كما أنَّ هناك أصلا أخر لم ينتبه إليه الشَّيخ ربيع، وهو سبب خطئه في هذه المسائل، وهو أنَّ الرَّجل قد يخرج مِن السُّنَّة في قول واحد، أو مسألة واحدة، ولا يخرجه ذلك مِن السُّنَّة ،لأنَّه لا يخرج الرَّجل مِن السُّنَّة إلاَّ بالخروج عن أصولها : الكتاب و السُّنَّة و الإجماع.
فكثير مِن السَّلف ومِن أئمَّة السُّنَّة وقعوا في أخطاء و بدع في أصول الدِّين، ولم يخرجهم ذلك مِن السُّنَّة ،فهذا لم ينتبه إليه الشَّيخ ربيع،أقصد لم ينتبه إلى الخروج الكلِّيِّ والخروج الجزئيِّ مِن السُّنَّة، وإلى السُّنِّيِّ التامِّ و السُّنِّيِّ النَّاقص، وتفاوت النَّاس في ذلك.
جاء في (السُّنَّة للخلال)(2/372): (( أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ عُثْمَانَ يَكُونُ تَامًّا فِي السُّنَّةِ؟ فَأَقْبَلَ يَتَعَجَّبُ، وَقَالَ: «يَكُونُ تَامًّا فِي السُّنَّةِ. يَعْنِي لَا يَكُونُ تَامًّا فِي السُّنَّةِ)).
فانظر رحمك الله مِن سوء فهم كلام أهل العلم إلى دقَّة أئمَّة السُّنَّة ،و تحرِّيهم، وخوفهم الشَّديد مِن الجرأة على إخراج النَّاس مِن السُّنَّة لتأويل سائغ أو محتمل ،حتَّى قال الإمام أحمد في (السُّنَّة للخلال) (2/428): (( فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ لَمْ يُثْبِتْ خِلَافَةَ عَلِيٍّ؟ قَالَ: بِئْسَ الْقَوْلُ هَذَا. زَادَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ: قُلْتُ: يَكُونُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ؟ قَالَ: «مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أُخْرِجَهُ مِنَ السُّنَّةِ، تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ»)).
رحم الله الإمام أحمد بعامِّ وخاصِّ رحمته، وجزاه عن المسلمين خيرا،لا يجرؤ على إخراج الرَّجل من السُّنَّة ،ولم يثبت خلافة إمام الهدى عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ وصرنا نخرج الرَّجل مِن السُّنَّة لأنَّه لا يوافق الشَّيخ ربيعا في بعض اجتهادِه ،ولا حول، ولا قوَّة إلاَّ بالله.
فمَن لا يعتبر أمير المؤمنين عليًّا بن أبي طالب الخليفة الرَّابع لا يخرج مِن السُّنَّة ،ومَن لا يقول: الشَّيخ ربيع لا يخطئ في الجرح و التَّعديل مبتدع (؟!)
هذا الفرق بين ما يؤصِّل له الإمام أحمد اتِّباعا لشريعة الرَّحمن وهدي المصطفى، وما يؤصِّل له الشَّيخ ربيع: الخوف مِن إخراج النَّاس مِن السُّنَّة لخطأ صحيح متحقِّق، وبين جرأة الشَّيخ ربيع على إخراج النَّاس منها لخطأ غير متحقِّق ،ولا صريح؛ حتَّى قال الإمام أحمد كما جاء في(السُّنَّة للخلال) (2/373): (( قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَنْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ هُوَ عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ؟ قَالَ: لَا تُوقِفْنِي هَكَذَا، كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو السَّرِيِّ عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: «إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنَ السُّنَّةِ شَدِيدٌ»)).
فقوله: " لا توقفني هكذا" أي لا تجعلني بين جوابين في قضيَّة منتشرة غير منحصرة ،تحتمل أكثر مِن جواب، بخلاف صنيع الشَّيخ ربيع ـ غفر الله لنا وله ـ في امتحانه بالنَّاس ،حيث يجعلك بين السُّنَّة و البدعة،السُّنَّة إن وافقته، و البدعة إن خالفته.
وقد يكون الموقف الحقُّ أنَّي لست معه في المسألة ،ولا مع مخالفه، أو أنا معه في كونه بدعة ولست معه في كونه يخرج مِن السُّنَّة،أو أنا معه في الكلِّيَّة ،ولست معه في الجزئيَّة ، أو أنا معه في التَّأصيل و التَّقعيد،و لست معه في التَّنزيل، وهكذا.
وهذا مثال ـ على الخروج الجزئي مِن السُّنَّة ،قال ابن تيميَّة في (الفتاوى الكبرى)(2/44) عندما سئِل عن المؤذِّن يستدير و يلتفت عندما يقول : الصَّلاة خيرٌ من النَّوم" :
فَأَجَابَ: (( لَيْسَ هَذَا سُنَّةً عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَهَا وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، كَغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ..... فَمَنْ قَالَ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» كِلَاهُمَا إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ خَارِجٌ عَنْ السُّنَّةِ فِي الْأَذَانِ، بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.))
قلتُ: انظروا إلى الدِّقَّة و العدل ،يقول عنه : " هو مبتدع خارج عن السُّنَّة في الأذان" لم يقل:هذا مبتدع خارج عن السُّنَّة، ويسكت .