أبا يوشع هذا ما يغيظ البعض فلا تهتم لما يقولون
هآرتس - جدعون ليفي
الجميع في الجولان يتحدثون عن الاسد
اغرورقت عيناه بالدموع فجأة حينما قال إنه يحلم بحرية بلده الذي لم يزره قط. انه وئام عمشة، وهو شاب رائع في الثلاثين من عمره، بعد أكثر من 13 سنة في السجن الاسرائيلي بسبب خطة لاختطاف جندي ? وهو الوحيد من سكان الجولان الذي أُفرج عنه في صفقة شاليط ? يوجه الآن نضاله من اجل الديمقراطية في سوريا. حينما أُفرج عنه قبل نحو من خمسة اشهر ايضا لم تأت القرية كلها الى حفل الافراج عنه. فهم في بقعاثة التي هي «بني باراك» الجولان كما عرّفها أحد السكان، لم يغفروا له نضاله ضد بشار الاسد الذي بدأه حينما كان ما يزال في السجن الاسرائيلي. وبعد ذلك ببضعة ايام جاء الى بيته مجهولون فأنشدوا أناشيد تأييد للاسد بمكبرات صوت تصم الآذان وحاولوا ان يهاجموه وأبناء عائلته. وعلى طاولة منزوية في «مقهى بتهوفن» الهادئ الحديث في مجدل شمس المجاورة شعر بالأمن ليتحدث عن جرائم الطاغية من دمشق.
انهم في الجولان تحت سيادة اسرائيلية منذ عشرات السنين، وتتجه قلوب الجميع تقريبا الى سوريا الجارة، الوطن الذي في القلب، والدولة النازفة التي تئن في حربها الأهلية. يتحدث هنا الخوف والشجاعة، والمصالح والمبادئ، في خليط عاصف كماء الثلج الذائب الذي يسيل في الشوارع في يوم ربيعي تسطع فيه الشمس. وتحت القبة الزرقاء السماوية تبدو الاختلافات والانقسامات كلها لا بين الأقلية من المتعاونين مع الاحتلال الاسرائيلي ومعارضي الاحتلال بل بين مؤيدي النظام في سوريا ومعارضيه.
ان مؤيدي النظام وهم رجال الدين ومعهم فريق كبير من السكان يخشون على مصير أبنائهم وهم مئات من طلبة الجامعات من الجولان يدرسون في دمشق، وعلى مصير آلاف من أقربائهم في سوريا وعلى مصير سوق تفاح الجولان الكبيرة في سوريا. وهم يخشون ان تتحول سوريا العلمانية الى اسلامية، ويعتقدون ان الاسد أحسن الى الدروز وربما يريدون في سويداء قلوبهم استمرار نظام الاسد الذي يضمن استمرار الوضع الراهن للاحتلال الاسرائيلي المريح. فكثيرون في الجولان على يقين من ان الاسد لن يحرر الجولان (وهذا أفضل)، لأنه يوجد حلف خفي بين اسرائيل والنظام السوري. لكن الشمس التي سطعت يوم الاثنين من هذا الاسبوع على الجولان كشفت ايضا عن الماضي الذي لا يُنسى هنا: فبقايا جدار مقبرة القرية السورية المدمرة جبتا الزيت التي بُنيت قرية الاستجمام (ريمونيم) على أنقاضها، تظهر من وراء فخامة الفندق الاسرائيلي المزدحم بالنزلاء في موسم الثلج.
وفي جبتا الثانية، وهي قرية جبتا الحشب قرب القنيطرة السورية، نشبت في الاسبوع الماضي يوما واحدا، المعارك بين المعارضة والجيش السوري، كما يقولون في الجولان وبلغت أصداؤها الى مجدل شمس.
وهم على يقين هنا من ان اسرائيل لم تُغمض عينيها عبثا ازاء دخول الجيش السوري جبتا لقمع المظاهرات مخالفا بذلك اتفاقات فصل القوات في الجولان. وفي الاثناء أصبحت توجد في بقعاثة عائلة أُعدم أحد أقربائها وهو جندي سوري رفض الامر العسكري، في الاضطرابات في سوريا، وتُشد أعين الجميع ليلا ونهارا الى شاشات التلفاز.
يشاهد مؤيدو الاسد البث الدعائي في التلفاز السوري، ويشاهد معارضوه محطات الاقمار الصناعية العربية الانتقادية. في مساء يوم الاحد بث التلفاز السوري بالانجليزية تقريرا صحفيا عن فرح السكان في مدينة حمص بدخول الجيش السوري الذي جاء ليحررهم من عبء «الارهابيين» الذين غزوها من الخارج. هكذا حقا.
كان موقع جبل الشيخ ما يزال مغلقا في مطلع الاسبوع بسبب العاصفة الثلجية هذا الاسبوع وعمل عشرات من أبناء المجدل في ازالة الثلج الذي تكوم ليبلغ سبعة أمتار على القمة.
ما يزال المطعم القريب مغلقا الآن لكنه ازدحم أمس بشباب محليين حتى الساعات المتأخرة من الليل. اسمه آن ديفايند، أي «غير مُعرّف» مثل هضبة الجولان كلها. وفي مشرب فندق نرجس ايضا قضى عشرات من الشباب والشابات الدروز أوقات ترفيه الى ما بعد منتصف الليل يحتسون الفودكا والجعة، ويقضمون الكعك ويشاهدون ببث حي لعبة كرة قدم اسبانية يبثها تلفاز أبو ظبي. ويصعب ان نميز هنا الدرزي عن اليهودي، والاسرائيلي عن السوري.
تنضم شفاء أبو جبل الى طاولتنا في المطعم وهي من المجدل وترتدي سروالا ضيقا وحذاء عاليا، وهي متأنقة وعصرية المرأى جدا، وستتقدم بعد شهرين لامتحانات الاجازة لمكتب المحامين في اسرائيل بعد ان أنهت دراسة الحقوق في جامعة حيفا، وهي لا تنوي ألبتة ان تعمل في مهنتها، وهي في الاثناء تعمل في شركة «غلوبل ميديا أناليست» في هرتسليا، تحلل الاعلام العالمي بالانجليزية من اجل شركات اسرائيلية.
تتحدث العبرية بطلاقة وهي في السادسة والعشرين تشرب الكوكتيل من كأس واسعة وتصرف ساعات كل يوم تراسل بالشبكة الاجتماعية اصدقاء في سوريا. قلت تعالي نتحدث في السياسة يا شفاء. «هلم، من أين نبدأ؟ يؤلمني ما يحدث في سوريا، يؤلمني جدا. والأشد علي ان يختفي شخص ما من شبكتي الاجتماعية وألا أتجرأ حتى على ان اسأل لماذا. أنا «بيغ ماوث» (فم كبير) في الشبكة الاجتماعية واختفى عني 10 ? 15 صديقا في سوريا. ويؤلمني أكثر من كل شيء نظر الناس في الجولان الى الاسد. هذا هو عقابنا الاجتماعي. ان أكثر الناس يؤيدون النظام هنا ولا يفهمون معنى التغيير. وهم يشيعون اشاعات أننا نحصل على مال كي نقوم بحملة دعائية مضادة للاسد وبدأ هذا يضايقنا.
«ان الأصعب ألا تؤيد شابة درزية الاسد. وهو اسوأ من ألا يؤيد شاب درزي الاسد. يهاجموننا بالكلام ويسألون دائما: لماذا؟ من المؤكد انه يوجد سبب خفي اذا لم نكن نحن في التيار المركزي. وهم لا يؤمنون انه يوجد ناس يستحقون الحرية وحقوق الانسان، ويستحقون التغيير. قد يكون التغيير سيئا كما في مصر، لكن هذه مرحلة ضرورية في الديمقراطية. قد يختارون الاسلام في البداية ثم يختارون الديمقراطية».
ثارت أمس في الشبكة الاجتماعية على طبيب من قريتها قارن بشار الاسد بجمال عبد الناصر. كتبت شفاء ان عبد الناصر مات بسبب ناس مثله. تبتسم بلطف وتقول: «أنا لست لطيفة حقا»، وتتابع قائلة «الاحتلال الاسرائيلي ذكي. فقد جعلونا نعتاد عليه. وحرية التعبير عندنا متأثرة باسرائيل. فلو لم تكن حرية التعبير لكنا مثل السوريين. وهذا لا يمكن إنكاره. لكنني لم أعد متأكدة بعد ما حدث في سوريا. يوجد تعاون بين اسرائيل ونظام الحكم في سوريا. ولست على ثقة الآن من انه أيحيا أبنائي تحت الاحتلال الاسرائيلي. لم يُجهد الاسد نفسه ليعيد الجولان. كان يهمه الحفاظ على عدو خارجي. فهذه صفقة مفيدة للطرفين. وهذا سبب آخر يُبين لماذا يجب علينا ان نعارض الاسد وسبب آخر ايضا يفسر لماذا يؤيد 80 في المائة هنا الاسد: فالناس يحبون الصفقة بينه وبين اسرائيل ويريدون الاستمرار في اسلوب حياة اسرائيل».
الدراسة في سوريا مجانية. ويجتاز أكثر خريجي الطب الامتحانات الاسرائيلية بنجاح، وفي القرية كثيرون من الاطباء. لا توجد في المجدل وفي سائر بلدات الدروز انتخابات محلية ويُعين وزير الداخلية الاسرائيلي رئيس المجلس للفترة التي يرغب بها الوزير. انها الديمقراطية. يجب ان يكون رئيس المجلس بحسب القانون مواطنا اسرائيليا ولهذا فان احتمال ان يعبر عن الأكثرية المطلقة من السكان ممن ليسوا من مواطني الدولة هو صفر.
العلاقات ايضا بـ نفيه إتيف الجارة ليست جيدة بصورة خاصة. فهنا يشتكون من معاملة السكان اليهود لعمالهم الدروز، لكن الوقت الآن شتاء ويتجه الاهتمام الى السياحة الاسرائيلية التي تتدفق عليهم هنا وتترك شيئا من المعاش للدروز ايضا.
في ساعات الصباح الباكر يأتي الجزار حسن فخر الدين الى حانوت جزارته في الميدان المركزي في بلدة مجدل شمس. أظهروه في القناة الثانية منذ وقت قريب يقطع اللحم ويتحدث عن بطله بشار الاسد.
انه جزار من مجدل شمس في الرابعة والستين من عمره، وهو يشتري اللحم من الكيبوتسات المجاورة والعمل ضعيف في الشتاء. يقول: «ان ما يحدث في سوريا هو شأنها الداخلي. سيطرت القاعدة والولايات المتحدة وتركيا وفرنسا على مصر وتونس وليبيا واليمن وبقيت سوريا الآن. تقوم السلطة في سوريا على دولة علمانية للطوائف كلها. لا يوجد مسلمون ومسيحيون وسنيون وعلويون. الجميع سوريون، يعيشون معا. ولا يلائم هذا السعودية وقطر وهما دولتا السلفيين والقاعدة. ولهذا فعلتا ما فعلتا في ليبيا ومصر واليمن وظنتا ان تنجحا في سوريا ايضا. لكن الاسد يحافظ على سوريا لتبقى كما كانت، للطوائف كلها. والآن خرج السلفيون والقاعدة من حمص وكل شيء على ما يرام».
وماذا عن آلاف القتلى؟
«أقول لك بشأن القتلى: لنقل انه وجدت مظاهرات في باريس عند ساركوزي ألا يقع قتلى؟ وماذا يفعلون في السعودية؟ أخذوا امرأة تقود سيارة وجلدوها 100 جلدة. وماذا يفعلون في تركيا في مواجهة «الارهاب»؟ ولن نتحدث عن اسرائيل. في العالم كله يُقتل من جاء لقتلك. جاء السلفيون والقاعدة من لبنان والعراق الى سوريا لتحويلها الى دولة اسلامية. وفي سوريا ايضا كان ناس لم يحسنوا الصنع كما هي الحال في اسرائيل بالضبط بحيث نرى رئيس اسرائيل موشيه قصاب في السجن، لكن الاسد جيد جدا لا يوجد ما يُقال فيه. وماذا عن أبيه حافظ الاسد؟ حينما مات ابنه باسل رحمه الله حضرت اليه لأعزيه في بيته. وهو بيت عادي جدا ? في مجدل شمس بيوت أجمل. لكن يوجد حول الاسد ناس غير جيدين تجب إقالتهم.
«الأكثرية في مجدل شمس يعتقدون اعتقادي. ضقنا ذرعا بـ «الجزيرة» لأن كل ما لديها أكاذيب. أما النساء والاولاد فقتلهم السلفيون والقاعدة الذين جاءوا من الخارج. لا أريد ان تتحول سوريا الى اسلامية فكلنا بشر وكلنا جئنا من لدن الله. أسمع ان نتنياهو لم يقل شيئا لكن باراك قال بعد اسبوعين سيسقط الاسد، وها هو ذا الاسد لم يسقط بعد 11 شهرا».