تخريب داخل إيران ويعمل لنشر الفتنة السنية الشيعية في الخليج وفي لبنان والذي يتطلع إلى استعادة المحور المصري السعودي وإلزام الأخوان المسلمين في مصر بهذا الخيار يجد في بندر الشريك المؤهل لقيادة هذه المرحلة داخل المملكة السعودية وخارجها فالمخابرات السعودية تواجه محنة خطيرة في اليمن والبحرين والعراق وجماعات التكفير والإرهاب التي يمسك بندر بالعديد من خيوطها ورموزها ستكون عدة الشغل في الحرب الأميركية الإسرائيلية غير المباشرة ولذلك فالقرار الملكي السعودي ليس إلا نذير شؤم ودماء وإعلانا لتوغل المملكة في لعبة الموت والدمار التي يحركها الأميركيون والصهاينة للثار من المنطقة التي ألحقت بهم شعوبها هزائم غير مسبوقة.