منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - البدعـــة
الموضوع: البدعـــة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-11-05, 22:44   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
كلمات مبعثرة
عضو محترف
 
الصورة الرمزية كلمات مبعثرة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى البدعة في القرآن الكريم

جاء ذكر مادة (بدع) في القرآن الكريم، وذلك في أربعة مواضع:
الموضع الأول والثاني:
قال الله تعالى: بديع السموات والأرض [البقرة:117]، [الأنعام:59].
الموضع الثالث: قل ما كنت بدعاً من الرسل [الأحقاف:9].
الموضع الرابع: قال الله تعالى: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها[الحديد:27].
الموضعان الأول والثاني: قال ابن منظور: البديع من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع الأول قبل كل شيء، وهو الذي بدع الخلق، أي بدأه كما قال سبحانه: بديع السماوات والأرض أي خالقها ومبدعها. انتهى(1).
الموضع الثالث: قال الخليل: البدع: الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر كما قال تعالى: قل ما كنت بدعاً من الرسل أي لست بأول مرسل. انتهى(2).
فمعنى البدعة في المواضع الثلاثة واحد، وهي البدعة اللغوية.
وأما الموضع الرابع؛ فإن البدعة المذكورة فيه إنما هي البدعة الشرعية التي تعنينا هنا، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عن بني إسرائيل أنهم ابتدعوا في أمر دينهم مالم يكتبه عليهم، وهذا هو الابتداع الشرعي الذي هو مجال بحثنا ونقاشنا. فلنقف على هذه الآية ولننظر فيها بشيء من التأمل و التفكر، لنرى مدلولها في تحسين فعلهم أوتقبيحه، وبعبارة أخرى لنرى إن كان الله سبحانه وتعالى قد رضي منهم هذه البدعة وأثابهم عليها، أم ردها عليهم وذمهم بها.
فنقول وبالله التوفيق: لقد ذهب عامة المفسرين إلى أن الله سبحانه وتعالى قد رضي منهم هذه البدعة، وأمرهم بالدوام عليها وعدم تركها، وجعلها في حقهم كالنذر الذي من ألزم نفسه به فعليه القيام به، وعدم تركه والتهاون فيه. فمن نذر نذراً ما، ولم يوف به فإنه لا يلام على أن نذر هذا النذر، وإنما يلام على عدم الوفاء به.
وكذلك هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة الرهبانية لم يذمهم الله سبحانه على ابتداعها؛ كما قال الفخر الرازي (29/245): لم يعنِ الله بابتدعوها طريقة الذم، بل المراد أنهم أحدثوها من عند أنفسهم ونذروها، ولذلك قال تعالى بعده: ما كتبناها عليهم.
وقال العلامة الآلوسي (294/15): »يعلم منه أيضاً سبب ابتداع الرهبانية، وليس في الآية ما يدل على ذم البدعة مطلقاً، والذي تدل عليه ظاهراً ذم عدم رعاية ما التزموه« انتهى.
فغاية ما تفيده الآية في ذلك النص على أن الرهبانية إنما هي محض بدعة من عند أنفسهم لم يكتبها الله عليهم، دون تلميح من قريب أو بعيد إلى أن الله سبحانه وتعالى قد ذمهم على هذا الابتداع، بل على العكس من ذلك قد يلمح من سياق الآية ما يدل على امتداحهم على هذه البدعة، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: من قوله تعالى: ...إلا ابتغاء رضوان الله حيث نص على صحة قصدهم من هذه البدعة وإخلاصهم فيها. قال الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير (423/27): »وإنما عطفت هذه الجملة على جملة وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه لاشتراك مضمون الجملتين في أنه من الفضائل المراد بها رضوان الله، والمعنى: وابتدعوا لأنفسهم رهبانية ما شرعناها لهم، ولكنهم ابتغوا بها رضوان الله، فقبلها الله منهم؛ لأن سياق حكاية ذلك عنهم يقتضي الثناء عليهم« انتهى.
والوجه الثاني: من قوله تعالى: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم... فهذا نص من الله سبحانه وتعالى على أنه قد أثاب الذين رعوها حق رعايتها وأثابهم أجرهم، وهذا دليل قبول منهم ورضاً بفعلهم. قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى (241/27): وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدل بذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك لم يكن مستحق الأجر الذي قال جل ثناؤه فيه: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم إلا أن الذين لم يرعوها حق رعايتها ممكن أن يكونوا كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم، لأن الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها، فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم ، وا لمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.
وقوله: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسله من هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان الله، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثير منهم أهل معاصٍ وخروج عن طاعته، والإيمان به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل«. انتهى.
فبهذا يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يذمهم على الابتداع ولم يرد بدعتهم عليهم، بل قد رضيها منهم ومدحهم عليها.
وإنما ذمهم الله سبحانه وتعالى على عدم رعاية ما ابتدعوا وعدم القيام بحقه، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى (264/17): »وهذه الآية دالة على أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية، وعن أبي أمامة الباهلي -واسمه صدي بن عجلان- قال: » أحدثتم قيام رمضان ولم يكتب عليكم، إنما كتب عليكم الصيام، فدوموا على القيام إذ فعلتموه ولا تتركوه، فإن ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعاً لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله فما رعوها حق رعايتها، فعابهم الله بتركها فقال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها «.
وخلاصة القول في هذه الآية ما حكاه السيد العلامة عبد الله بن صديق الغماري في كتابه (إتقان الصنعة):
فقوله تعالى: ورهبانية ابتدعوها ماكتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها قد استنبط العلماء من هذه الآية مجموعة من الأحكام منها:
* إحداث النصارى لبدعة الرهبانية من عند أنفسهم.
* عدم اعتراض القرآن على هذا الإحداث، فليس في الآية - كما قال الرازي والألوسي - ما يدل على ذم البدعة.
* لوم القرآن لهم بسبب عدم محافظتهم على هذه البدعة الحسنة: فما رعوها حق رعايتها واللوم غير متجه للجميع، على تقدير أن فيهم من رعاها كما قال ابن زيد، وغير متوجه لمحدثي البدعة كما قال الضحاك،(1) بل متوجه إلى خلفهم كما قال عطاء(2)«.
ومن خلال هذا التحقيق يتبين لنا خطأ ما ذهب إليه الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (6/567- 568) حيث قال: »وقوله تعالى: إلا ابتغاء رضوان الله أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهذا ذم لهم من وجهين:
أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل. اهـ.
فإنه بذلك قد خالف جمهور المفسرين كما تبين لنا، وقد حمَّل النص القرآني ما لا يحتمل، بل إن من أوضح ما يدل على صحة ما ذهبنا إليه، وعلى بطلان قوله، ما ذكره هو نفسه من الأحاديث المفسِّرة للآية بعد قوله السابق؛ كالحديث الذي رواه ابن أبي حاتم، وقواه ابن كثير نفسه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: »يا ابن مسعود« قلت: لبيك يا رسول الله، قال: »هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليه السلام، فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقاتلت الجبابرة، فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال، فقامت بين الملوك والجبابرة، فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقتلت وقطعت بالمناشير، وحرقت بالنيران، فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال، ولم تكن تطيق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت، وهم الذين ذكر الله تعالى: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم«.
فهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الفرقة التي ابتدعت الرهبانية ورعتها حق رعايتها هي إحدى الفرق الثلاث الناجية من بني إسرائيل، وإنما نجوا ببدعتهم التي ابتدعوها ورعوها حق رعايتها.
ومثله في الدلالة على ما أردنا من بطلان قول ابن كثير وصحة قول الجمهور، مارواه النسائي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت ملوك بعد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بدّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة قيل لملوكهم :ما نجد شتماً أشدّ من شتم يشتمونا هؤلاء، إنهم يقرؤون: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وهؤلاء الآيات مع ما يعيبونا به في أعمالنا في قراءتهم. فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها. فقالوا: ما تريدون إلى ذلك دعونا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم. وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة منهم: ابنوا لنا دوراً في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البُقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم. وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم. قال: ففعلوا ذلك فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها والآخرون قالوا: نتعبَّدُ كما تَعَبَّدَ فُلاَنٌ، وَنَسيحُ كما ساح فُلاَنٌ، وَنَتَّخذُ دُوراً كما اتَّخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا به، فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل، انحط رجلٌ من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدَّقُوه، فقال الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم قال: يجعل لكم نوراً تمشون به؛ القرآن، واتبِّاعَهُم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لئلا يعلم أهل الكتاب، يتشبهون بكم، أن لا يقدرون على شيء من فضل الله الآية(1). انتهى.
ومن هنا يتبين لنا قطعاً بطلان قول ابن كثير رحمه الله ومن سلك مسلكه، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يذمهم على ابتداع الرهبانية، وإنما امتدحهم بها ورضيها منهم؛ فتكون هذه الآية نصاً قرآنياً عظيماً في إثبات البدعة الحسنة. والله تعالى أعلم.









رد مع اقتباس