(الحجاز للحجازيين) رغم خديعة إبن سعود
مكة الكافرة التي فتحها وأسلمها آل سعود!!
محمد قستي
الحروب الوهابية على الحجاز في الفترة ما بين 1924 ـ 1926 لم تنطلق من مجرد رؤية سياسية أو عسكرية محض، بل يندسّ فيها البعد العقائدي بدرجة عميقة، إن صدقاً وإن كذبا، وهذا لا تعكسه رسائل العلماء الوهابيين وفتاواهم فحسب، بل تفصح عنه بوضوح شديد رسائل عبد العزيز وبياناته أيضاً، بالرغم من كونه أسبغ طابعاً دينياً على حروبه بعد نحو عقد من انطلاق حروبه في نجد 1902 واحتلاله الإحساء سنة 1912.
ولاريب أن المكان ـ الحجاز يستوجب ترتيبات أيديولوجية مختلفة، إضافة إلى التجهيزات العسكرية واللوجستية والبشرية، وهذا ما جعل إبن سعود يعلي من نبرته الدينية مع بدء تجريده الحملات العسكرية الى الحجاز. كان يدرك تماماً حساسية المكان ليس على المستوى المحلي بل والإسلامي العام، فقد بقيت السيادة الدينية على الحجاز مفتوحة لعامة المسلمين، ولذلك كانت محاولات إخضاعه دينياً وسياسياً تتطلب معالجة حاذقة، ترعى حسابات دقيقة لدى المسلمين وردود فعلهم واعتبارات المكان وقدسيته..
من المفارقات اللافتة، أن كل الذين حكموا الحجاز سلماً أو عنوة لم ينطلقوا من رؤية عقدية تكفيرية للمجتمع الحجازي، باستثناء الوهابيين منذ بدء حملاتهم الأولى في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث كانوا ينظرون الى مكة والمدينة بوصفهما مدينتين مشركتين وأهلهما مشركون. هكذا تكشف الرسائل والوفود التي بعث بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى علماء الحجاز حيث تبدو اللغة الرسولية بارزة بصورة ملفتة. وحتى بعد احتلال مكة المكرمة، فقد صعد الغازي السعودي ـ الوهابي المنبر في المسجد الحرام وصار يلقي على من حضر أصول الإعتقاد، ويأمرهم بتجديد الدخول في الإسلام بإعلان الشهادتين والإلتزام بأركان الدين والإبتعاد عن الحرام..
لم تكن الرؤية العقدية مقتصرة على الطبقة الدينية الوهابية، بل أصبحت جزءً من الخطاب السياسي السعودي، فقد اعتبر الملك عبد العزيز أهل مكة مشركين. وقد نقل جون فيلبي الحوار الذي دار بينه وبين عبد العزيز في صيف 1918 ـ 1336هـ قال فيه: إذا قدّمت أنت الإنجليزي إبنتك لي كزوجه سأتزوجها ولا أشترط إلا أن يكون أولادي مســــلمين ولكني لا أتزوج إبنة الشريف ولابنات أهل مكه ولاغيرهم من المسلمين الذي نعتبرهم مشركين..
هذه الرؤية صدرت قبل أن يغزو عبد العزيز الحجاز بست سنوات، ثم جرى تسييلها خلال المعارك الوهابية في الطائف والمدينة ومكة وجدة، حيث أخذت شكلاً دموياً، ولم يتورّع جنود عبد العزيز عن اقتراف مجازر وحشية في (تربه) بالطائف، وأخرجوا السكّان الآمنين من ديارهم، وصادروا مملتكاتهم ثم جاءوا بمعاولهم في مكة يهدمون ويخرّبون ما زعموا بأنها أصنام تعبد من دون الله!
لم يكن استعمال عبد العزيز لفظة (الفتح) بعد غزو الحجاز مجرد هفوة لغوية، إذ يمكن لمن يقرأ الوثائق هنا أن يجد كلمة الفتح تتكرر في بياناته، بل إن التوصيفات التي وردت فيها، وكذلك في كتب مؤرخي الدولة السعودية الأولى (عثمان إبن بشر وحسين بن غنام) حيث يبدؤون رواياتهم عن الغزوات الوهابية بـ (غزا المسلمون..) وأمثالها.
وصف عبد العزيز غزوه للحجاز فتحاً، لما لذلك من دلالات دينية وتاريخية، فما قام به ليس سوى امتثالاً لمملى رسولي يخرج به أهل الحجاز من الظلمات إلى النور، ويعملهم الكتاب والحكمة بعد أن كانوا في ظلال مبين..هكذا هو التصوير الوهابي السعودي لاحتلال الحجاز!
ولأنه يدرك تماماً ماذا يعني احتلال الحجاز بالنسبة للمسلمين، عمد إلى قضمه بالتدريج وليس دفعة واحدة، ليس لأن المقاومة كانت شديدة فحسب، بل الأهم من ذلك لأن إحتواء ردود الفعل الإسلامية وتمرير الخدعة تطلب خطوات تمهيدية محسوبة بدقة بالغة.
بدأ مخطط القضم بتوجيهه خطاباً الى أهالي جدة مرفقاً مع كتابة إلى القناصل الأجانب، نشرته جريدة (أم القرى) في عددها الأول الصادر في 15 جمادى الأولى 1343هـ/12 ديسمبر 1924م، وجاء في الخطاب (فلا بد أنه بلغكم أن أغلب العالم الإسلامي قد أبدى رغبته وعدم رضاه عن حكم الحجاز بواسطة الحسين وأولاده).
أراد عبد العزيز من هذه الرسالة تهيئة أجواء خطواته القادمة، فهو يقدّم نفسه مخلّصاً للحجاز من حكم الأشراف، ما يلمح إلى أنه جاء فاتحاً ومن هذه حاله يستحيل أن يسلّم الحجاز لمن يراه مشركاً أو فاسد العقيدة، وإن دعوى تسليم مقاليد الحجاز للحجازيين سوى بداية الخديعة.
في بداية احتلال الحجاز، أوحى عبد العزيز للمسلمين بأنه سيعيد الحجاز لأهلها، وهم يختاروا من يحكمهم بل وشكل الحكم التي يرتضون، على أن تكون السيادة للأمم الإسلامية عامة، ثم تغيّر الحال فأصبح هو مجرد مشرف على شؤون الحجاز فيما يترك لسكانه تقرير نظامه الإداري، ثم أصبح حاكماً عليها على أن يعطى لمجلس الشورى المنتخب في الحجاز ولاية عليه، ولما تمكّن من إحكام قبضته على الحجاز بالكامل وتبدّدت مصادر تهديد سلطانه على الحجاز سحب البساط من مجلس الشورى وبدأ في توهيب الحجاز قضائياً وإدارياً وحتى سياسياً.
شعار (الحجاز للحجازيين) صار للنجديين
الوثيقة (1) : نشرت جريدة (أم القرى) في العدد 30، السنة الأولى، الصادر في 2 محرم 1344هـ/24 يوليه 1925م ما نصّه:
بلاغ عام إلى المسلمين
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود إلى إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
الحمد لله الذي لا إله إلا هو. والصلاة والسلام على رسوله محمد الشفيع المشفع يوم المحشر (وبعد):
فقد تفاوضت أنا والوفد الهندي الموفد من جمعية الخلافة الهندية وجمعية العلماء في المسائل التي يهم المسلمين الإطلاع عليها والوقوف على حقيقة أفكارنا تجاهها.
وكان رائد الجميع الإخلاص في العمل والصراحة في القول والنصح لله ولرسوله وللمسلمين وإني أحمد الله على أن انتهى البحث على اتفاق في جميع المسائل التي دارت المفاوضة فيها.
وإني دحضاً لما يفتريه أعداء الحق ونصراء الباطل، ممن يستغلون التفرقة بين المسلمين ويحاولون أن يطفئوا نور الله بسعيهم الباطل للتمويه على قلوب السذّج من المسلمين الذين يجهلون حقيقة ما نحن عليه، أعلن ما يأتي ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة.
1/ أشكر الشعوب التي وقفت تجاهنا موقف المدافع عن الحق، وأشكر الشعب الهندي خصوصاً على موقفه تجاه العرب وقضيتهم في الوقت الذي اشتغل العرب بالمشاحنات والمخاصمات، ونسوا واجبهم نحو دينهم ووطنهم وإني أشكر أهل الهند لأنهم كانوا أول من لبى الدعوة، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء.
2/ إني لا أزال عند قولي فيما دعوت العالم الإسلامي إليه من وجوب عقد مؤتمر عام ينظر في الأمور التي تهم سائر المسلمين في الحجاز من إصلاح الطرق وتأمينها وتوفير وسائل الراحة لكل وافد وتسهيل المواصلات بقدر ما يمكن وبذلك نتحمل نحن وإياهم مسؤولية إدارة الحجاز، وستجدد الدعوة لهذا المؤتمر الإسلامي متى مهّدت وسائل المواصلات.
3/ أننا نحافظ على استقلال الحجاز الإستقلال التام محافظتنا على أرواحنا، وإننا لا نسمح أن يكون لغير المسلمين أي نفوذ فيه محافظة على ديننا وشرفنا.
4/ أن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الذي يجري العمل على وفقه في البلاد المقدسة وأن السلف الصالح وأئمة المذاهب الأربعة هم قدوتنا في السير على الطريق القويم، وسيكون العلماء المحققون من جميع الأمصار هم المرجع لكل المسائل التي تحتاج إلى تمحيص ونظر ثاقب.
5/ أني أؤكد لكم القول أن المدينة المنورة لا تزال حرماً آمناً لا يصح أن يحدث فيه حدث من قتل أو سلب أو نهب وصونا لشرفها اكتفيت بحصارها على ما في ذلك من طول وقت وخسائر مالية وأني استطيع بحول الله وقوته أن أفتحها في ساعة واحدة ولكني حريص على سلامة البلاد والعباد. وإني مشدد الأوامر على الجنود ألا يهاجموا حرم المدينة بأي صورة ولا يدخلوها حتى يستسلم العدو، وأن ما فيها من المباني والمآثر يكون العمل فيه على ما تقدم في المادة السابقة. إن أعداءنا يشيعون أننا إذا استولينا على المدينة نهدم روضة الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشا أن تحدّث نفس مسلم بذلك أني أفتديها بنفسي وولدي ومالي ورجالي، وإني لا أجد فرقاً بين ما حرم الله ورسوله من حرم مكة والمدينة، فإنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها، كما حرم سيدنا إبراهيم عليه السلام حرم مكة، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
حرر في 28 ذي الحجة سنة 1343هـ
في هذه الوثيقة يشير عبد العزيز بطريقة غير مباشرة أن ثمة سخطاً عاماً في العالم الإسلامي يكمن وراء رفض دعوته للاجتماع لمناقشة وضع الحجاز، وهناك من اعتبر الإجتماع مناسبة لإضفاء مشروعية على الاحتلال السعودي الوهابي للحجاز، كما يظهر من دفاعه عن الوهابية ورده على الانتقادات المتصاعدة ضدها في بلدان العالم الإسلامي.
من جهة ثانية، دافع عبد العزيز عن الاتهامات التي وجّهت إليه وأنه لم يرد بحروبه على الحجاز سوى احتلالها، وليس تحريرها وحفظ استقلالها، وهذا يلمح أيضاً الى خلفية قرار رفض للمشاركة في المؤتمر.
تعكس الوثيقة لغة مرنة ومنفتحة وتسامحية تجاه باقي المسلمين، تبرز منها النزعة الاستيعابية المفتعلة، خصوصاً حين يتحدّث عن إدماج المدارس الفقهية الإسلامية كمرجعية تشريعية في الحجاز.
ما تلفت إليه الوثيقة أيضاً، أن تهمة هدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لاحقت الوهابيين منذ غزوهم للحجاز، وجاءت كتابات الوهابيين اللاحقين مثل (إبراهيم الجبهان، والشيخ ربيع المدخلي وآخرين) لتثبت التهمة، وبالتالي فإن كلام عبد العزيز عن افتدائه القبر بروحه وماله وولده ليس سوى جزء من خديعة كبرى تحدق بالحجاز برمته.
وثيقة (2): نشرت جريدة (أم القرى) في العدد 39، الصادر في 7 ربيع الأول 1344هـ/25 سبتمبر 1925، نص خطاب العفو العام، الموجّه من السلطان عبد العزيز آل سعود، إلى أهالي مكة، وجاء الخطاب بعنوان (بلاغ سلطاني..عفو عام)، وفيما يلي نص الوثيقة:
إنني منذ دخلت جنودي هذه البلدة المطهرة أمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم. ولما وصلت بنفسي إلى حرم الله هذا أكدت ذلك الأمان وأصدرت عفواً عاماً عن جميع ما كان من أي إنسان كان فيما سلف واليوم أعود وأكرر لكافة الناس أن كل إنسان كان في خدمة الحسين أو تحت طاعته فهو في أمان الله ومغفور له جميع ما تقدم من ذنبه متى عاد لهذا البلد الطاهر وأخلد للراحة والسكون فالبلد بلد الله والأمن أمن الله ولكنني لا لأسمح بوجه من الوجوه أن يقوم بأي دعاية للذين أكثروا في هذه البلاد الفساد، وأننا سنوقع أشد أنواع الجزاء على أي إنسان كان ياتي بأي حركة في ذلك السبيل فمن كان يريد السلامة لنفسه فحباً وكرامة ومن كان يريد السوء فلا يلومن إلاّ نفسه.
في هذه الوثيقة يوجّه عبد العزيز رسالة الى القيادات السياسية التي كانت مع الشريف حسين، مثل الصبان والخطيب وغيرهم والذين جرى استيعاب بعضهم ضمن الجهاز الإداري الحجازي الخاضع لسلطة ابن سعود.
ما يدهش في هذه الوثيقة ً تلك اللهجة الرسولية التي كان يستعملها عبد العزيز، ولم تكن خطاباً مرتجلاً وإنما نص مكتوب ما يعزز القناعة بأن الرجل يتحدث بلغة الفاتح والنبي كقوله (..فهو في أمان الله ومغفور له جميع ما تقدّم من ذنبه..)، فتلك لغة لا تصدر، إن صدرت، الا عن الأنبياء.
(الوثيقة 3): ورد في الصفحة الأولى من جريدة (أم القرى) العدد 45 الصادر في 19 ربيع الثاني 1344هـ/6 نوفمبر 1925، كتاب السلطان ابن سعود، إلى ملوك المسلمين والجمعيات والهيئات الإسلامية وجهه يوم 10 ربيع الآخر سنة 1343 ما يلي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود
إلى...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد فإني أرجو لكم دوام الصحة والعافية وأني لسعيد أن أمد يدي ليدكم ولكل يد عاملة لخير الإسلام والمسلمين، وأني مملوء ثقة أنه بتعاوننا على الخير سيكون المستقبل السعيد لجميع الشعوب الإسلامية.
إني لست من المحبين للحروب وشرورها، وليس لدي شيء أحب من السلم والسكون، والصفاء والهناء، والتفرّغ للإصلاح، ولكن جيراننا الأشراف أجبروني على امتشاق الحسام وخوض غمرات الحرب خمس عشرة سنة لا في سبيل شيء سوى الطمع على ما بأيدينا، فقد صدونا عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد. ودنّسوا البيت الطاهر بكل أنواع الموبقات مما لا يحتمله مسلم. لقد رفعنا علم الجهاد لتطهير بلاد الله الحرام وسائر بلاد الله المقدّسة من هذه العائلة التي لم تترك سبيلاً لحسن التفاهم وحسن النية بما اقترفت من الشرور. وإني والذي نفسي بيده، لم أرد التسلط على الحجاز، ولا تملّكه، وأن الحجاز وديعة في يدي الى الوقت الذي يختار الحجازيون لبلادهم والياً منهم ليكون خاضعاً للعالم الإسلامي تحت إشراف الأمم الإسلامية والشعوب التي أبدت غيرة تذكر في هذا السبيل كأهل الهند وأمثالهم.
إن الخطة التي عاهدنا عليها العالم الإسلامي، والتي لم نزل نحارب من أجلها مجملة فيما يلي:
1/ أن الحجاز للحجازيين من جهة الحكم وللعالم الإسلامي من جهة الحقوق التي لهم في هذه البلاد.
2/ سنجري الاستفتاء التام باختيار حاكم الحجاز تحت إشراف مندوبي العالم الإسلامي ويحدد الوقت اللازم لذلك فيما بعد، وسنسلم الوديعة التي في أيدينا لهذا الحاكم على الأسس الآتية:
1 ـ يجب أن يكون السلطان الأول والمرجع للناس كافة الشريعة الإسلامية المطهرة.
2 ـ حكومة الحجاز يجب أن تكون مستقلة في داخليتها، ولكن لا يصح لها أن تعلن الحرب على أحد، ويجب أن يوضع لها النظام الذي يمكنها من ذلك.
3 ـ لا تعقد حكومة الحجاز اتفاقات سياسية مع أي دولة كانت.
4 ـ لا تعقد حكومة الحجاز اتفاقات اقتصادية مع أي دولة غير إسلامية.
3/ تحديد الحدود الحجازية ووضع النظم المالية والقضائية والإدارية للحجاز موكول للمندوبين المختارية من المم الإسلامية. وسيحدد عددهم باعتبار المركز الذي تشغله كل دولة للعالم (الأصل) الإسلامي والعربي. وسيضم لهؤلاء مندوبين (الأصل) من جمعية الخلافة، وجماعة أهل الحديث، وجمعية العلماء في الهند، ومندوبين (الأصل) من قبل الجمعيات والهيئات الإسلامية، التي تمثل المسلمين في الديار التي ليست فيها حكومة إسلامية.
هذا ما نويناه لهذه البلاد، وما سنسير عليه في المستقبل إن شاء الله تعالى. ولي الأمل العظيم، في أن تسرعوا في إرسال مندوبيكم وإخبارنا عن الوقت المناسب لعقد هذا المؤتمر. هذا ما لزم بيانه.
ملحوظة:
أرسل هذا الكتاب إلى: جلالة ملك مصر، جلالة ملك الأفغان، رئيس الجمهورية التركية، جلالة شاه إيران، جلالة ملك العراق، الأمير عبد الكريم (الخطابي) أمير الريف (في المغرب)، صاحب السيادة الإمام يحيي (حميد الدين إمام اليمن)، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، رئيس جمعية الخلافة في بومباي، جمعية الحديث في أمرتسر (بالهند)، جمعية العلماء في الهند، صاحب الدولة باي تونس، رئيس حكومة طرابلس الغرب، الشيخ بدر الدين الحسيني، الشيخ بهجت البيطار في دمشق، النظارة الدينية المركزية في بلدة أورفا من بلاد روسيا، القاضي مصطفى شرشلي في بلدة تيزي أوزو بالجزائر، رئيس شركة إسلام في بلدة جو كجاكارتا من بلد جاوه، الشركة المحمدية في جاوه.
يبدي عبد العزيز في هذا الخطاب الموجّه الى ملوك ورؤساء الدول الإسلامية مرونة مفتعلة، حين يؤكد على شعار (الحجاز للحجازيين)، بما يمليه من خطوات تؤكد على حق سكان الحجاز على إدارة شؤون بلادهم ـ الحجاز. غير أن عبد العزيز لم يترك ذلك الشعار مفتوحاً، دون أن يربطه بقيود تفضي في نهاية المطاف الى خضوع السلطة والحكم في الحجاز له وحده، حين ثبّت موضوع الاستفتاء لاختيار حاكم في الحجاز. يلزم الإشارة هنا إلى أن عبد العزيز يوجّه خطابه ولمّا يسقط الحجاز بالكامل عسكرياً، ولذلك لم يكن من السهولة بمكان إعلان الحجاز إمارة سعودية وهابية قبل أن يستكمل مخططه الاحتلالي. وسنلحظ أن مرونة ابن سعود تزول تدريجياً كلما نجح في قضم المزيد من الأراضي الحجازية، فيما ينكث بوعوده للحجازيين وللعالم الإسلامي بتسليم الوديعة لحاكم من أهل الحجاز، الذي لم يظهر قط، وإنما عنى بالحاكم نفسه أو من ينوب عنه من أبنائه، وهذا أيضاً مقتضى (الفتح الوهابي) للحجاز.
(وثيقة 4): نشرت جريدة (أم القرى) في عددها 52 الصادر في 11 جمادى الثانية 1344هـ/27 ديسمبر 1925م، بلاغاً عاماً، من السلطان عبد العزيز إلى أهل الحجاز، مايلي نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
بلاغ عام
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود إلى إخواننا أهل الحجاز سلمهم الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:
فإني احمد الله إليكم وحده الذي صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. وأهنئكم وأهنىء نفسي بما منّ الله علينا وعليكم من هذا الفتح، الذي أزال الله به الشر، وحقن دماء المسلمين، وحفظ اموالكم، وأرجو من الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، ومتبعي هداه.
إخواني: تفهمون أني بذلت جهدي وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه: طاعة لأمر الله، قال جل من قائل: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)، وقال تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).