منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تركيا: تحذير من فخ التورط عسكرياً في سوريا
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-06-28, 19:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الزمزوم
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية الزمزوم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

روسيا وسوريا: اختبار مبدأ بوتين
2012/06/28

لم تكن الكتابة عن سوريا وعلاقاتها الدولية في أي وقت مسألة عادية أو بسيطة. سوريا، بلدا أو شعبا، تدفع الكاتب، إن كان معلقا صحافيا أو باحثا أكاديميا، إلى بذل جهد مضاعف ليلتزم الموضوعية. ذكر لي أستاذ غربي متخصص في شؤون الشرق الأوسط أنه في كل مرة كتب عن سوريا قضى وقتا طويلا ومرات عدة بعد الانتهاء من الكتابة يقرأ ما كتب ليقنع نفسه بأنه لم يتخلَّ عن موضوعيته.
اعتقدت، وما زلت أعتقد، أن سوريا حالة خاصة في العلاقات الدولية والإقليمية، وأن مجموع تأثيرها في ما حولها أكبر كثيرا من مجموع قواها الصلبة، وربما أكبر أيضا من مجموع قواها الناعمة والصلبة معا. وقد اجتهد الكثيرون من الأجانب والعرب في محاولات متعددة لفهم هذه الحالة الخاصة، وتعددت اجتهاداتهم، وإن كان أكثرها يصب في خانة الموقع الاستراتيجي لسوريا بمعناه الواسع، أي ضرورة الأخذ في الاعتبار الطبيعة الاستثنائية لبعض العناصر الديموغرافية والجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية وغيرها.

[[[

كانت هذه المقدمة الطويلة نسبيا لازمة للتعليق على النتيجة التي توصل إليها مؤخرا محللون سياسيون، وهي أن من يريد الوصول إلى دمشق لغرض يتعلق بالأزمة الراهنة يتعين عليه المرور بموسكو. ولا شك في أن تصريحات المسؤولين في موسكو وتصرفاتهم أمام الكاميرا تدعم هذه النتيجة، وإن سعت إلى تضخيمها.
درج محللون في بداية الأزمة على الاستهانة بموقف روسيا من تطورات الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. وصف أحدهم الخلاف الناشب بين أميركا وروسيا حول المسألة السورية بأنه كالجدل على مشط بين رجلين كلاهما أصلع، كلاهما لا يعرف ماذا يفعل.

يعتقد محلل آخر أن الطرفين الروسي والأميركي يتدخلان في سوريا حرصا منهما على أن تظل الأزمة محكومة داخل حدود سوريا فلا تنزلق نحو لبنان أو العراق أو تركيا، ولتبقى إسرائيل ملتزمة وعودها بعدم إلقاء الزيت على النار.. يقول هذا المحلل السياسي عن روسيا، إنها مهما ناورت واعترضت وتفاوضت فإنها تلعب دور المتشدد في قضية لا تملك جميع مفاتيحها أو حتى أغلبها. يقول عن الولايات المتحدة إنها مهما أبدت من اهتمام وعبأت مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة وضغطت على الجامعة العربية أو سايرت بعض الدول فيها، فإنها تبقى حريصة على ألا تتجاوز دائرة اللغو والايحاء بالحركة.


[[[

قد يكون هناك صحة في بعض ما كتبه المحللون وما سطّره الديبلوماسيون في تقاريرهم عن المرحلة السابقة، لكن أجد نفسي الآن أقرب إلى الاقتناع بأن وراء التصعيد الكلامي والعنف الدموي والحشود الدولية قضايا حقيقية تستحق التوقف عندها بالدراسة والتدقيق. ودوافعي هي:
أولا، كتب فلاديمير بوتين في صحيفة «الشعب» الصينية عشية زيارته الأخيرة لبكين مقالا بتوقيعه جاء فيه أنه « بدون مراعاة مصالح روسيا والصين ومشاركتهما المكثفة لن تسوى قضية في العالم ولا شيء سيتغير». هذا المقال حمل أكثر من إشارة، لأنه يصدر لمناسبة زيارة الصين، فضل فلاديمير بوتين القيام بها على الاستجابة لدعوة من أوباما للمشاركة في قمة الثمانية في كامب ديفيد. نذكر أن هذا الغياب من جانب الرئيس بوتين أثار تكهنات عدة، عادت فظهرت من جديد لمناسبة تصرفات غير عادية لبوتين وباراك أوباما أمام كاميرات التصوير في قمة العشرين التي انعقدت الأسبوع الماضي في منتجع لوس كابوس في المكسيك. بدت تصرفات الرئيسين كما لو كانت تؤكد أن خلافات الرأي تجاوزت حدود التمترس والتصلب من جهة وحدود اللغو والتهييج اللفظي من جهة أخرى إلى سباق أو صدام حول مصالح حقيقية. تشير تقارير إلى حاجة بوتين إلى زيادة كبيرة في علاقات روسيا التجارية مع أميركا بخاصة، وتربط هذا بمقال نشرته السيدة كلينتون قبل أيام قليلة عن تفهمها لهذه الحاجة الروسية.

ثانيا، تأكدت أطراف عربية وأخرى في الغرب من أن المصلحة الروسية تتعلق هذه المرة بمسألة بالغة الأهمية، وهي حاجة روسيا في ظل ولاية جديدة لبوتين، إلى إستعادة مكانة لائقة كدولة عظمى في النظام الدولي.. سمعت مسؤولين عربا يتبادلون الاعتراف بأنهم ربما أخطأ وا في تقدير حقيقة الموقف الروسي من الأزمة السورية. أذكر كيف أن بعضهم تعامل مع روسيا بخفة مدهشة، تحت تصور أن روسيا تساوم للحصول على صفقة سلاح أو دور عادي في تسوية مشكلة. دار في أذهان هؤلاء أن الاختلاف بين موقف روسيا من ناحية ومواقف الدول العربية وأميركا من ناحية أخرى، أن الأول يعكس نيات انتهازية لتحقيق مصلحة ما بينما المواقف الأخرى تعكس مبادئ أخلاقية.
ثالثا: الأزمة الراهنة في سوريا ليست المرة الأولى التي تتحول فيها سوريا من لاعب إقليمي أساسي إلى ساحة يلعب فيها لاعبون أكثرهم غير مدعوين للعب. حدث شيء شبيه خلال الحرب الباردة العربية في عقد الستينيات من القرن الماضي ودفعت سوريا والأمة العربية، ومصر بخاصة، ثمنا فادحا لمشاركتها في هذه الحـرب الــباردة التي انتهت حربا عربية إسرائيلية ساخنة. كانت الحرب الباردة العربية درسا للقيادة السياسية السورية، جعلها تتمسك بدور اللاعب الأساسي وإن بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل، وهو الدور الذي حرصت على ممارسته منذ العام 1976 حتى 2005، حين أجبرت على سحب قواتها من لبنان.
رابعا: يشعر السياسيون الروس بأنهم استُدرجوا « كالمخدرين» إلى الحل الذي صاغته الدول الغربية ونفذته في ليبيا. بوتين لن يسمح لبلده بأن تقع في الفخ مرة أخرى خصوصا بعد أن تأكد من أن المجموعة التي خططت للحل في ليبيا، وهو الحل الذي انتهي بفوضى، هي نفسها التي تخطط لحل في سوريا.
خامسا: يتحدث بعض الديبلوماسيين الروس عن التزام روسيا بموقف توافقت عليه مجموعة الدول الناهضة المعرفة باسم «بريكس». يقضي هذا الموقف بضرورة إثبات حق المجموعة في المشاركة في قيادة النظام الدولي واستعادة نوع من التوازن إلى العلاقات الدولية.

سادسا: يعترف سياسيون روس بأن موسكو تريد أن تطمئن على استمرار امتيازاتها وتسهيلاتها البحرية في منطقة ميناء طرطوس، وتسعى للحصول من المعارضة السورية، عند توحدها، على وعود تضمن لروسيا استمرار «خصوصية « علاقات سوريا بروسيا. لذلك أتصور أن موسكو لن تشجع أي حل لا يحقق لها فرصة أن يشترك في نظام ما بعد الأسد فريق أو ائتلاف مقتنع بأهمية العلاقة الخاصة مع روسيا.


[[[

أتفهم، لكن مع التحفظ الشديد، العناصر غير الملموسة وراء الموقف الروسي في الأزمة السورية. أتفهم حاجة فلاديمير بوتين لإثارة النعرات القومية لدى الشعب الروسي وفي الوقت نفسه ابهار الروس بعودة الدول الكبرى للوقوف على أبواب موسكو متوسلة حلا لأزمة دولية.

أتفهم أيضا اقتناع المسؤولين في الكرملين على ضوء تجارب الربيع العربي ببطلان الشعار الذي ترفعه الدول الغربية والجمعيات الحقوقية والقائل بأن سقوط الطاغية يعني بالضرورة وتلقائيا نهاية أزمة. بمعنى آخر تؤمن موسكو بأهمية العثور على النظام البديل لنظام الاستبداد والاطمئنان إليه قبل الانخراط في تدخل عسكري وسياسي واسع.



















رد مع اقتباس