ثانيا: القبيلة والدّين في الدّراسات الإثنولوجيّة والأنثروبولوجيّة
1- المقاربة الإثنولوجيّة والسّوسيولوجيّة في الحقبة الاستعماريّة: وحدة الموضوع واختلاف التأويلات من مونتاني إلى بارك
عملت هذه الدّراسات التاريخيّة والإتنولوجيّة على تكريس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والإبانة عن غياب التطوّر طيلة الحقبة الفاصلة بين الاحتلالين الرّوماني القديم والغربي الحديث، وهي الحقبة التي نعتها (قوتيي) في كتابه بالعصور المظلمة لشمال إفريقيا. وبهذا يكون الاستعمار هو المنقذ لهذه الشّعوب.
وليس أدلّ على ذلك أن يتولّى القيام بهذه الدّراسات جنرالات الاحتلال والمسؤولون في إدارتها. فقد كان روبار مونتاني (1893-1954م) الذي كتب عن البربر والمخزن بجبال الأطلس أنموذجا للضّابط المعتني بالبحث الإتنولوجي. سعى في كتابه إلى إبراز خصوصيات القبيلة البربريّة المستقرّة بالأطلس الكبير، على خلاف القبائل العربيّة البدويّة، متخلّصا إلى توصيفها بتسمية (الجمهوريات البربريّة) التي يتحكّم في تسييرها قانون الصفّ أو اللفّ، بمعنى الثّنائيات المتنافسة والمتنازعة داخل نفس القبيل. وقد اعتمد في ذلك على ما ذكره ماسكري من قبل حول نظرية اللفّ في المغرب الأقصى أو الصفّ في الجزائر. وتنتمي هذه القبائل في رأيه إلى بلاد السّيبة (= السّائبة) التي لا تخضع للمخزن (أو الدّولة)، مع تميّزها بثقافة يسيطر عليها الشّفوي والعرف الجاري، فيما تختصّ المدينة بالحضارة الكتابيّة وبالتّشريعات الفقهيّة. وعموما تميّزت المعلومات التي قدّمها بوجود عنصرين أساسيين: السّلطة المركزيّة (المخزن) والقبائل البربريّة
كان لمقال جاك بيرك حول (مفهوم القبيلة في شمال إفريقيا) الصدى الكبير في الدّراسات حول هذا الموضوع. فقد ابتعد تدريجيّا عن الرؤية المنحازة في دراسة القبيلة والسلطة والثقافة ببلاد المغرب، داعياً إلى إعادة النّظر في هذا المفهوم وتناوله في سياقه التّاريخي وفي علاقته مع السّلطة السّياسيّة.
2ـ المقاربة الانقساميّة
لقد وجد أتباع هذا المنهج في المثل العربي: (أنا ضدّ أخي، أنا وأخي ضدّ ابن عمّي، أنا وأخي وابن عمّي على الغريب) نموذجا لانتظام الأقسام القبليّة من الأعلى إلى الأسفل وللتوازنات القائمة بينها في ظلّ غياب سلطة مركزيّة رادعة، وفق قانوني الانصهار عند وجود خطر خارجي والانشطار عندما يدبّ الوهن إلى جسم القبيل، فتتفكّك إلى وحدات عديدة.
وفي مقاربته لمسألة النّسب داخل هذا النّسيج القبلي هرمي التّركيب وللمقدّس، توقّف عند فاعليّة دور الصّلحاء والشّرفاء في ربط عالم القبائل بعالم الإسلام الواسع ذي الميول الحضريّة وفي المحافظة على التّوازن، معتقداً أنّ العلماء يمثّلون الظاهرة الرّسميّة للإسلام بالمدينة، فيما يكون التصوّف الريفي والقبلي إسلاماً بديلاً لفقه العلماء المتميّز بالجفاء والمحافظة.