تنبيه مهم على الهامش : يظن بعض الإخوة -وفقهم الله- أن مقاصد الإمامة تقتصر فقط على الحكم بالشرع في القضاء والدستور!! أقول: وهذا قول فيه غلو وشطط لا يمكن ظبطه أبدا لأن الحاكم إذا ظلم فقد حكم بغير الشرع أيضا إذ الظلم ليس من الشرع كما هو معلوم فعلى منطق من يقول بإسقاط إمامة من لم يحكم بالشرع فإنه سيسقط إمامة الظالم قطعا, وهذا مخالف للنص والإجماع قطعا. مقاصد الإمامة كثيرة وليست مقتصرة على القضاء بما أنزل الله، ولو طالع هؤلاء أي كتاب من كتب السياسة الشرعية كـ "الاحكام السلطانية" للماوردي وأبي يعلى الفراء، وكـ "تحرير الأحكام" لابن جماعة، وغيرها؛ لتبين لهم ذلك. وأزيد الأمر بيانًا؛ فأقول: ◄ أليس إنشاء المؤسسات الدينية التعليمية -كالأزهر والجامعات الإسلامية وما أشبه- من مقاصد الإمامة؛ وهي نشر الدين وتعليم أحكامه وإخراج أجيال من العلماء والمفتين...إلخ ؟!. ◄ أليس إنشاء المساجد، وتعيين الائمة والعاملين فيها من مقاصد الإمامة؟!؛ وهي إقامة أهم شعائر الإسلام الظاهرة على الإطلاق؛ وهي الصلاة ؟!. ◄ أليس إقامة الحج والأعياد والجُمَع وسائر الشعائر الأخرى من مقاصد الإمامة -كما يقول شيخ الإسلام "المنهاج" (1/547)- ؟! ◄ أليس تأمين السبل ونفض الطرق من اللصوص والسعاة بالفساد وغيرهم من المفسدين في الأرض يعد من مقاصد الإمامة ؟!. ◄ أليس تأمين حدود البلاد وحمايتها من كيد الاعداء المتربصين (=جهاد الدفع) يعد من أكبر مقاصد الإمامة ؟!. ◄ أليس إنشاء الجمعيات الأهلية والخيرية ودعمها وإمدادها لتقوم على سد حاجات فقراء المسلمين وأراملهم وأيتامهم؛ أليس ذلك من مقاصد الإمامة؛ وهو إقامة نظام المال الإسلامي -ولو بدا في ثوب مختلف!- ؟!. ◄ أليس إنشاء الجامعات والمعاهد العلمية التي تعنى بإخراج أجيال من الاطباء والمهندسين والصناع والتجاريين...إلخ؛ ليقوموا بتوفير شتى أنواع المهن والصناعات التي يحتاج إليها المسلمون في معيشتهم؛ ألا يعد ذلك من مقاصد الإمامة ؟!. ◄ أليس إنشاء المستشفيات (المجانية) -وإن تدنى مستواها-، وتوفير العلاج (المجاني) لآلاف بل (لملايين) البشر! من المرضى والمعوقين والعاجزين والمصابين ... إلخ؛ ألا يعد ذلك من مقاصد الإمامة ؟! ألا تعد كل هذه الاشياء -التي يتحاشى بل ويتعامى عن ذكرها مع أهميتها الكبيرة من يقولون بضياع مقاصد الإمامة!-؛ ألا تعد هذه الاشياء -عندهم- من مقاصد الإمامة ؟! أم أن مقاصد الإمامة -عندهم- هي ((الحاكمية)) فحسب!؛ حتى لو ضُيِّعَ كل ما سبق ذكره ؟!. وصدق الشاعر إذ يقول: صُمٌ إذا سمعوا خيرًا ذُكِرْتُ بهِ **** وإنْ ذُكِرْتُ بِسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا (!) أوْ يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحًا **** مِنِّي، وما سمعوا من صالح دَفَنوا (!) ومثله ما قال الشافعي -رحمه الله-: وَعَيْنُ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ **** ولكنَّ عينَ السُّخْطِ تُبْدِي المساويا ألا فلْيعلم هؤلاء أن صنيعهم هذا ينافى العدل الذي أمرنا به الله تبارك وتعالى في كتابه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ... فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وقال ايضًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.