منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تونس تشتعل مجددا.
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-06-28, 15:42   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الزمزوم
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية الزمزوم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أزمة سياسية بعد تسليم تونس رئيس وزراء القذافي إلى بلاده


تعرّضنا في تحليل سابق إلى مسألة مطالبة ليبيا لجارتها تونس بتسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في حكومة القذافي الذي قبضت عليه السلطة الأمنية التونسية بعد عبوره الحدود بين البلدين خلسة بعد أن أحكم ثوار ليبيا قبضتهم على البلاد.


وكنا أشرنا في التحليل ذاته إلى أن الحكومة التونسية وافقت على تسليم المحمودي إلى السلطات الليبية المؤقتة، ولكن عملية التسليم تبقى رهينة توقيع رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي وهو الحقوقي الذي افترض كثيرون أنه لن يقدم على هذه الخطوة باعتبار حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا والتي لن تضمن بأي حال من الأحوال للرجل ظروف اعتقال مريحة ومحاكمة عادلة.

إهانة


الحكومة التونسية برئاسة حمادي الجبالي التي تهيمن عليها "النهضة" قامت وعلى حين غرة وفي غفلة من الجميع بتسليم المحمودي إلى ليبيا من دون توقيع ساكن قرطاج الذي فاجأته العملية مثلما فاجأت المواطن التونسي العادي، وأثارت حفيظة مستشاريه الذين لوح بعضهم بفرضية استقالة الرئيس نتيجة لما تعرض له من إهانة أمام الرأي العام المحلي والدولي.



وما زاد الطين بلة هو صب الشارع المحتقن مما حصل جام غضبه على الرئيس المنصف المرزوقي حيث تم نعته على شبكات التواصل الاجتماعية بـ"الطرطور"، وهي عبارة سرعان ما تلقفتها وسائل إعلام أجنبية فرنسية على وجه الخصوص وترجمتها حرفيا وانتشرت انتشار النار في الهشيم وباتت وصفا لرئيس بلا صلاحيات أهانه حلفاؤه إهانة لا تغتفر، وظهر من خلالها أنه مجرد ديكور يوظفه الحزب الحاكم ليبدو المشهد للرأي العام الدولي وكأن " النهضة" لا تحكم بمفردها، بل تتحالف مع قوى ديمقراطية في إطار شراكة ثلاثية تحترم التعدد، لكن الواقع بخلاف ذلك.


احتجاجات

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد توسعت رقعة الإحتجاج على تسليم البغدادي المحمودي لتشمل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعية والمجتمع المدني بمنظماته الحقوقية على وجه الخصوص، وكذا المجلس الوطني التأسيسي الذي دعت كتل نيابية داخله إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لمناقشة قضية التسليم الذي اعتبره البعض عارا على تونس الثورة. لكن رئيس المجلس مصطفى بن جعفر حليف حركة "النهضة" رفض ذلك ما اضطر النواب إلى مغادرة قاعة الجلسات ليبقى فقط نواب "النهضة" وبعض نواب حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات" تحت قبة البرلمان في قاعة فارغة لفتت أنظار وسائل الإعلام الأجنبية.


واتفق النواب المنسحبون على استصدار لائحة لوم ضد الحكومة قد تؤدي إلى سحب الثقة إذا تم جمع النصاب القانوني، وهو أمر يبدو صعب التحقق نظراً لانتصار نواب حركة "النهضة" باستمرار إلى قرارات الحكومة حتى لو كانت خاطئة. فالحكومة تفردت بالرأي ولم تستشر المجلس الوطني التأسيسي، أصل السلطات في البلاد في هذه المرحلة الإنتقالية التي تشهد كتابة دستور الجمهورية الثانية وتجاوزت رئيس الجمهورية الذي بات ديكوراً بلا صلاحيات حقيقية.


صفقة


لا أحد من التونسيين ينكر على الشعب الليبي حقه في محاسبة البغدادي المحمودي لكن الخلاف بين الحكومة وأنصار حركة النهضة من جهة وبين رئاسة الجمهورية وباقي مكونات المشهد السياسي التونسي، من جهة أخرى، يكمن في التوقيت. فليبيا بوضعها الحالي الذي تتصارع فيه الميليشيات من أجل الحصول على السلطة في مشهد ضبابي فوضوي لم تتحدد أبرز ملامحه يمثل خطرا على حياة المحمودي. والكل كان بانتظار استتباب الأمن وسيطرة السلطات الشرعية التي سيتم انتخابها على مقاليد الحكم وقيامها بإصلاحات تحقق استقلال القضاء لتسليم رئيس وزراء القذافي.


لكن رئيس الحكومة وفريقه سارعوا إلى تسليم المحمودي غير عابئين بحقوق الإنسان ومنها الحق في محاكمة عادلة والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، رغم أن من بين هؤلاء من كان لاجئا خارج الديار قبل الثورة وطالب بن علي بتسليمه لكن بلاد المنفى في الغرب رفضت ذلك رفضا قاطعا. وفي هذا الإطار علق أحدهم قائلا "من المؤسف أن تتحول ضحية الأمس إلى جلاد اليوم". ولعل ما يتم ترويجه أن صفقة حصلت بين الجانب الليبي والفريق الحاكم في تونس تلقى بمقتضاها الجانب التونسي أرقاما خيالية لن تذهب بطبيعة الحال إلى خزينة الدولة لو صحت الرواية التي روجها أحد المحامين الفرنسيين للمحمودي.


كبش فداء


لقد فجر تسليم البغدادي المحمودي أزمة حقيقية في تونس وأحرج رئيس الجمهورية الذي أصبح مثارا للسخرية في الداخل والخارج كما جعل التسليم فريقا من التونسيين يشعر بالخجل مما أقدمت عليه حكومة بلادهم التي اعتبرها البعض تفتقر إلى أبسط المعايير الأخلاقية بعد ارتكاب هذا الفعل الذي تم وصفه بـ"المشين". ويذهب كثير من المحللين أكثر من ذلك إلى حد اعتبار أن عقد الترويكا الحاكمة قد انفرط وأن النهضة بصدد خسارة حلفائها.

الحكومة من جهتها بررت تسليم المحمودي بأنه مجرم حرب حر ض على اغتصاب النساء الليبيات رغم عدم حصول أية محاكمة وتحقيقات من شأنها إدانة الرجل. كما بررت الحكومة ما حصل بأن التوقيع على قرار التسليم هو من اختصاص رئيسها وليس رئيس الجمهورية وفقا للقانون المؤقت لتنظيم السلطات الذي تم إقراره من قبل المجلس التأسيسي منذ الأيام الأولى لمباشرته لمهامه، رغم أن قانون الإجراءات الجزائية يمنح هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية.

وللحد من هذه النتائج الكارثية لعملية تسليم المحمودي يتداول أن حركة "النهضة"منحت الضوء الأخضر لرئيس الجمهورية لإقالة محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي الذي رغب المرزوقي في إقالته منذ مدة، لكن رئيس الحكومة حمادي الجبالي رفض ذلك. وهو ما تم بالفعل فقد سارع المرزوقي إلى إقالة حاكم المصرف المركزي كما يسمى في لبنان، رغم أنه نال مؤخرا جائزة دولية ويعتبر من الكفاءات الإقتصادية في البلاد ومن الخبراء الدوليين وأكثر من مؤسسة مالية دولية ترغب في انتدابه، لكن الأقدار شاءت أن يكون كبش فداء عملية تسليم البغدادي المحمودي شأنه شأن قنصليات تونس في طرابلس وبنغازي التي تعرضت للهجوم من قبل مجهولين، كما تعرض بحارة تونسيون لهجوم مسلح من قبل قوات خفر السواحل الليبية داخل المياه الإقليمية التونسية وتوفي أحدهم متأثرا بجروحه فيما وقع الباقون في الأسر ولم يتم الإفراج عنهم إلى حد كتابة هذه السطور.

28-06-2012









رد مع اقتباس