مفرغ من مادة بعنوان ( عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ) لفضيلة الشيخ الدكتور فلاح بن إسماعيل مندكار -حفظه الله -
وهذه الدعوة ( دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ) للبركة في عمر لازمته عند إسلامه وكذلك في إسلامه وفي خلافته وفي موته رضي الله تعالى عنه وأرضاه حيث ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله عز وجل قد جعل الحق على لسان عمر ، هذا صح عن رسولنا فيما رواه الترمذي وغيره وذكر كثير من أهل السير والتأريخ الموافقات الكثيرة مما نطق بها عمر ابن الخطاب ثم ينزل القرآن بعد ذلك موافقاً لما جاء عن عمر كما في قصة الأسرى وفي الحجاب وتحريم الخمر وفي مقام إبراهيم وغيره من المسائل التي كان للصحابة فيها رأي ولعمر ابن الخطاب فيها رأي ثم ينزل القرآن على موافقة لعمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، حتى يقول ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر .
طبعاً هذا أمر مثل ما قلت ببركة دعاء نبينا - عليه الصلاة والسلام - وبما جعله الله عز وجل من رجاحةٍ وعقل وحكمة ودهاء في عمر ابن الخطاب رضي الله عنه
وأيضا صح عن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - أنه ذكر في عمر قال : قد كان في الأمم محدّثون فإن يكن في أمتي أحد فمنهم عمر ، عمر ابن الخطاب
ومحدَّثون معناها مُفَهَّمون لا كما يظن كثير من الناس أن الله عز وجل يحدثهم بل الله عز وجل يلقي إليهم فهما يفهمون به التنزيل أو يفهمون به الأمر والمسألة عندنا اختلاف ، نعم
وكذلك صح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر في عمر ابن الخطاب أنه ما سلك فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فج عمر ابن الخطاب رهبة من عمر وتوفيقاً من الله تبارك وتعالى ومفاصلة بين عمر ابن الخطاب وبين الشياطين ( شياطين الإنس والجن ) حتى قال - عليه الصلاة والسلام - فيه :" لو كان بعدي نبي لكان عمر ابن الخطاب " رضي الله تعالى عنه وأرضاه ،لذلك ( لهذه الأسباب ) أمر نبينا - عليه الصلاة والسلام - الناس بالاقتداء بعمر ابن الخطاب والسير على سبيله وقبله بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما جميعا فقال :" اقتدوا - يخاطب الصحابة - ونحن قطعاً داخلون من باب أولى فإن كان الصحابة أُمروا بمتابعة أبي بكر وعمر والاقتداء بهما فنحن أولى " اقتدوا باللَذَيْن من بعدي أبي بكر وعمر " هذا نص كلام نبينا - عليه الصلاة والسلام - ولعل بعض الناس يقول : هذا في زمن النبي ، بل قد جاءت رواية أخرى (مقطوع ) هذا كلام أعداء السنة وأعداء الصحابة يقولون : هذا الكلام في زمن النبي - عليه الصلاة والسلام - يعني قبل ردتهما لأنهم يزعمون أن أبا بكر وعمر ارتدا بعد موت النبي - عليه الصلاة والسلام - مباشرة فيقولون هذا الحديث " اقتدوا باللذين من بعدي في حياته ! فأقول الرواية الأخرى يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر " وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن المراد بالاقتداء إنما هو بعد وفاة نبينا وبعد لحوقه بالرفيق الأعلى - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -
ولهذا السبب أيضا أقول لهذه المكانة العظيمة الجليلة اختاره أبو بكر للخلافة نصاً دون تردد ودون توقف ولا تريث أبدا ولا مشورة من أحد من الصحابة بل قد كلمه كثير من الصحابة منهم عثمان منهم علي كل الصحابة كلموا أبا بكر في عمر لما علموا أنه يريد استخلاف عمر ابن الخطاب لِما علموا من شدته رضي الله تعالى عنهم جميعا فذكر لهم وقال لهم بل أختاره وقد أعددتُ جواباً لربي إذا سألني فيما استخلفت عمر .
وكان أهلاً لها فوَلِيَ الخلافة بعد أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه وكان ذلك في سنة ثلاث عشر من الهجرة واستمرت ولايته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال وسُمي لأول مرة بأمير المؤمنين وهذا مما اختاره ورآه عمر لأن أبا بكر كان يقال له خليفة رسول الله وعمر في أيامه الأولى خليفة خليفة رسول الله ، طيب الثالث والرابع وش راح يصير؟ فجمعهم عمر وقال : أرى أن تغيَّر هذه التسمية فاتفقوا جميعاً على تسميته بأمير المؤمنين كما أشار إليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه الكلام فيه كثير والكلام فيه ذو شجون رضي الله تعالى عنه بل وفي جميع الصحابة حقيقة لكن عمر له منزلة عظيمة وله مكانة لأنه بقي في الأمة كثيرا وأيضا انتشر الإسلام واتسعت دولة الإسلام في أيامه كثيرا
وعمر اتفق العلماء جميعاً على أنه قد شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها ، كل المشاهد وجميع الغزوات التي غزاها نبينا - صلى الله عليه وسلم - أقول قد شهدها عمر ، شهد بدراً وشهد ... بل يقولون أنه من الذين ثبتوا في أحد وحنين عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين فر كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
وأما أيام خلافته وفي فترة خلافته تسمى بأيام الفتوح لأن الله عز وجل قد فتح على أهل الإسلام في أيام عمر فتحاً عظيما ، ففتحت الأمصار وجميع بلاد العراق والشام وما حولها إلى أنطاكية -يعني جهة تركيا وغيرها - وكذلك دولة فارس زالت في أيام عمر رضي الله عنه وفتحت بلادهم حتى نهاوند وأذربيجان وخراسان وما وراء النهرين وفتحت مصر وشمال إفريقيا والإسكندرية والمغرب ومعظم شمال أفريقيا كل ذلك في أيام عمر بل في أيامه أيضا غزى معاوية رضي الله عنه الروم حتى بلغ عمورية وهرب هرقل من أطراف بلاد الشام حتى ذهب إلى بلاد الروم ونزل بالقسطنطينية التي فُتحت بعد عهد عمر رضي الله تعالى عنهم جميعاً وكذلك نُقلت في أيامه كنوز كسرى وأموال هرقل وأموال وكنوز والذهب وغيره من بلاد فارس وبلاد الروم كلها نقلت إلى المدينة وأدَّوها الصحابة والتابعون لهم بإحسان بأمانة إلى عمر ابن الخطاب وإلى بيت مال المسلمين حتى أنه لما رآى ذلك جميعاً بكى رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقال كلمته المشهورة : إن أناساً أدوا هذا لذوو أمانة ، فقال له علي وغيره :قالوا : عففتَ فعفَّت الرعية ولو رَتَعْتَ يا عمر لرتعت الرعية ، وهذا ما نحن فيه اليوم والعياذ بالله وهذا حال أكثر المسلمين في بلادهم أنهم ضيعوا الأمانة التي ميز الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بها .
الأمصار والدولة الإسلامية اتسعت كثيراً في أيام عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه والكلام في الفتوح وغيره كثير ولكن الوقت يدركنا ونحاول أن نأتِ على شيء مما يعنينا في حياة عمر رضي الله عنه وأرضاه وكل شيء في حياته يعنينا حقيقة .
من حيث زهده ومن حيث وورعه في دين الله تبارك وتعالى أذكر كلمة ولعلها تكفي لكن أيضاً نذكر شيئاً أو طرفاً من ذلك ، علي ابن أبي طالب رضي الله عنه شهد أن عمر قد أتعب من جاء بعده ، يعني يتعب الناس في الخلافة والإمارة والسلطان أن يفعلوا مثل فعله ، بل نص علي أنه قد أتعب من جاء بعده ، معنى كلامه أنه لا يمكن لأحد من الخلفاء والأمراء أن يسير في الأمة بسيرة عمر ابن الخطاب والأمر كذلك ولا شك بل ثبت أيضا عن عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه قال : والذي نفسي بيده لقد أتعبت من جاء بعدك يا عمر ، هذا أقول لأنه جمع بين الملك واتساع الدولة ووفرة الأموال والكنوز والذهب والفضة وغيرها هذا كله يجتمع مع الزهد ومع التقشف والورع في دين الله تبارك وتعالى ، وهذه قطعاً اجتماع هذه وتلك لا شك أنها مما يصعب يعني كون الأموال تكون متوافرة وكون خيرات الله تبارك وتعالى تتوالى على الأمة وتتوالى على المدينة والحجاز وبيت مال المسلمين ومع ذلك يرى الناس زهداً قَلَّ نظيره في من ؟ في أمير المؤمنين وخليفة المسلمين على هذه الدولة العظيمة التي وصلت أطراف بلاد فارس أو لعل معظمها وكذلك أطراف بلاد الروم وإفريقيا كل هذه الدولة يحكمها عمر ابن الخطاب وهو رضي الله تعالى عنه إمام في الزهد
كان يستنفق كل يوم درهمين فقط من بيت باب المسلمين له ولعياله
حتى يذكر عبد الله ابن عمر أنه لم يقبل أن تؤخذ هذه الأموال (الدرهمان ) يقول بل اجعلها استقراضاً يعني عمر يستقرض هذا من بيت مال المسلمين يعني يسجلها ، كانت تسجَّل على عمر ابن الخطاب أنه يستقرض في كل يوم درهمين من بيت مال المسلمين يأكل به هو وعياله .
ومما قاله عن نفسه في هذا المال قال : هذا المال أنزلته بيني وبين ربي بمنزلة اليتيم فإن استغنيتُ عففتُ عنه وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف ، فيُذكَر في مرض له أنه اشتكى ، فذُكر له أن شفاءه في العسل لأنه ما كان يأكل لا العسل ولا السمن ولا الطعام الطيب أبداً ما كان يأكل شيئاً من ذلك وكان في بيت المال شيء من العسل فاستأذن عامة أهل الإسلام أهل الحَل والعقد قال : إن أذنتم لي أكلته وإلاّّّّ فلا ، قطعاً أَذنوا له رضي الله عنه وأرضاه
ومما يُذكر أن بطنه كانت تقرقر كثيرا من شدة الجوع !
إحنا اليوم بطونّا تقرقر من التُّخمة في الطعام والعياذ بالله ، والله نأكل الطعام ثم نبحث بعد الطعام عما يهضمه لنا ! يقول : إشرب ترى هذا يهضِّم ، هذا مهضِّم جيد ! يقول : لا ، اليوم جابوا شي آخر يهضم ونتفنن في ألوان الأشربة بعد الأطعمة لأنها تهضم من كثرة ما أتخمنا بطوننا بالطعام والعياذ بالله
هذا حالنا نسأل الله السلامة
عمر ابن الخطاب كانت بطنه تُقرقر كثيراً من شدة الجوع ، كم أتعب بطنه رضي الله عنه وأرضاه ؟! فكان يضع يده على بطنه ثم يقول لها ( يقول لبطنه رضي الله عنه ) : قرقر ما شئت فوالله لا تأكل شيئاً حتى يأكله الناس جميعاً
مع أن بيت المال كما قلت : والله قد طفح بالأموال
علي ابن أبي طالب ( هذا فقط مثال حتى نعرف ) الفُسطاط يعني مثل السجاد الكبير الذي كان في إيوان كسرى هذا قسموه بين بعض بين مجموعة من الصحابة فعلي ابن أبي طالب حصلو قطعة من هذه باعها بعشرين ألف درهم ، هذا فقط من الفسطاط عدا بقية الأموال والذهب وغيرها من الغنائم ولكن عمر ابن الخطاب لم يجعل له من ذلك حظاً ولا نصيبا
وكان أيضاً يقول : إصبر ( عندما تقرقر البطن يضرب عليها ويقول ) : إصبر فوالله ما عندي إلا ما ترى حتى تلقى الله تبارك وتعالى ، كلَّمه كثير من الصحابة في جوعه وفي ورعه وفي جهده ( أو زهده -غير واضح - ) وفي تقشفه في الطعام واللباس ، كلمه كثير من الصحابة ومنهم حفصة يعني خلت بأبيها وقالت له : إن الله عز وجل قد أرغد العيش ( يعني (غير مفهومة ) من الخير الكثير ) وإن الله تبارك وتعالى قد أنعم علينا فهلاّ جعلت من نفسك حظاً في طعامك ولباسك ؟ ، يعني كانوا يحبون أن يظهر الأمير بمظهر يليق بالإمارة لأن السفراء وغيرهم كانوا يأتون كثيراً إلى مدينة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولكنه قال لها : والله إني سأخاصمكِ إلى نفسكِ ، أنتِ يا حفصة وقال لها في رواية : والله لو كان من غيركِ أنتِ ، يعني لو غيرك أنتِ إلي يقول هذا الكلام يا حفصة ، ثم قال لها وذكَّرها برسول الله قال : أما تذكرين ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى من العيش ؟ أما تذكرين ما كان من لباسه وطعامه عليه الصلاة والسلام ؟ حتى بكت حفصة لأنها تذكرت ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال لها : أما والله إن قلتِ ذلك لمكاني - يعني منكِ- والله إن استطعتُ لأشاركنَّهما (هنا انقطع الكلام عن عمر رضي الله عنه وأرضاه )
يتبع في التفريغ