منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حلمت ُ بأسئلة الادب العربي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-05-31, 10:00   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
رجوت عفوك
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي


الأرملة المرضعة - لمعروف الرصافي

لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا === تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا

أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ === وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا

بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا === وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا

مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا === فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا

المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا === وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا

فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا === وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا

كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا === فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا

وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا === حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا

تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا === كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا

حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً === كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا

تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا === حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا

قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ === في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا

مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا === تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا

تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ === هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا

مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا === إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا

يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ === كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا

مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ === وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا

يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا === تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا

وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً === وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا

تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا === وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا

قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا === وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا

وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا === بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا

كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً === وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا

هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ === مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا

حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ === وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا

وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ === أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا

سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا === في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا

هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا === مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ

ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي === دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا

وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي === بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا

فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً === تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا

وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا === كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا

وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ === وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا

لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي === مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا

أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ === لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا

هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا === وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا

أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ === وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا



يبدأ الـشـاعر القصيدة باللقاء ، بـالفـعل ( لـقـي ) لقيتـهـا ، و مصادفـة هـذا اللـقاء غـيـر الـمنـتـظـر أو غـير المرتـقـب ، و هـو يتمنى ألا يحـدث هـذا الـلقاء ، حيـث جـاءت " مـا " الـنافـية ( ليتـنـي مـا كـنـت ألـقـاهـا ) ، لكـن وقـع الـلقاء ، و واصـل الـشـاعر وصـفـه لهــا و رصـده لـخطـواتـهـا قـائـلاً :
( تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا )
حـيـث الـخطوب أثـقـلـت مـن مـشــيـتـهـا ، بـحـالـتـهـا الـفـقـيـرة الـتـى يـرثـى لـهــا ، مما جـعـل دمـوع عـيـنـيـهـا يـتـســاقـط عـلـى خـديـهــا ، ثـم مـا نـتـج عـن هــذا الـبـكـاء الـمـســتـمـر " إحـمـرت مـدامـعـهـا – و شــحـب وجـهـهــا – و إصـفــر كَـالوَرْسِ مـن جـوع مـحـيـاهـا " و الورس : نبات مبرقش لونه أحمـر عليه زغب أصفـر .

و فـي الأبـيـات الـثلاثة التالية يصف الشــاعـر تـأثيـر مـوت زوجـهـا ، الذي أردى حـالتـهــا إلـى هــذا الـبـؤس .
و لـنـسـمـع الـمـوسيـقـى الـداخـلـيـة الـنـاتـجـة عـن حـســن الـتـقـســيـم فـي هــذا الـبـيـت : الموت أفجعها – و الفقر أوجعها – و الهم أنـحلها – و الغم أضناها
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا ===== وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا

وفـي البيتين السـابع و الثامن - تأثير الدهر - على المرضعة ، و إستمرار تكرار المأسـاة متمثلاً في تعاقب الليل و النهار ،
و مظاهر قسـوة الدهر عليهـا ، أن أثوابـهـا بُلِيَتْ على بدنـهـا .

و فـي الأبيات من التاسع حتى الثاني عشـر ، عـودة مـرة أخـرى إلي وصـف حـالة المرضـعة " تـمشي بأطمارهـا "
ثوبـها البالي ، ثم التشـبيـهـان - البرد يلسعها كأنه عقرب - و - غدا جسمهـا بالبرد مرتجفاً == كالغصن في الريح ...
و يأتي بعد ذلك [ تـمشـي ، و تـحمـل ] فعـلان متلازمان في وقـت واحـد ، ثـم المـفعول المطـلق " حـملاً "
الذى يحدد لنا مكان أو مـوضـع الـحـمـل " على الرأس " ، ثـم المقابلة بين ( اليسرى / اليمنى ) كلتا اليدين اللتين تحمل بهما طفلتها الرضيعة ، مسـتسـلمـة لصـروف الدهــر ، و هـي مـحتضنـة طفلتها تضم أعضائهـا برباط ممزق .

و في الأبيات من الثالث عشـر و حتى البيت الواحـد و العشــرين : مناجاة أو تساؤلات الشـاعـر لنفسه أثر رؤيته لـحالة تلك المـرضعة اليتيمـة التي تحمل طفلتها الباكية طوال ليلها من الجوع ، { ما تصنع – لسان الشـاعر - ،
ما حيلتي - لسان الأم - ، ما بالها - لسان الشـاعر مرة أخـرى ، تـبـكـي - لسـان الطفلة – و هى اللغة العجمية
غير المفهومة " لغة البكاء " } .

و في البيتين الثاني و العشرين و الثالث و العشرين : تخيل الشـاعـر إبنته في هذا الموقـف و ما كان سيحدث لهـا في مـواجهة خـطـوب الدنيا .

و في البيت الرابع و العشرين : بيان لسبب كتابته القصيدة ، حيث كان الشاعر ماراً في طريقه ، و لـقـيها و أثَّرت فيه أحوالها .

و في الأبيات من الخامس و العشـرين و حتى الثلاثين : رد فعل الشـاعر الحقيقي متمثلاً في الأفعال التي قام بـها ليساعد المرضعة
و يتيمتها : { دَنوتُ ، قلتُ ، سمعتُ ، إجتذبتُ ، ثم .. قلتُ مرة أخرى } ، و كلها أفعال جاءت بناء على ما رآه الشـاعر
و راقبه بعينه ، من بؤس و مرض أحاط بـهـذه الأرملة المرضعـة .

و في الأبيات من الواحد و الثلاثين حتى الثالث و الثلاثين : رد فعل المرضعة تجاه الشـاعر لـمـا أبداه من عطف نحوها متمثلاً شكلياً في : { أرسلت نظرة – أخرجت زفرات – ثم التشـبيه " زفرات كالنار تصعد من أعماق أحشـاها " - أجهشـت باكية } .
ثم رد فعلهـا قولاً : " وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا " .

وفي البيتين الرايع و الثلاثين و الخامس و الثلاثين : رد فعل المرضعة قولاً ولـكـن في قالب تمني { لو عَـمَّ } ، { لو كـان }
و صيغة التمني هنا قريبة من صيغة الشــرط :


فـــعـــل الشــرط==== جــــمـــلــــة===== جــواب الشـــرط ==== بقية جــــمــلــــة
لو عَـمَّ=== في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ ليّ=== مَـا تَـاهَ=== في فَلَوَاتِ الفَقْـرِ مَنْ تَـاهَـا
أو كَــانَ===في النَّاسِ إِنْصَافٌ و مَرْحَـمَةٌ=== لَمْ تَـشْــــكُ=== أرملةٌ ضنْـكَاً بدُنْيَاهَــــا

و الملاحظ هنا أن جـواب الشـرط في البيتين ، جاء به الشـاعر منفياً على لسـان المرضعـة ، و ذلك لأن الدنيا تـملؤهـا الشكوى ، و الضـياع .

وفي البيتين الأخيرين : يطلب الشـاعر من أقرانه الأحـرار ، العطف و المسـاعدة و المـواسـاة لـهذه الأرملة المـرضعة .









 


رد مع اقتباس