جريمة لن تنال من عزيمة الشعب السوري صحيفة الوطن العمانية فجعت سوريا أمس بوقوع أكبر عملية إرهابية وأفظعها، والأولى من نوعها منذ تفجر الأزمة السورية، نفذها انتحاري بحزام ناسف استهدف مبنى الأمن القومي بوسط دمشق، راح ضحيتها وزير الدفاع السوري داوود عبدالله راجحة، ونائب وزير الدفاع آصف شوكت، ووزير الدفاع السابق العماد حسن توركماني رئيس خلية الأزمة. ويتزامن هذا التفجير الإرهابي المدان بأشد عبارات الإدانة والاستنكار، يأتي مع طرح مشروع قرار يهدد سوريا بعقوبات وترفضه موسكو على مجلس الأمن الدولي. وأيًّا كانت الجهة المنفذة، سواء كان ما يسمى "الجيش السوري الحر" الذي أعلن مسؤوليته عنها، أو تنظيم القاعدة كما ذهب المحللون، وذلك نظرًا لتشابه طريقة وأسلوب التنفيذ، فإن هذا التفجير الإرهابي جاء ليحقق أهدافًا وليؤكد حقائق على الأرض: الأول: قطع الطريق على كل من روسيا والصين ومنعهما من استخدام الفيتو ضد مشروع قرار غربي في مجلس الأمن يفرض عقوبات على سوريا تحت الفصل السابع، ووضعهما أمام الأمر الواقع والقبول بالمشروع، ومحاولة إقناعهما بأن الطرق أصبحت مسدودة أمام مناورات موسكو وبكين، وما يؤكد ذلك فور وقوع التفجير الإرهابي دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أهمية حصول اتفاق في مجلس الأمن على مشروع القرار، في حين ذهب وزير الخارجية البريطاني وليام هيج إلى "إصدار قرار في مجلس الأمن بشأن سوريا تحت الفصل السابع" الذي يجيز استخدام القوة. أما نظيره الفرنسي لوران فابيوس فقد دعا إلى ضرورة حصول انتقال سياسي، بينما قال البيت الأبيض إن الوضع في سوريا قد خرج عن سيطرة الحكومة السورية. الثاني: إن هذه العملية الإرهابية النوعية تؤكد أن هناك تعاونًا استخباراتيًّا عاليًا تقوده الدول الموالية للمعارضة السورية المسلحة والمُعارِضة للحل السياسي والداعمة لها بالمال والسلاح، والتي تزعم كذبًا وزورًا أنها مع الحل السياسي وأنها تؤيد خطة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا. الثالث: نفي المزاعم التي كانت ترددها المعارضة السورية المسلحة حول كل عملية تقوم بها داخل سوريا بأنها من تدبير الحكومة السورية أو "النظام" كما تسميه، وتأكيد أن المعارضة السورية المسلحة ليست صاحبة مشروع وطني ينتشل سوريا من الأزمة الحالية ويحقق تطلعات الشعب السوري أو حتى أولئك الذين تتحدث نيابة عنهم، وبدل أن تلطخ أياديها بدماء الشعب السوري كان عليها أن تقدم التضحيات لحقن هذه الدماء كما تدعي، وبالتالي ما تحاول أن تلصقه من صفات قتل وإرهاب وعنف وإجرام بحق الحكومة السورية هو في حقيقة الأمر إحدى وسائلها. الرابع: التفجير الإرهابي يؤكد الحقيقة الكبرى وهي أن الدولة السورية مستهدفة بجميع مؤسساتها، فالتفجير بمثابة إعلان حرب مفتوحة ضد جميع السوريين تمولها وتحرض عليها أطراف خارجية بهدف تدمير سوريا وخاصة المؤسسة العسكرية بمختلف تشكيلاتها. الخامس: وكما يبدو من هذه العملية الإرهابية التي كان يتم الإعداد لها منذ فترة على أعلى مستوى استخباراتي يفوق قدرات المتمردين، أن الهدف منها إحداث انهيار معنوي في المؤسسة العسكرية وللمواطن السوري، ومحاولة إقناعه بأن الوضع خرج عن نطاق سيطرة الحكومة، وبالتالي على المترددين أو الموالين للحكومة الانضمام إلى صفوف المعارضة المسلحة. إن هذا التفجير الإرهابي وجر سوريا إلى أتون حرب أهلية ومنزلقات خطيرة لا تحمد عقباها لا سيما وأن سوريا غدت ساحة مفتوحة للإرهابيين بمختلف عرقياتهم وجنسياتهم وأثنياتهم وتوجهاتهم الفكرية والعقائدية والمذهبية والسياسية، وقيامهم بتنفيذ أجندات الأطراف التي تمولهم والتي يهمها انهيار سوريا وتمزقها وإلحاقها بدول عربية لعب الإرهابيون فيها الدور ذاته، يضع مجلس الأمن الدولي في اجتماعه اليوم أمام مسؤولياته الأخلاقية لإيقاف هذا الانحدار ومنع سوريا من مستقبل معمد بالدم سيظل نزيفه مستمرًّا، مستقبل يهدد بتمزقها إلى عرقيات وطوائف متناحرة، ولذلك فإن على أعضاء مجلس الأمن أن يتخذوا ما يجنب سوريا التمزق ويحقن الدماء، بعيدًا عن سياسات الإملاء والإخضاع والابتزاز. مع اليقين بأن هذه الجريمة الإرهابية لن تنال من عزيمة الشعب السوري. الخميس 19 يوليو 2012