”العهدة الرابعة” سبب الصراع بين أطراف السلطة الثلاثة
يثير خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بخصوص ما سماه ”نزاعات وهمية”، مخاوف وهواجس كبيرة بسبب الألفاظ ذات الطابع الحربي الهجومي التي استعملها، أكثر مما يدل على إنهاء أزمة سياسية داخل المؤسسات. وفي جميع الأحوال ما كانت الجزائر تصل إلى التهديد بانقسام أعمدة مؤسساتها، لو لم يكن هناك شيء اسمه ”عهدة رابعة”.
أكثر ما يستوقف قارئ الخطاب المنسوب للرئيس، الجملة التالية: ”مؤسسة الجيش والمصالح الأمنية تبقى وستظل هدفا لقوات خبيثة وللدول التي تحرضها على زعزعة ذالكم الجدار الوطني الحصين...”. فمن هي هذه ”القوات” (بصيغة الجمع!) الموصوفة بـ”الخبث”، المتواطئة، في مفهوم الرئيس، مع دول أجنبية؟ وفي أي موقع يوجد ”الخبث”؟ هل هو داخل هيئات الدولة أم خارجها؟ هل يعقل أن تصريحات عمار سعداني، التي جرّت طوفانا من الأخبار والتعاليق حول صراع حاد بين بوتفليقة ”و”توفيق”، تثير كل هذه المخاوف من تقسيم البلاد؟!
وإذا تم التسليم بوجود رغبة في ضرب الاستقرار وإحداث اختلالات وشل نشاطات الدفاع والأمن، وأن المستهدف بهذه الأفعال الخطيرة هو الجيش والدولة الوطنية، كما قال بوتفليقة، فما منعه من اتخاذ الإجراءات لوقف هذا الخطر الداهم مادام هو وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويملك دستوريا صلاحية تحديد سياسة الدفاع؟
وتثبت كل الألفاظ والمعاني التي حملها الخطاب المنسوب لبوتفليقة، بأنه اعتراف صريح منه بوجود أزمة سياسية ثلاثية الأطراف هي: الرئاسة وقيادة أركان الجيش ودائرة الاستعلام والأمن. وإذا وصلت البلاد إلى حد الصراع بين الهيئات الثلاث التي تملك صلاحيات وسلطات لا حدود لها، فالسبب هو إرادة بوتفليقة البقاء في الحكم. وحديث بوتفليقة عنها بالأسماء وبهذا الوضوح، تأكيد على أن مصدر القرار يوجد فيها، أما البرلمان كجهاز رقابة والحكومة كجهاز للتنفيذ لا يعدو أن يكونا ”خضرة فوق عشا”.
وبالتمحيص جيدا في طريقة تعاطي بوتفليقة مع الأزمة، التي انطلقت شرارتها من تصريحات سعداني في 3 فيفري الجاري، يتجلى أنه الوحيد من بين الرؤساء الستة الذين سبقوه، من فضّل طموحه الشخصي في الحكم على حساب استقرار البلاد وأعمدتها الثلاثة المذكورة. فقد اختلف اليمين زروال مع رفاقه في الجيش وانسحب في هدوء. ووقع الصدام بين الشاذلي بن جديد والجنرالات وانسحب هو أيضا مفضلا إبعاد ما يعرض البلاد للانقسام. وكلاهما تحاشى تسمية مكوّنات الجيش على أنها في نزاع مع الرئاسة، عكس سابع الرؤساء الذي خرج عن تحفظه بشكل غير مسبوق.
ولما يدعو بوتفليقة ”كل المسؤولين” إلى التحرك لإنهاء الأزمة ووقف ”المهاترات” التي تهدد بتخريب أعمدة الدولة، على حد تعبيره، كان ينبغي أن يسمي هؤلاء المسؤولين ويحدد مواقعهم. فهل يقصد ڤايد صالح ومحمد مدين؟ أم سعداني وحده؟ أم الجنرال بن حديد و”الجماعة” التي تحدث باسمها والتي ترى أن خلافا حادا يحتدم بين الرئاسة وقيادة الأركان من جهة، وجهاز المخابرات العسكرية من جهة أخرى؟
ويستنفر ”خطاب الحرب” المنسوب للرئيس، البرلمان بغرفتيه أكثر من أي وقت مضى. إذ يقع على النواب (على الأقل المنتمين للمعارضة) واجب مساءلة الوزير الأول أو نائب وزير الدفاع عن المخاطر المهددة للاستقرار، والمثيرة لانقسام هياكل الجيش. أو اقتراح إنشاء لجنة تحقيق برلمانية لتحديد الأطراف التي تعمل على شل نشاطات الدفاع والأمن!
- See more at:
https://www.elkhabar.com/ar/politique....bmZ6X9t6.dpuf