منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أثر الزواج على الجنسية في ظل القانون الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-11, 11:36   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصل الثاني: فقدان الجنسية عن طريق الزواج
تعتبر الجنسية كما أسلفنا الذكر رابطة بين الفرد و الدولة تفيد انتماء الفرد حقيقة إلى دولة معينة متى استوفى شروط يقررها النظام القانوني في الدولة، تتعلق في مجملها بتوفر الشعور بالولاء للدولة و الانتماء الروحي و النفسي لها.
غير أن ذلك الولاء و الانتماء، قد يكونان عرضة للتغيير و الفتو، ليس فقط بفعل طبيعتهما المعنوية أو النفسية، بل أيضا بفعل تغيير الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي يعيشها الفرد .
لذلك اعترف المجتمع الدولي الحديث بحق كل فرد في تغيير جنسيته بفقده جنسيته السابقة ليكتسب جنسية أخرى، إذ هجرت تشريعات الدول مبدأ الولاء الدائم للجنسية، و عليه فإن رابطة الجنسية التي تربط بين الفرد و الدولة رابطة أزلية غير أبدية.
و يعني فقدان الجنسية انتقال من الصفة الوطنية إلى الصفة الأجنبية بأية وسيلة كانت سواء كان هذا الفقد إرادي نابع من إرادة الفرد وحده، أو بإرادتي الفرد و الدولة معا، كحالة التخلي مثلا أو غير إرادي، إذا تم بإرادة الدولة وحدها كحالة التجريد أو الإسقاط، و يطبق الفقدان على الأصيل صاحب الجنسية الأصلية و الدخيل أي من له جنسية مكتسبة على حد السواء.
و قد تباينت مواقف التشريعات بخصوص الطريقة التي يتحقق بها هذا الفقد، و نظم المشرع الجزائري من بين طرق زوال الجنسية فقدانها بالزواج المختلط، فإضافة إلى كونه ظرف مسهل لاكتساب الجنسية يعد بسبب من أسباب فقدانها،فقد ينجم هذا الفقد إما من جراء إبرام عقد الزواج مع أجنبي، و إما بزوال الرابطة الزوجية، كما قد تمتد آثار هذا الفقد إلى جانب الزوجين، الأولاد كذلك، وقد يؤدي أحيانا أخرى إلى ظهور مشكلة خطيرة ألا و هي حالة انعدام الجنسية.
و مما سبق ارتأينا أن نقسم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث نتناول فيها هذه النقاط السابقة بشكل من التفصيل كالآتي:
- حالات فقدان الجنسية عن طريق الزواج المختلط (المبحث الأول).
- إمكانية استرداد الجنسية المفقودة بسبب الزواج المختلط(المبحث الثاني).
- ظاهرة انعدام الجنسية التي يثيرها الزواج المختلط(المبحث الثالث).


المبحث الأول: حالات فقدان الجنسية عن طريق الزواج
بالإضافة إلى الأثر الإيجابي الذي يرتبه الزواج المختلط على الجنسية ،فإنه قد يتسبب إبرامه صحيحا أو بطلانه أو انحلاله في بعض الحالات عن طريق الطلاق أو الوفاة في فقدان جنسية الزوج أو الأولاد ،هذا ما سنتطرق له من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: إبرام عقد الزواج كسبب من أسباب فقد الجنسية
إضافة إلى اعتبار الزواج المختلط ظرف مسهل لاكتساب الجنسية ، قد يعتبر كذلك سببا من أسباب فقد الجنسية ، يرتب آثارا على جنسية كل من الزوجين و الأولاد ,
سنبين من خلال الفرعين التاليين الآثار السلبية التي يرتبها الزوجين على جنسية الزوجين و على الأولاد في ظل القانون الجزائري .
الفرع الأول: بالنسبة لأحد الزوجين
لقد سبق و أن تطرقنا في الفصل الأول إلى الأثر الايجابي الذي يرتبه إبرام عقد الزواج المختلط مع جزائري أو جزائرية، إذ اعتبره المشرع في ظل أمر 05/01 ظرف مسهل لكسب الزوجة أو الزوج الأجنبي الجنسية الجزائرية متى توافرت فيهما بعض الشروط القانونية المطلوبة.
إلا أن المشرع الجزائري لم يرتب في مختلف التعديلات التي طرأت على التشريع الخاص بالجنسية الجزائرية، أثرا سلبيا على جنسية الزوج الجزائري الذي يكتسب من جراء زواجه بأجنبية جنسية هذه الأخيرة متأثرا بذلك بمبدأ تبعية الزوجة لجنسية الزوج.
فلو اكتسب الجزائري من جراء زواجه بأجنبية جنسية زوجته، يبقى محتفظا بجنسيته الوطنية إلى جانب الجنسية الأجنبية المكتسبة بسبب زواجه، مصبحا بذلك مزدوج الجنسية.
و هذا لا يعني أن المشرع الجزائري يمنع الجزائري من تغيير جنسيته، إذ أن حرية الشخص في تغيير جنسيته حق مكرس في جميع المواثيق الدولية، كما أن الجنسية تقوم على رابطة روحية مبنية على الولاء السياسي و القانوني للشخص نحو دولته، و بالتالي لا مصلحة للدولة في الإبقاء على شخص معين ضمن رعاياها بالإكراه ، و منه إذا أراد الجزائري التخلي عن جنسيته الوطنية لاكتسابه جنسية أجنبية بسبب زواجه من أجنبية يمكن أن يطلب إذن للتخلي عن جنسيته الجزائرية بناءا على حكم المادة 18/01 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بالأمر 05/01، إذ جاءت صياغة هذه المادة عامة و لم تشترط طريقة معينة لكسب الجنسية الأجنبية، و لذلك لا نرى مبررا لقصر حكم هذه المادة على كسب الجنسية بطريقة التجنس.
و قد اشترط المشرع لفقد الجزائري الجنسية الوطنية طبقا للمادة 18 الفقرة الأولى السالف ذكرها عدة شروط نوجزها فيما يلي:
1- يجب أن يكون اكتساب الجنسية الأجنبية عن طواعية و اختيار من شخص كامل الأهلية بالغ سن الرشد، لا يشوب إرادته أي عيب من عيوب الإرادة، وعليه إذا جعل قانون دولة الزوجة للزواج أثرا مباشرا و حتميا على جنسية الزوج، لا تعتد به الدولة الجزائرية لأن من مبادئ التجنس أن تتجه إرادة طالبه إلى اكتساب الجنسية المراد الحصول عليها، ومنه يصبح الجزائري حينها مزدوج الجنسية.
2-يجب أن يطلب الجزائري صراحة التخلي عن جنسيته الوطنية، إذ لم يعتبر المشرع اتجاه إرادة الشخص الصريحة لاكتساب جنسية أجنبية قرينة على إرادته الضمنية لفقد جنسيته الجزائرية، خاصة أن الفقد المنصوص عليه في المادة 18 فقرة 1 فقد إرادي لا يجوز فرضه على الشخص.
3-كما يجب أن يكون طالب التخلي عن الجنسية مقيما بالخارج، إذ لا يسوغ أن ترخص دولة لرعاياها المقيمين فوق إقليمها بإتباع دولة أخرى لمساسه بالسيادة الجزائرية و إلا عد ذلك تنازلا من الجزائر على أحد رعاياها لفائدة دولة أجنبية.
4-و يشترط أخيرا صدور مرسوم تأذن فيه السلطة المختصة للشخص التخلي عن الجنسية الجزائرية، فالدولة الجزائرية غير ملزمة بإصدار مرسوم الإذن بالتخلي إذا اقتضت مصلحتها ذلك مهما كانت وضعية الشخص تجاه الجنسية الأجنبية، و يبدأ سريان أثر فقدان الجنسية الجزائرية ابتداء من نشر المرسوم في الجريدة الرسمية.
و على العكس من ذلك تماما، فإن المشرع الجزائري و على غرار بعض التشريعات العربية و القانون الفرنسي، لم يكتف بهذا الأثر الايجابي، بل جعل للزواج المختلط أثرا سلبيا و مفقدا لجنسية المرأة الجزائرية المتزوجة أجنبيا، وذلك منذ صدور أول قانون ينظم الجنسية الجزائرية بتاريخ 27/03/1963 طبقا لأحكام المادة 21/03 من قانون 63/96، التي ألغيت بموجب المادة 41 من أمر 70/86 و حلت محلها المادة 18/3 من نفس الأمر المعدل و المتمم بالأمر 05/01 و التي نصت على أنه: '' تفقد الجنسية الجزائرية المرأة الجزائرية المتزوجة بأجنبي، وتكتسب من جراء زواجها جنسية زوجها، و أذن لها بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية الجزائرية."
يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع الجزائري رتب فقد جنسيته الوطنية من جراء اكتسابها جنسية زوجها الأجنبي بفعل الزواج إذا توافرت جملة من الشروط نذكرها فيما يأتي:
1- صحة عقد الزواج: يعتبر عقد الزواج صحيحا باكتمال كل شروطه الموضوعية و الشكلية التي يتطلبها القانون، إلا أنه تختلف شروط صحة عقد الزواج من بلد إلى آخر، فالدول الإسلامية مثلا تبطل زواج المسلمة بغير مسلم، في حين بعض الدول المسيحية ترتب على تخلف الشكل الديني بطلان عقد الزواج. لذلك ثار جدال لمعرفة على ضوء أي قانون يحدد صحة عقد الزواج المختلط، فذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه يجب أن يكون الزواج صحيح في ضوء قانون الزوجة لأنه هو الذي يفقدها جنسيتها، و قد تبنى التشريع المصري الصادر سنة 1975 هذا الاتجاه إذ اشترط في مادته الثانية عشر (12) وجوب صحة عقد زواج المصرية من أجنبي من حيث الشكل و الموضوع طبقا للقانون المصري لتتمكن من التخلي عن جنسيتها الوطنية، أما إذا كان باطلا طبقا لأحكام القانون المصري و صحيحا في نظر القانون الأجنبي، فإن الزوجة المصرية تبقى محتفظة بجنسيتها المصرية حتى لو أبدت الرغبة في التخلي عنها، واكتسب جنسية زوجها كأصل عام.
لكن يعاب على هذا القول أن الفقدان مترتب على اكتساب جنسية الزوج، و هذا متوقف بدوره على صحة الزواج في نظر قانونه.
لذلك ذهب البعض الآخر من الفقهاء بوجوب صحة عقد الزواج في نظر قانون جنسية الزوج إلا أن هذا الرأي مردود عليه كون أن دولة الزوج لا يمكنها أن تتدخل في صلاحيات دولة الزوجة مادام الفقد من صلاحيات هذه الأخيرة.
و ترى الأستاذة مخباط عائشة أن هذا الشرط زائد و لا فائدة منه مادام أن الجنسية تعتبر حالة سياسية للشخص لا تميز بين الشرعية و غير الشرعية، إذ تمنح الجنسية الجزائرية بناء على رابطة الدم أو الإقليم للإبن الشرعي و غير الشرعي، و لذا فالمشكل الحقيقي الذي يثور في مسألة الجنسية هو انعدامها أو تعددها و لذا فإذا ما اكتسبت الزوجة جنسية زوجها الأجنبي، وطلبت التخلي عن جنسيتها الوطنية لا مبرر لإبقائها غصبا عنها و بقوة القانون ضمن رعايا الدولة بعد أن أبدت رغبتها في الانفصال عنها لمجرد عدم شرعية عقد الزواج، خاصة أن اغلب الدول لاسيما الأوروبية كسويسرا و فرنسا تعترف بالزواج الظني أي الزواج غير الشرعي الذي ابرم عن حسن نية و ترتب عليه كل آثار الزواج الصحيح.
إلا أنه يمكن الرد على هذا الرأي بالقول، و إن كانت الجنسية حالة سياسية لا تميز بين شرعية و غير شرعية، كونها رابطة تقوم أساسا على الشعور بالولاء السياسي، فإنه لا يجب أن ننسى أنها تعتبر من جهة أخرى رابطة تنظيمية بين الدولة و الفرد، و هي لا تخضع لأهواء هذا الأخير، بل للدولة الحق في مراقبة رعاياها ما داموا يشكلون احد أركانها الأساسية، فلها أن تمنع البعض من التجنس بجنسيتها كما لها أن تمنع البعض الآخر من التخلي عن جنسيتها خاصة أن كان باستطاعتهم أن يجلبوا فائدة لبلدهم.
وأما الرأي الراجح يرى أنه متى تفقد الزوجة جنسيتها و تكتسب جنسية زوجها يجب أن يكون عقد الزواج صحيحا في نظر كل من قانون جنسية الزوجة المراد التنازل عنها و كذا في نظر القانون الأجنبي أي قانون جنسية الزوج المراد الدخول في جنسيته.
وقد كرس المشرع الجزائري هذا الاتجاه بموجب قواعد تنازع القوانين الجزائرية الواردة في القانون المدني إذ أرست المادة 11 منه على المبدأ العام المتمثل في سريان القانون الوطني لكلا الزوجين على الشروط الموضوعية الخاصة بصحة عقد الزواج المختلط، إلا أن المادة 13 من نفس القانون قيدت هذا المبدأ إذ أسندت الاختصاص التشريعي الدولي للقانون الجزائري فيما يخص صحة الزواج و أثاره و انحلاله إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت إبرام الزواج إلا فيما يخص شرط الأهلية .
أما من حيث الشكل فيطبق قانون البلد الذي تم فيه إبرام عقد الزواج طبقا للمادة 19 من القانون المدني.
و عليه يطبق القاضي الجزائري نص المادة 11 من القانون المدني إذا كان كلا الزوجين أجنبيين، لكن إذا كان أحد الزوجين جزائريا فانه يقرر صحة الزواج من عدمه على ضوء القانون الجزائري طبقا للمادة 13 من نفس القانون، كما هو الحال في نص المادة 18/03 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بموجب الأمر 05/01، إذ تشترط هذه الأخيرة أن تكون الزوجة الجزائرية و يقصد بذلك أن تحمل الجنسية الجزائرية الأصلية أو المكتسبة قبل زواجها من أجنبي، و لا يهم إن كانت متمتعة بجنسيات أخرى.
غير أنه لا يكفي في الحقيقة أن يكون الزواج صحيحا في هذه الحالة، وفقا للقانون الجزائري فحسب، مادام أن فقد الزوجة الجزائرية جنسيتها الوطنية معلق على اكتساب جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج، الشيء الذي لا يتحقق ما لم يكن الزواج صحيحا طبقا لهذا القانون أيضا.
و بما أن المشرع أضاف هذا الشرط الثاني، فإنه يكون قد أقر ضمنيا بوجوب صحة عقد الزواج في ظل قانون الزوج الأجنبي كذلك.
2-اكتساب جنسية الزوج الأجنبي عن طريق الزواج :
اشترط المشرع الجزائري أن تكتسب المرأة الوطنية فعلا، و كمرحلة أولى جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج قبل أن تطلب التخلي عن جنسيتها الجزائرية، وعليه يجب أن يكون قانون جنسية الزوج الأجنبي يمنحها جنسيته متى توافرت شروط اكتسابها في الزوجة الوطنية حتى يكون الاكتساب صحيحا.
و الحكمة من تقرير هذا الشرط هو تفادي صيرورة الزوجة الجزائرية عديمة الجنسية، و قد نصت كل من اتفاقية لاهاي لسنة 1930 في مادتها الثامنة و اتفاقية نيويورك الصادرة سنة 1961 في مادتها الخامسة على هذا المبدأ بنصهما على تعليق فقدان المرأة الوطنية جنسيتها على إثر الزواج بحصولها على جنسية زوجها.
و منه لا ينطبق نص المادة 18 فقرة 03 إذا كان الزوج عديم الجنسية مادام أساس الفقد يتمثل في اكتساب جنسية الزوج، كما لا ينطبق هذا النص إذا اكتسبت الزوجة جنسية زوجها بأي طريق آخر غير الزواج، و تبعا لذلك إذا تجنس جزائري متزوج بجزائرية بجنسية أجنبية و فرض قانون جنسيته الجديدة انصراف أثر التجنس إلى زوجته تلقائيا، فسوف تكون الزوجة مزدوجة الجنسية لان القانون الجزائري لن يسمح لها بالتخلي عن جنسيتها الجزائرية مادامت لم تكتسب جنسية زوجها عن طريق الزواج، مع أن سبب كسب المرأة الجزائرية جنسية زوجها الأجنبي في هذه الحالة هو الأثر الجماعي للتجنس على الزوجة و الأولاد توحيدا لجنسية الأسرة إلا أنه ترتب بعد الزواج في حين أن نص المادة 18/30 يشترط أن تكتسب الزوجة الوطنية جنسية زوجها الأجنبي ابتداء، سواء تم ذلك تلقائيا أم باختيارها، ففي كلتا الحالتين يكون كسب الجنسية بسبب الزواج ابتداء فلو كان قانون جنسية الزوج يدخلها في جنسيته تلقائيا، تظل حينئذ المرأة وطنية و أجنبية في نفس الوقت، أي مزدوجة الجنسية، أما إذا منحها قانون الزوج الخيار بين الدخول في جنسيته أم البقاء على جنسيتها السابقة، و اختارت جنسية زوجها توحيدا لجنسية الأسرة، يطبق حينئذ نص المادة 18/03، و تفقد المرأة الجزائرية جنسيتها الوطنية.
و عليه نستخلص مما سبق أن المشرع الجزائري لم يرتب على زواج الجزائرية بأجنبي فقدان الجنسية الجزائرية تلقائيا و بقوة القانون ، فالأصل أن تحتفظ المرأة الجزائرية المتزوجة أجنبيا بجنسيتها، إلا أن المشرع مكنها من التخلي عن جنسيتها الوطنية متى أبدت الرغبة في اختيار جنسية زوجها، وكان قانون هذا الأخير يمنحها الحق في اكتساب جنسيته مراعاة لرغبة و إرادة المرأة.
غير أن فقد الجنسية حسب أحكام المادة 18/03 يتطلب إلى جانب توافر عامل الزواج، عامل أساسي آخر يتمثل في تقديم طلب التخلي للجهة المختصة.
3- تقديم طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية إلى السلطة المختصة:
سبق و أن ذكرنا أن المشرع الجزائري لم يجعل من زواج الجزائرية بأجنبي أثر مباشر لفقدها جنسيتها الوطنية ، وعليه لا يكفي لفقد الجزائرية جنسيتها الوطنية أن تكتسب جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج، بل استوجب المشرع إضافة لذلك أن تعرب و تفصح صراحة عن رغبتها في التخلي عن جنسيتها الوطنية، و اختيارها جنسية زوجها الأجنبية، إذ نص المادة 18/03 على أنه: ''...و أذن لها بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية الجزائرية.'' و مادام الإذن يفترض وجود استئذان قبله، فالفقد لا يكون تلقائيا، بل بناءا على طلب تقدمه الزوجة إلى السلطة المختصة.
و قد اشترطت معظم التشريعات هذا الشرط حرصا منها على تفادي تهرب الوطنيين من التزاماتهم المفروضة على عاتقهم أو من أحكام قانونهم الوطني، و كذا تفاديا لظاهرتي انعدام و تعدد الجنسية.
إلا أن هناك بعض التشريعات الأخرى رتبت فقد الجنسية الوطنية بمجرد اكتساب الوطنية جنسية زوجها الأجنبية دون اشتراط أي استئذان من السلطة المختصة.
و قد نصت المادة 25 من أمر 70/86 على وجوب تقديم طلب التخلي عن الجنسية الوطنية إلى وزير العدل.
و تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري بموجب تعديله نص المادة 25 بموجب أمر 05/01 اقتصر على اشتراط تقديم المستندات اللازمة لإثبات توافر الشروط القانونية لدى طالبة التخلي عن الجنسية الوطنية دون اشتراط تقديم الوثائق الكفيلة بالسماح للسلطة المختصة البت في مدى توفر مبرر من الوجهة الوطنية و قد أصاب المشرع الجزائري بحذف هذا الشرط الأخير، لأن هذه المسالة تعد من صلاحيات تقدير السلطة المختصة.
كما أن المشرع الجزائري حذف كذلك بموجب تعديله لنفس النص السابق بيان طريقة تقديم الطلب بالنسبة للمقيمين خارج التراب الجزائري ، و من ثمة يجب الرجوع فيما يخص هذه النقطة للقواعد العامة,
و لم يشترط المشرع الجزائري في ظل الأمر 70/86 المعدل و المتمم بالأمر 05/01 ميعادا محددا لتقديم طلب التخلي عن الجنسية الوطنية، فيستوي الأمر بتقديمه في بداية الحياة الزوجية أو في وقت متأخر من استئنافها، مع العلم أنه في ظل قانون 63/96 كان المشرع يشترط بموجب أحكام المادة 21/03 على أن يتم قبول طلب التخلي عن الجنسية الوطنية قبل إتمام مراسيم الزواج، مما يعني أن يتم تقديم الطلب قبل انعقاد الزواج.
إلا أننا نرى أنه في المادة تناقض، إذ يشترط المشرع من جهة، لقبول طلب التخلي أن تكتسب الوطنية جنسية زوجها الأجنبي بموجب الزواج، ومن جهة أخرى يشترط تقديم الطلب للبت فيه من قبل السلطة المختصة قبل انعقاد هذا الزواج، فالسؤال المطروح في هذه الحالة هو كيف لهذه الوطنية أن تكتسب جنسية زوجها الأجنبي مادام المشرع اشترط البت في طلب التخلي قبل إتمام مراسيم الزواج؟
و عليه حسنا فعل المشرع حين عدل هذه المادة بموجب الأمر 70/86 لأن هذا اللبس من شأنه أن يسبب عدة حالات انعدام الجنسية، فقد لا تكتسب الزوجة الوطنية جنسية زوجها و تفقد جنسيتها الجزائرية.
4-موافقة السلطة المختصة على طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية:
تقديم طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية لا يعني بالضرورة قبولi من طرف السلطة المختصة، إذ أن الدولة الجزائرية ممثلة في وزير العدل غير مجبرة على قبول الطلب، فلها أن تقبله و تصدر مرسوم الفقد، كما لها الحق أيضا أن ترفضه صراحة أو ضمنا كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك.
فقد نصت المادة 26 من أمر 70/86 المعدلة بموجب الأمر 05/01 على أنه يمكن لوزير العدل أن يرفض طلب التخلي عن الجنسية الوطنية إذا لم تتوفر الشروط القانونية المطلوبة بموجب مقرر معلل يبلغ للمعني بالأمر، كما أنه له الحق كذلك في رفض الطلب رغم استيفائه كل الشروط القانونية المطلوبة إلا أن المشرع لم يلزمه في هذه الحالة تسبيب مقرر الرفض.
مع العلم أن رفض الطلب، لا يمنع الزوجة الجزائرية من إعادة تقديم طلبها، كون أن هذا الرفض مجرد إجراء إداري مؤسس على اعتبارات الملائمة التي يمكنها أن تتغير فيما بعد بتغير الظروف، ولا يعد بأي حال من الأحوال حكما قضائيا حائزا حجية الشيء المقضي فيه.
و تجدر الملاحظة أنه بتعديل نص المادة 27 من الأمر 70/86 بموجب الأمر 05/01 ترك المشرع الجزائري فراغا قانونيا، يتعلق بالمدة التي يتعين فيها على السلطة المختصة البت في طلب التخلي عن الجنسية الجزائرية، فرغم أهمية هذه المسألة، لم يتطرق لها المشرع في نص المادة 27 من الأمر الحالي، و هذا من شأنه أن يشجع الإدارة على التماطل و عدم الفصل في الطلبات في وقت معقول، مما يؤدي إلى تكديس الملفات و تعطيل مصالح المعنيين.
و قد كانت المادة السابقة تمنح لوزير العدل أجل 12 شهرا يبتدئ حسابه من يوم إعداد الملف بصفة كاملة للبت في الطلب، واعتبرت سكوته بعد انقضاء هذه المدة قبولا.
إضافة إلى الشروط السابقة، يجب أن تكون المرأة الجزائرية بالغة سن الرشد باعتبار فقد الجنسية عمل إرادي بالرغم من أن المشرع الجزائري لم يشترط ذلك صراحة، كون أن الأصل من شروط صحة الزواج أن تكون الزوجة بالغة سن الرشد، إلا أنه من الممكن أن تفقد الزوجة الجزائرية أهليتها سواء بالجنون اللاحق للزواج أو السفه، و بالتالي تصبح إرادتها منعدمة أو معيبة، و في هده الحالة يتعين أن يقدم الطلب بواسطة نائبها القانوني.
إذا توفرت كل الشروط السابق ذكرها، ورأت السلطة المختصة بما لها من سلطة تقديرية قبول الطلب، تصدر هذه الأخيرة ممثلة في شخص وزير العدل مرسوما يقضي بفقد الزوجة جنسيتها الوطنية.
و يبدأ سريان أثر فقدان الجنسية الجزائرية من تاريخ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية طبقا للمادة 20 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بالأمر 05/01، في حين أن المادة 22/2 من قانون 63/96 كانت تقضي ببدء سريان أثر الفقد من تاريخ إبرام عقد الزواج و من ثمة تصبح الزوجة الجزائرية أجنبية عن الجماعة الوطنية التي كانت تنتمي إليها، و بالتالي تلتزم بنفس الالتزامات الملقاة على عاتق الأجانب، إذ يسحب منها جواز سفرها الجزائري، و تصبح تخضع لنظام دخول و خروج الأجانب من الجزائر، كما أنه يفرض عليها قيود الإقامة و التشغيل، وكذا القيود الخاصة بممارسة النشاط السياسي و الجمعوي، و تضيع كذلك حقها في طلب الحماية الدبلوماسية من الممثليات الجزائرية في الخارج، و لا يصبح القانون الجزائري قانونها الشخصي في مسائل الأحوال الشخصية و عليه ينتفي معه الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية.
و في الأخير نخلص إلى القول أن المشرع الجزائري فإن سوى بين الرجل و المرأة، فيما يخص الأثر الإيجابي غير المباشر على جنسيتهما، فإنه و على العكس من ذلك تماما لم يرتب أي أثر مفقدا على جنسية الزوج الذي يكتسب جنسية زوجته الأجنبية من جراء الزواج بها، في حين أنه رتب أثرا سلبيا غير تلقائي على جنسية المرأة الجزائرية التي تتزوج أجنبيا و تكتسب جنسية هذا الأخير عن طريق الزواج.
الفرع الثاني: بالنسبة للأولاد القصر:
اتفقت التشريعات المقارنة جميعا على عدم انصراف أثر فقد الجنسية بالزواج إلى أولاد المعني بالأمر القصر.
وقد حذا المشرع الجزائري حذو هذه التشريعات، حرصا منه على تلافي انعدام الجنسية، إذ نص بموجب أحكام المادة 21 من أمر 70/86 المعدل و المتمم بموجب الأمر 05/01 على أنه " لا يمتد أثر فقدان الجنسية الجزائرية في الحالات المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه إلى الأولاد القصر"، ومن بين الحالات المذكورة في المادة 18 حالة المرأة الجزائرية التي تفقد جنسيتها الجزائرية بناء على طلبها لاكتسابها جنسية زوجها الأجنبي عن طريق الزواج بعد صدور مرسوم الإذن بالتخلي من السلطة المختصة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من نفس المادة.
وعليه، فلو كانت للزوجة الجزائرية أولاد قصر غير متزوجين يعيشون معها من زواج سابق يبقون محتفظين بجنسيتهم الجزائرية بالرغم من بقاء العلاقة الزوجية مع الأجنبي قائمة.
كما أن المشرع الجزائري قد راعى أيضا مصلحة الطفل بإقراره بموجب التعديل الجديد لمادة 21 عدم امتداد أثر فقد الجزائري جنسيته الوطنية من جراء تخليه عنها لاكتساب جنسية أجنبية إلى أولاده القصر، الحالة المشار إليها بموجب أحكام المادة 18/01.
إذ كانت تنص المادة 21 السابقة على أنه "يمتد أثر فقدان الجنسية الجزائرية في الحالات المنصوص عليها في الفقرات 1و2 و4 من المادة 18 المذكورة أعلاه ، بحكم القانون إلى أولاد المعني بالأمر القصر غير المتزوجين، إذا كانوا يعيشون معه فعلا"
و حسنا فعل المشرع الجزائري بتعميم عدم انصراف أثر فقد الأبوين جنسيتهما الوطنية سلبا على جنسية الأولاد، إذ كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انعدام جنسية الأولاد في بعض الحالات لا محالة كون أن المشرع لم يشترط حصول الأولاد فعلا على جنسية أبيهم الجديدة أو اكتسابهم جنسية أخرى إلى جانب اشتراطه أن يكون الأولاد قصر و غير متزوجين وكذا يعيشون مع أبيهم.
خاصة و أنه قد نصت اتفاقية نيويورك المتعلقة بالحد من حالات انعدام الجنسية المبرمة في 30/08/1961 في مادتها السادسة على أنه "لا يستطيع أي مواطن دولة أن يتسبب في فقد زوجه أو أولاده لجنسيتهم دون سبق حصولهم على جنسية دولة أخرى" .
ومما سبق نستخلص أن المشرع الجزائري لم يرتب أي أثر مباشر أو غير مباشر للزواج المختلط على جنسية الأولاد مستبعدا بذلك مبدأ تبعة الأولاد القصر إلى من ينوبهم قانونا، كون أن الجنسية تعتبر من المسائل الخطيرة التي ينبغي أن تحظى بالعناية الكاملة، وخاصة عند فقدها.
المطلب الثاني: زوال الرابطة الزوجية وأثره على الجنسية
سبق وأن تطرقنا إلى الآثار الإيجابية و السلبية التي يرتبها عقد الزواج المختلط الصحيح في نظر القانون الجزائري على جنسية كل من الزوجين و الأولاد.
غير أنه قد يحدث أن يكون عقد الزواج باطلا أصلا، أو ينحل بعد إبرامه صحيحا، فما مصير ذلك على جنسية كل من الزوجين و الأولاد، هذا ما سنحاول أن نبينه في الفرعين المواليين:
الفرع الأول: آثار بطلان عقد الزواج على الجنسية:
يعتبر عقد الزواج باطلا متى تخلف فيه ركن من أركان انعقاده، و الركن هو الشيء الذي يدخل في ماهية الشيء، فلا يوجد إلا بوجوده، وينعدم بانعدامه.
نص المشرع الجزائري بموجب أحكام المادة 09 من قانون رقم 84/11 المؤرخ في 09/06/1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل و المتمم بالأمر رقم 05/02 المؤرخ في 27/02/2005 على ركن واحد لانعقاد عقد الزواج يتمثل في تبادل رضا الزوجين، في حين أنه كان في السابق ينص على أربعة أركان تتميز في الرضا، الولي، الشاهدين، الصداق.
وعليه يعتبر عقد الزواج باطلا حسب أحكام المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة متى انعدم فيه ركن الرضا أو إذا اشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد.
وقد تباينت اتجاهات تشريعات الدول فيما يخص الأثر الذي يرتبه عقد الزواج الباطل على الجنسية.
فالبلدان التي تأخذ بمبدأ ازدواج الجنسية في العائلة لم ترتب أي أثر على بطلان عقد الزواج كالولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، وكذا مصر، إذ نصت المادة 12/02 من قانون الجنسية المصرية أنه إذا كان زواج المصرية بأجنبي باطلا طبقا للقانون المصري وصحيحا طبقا لأحكام قانون الزوج ، فإنه تظل تلك الزوجة مصرية و لا تفقد جنسيتها الوطنية، إلا أنه أجاز بمقتضى قرار من وزير الداخلية اعتبارها فاقدة لجنسيتها المصرية إذا اكتسبت جنسية زوجها .
بررت المذكرة الإيضاحية حل المشرع المصري الشاذ و غير المألوف بحرصه على عدم وضع المصرية التي تزوجت زواجا باطلا من أجنبي و أولادها في مركز أفضل من المصرية التي تزوجت بأجنبي زواجا صحيحا وأولادها .
وهناك بعض الدول كالبحرين و سوريا ترتب على بطلان عقد الزواج فقدان جنسية زوجها الجديدة إذ استردت جنسيتها الأصلية.
وأما البعض الآخر من الدول كالسعودية، تايلاندا و تونس يرتبون على بطلان عقد الزواج سحب جنسية الزوجة المكتسبة بالزواج تلقائيا، فقد نص القانون الجنسية التونسية في الفصل السادس عشر، على أن الأجنبية التي اكتسبت الجنسية التونسية من جراء زواجها بتونسي تفقد الجنسية التونسية بأثر رجعي، إذ صدر حكم نهائي بقضي ببطلان عقد الزواج.
في حين أن القانون الفرنسي، رتب بموجب أحكام المادة 201 ق.م على عقد الزواج الظنيle mariage putatif وهو العقد الباطل المنعقد يحسن النية من أحد الطرفين كل أثار عقد الزواج الصحيح بالنسبة للزوج الذي كان حسن النية، بحيث اعتبر الزواج قائما من الجهة الفعلية منذ انعقاده إلى وقت تقرير بطلانه، بصفة ظنية، فقرر عدم انسحاب أثار البطلان إلى الماضي رعاية للزوج حسن النية و الأولاد.
وقد اختلف الفقهاء في مدى امتداد أثر الزواج الظني على الجنسية، فذهب البعض إلى القول أن أثار الزواج الظني يتعلق بالقانون الخاص ولا تتعدى إلى الجنسية كونها رابطة من روابط القانون العام وعليه من يكتسب الجنسية بموجب زواج باطل يفقدها.
في حين ذهب أغلبية الفقه وكذلك القضاء الفرنسي إلى القول بامتداد أثار الزواج الظني إلى الجنسية المكتسبة، فلا يؤثر بطلان هذا الزواج أيضا على جنسية الأولاد الذين كانوا ثمرة له .
نشير في الأخير، أن القانون الجزائري اقتصر على ذكر الآثار التي يرتبها عقد الزواج الصحيح على الجنسية، ولم يتطرق صراحة إلى الآثار التي يرتبها عقد الزواج الباطل .
إلا أنه بالتمعن في أحكام قانون الجنسية الجزائرية، يمكن استنباط أن المشرع الجزائري لم يرتب أي أثر على الزواج الباطل .
ذلك أنه من بين الشروط التي استلزمها المشرع الجزائري لكسب الأجنبية جنسية زوجها الأجنبي بموجب أحكام المادة 12 من قانون 63/96 أن لا يكون الزواج باطلا أو مفسوخا بتاريخ 06 أشهر من إبرامه، وهو الميعاد الذي يصادف تاريخ رد وزير العدل الصريح أو الضمني على طلب الأجنبية المتضمن رغبتها في اكتساب الجنسية الجزائرية.
كما أنه اشترط أيضا بموجب المادة 09 مكرر من أمر 05/01 لاكتساب الأجنبي أو الأجنبية الجنسية الجزائرية من جراء زوجها مع جزائرية أن يكون الزواج قانونيا وقائما منذ ثلاث سنوات.
وعليه نستنتج بمفهوم المخالفة أنه لو صدر حكم قضائي نهائي يقضي ببطلان عقد الزواج قبل مضي ستة أشهر من إبرام عقد الزواج في الحالة الأولى أو قبل انقضاء أجل ثلاث سنوات في الحالة الثانية، لا تكتسب الأجنبية وإلى جانبها الأجنبي في الحالة الثانية الجنسية الجزائرية.
لكن ما هو مصير الجنسية الجزائرية المكتسبة عند صدور حكم يقضي بالبطلان ؟ فهل تبقى هذه الجنسية قائمة أو تسحب؟
سكت المشرع عن هذا الجواب، ولم يتطرق لهذه الحالة، و في رأينا يجب سحب الجنسية الجزائرية المكتسبة بالزواج، مادام أن الأساس القانوني لاكتسابها أصبح منعدما، خاصة أن هذا الحل يستقيم مع المنطق السليم و المبادئ القانونية التي تنص على أنه ما بني على باطل فهو باطل، لأن البطلان غير مرتبط بوقت معين، فهو منعدم الوجود أصلا فالبطلان بعدم الزواج فيجعله كأن لم يكن، وأثاره تنسحب إلى الماضي بحيث يعتبر الزواج كأن لو يكن في يوم من الأيام، و لو كانت العلاقة قد أخذت مظهر الزواج لفترة من الزمن.
وعليه نخلص إلى القول أنه إذا كان عقد الزواج باطلا، تفقد الأجنبية و الأجنبي جنسيتهما الجزائرية المكتسبة بزواجهما مع جزائري أو جزائرية مادام أن المشرع اشترط لاكتساب هذه الجنسية صحة عقد الزواج في نظر القانون الجزائري.
غير أن هذا الحل قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على الأجانب الذين يكونون قد تخلوا عن جنسياتهم السابقة، لذا كان على المشرع الجزائري أن يتطرق لهذه المسألة ويرتب فقد الجنسية الجزائرية المكتسبة بشرط استرداد الأجانب جنسيتهم السابقة تفاديا لانعدام الجنسية.
و بالمقابل فإنه لا تفقد الزوجة الجزائرية جنسيتها الوطنية طبقا لأحكام المادة 18/03 من أمر 70/86 إذا كان عقد زواجها باطلا في نظر القانون الجزائري.
إلا أنه لو اكتشف البطلان بعد صدور مرسوم التخلي عن جنسيتها الوطنية ولم تدخل فعلا في جنسية زوجها الوطنية قد تصبح عديمة الجنسية.

الفرع الثاني: آثار انحلال الرابطة الزوجية على الجنسية
تشترط معظم تشريعات الدول استمرار قيام الزوجية فترة معينة، حتى يستطيع الزوج الأجنبي بعد مضيها الحصول على جنسية زوجه الوطني، أو أن بتقديم بالطلب للحصول عليها .
و تحديد مدة قيام الزوجية تختلف من دولة لأخرى تبعا لمصالح الدول، فبعضها يفضل تقصير هذه المدة، و أما البعض الآخر يفضل إطالتها.
و أما القانون الجزائري، فقد اكتفى باشتراط في ظل قانون 63/96 بموجب أحكام المادة 12 بقاء الزوجية قائمة مدة لا تتعدى ستة (6) أشهر لاكتساب الزوجة الأجنبية جنسية زوجها الجزائري بفضل الزواج.
في حين أنه بموجب التعديل الجديد، مدد المشرع الجزائري المدة اللازمة لاستمرارية الزواج بمقتضى المادة 09 مكرر من أمر 05/01 إلى ثلاث سنوات، إذ لم يجيز تقديم الأجنبي أو الأجنبية المتزوجان جزائري أو جزائرية طلب الحصول على الجنسية الجزائرية بسبب الزواج إلا بعد مضي هذه المدة من إبرام عقد الزواج المختلط.
إلا أنه قد يحدث أن ينحل عقد الزواج الصحيح المكسب للجنسية قبل أو بعد مضي المدة المقررة قانونا لاكتساب الجنسية خاصة و أن الزواج المختلط غالبا ما لا يكون طويل العمر لاختلاف الثقافات و التقاليد وبعض الأحيان الديانات بين الزوجيين. فما هو أثر ذلك على جنسية الزوجين و جنسية الأولاد؟
تنحل الرابطة الزوجية إما بالوفاة أو الطلاق أو التطليق أو الخلع أو الانفصال الجسماني وتجدر الإشارة أن أسباب انقضاء الزواج يثير اختلافا واضحا بين القوانين، فإن كانت غالبية الدول تجيز حل الرابطة الزوجية بالطلاق، فإنها تختلف في تنظيم أحكامه، فمنها من يجعله سلطة في يد الزوج مثل الدول التي تعتنق الشريعة الإسلامية إذ أن الشريعة الإسلامية بالرغم من تقريرها حكم الكراهية للطلاق إلا أنها ترى أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تبقى مع الخلاف، لذا جعلت الطلاق بيد الرجل و الخلع للمرأة، وهناك من يجعله معلقا على إرادة الزوج أو الزوجة على حد سواء، وهناك من تقر بطلاق التفويض توقعه المرأة إذا اشترطت في العقد أن تكون عصمتها بيدها، في حين أن هناك من لا يبيحه إطلاقا كما هو الحال عند الكنائس الكاثوليكية في دول الشرق، وبذلك نظمت قوانين هذه الدول ما يسمى بالانفصال الجسماني الذي يطلبه أحد من الزوجين إذا ما ضاقت الحياة الزوجية وتوافرت أحد الأسباب التي يحددها ذاك القانون .
كما أن الدول التي توكل أمر الطلاق إلى المحكمة تختلف في الأسباب التي يمنح على أساسها التطليق ،وأما الخلع فهو للزوجة يمكن أن تطلبه من المحكمة لا يخضع لإرادة الزوج ويكون بعوض.
وأما المشرع الجزائري نص بموجب أحكام المادة 47 من قانون الأسرة على أن انحلال الرابطة الزوجية يكون عن طريق الطلاق أو الوفاة، ويقصد هنا الطلاق بوجه عام، و أما الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج نص عليه بموجب أحكام المادة 48 من قانون الأسرة ،في حين أن الخلع يكون بالإرادة المنفردة للزوجة بمقابل مالي طبقا للمادة 54 وأخيرا التطليق يتقرر متى توفرت أحد الأسباب المقررة في المادة 53 من قانون الأسرة.
أولا: أثر الطلاق على جنسية الزوجي و الأبناء
وأما عن أثر انحلال الرابطة الزوجية على جنسية الزوجين عن طريق الطلاق فإن الدول قد اختلفت في ترتيب ذاك الأثر.
فالأصل أنه إذا انحل الزواج المختلط فبل اكتمال المدة المقررة قانونا لاكتساب جنسية الزوج، لا يكتسب الزوج الأجنبي جنسية زوجه، فلو انحل زواج جزائرية من أجنبي قبل مرور ثلاث سنوات المقررة بموجب أحكام المادة 09 مكرر من أمر 05/01 لا يمكن لهذا الأخير تقديم طلب لاكتساب الجنسية الجزائرية بفضل الزواج، مادام أن السند القانوني الرئيسي لاكتساب الجنسية قد زال، وقد نص المشرع الفرنسي في نفس السياق أنه إذا انحل الزواج قبل اكتساب الجنسية الفرنسية يتعذر حينئذ طلب الدخول في الجنسية الفرنسية.
إلا أنه اختلفت الدول في الأثر المترتب على الجنسية إذا انحل الزواج الصحيح بعد اكتساب الجنسية ،فذهبت معظم الدول إلى القول أن انحلال الزواج المكسب للجنسية لا يؤثر تلقائيا لفقد جنسية الزوج المكتسبة متبنية بذلك نظام ازدواج الجنسية في الأسرة مثل أوربا وأفريقيا، و قد نص القانون الفرنسي أنه إذا كان انحلال الزواج بسبب التطليق لا يمكن إجبار الزواج أو الزوجة عل التنازل عن الجنسية إذا كان قد اكتسبها.
و تجدر الإشارة إلى أن غالبية الدول استبعدت تأثير انحلال الزواج على جنسية الزوج الأجنبي، كون أن احتمال فقد الزوج لجنسية الدولة التي تنتمي إليه مطلقته إذا كان قد اكتسبها احتمال ضعيفا مثلما كان احتمال اكتسابه لها احتمالا واهنا، إذ أنه قد لا يكتسب جنسية دولة الزوجة الوطنية إذا لم يسمح قانون جنسيتها بذلك، و حتى في الدول التي تسمح للزوج الدخول في جنسية الزوجة الوطني، فإنه لن يفقد الزوج تلك الجنسية بانحلال الرابطة الزوجية لأنها لم تكن وحدها أساس منحه الجنسية، و إنما كانت شروط أخرى تقترب من الشروط العامة للتجنس، عكس جنسية المرأة، فالأصل أن تتأثر بجنسية زوجها طبقا لمبدأ تبعية المرأة لجنسية الزوج و حرصا على مبدأ وحدة الجنسية في العائلة.
في حين أن البعض الآخر من الدول يجيز للزوجة التي انحل زواجها أن تتنازل عن الجنسية التي اكتسبتها بالزواج، فماليزيا مثلا تقرر ذلك إذا انحل الزواج خلال سنتين من إشهاره، في حين جواتيمالا تقر ذلك إذا طلبت الزوجة التطليق في نفس وقت التجنس و هناك دولا أخرى كالتشريع المصري في مادته الثامنة و التشريع الليبي في مادته السابعة الفقرة الثانية و التشريع البلجيكي في مادته الرابعة الفقرة الثالثة و التشريع الإيطالي في مادته العاشرة الفقرة الثانية يقرون أن تفقد الزوجة الجنسية التي اكتسبتها بزواجها من وطني، إذا استردت الجنسية التي كانت تحملها قبل الزواج بعد انحلال الزواج، أو إذا اكتسبت جنسية جديدة، معتبرين ذلك إفصاحا عن عدم رغبتها في البقاء بين رعايا دولة زوجها، وقد أكدت ذلك المادة الثامنة من قانون الجنسية المصري الحالي بنصها على أنه : " إذا اكتسبت الأجنبية الجنسية المصرية......فلا تفقدها عند انتهاء الزوجية إلا إذا استردت جنسيتها الأجنبية، أو تزوجت من أجنبي ودخلت في جنسيته طبقا لقانون هذه الجنسية".
و عليه اشترط المشرع المصري لفقد الزوجة الجنسية المصرية التي اكتسبتها نتيجة الزواج بمصري أن يتدعم الطلاق أو التطليق بأحد الأمرين، إما استرداد تلك المرأة جنسيتها السابقة أو أن تتزوج من أجنبي وتكتسب جنسيته .
وهناك دولا أخرى تشترط إضافة لانحلال رابطة الزوجية، إقامة الزوجة في الخارج لكي تفقد جنسيتها التي اكتسبتها بسبب الزواج، و قد نص على ذلك القانون الإيطالي و السعودي و كذا القانون الليبي في مادته السابعة.
وقد نصت المادة الثالثة من اتفاقية الجنسية لسنة 1954 الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية أنه يحق للمرأة العربية عند انتهاء الزوجية أن تعود إلى بلدها الأصلي لتقيم به كما يحق لها عند الإقامة أن تسترد جنسيتها السابقة إذا طلبت ذلك و تفقد في هذه الحالة الجنسية التي اكتسبتها بالزواج.










رد مع اقتباس