فتاوى نور على الدرب>المجلد الرابع>باب ما جاء في الحلف بغير الله>حكم قول : عليك بالنبي صلى الله عليه وسلم
37 - حكم قول : عليك بالنبي صلى الله عليه وسلم
س: بماذا تنصحون من يقول : أشهد أن محمدا يا رسول الله ؟ وهل عبارة : يا رسول الله ، صحيحة ؟ أم لا ؟ وهل توقع الإنسان في الشرك ؟ والبعض أيضا يقولون : عليك بالنبي ، هل تعتبر حلفا ؟
ج : هذا المقام فيه تفصيل : إذا قال المسلم : السلام عليك يا
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 88)
رسول الله ، أو عليك السلام يا رسول الله ، أو صلى الله عليك يا رسول الله وسلم ، أو جزاك الله يا نبينا خيرا عما قمت به من البلاغ والبيان والنصح للأمة - فهذا ليس بدعاء للرسول ، إنما هو إخبار بالصلاة والسلام عليه ، ودعاء له عليه الصلاة والسلام ، مثلما نقرأ في التحيات : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
تدعو له بالسلامة والرحمة والبركة ، تخصه بهذا وتستحضره بقلبك ، تقول : السلام عليك ، يعني أدعو لك يا رسول الله بالسلامة والرحمة والبركة . وهكذا كما يقول المسلم عند القبور عند قبره - صلى الله عليه وسلم - أو غيره : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليكم يا أهل القبور . معناه استحضارهم ، وأنه يدعو لهم بالسلامة والرحمة والبركة . وهذا ليس من الشرك ، بل هذا جائز ولا شيء فيه .
أما إذا قال : يا رسول الله ، انصرنا على أعدائنا . يا رسول الله ، أنا في جوارك ، الغوث الغوث ، المدد المدد . أو قال : عليك بالنبي ، يعني ادعه من دون الله ، واستغث به - هذا أمر من الشرك . أما إذا قال : بالنبي ما أفعل كذا ، أو بالرسول ما أزورك ، أو بالنبي ما أكلمك - هذا يعتبر حلفا بغير الله ، هو شرك أصغر ، كما قول قال : بالأمانة لا أفعل كذا ، أو بجاه النبي ، أو بحرمة النبي ، أو بحرمة أبيك لا أفعل كذا ، أو ما أشبه ذلك .
هذا كله يسمى حلفا بغير الله ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال : لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد وقال عليه الصلاة والسلام : من كان
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 89)
حالفا فليحلف بالله أو ليصمت وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : من حلف بشيء دون الله فقد أشرك وفي لفظ : فقد أشرك أو كفر
كلها أحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام . فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يحفظ لسانه عما حرم الله عليه من الحلف بغير الله كائنا من كان ، فالحلف يكون بالله وحده سبحانه وتعالى . كما يجب أن يصون لسانه عن دعاء غير الله من الأموات أو الأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الجن ، فلا يقول : يا سيدي يا رسول الله أغثني ، أو المدد المدد . أو يا ملائكة الله ، أو يا معشر الجن أغيثونا ، انصرونا . أو يا سيدي البدوي أو يا سيدي علي أو الحسين ، أو فلان أو فلان . أو يا سيدي عبد القادر أغثنا أو انصرنا .
كل هذا من الشرك بالله بإجماع أهل العلم والإيمان ؛ لأن هذه أمور شركية ، كما قال الله عز وجل : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ، وقال سبحانه وتعالى : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ، وقال سبحانه : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .
وقال عز وجل : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ، وقال سبحانه : وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 90)
وقال عز وجل : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ، فسمى دعاة غير الله كافرين .
وقال عز وجل : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ، يعني نفسه سبحانه وتعالى .
فأخبر سبحانه أن المدعوين من دون الله من الأموات وغيرهم لا يسمعون دعاء داعيهم : إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ما بين ميت وجماد ، ومشغول بما أمره الله به كالملائكة والجن ، أو مشغول بحاجاتهم كبعض الجن ، أو غائبين لا يسمعون ، ليسوا عند الداعي ولا يسمعون دعاءه .
ثم بين سبحانه أنهم لو سمعوا ، لو كانوا حاضرين - لم يستجيبوا ، لم يقدروا على طلبات الطالبين . كلهم مأمورون مخلوقون ، أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى : إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ، ثم قال سبحانه : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ فهؤلاء المدعوون من دون الله من الأموات والجمادات والأصنام والأشجار والأحجار والملائكة والجن ، كلهم يوم القيامة يكفرون بشرك المشرك ، ويتبرؤون منه .
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 91)
فالواجب على جميع المسلمين ، بل على جميع المكلفين في جميع الأرض ، الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده ، وأن يدعوه وحده سبحانه وتعالى ، وأن يتبعوا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بما جاء به ؛ لأنهم خلقوا لهذا ، يقول سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، وأمرهم بهذا فقال سبحانه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ .
وقال سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ، فليس لأحد أن يدعو غير الله ، من الجن أو الملائكة أو الأموات ، أو الأصنام أو الكواكب أو غير ذلك . بل يجب أن تكون الدعوة لله وحده ، والعبادة لله وحده ، كما قال سبحانه : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ، وقال عز وجل : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .
لكن يجوز دعاء الحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه ، سواء كان هذا مشافهة ، أو من طريق المكاتبة ، أو من طريق الإبراق ، أو من طريق الهاتف ، أو نحو ذلك من الاتصالات الجديدة التي تمكن الإنسان من الاتصال بمن يريد مشافهة في طلب الحاجة التي يريد ، كأن يقول : يا أخي فلان أقرضني كذا وكذا ، أو أعني على تعمير بيتي ، أو على إصلاح سيارتي ، يخاطبه .
هذا لا بأس به ، كما قال عز وجل :
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 92)
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ، في قصة موسى ، كان موسى حاضرا قادرا على أن يغيث هذا الإسرائيلي . وكما قال سبحانه : فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ، يعني خرج موسى من مصر خائفا يترقب ، خائفا من شر فرعون .
وكذا خوف الإنسان من اللصوص حتى يغلق بابه ويتحرز من شرهم ، أو من قطاع الطريق حتى يحمل السلاح . هذا جائز ، لا بأس به ؛ لأنه خوف في محله من المؤذيات طبعا ، أو المؤذيات بما يستطيعون ، كإيذاء الظالم وإيذاء السارق ، وإيذاء المعتدي عليك . فتتحرز من شر الناس حتى لا يتعدوا عليك ، أو من شر السباع أو من شر الحيات ونحوها ، أو اللصوص .
كل هذا مما شرع الله التحرز منه ، وهو جائز شرعا وعقلا . كذلك اقتراضك ممن يسمع كلامك ، تقول : أقرضني كذا وكذا فلوسا أو طعاما لحاجتك ، ثم ترد عليه ما أقرضك إياه - هذا جائز بين المسلمين ، ليس فيه شيء ، مثل ما سمعت في قوله تعالى : فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ . وهذا جائز بين المسلمين ، سواء كان ذلك مشافهة للشخص الحاضر ، أو بواسطة الاتصالات المعروفة من هاتف وكتابة وغير ذلك .
وإنما الشرك أن تدعو ميتا أو غائبا بغير الاتصالات المعروفة ، وتعتقد فيه السر وأنه
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 93)
يسمع كلامك وينفعك وإن غاب عنك ، وإن كان ليس بينك وبينه اتصال حسي معروف ، لا من طريق الكتابة ولا من طريق الهاتف ، ولا من طريق التلكس مثلا . بل تعتقد أنه سر كما يعتقد عباد القبور ، وعباد الأوثان والأصنام . هذا هو الشرك الأكبر ، وهذا الذي منعه الله ورسوله . أما الأشياء العادية بين الناس في تعاونهم بينهم ، والله يقول : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى .
ويقول صلى الله عليه وسلم : والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ويقول صلى الله عليه وسلم : ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وضح لنا أن التعاون مطلوب ، كما وضحه الله في قوله عز وجل : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - وضح ذلك أيضا فيما تقدم من الحديث : والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته . فالتعاون بين المسلمين جائز بشرط أن يكون ذلك مع حاضرين يسمعون ، أو بالوسائل المعروفة التي توصلهم كلامك ومرادك كتابة أو
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 94)
إبراقا أو عن طريق الهاتف أو نحو ذلك .
أما دعاء الأموات ، ودعاء الأصنام ودعاء الغائبين ؛ لاعتقاد السر فيهم ، كدعاء الملائكة أو دعاء الجن - فهذا هو الذي نص عليه أهل العلم ، وبينوا أنه شرك وضلال ، كما دل عليه كتاب الله ، ودلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والله ولي التوفيق .