لآية الثانية: قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) .
هذه الآية نزلت في الصحابة_ رضي الله عنهم_ حيث حصل عليهم ما حصل في غزوة أحد، مما أصابهم من القرح و الجروح الشهداء، فقيل لهم: إن أبا سفيان كان قد عزم على الكرة عليكم، و جمع لكم الناس، فندبهم النبي عليه الصلاة و السلام إلى ملاقاته و مقابلته، فاستجابوا الله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح، و وأصيبوا بهذه النكبة العظيمة، فقتل منهم سبعون رجلا استشهدوا في سبيل الله، و حصل للنبي صلى الله عليه و سلم و لغيره من صحابته_ رضي الله عنهم_ ما حصل، و مع هذا استجابوا لله و للرسول.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظم(ِ172الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)(آل عمران: من الآية173)، يعني إن أبا سفيان ومن معه ممن بقي من كبراء قريش جمعوا للنبي صلى الله عليه و سلم يريدون استئصاله، و لكن يأبى الله إلا إن يتم نوره.
قيل للصحابة: اخشوا هؤلاء، و لكنهم ازدادوا إيمانا لان المؤمن كلما اشتدت به الأزمات ازداد إيمانا بالله، لأنه يؤمن بان النصر مع الصبر و إن الفرج مع الكرب و إن مع العسر يسران و لهذا زادهم إيمانا هذا القول و قالوا: ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (حَسْبُنَا) أي كافينا في مهماتنا و ملماتنا(وَنِعْمَ الْوَكِيل) انه نعم الكافي جل و علا فانه نعم المولى و نعم النصير.
و لكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به و استنصر به، فانه_ عز وجل_ اكرم الاكرمين و أجود الاجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره، أعانه و ساعده و تولاه، و لكن البلاء من بني ادم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، و يعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية.
قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) ذهبوا و لكنهم لم يجدوا كيدا، و آبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم، و لم يكروا على الرسول صلى الله عليه و سلم، فكتبت للصحابة رضي الله عنهم_ غزوة من غير قتال. كتبت هذه الرجعة غزوة من غير قتال، قال الله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) .
ثم قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175) .
( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ) أي: يخوفكم انتم أولياءه، أي: يلقي في قلوبكم الخوف من أوليائه، فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين.
فالشيطان يأتي إلى المؤمن، يقول: أحذر إن تتكلم في فلان، لأنه ربما يسجنكن و ربما يفعل كذا و كذا، فيخوفكن و لكن المؤمن لا يمكن إن يخاف أولياء الشيطان، لان الله قال: ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: من الآية76) بالنسبة للحق.
فعلى الإنسان إن لا يخاف في الله لومة لائم، و إن لا يخاف إلا الله، و لكن يجب إن يكون سيره على هدى من الله عز وجل، فإذا كان سيره على هدى من الله، فلا يخاف أحدا.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(الفرقان: من الآية58) وهو الله عز وجل، اعتمد عليه في أمورك كلها، دقيقها و جليلها، لان الله_ عز وجل_ إذا لم ييسر لك الأمور لم يتيسر لك، ومن أسباب تيسيره، أن تتوكل عليه، لا سيما إذا داهمتك الأمور، و كثرت الهموم، و ازدادت الخطوب، فانه لا ملجأ لك إلا الله عز وجل، فعليك بالتوكل عليه و الاعتماد عليه حتى يكفيك.
و في قوله تعالى: ( الَّذِي لا يَمُوتُ)دليل على امتناع الموت على الرب عز وجل، قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن:27) ، فالله عز وجل_ لا يموت لكمال حياته، فانه هو الأول الذي ليس قبله شئ، وهو الآخر الذي ليس بعده شئ، ثم انه سبحانه و تعالى_ لا ينام أيضا، لكمال حياته و قيوميته قال الله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(البقرة: من الآية255) أما الإنس و الجن فانهم ينامون و يموتون، و أما الرب_ عز وجل_ فانه لا ينام، لأنه غني عن النوم، أما البشر فانهم في حاجة إلى النوم، لان الأبدان تتعب و تسام و تمل، و النوم راحة عما مضى من التعب، و تجديد نشاط عما يستقبل من العمل، و أما الله سبحانه و تعالى فلا تأخذه سنة و لا نوم.
و قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )(الطلاق: من الآية3) أي: كافيه، فإذا توكلت على الله كفاك كل شئ، و إذا توكلت على غير الله و كلك الله عليه، و لكنك تخذل و لا تتحقق لك أمورك.
و قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (:2) )الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً )(لأنفال: من الآية4) .
قوله: ( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ) أي: إذا ذكرت عظمته و جلاله و سلطانه، خافت القلوب، و وجلتن و تأثر الإنسان، حتى إن بعض السلف إذا تليت عليه آيات الخوف يمرض أياما حتى يعوده الناس، أما نحن فقلوبنا قاسية، نسأل الله إن يلينهان فانه تتلى علينا آيات الخوف و تمر و كأنها شراب بارد، فلا نتأثر بذلك، و لا نتعظ إلا من رحم الله، نسأل الله العافية.
لكن المؤمن: هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه و خاف.
كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد، حتى يسقط ما في يده. ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً )(لأنفال: من الآية2) إذا سمعوا كلام الله_ عز وجل_ ازدادوا إيمانا من وجهين:
الوجه الأول: التصديق بما اخبر الله به من أمور الغيب الماضية و المستقبلة.
الوجه الثاني: القبول و الإذعان لأحكام الله، فيمتثلون ما أمر الله به، فيزداد بذلك إيمانهم و ينتهون عما نهى الله عنه، تقربا إليه و خوفا منه، فيزداد أيمانهم فهم إذا تليت عليهم آياته ازدادوا إيمان من هذين الوجهين.و هكذا إذا رأيت من نفسك انك كلما تلوت القران ازددت إيمانا ، فان هذا من علامات التوفيق.
أما إذا كنت تقرا القران و لا تتأثر به، فعليك بمداواة نفسك، لا أقول إن تذهب إلى المستشفى، لتأخذ جرعة من حبوب أو مياه أو غيرها، و لكن عليك بمداواة القلب، فان القلب إذا لم ينتفع بالقران و لم يتعظ به، فانه قلب قاس مريض، نسأل الله العافية.