السلام عليكم
بداية شكرا على الموضوع , و على الكتابة عن صفحة مهمة من تاريخنا , لكن مع ذلك لدي بعض الملاحظات على ما بعض النقاط أرجو تقبلها يصدر رحب و مناقشتها إن امكن , و هي تتعلق بالأطراف المشاركة في الحملة على الجزائر 1541 و بالسياق التاريخي السابق و اللاحق لها و بظروف الحملة نفسها ...
اولا : بخصوص من شارك في الحملة و ممتلكاتهم. فيجب التنبيه إلى أن فرنسا لم تكن جزء من الحملة , فقد كان ملكها آنذاك فرانسوا الاول في حرب دائمة مع شارل الخامس و كانت مملكة فرنسا متحالفة مع الدولة العثمانية فيما عرف بالتحالف الفرانكو-عثماني ... أما من ترأس الحملة فهو الإمبراطور شارل الخامس الملقب بشارلكان بالتحالف مع جمهورية جنوى و الدولة البابوية , و سلطة شارل الخامس و طبيعة امتدادها في اوروبا هي مسألة معقدة بعض الشيء لأن الحدود لم تكن كما هي اليوم و لأن النظام الوراثي الإقطاعي يؤدي إلى تداخل الولاءات و تعدد الألقاب و الدرجات للشخص الواحد . و الخريطة التالية تعطينا صورة تقريبية عن توزع ممتلكات شارل الخامس في منتصف القرن السادس عشر :

باللون الأصفر الاراضي النمساوية لأسرة هابسبورغ التي ورثها عن أبيه فيليب الأول , أما بقية أراضي الامبراطورية المقدسة فهي تخضع لعدد كبير من الأمراء الجرمانيين في حين يكون منصب الامبراطور بالانتخاب و ليس بالوراثة . و في نفس الوقت ورث عن طريق جدته لابيه ممتلكات البورغنديين , أي كونتا على الفرانش كونتي و دوقا للكسمبورغ و سيدا على مقاطعات الاراضي المنخفضة, و في نفس الوقت توج ملكا على اراضي اسبانيا الذي تعود لوالدته الملكة جوانا و التي كانت قبل ذلك مملكتين منفصلتين مملكة اراغون (الناطقة بالكاتالونية) و التي تضم اراغون و كاتالونيا و نابولي و صقلية و سردينيا , اما لومبارديا (ميلانو) الملونة في الخريطة ايضا باللون الاحمر فلم تكن جزء من المملكة بل ضمها سنة 1525 بعد انتصاره على فرانسوا الاول في معركة بافيا , في حين كان وسط ايطاليا تابعا للدولة البابوية و شكلت البندقية جمهورية مستقلة , و نفس الشيء لجمهورية جنوى التي كانت تحكم منطقة ليغوريا و كورسيكا إلى جانب عدد آخر من المدن الإيطالية التي كانت تتأرجح بين الخضوع الإسمي و الفعلي للامبراطورية الرومانية المقدسة ... اما الجزء الثاني من مملكة إسبانيا فكان يتكون من قشتالة و ليون و الذي ورثته الملكة جوانا عن أمها إيزابيلا , و كما في الخريطة كانت بعض مدن الشمال الافريقي تخضع في فترات ما تحت سلطة قشتالة كمدينة الجزائر و تونس و المرسى الكبير (حررت سنة 1542 بعد فشل الحملة على الجزائر) ...الخ. و إضافة إلى ذلك كانت تخضع لسلطة قشتالة ممتلكات آخذة بالتوسع في العالم الجديد ...
ثانيا : بخصوص الجزائر و تسميتها و بالدولة و الجمهورية في سنة 1541 . فهذا امر غير دقيق لانها لم تكن آنذاك لا جمهورية و لا دولة مستقلة بل إقليم تابع للدولة العثمانية ... و حتى زمن خير الدين بربروس كانت الجزائر تعني شيئا واحدا فقط و هو مدينة "دزاير" التي بناها بولوغين بن زيري ثم انتقلت لحكم الزيانيين ثم خضعت للإسبان حتى تم تحريرها على يد الإخوة بربروس سنة 1516 و صارت مركز قوات الإخوة بربروس بعد أن كانوا متمركزين في جربة و جيجل, وتحولت في سنة 1517 بناء إلى طلب عروج إلى سنجاق تابع للدولة العثمانية , و بعد مقتل عروج في نفس السنة في حملة شارلكان على تلمسان صار خير الدين حاكما للجزائر بلقب "باي لارباي" و استرد تلمسان في السنة التي بعدها , ثم فقد الجزائر سنة 1524 لصالح قبائل محلية ثم استرجع المدينة و نجح في طرد الإسبان نهائيا من حصن بينيون الجزائر سنة 1529 هي السنة التي طلب فيها خير الدين ضم الجزائر إلى الدولة العثمانية و أصبحت بوجب ذلك خاضعة إلى سيادتها بشكل مباشر. في سنة 1934 تم تعيين خير الدين قائدا عاما للاسطول العثماني و خلفه على الجزائر خادمة حسن أغا الذي تولى مسؤولية مواجهة حملة شارلكان لسنة 1541 .
بالطبع لم تكن هناك جمهورية لأنه لم تكن هناك فكرة الجمهورية عند المسلمين و لم يكن هناك برلمان و لا انتخاب و لا اي فكر سياسي جمهوري من القريب أو من البعيد , و بالنسبة لشمال افريقيا لم تكن هناك معالم واضحة لهوية جزائرية , فسكان الريف الذين يشكلون اغلبية السكان لم يكن جلهم يعرف اين تقع الجزائر و كانوا يتمسكون بهوية قبلية في حين كانت الولاءات للسلطة المركزية لا تقوم على مفهوم الدولة القومية . لذا من المهم جدا عدم اسقاط البنى و النظم السياسية المعاصرة على الماضي و الإعتقاد ان جزائر اليوم هي استمرار لنفس الجزائر الموجودة في بداية القرن السادس عشر . ما كان موجودا حتى القرن السادس عشر هو دول تقوم على العصبية و التغلب و ذات حدود غير ثابتة آخرها كانت الدولتين الحفصية و الزيانية ثم تلاها الوجود العثماني الذي عرف حكم الجزائر على يد الاتراك و لم يكون هناك وجود لفكرة الأمة "الجزائرية" , و تطور الهوية الجزائرية كما نعرفها اليوم بدأ مع الإستعمار و لم تبدأ معالم هذه الهوية بالظهور جليا إلا مع تطور الحركة الوطنية الجزائرية في يداية القرن العشرين, فقبل الإستعمار لم تكن هناك جنسية جزائرية و اخرى تونسية و مغربية و ليبية و موريطانية ...الخ , و أغلب دول العالم العربي اليوم هي كيانات إصطناعية نتيجة للتقسيم الإستعماري و حدودها ليست تاريخية بل استعمارية , ثم قمنا نحن في سياق النضال التحرري في القرن العشرين بصياغة هويات قومية لها ثم ها نحن نحاول تخيل و اختلاق امتداد قديم لهذه الهويات الحديثة النشأة . (اختلاق امتداد قديم للهويات القومية المعاصرة هو امر تعرفه كل الدول و الحركات القومية و ليس مقتصرا على هذه الحالة )
ثالثا : كانت فيه حملة شارلكان تنتدرج ضمن الصراع البحري بين الدولة العثمانية و إسبانيا على غرب البحر الابيض المتوسط , فاسبانيا منذ بداية نهاية حروب الإستراداد بسقوط غرناطة 1492 سعت إلى توسيع نفوذها على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط و مع بداية القرن السادس عشر نجحت في الإستيلاء على عدد من الموانئ و النقاط الاستراتيجية في شمال إفريقيا (لا زالت تحتفط بعدد منها شمال المغرب إلى يومنا هذا) , و كانت حملة شارلكان تهدف لاسترجاع السيطرة على مدينة الجزائر للحد من غارات السفن التركية على السواحل الإسبانية و الإيطالية و كان حجم الاسطول المشارك في الحملة كبيرا بالفعل, لكن الحقيقة التاريخية التي يجب ان تذكر للأمانة هي ان فشل الحملة يعود بالدرجة الاولة إلى الظروف الجوية الاستثنائية و التي أدت إلى غرق عدد كبير من سفن الحملة في خليج الجزائر , تماما مثلما حدث فيما بعد للملك الإسباني فيليب الثاني أبن شارلكان و أسطوله "الارمادة" التاريخي الذي غرق جزء كبير منه قبالة الساحل البريطاني في عهد الملكة إليزابيث سنة 1588 . و كان لفشل كلا الحملتين و خاصة حملة الملك فيليب على انجلترا آثرا كبيرا على تراجع قوة الامبراطورية الإسبانية و الصعود التدريجي لفرنسا و بريطانيا و هولندا كأهم القوى البحرية في اوروبا في القرن الثامن عشر , لذا من الخطأ تصوير ما حدث في سنة 1541 كانتصار في معركة بين جيشين او اسطولين , كما انه من الخطا تكرار التصور التسيط الذي كنا نتلقاه في المدرسة الإبتدائية عن قوة البحرية الجزائرية و سيطرتها على البحر المتوسط , ففي تلك الفترة كانت السفن الهولندية و الإسبانية و البرتغالية و الفرنسية و الانجليزية قد بدأت في تأسيس مستوطنات و مستعمرات على مختلف الجزر في المحيطات و على السواحل الإفريقية و الامريكية و الأسيوية و كان لها نشاط ايضا في البحر المتوسط رفقة جمهورية البندقية و جنوى و الدولة العثمانية , حين كان مجال نشاط رياس البحر الجزائريين الذي هو ضمن نشاط البحرية العثمانية في البحر المتوسط فقط , كما انه من المهم الإشارة إلى ان الأسطول العثماني تعرض لهزيمة ساحقة بعد ثلاثين سنة بعد الحملة في معركة ليبانتو 1571 حيث تحطمت معظم قطعه , و مع ان الاتراك اعادوا بناء اسطولهم إلا ان معركة ليبانتو أنهت سمعة البحرية التركية التي لا تهزم , و على عكس ما جاء في الموضوع فإلحقيقة هي أن البحرية العثمانية و الجزائرية اخذت بالتراجع منذ هزيمة ليبانتو و احد أسباب تاخر سقوطها (نافارين 1827) هو الحروب الداخلية الاوربية (حرب الثمانين عام – حرب الثلاثين عام - حرب الوراثة الإسبانية – حرب الوراثة النمساوية – حرب السبع سنوات ...الخ) , لكن المؤكد أن البحرية الاوربية كانت تتقدم على المستوى التقني و الاهم انها كانت تنشط في فضاء المحيطات و تجوب العالم ...
رابعا: ليس صحيحا كما تروج له كتب التاريخ الرسمية ان الجزائر كانت قوة لا تقهر و ان مستوى التعليم و الحضارة فيها كان عاليا و ان كل ذلك زال بسبب الإستعمار , فالحقيقة أن اوروبا كانت قد دخلت فعلا في مرحلة نهضة و تقدم و كانت الطباعة قد بدأت في الإنتشار فيها منذ القرن الخامس عشر و بدات حركة الكشوف العلمية في مختلف المجالات و قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر كانت اوروبا قد عرفت قوانين الحركة و العناصر الكيميائية و المحرك البخاري و كانت الثورة الصناعية قد انطلقت في أواخر القرن الثامن عشر و في حين كانت التعليم في العالم الإسلامي تقليديا و لم تكن هنلك اي حركة علمية و لا اهتمام بالرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الطبيعة و لم تكن هناك صناعة و لا حرف تقنية متطورة ... باختصار كنا كما يقول المفكر مالك بن نبي في حالة قابلية للإستعمار , و إدراكنا لهذه الحقيقة شرط للخروج من هذه الحالة التي لازالت أعراضها مستمرة إلى يومنا هذا ...