الفرع الثاني : التصريح بضلال الأشاعرة
إن التصريح بتضليل الأشاعرة دليل أخص من دليل ذم الكلام وأهله، لأنه يدفع كل احتمال عن انتساب الشيخ إلى العقيدة السلفية، لأنه بالإمكان أن يُتأوَّل كلامه السابق، كما فعل المتأخرون من الشافعية بكلام الشافعي وغيره، حيث حملوه على محامل ظنوها لا تشمل مذهب الأشعرية.
ومن نصوص ابن باديس رحمه الله في هذا السياق، قوله(1/257):
" قلوبنا معرّضة لخطرات الوسواس بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم ومماحكات المتكلمين ومناقضاتهم ، فما ازدادوا إلا شكا وما ازدادت قلوبهم إلا مرضا، حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن وأدلة القرآن فشفوا بعد ما كادوا كإمام الحرمين والفخر الرازي". ولا شك أن هذا النص صريح في أن ما كان عليه الجويني قبل ندمه ضلال ، وأن ما كان عليه الرازي قبل توبته باطل . وإمام الحرمين الجويني والفخر الرازي يعتبران من كبار الأئمة في المذهب الأشعري كل واحد منهما يمثل رأس مرحلة من مراحل تطور المذهب، ومما قاله الأول في آخر أيامه أو عند موته:" لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل للجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي أو قال: على عقيدة عجائز أهل نيسابور"(6).
ومما قاله الرازي :
"نهايـة إقدام العقول عقــال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل
وقالوا
ثم قال لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات (الرحمن على العرش استوى) واقرأ في النفي ( ليس كمثله شيء ) …ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي"(7).
وأصرح من هذا حكمه الكلي على تأويلات الأشعرية بأنها من الخطأ الضار، إذ قال في ترجمته للشيخ محمد رشيد رضا (3/85):
" دعاه شغفه بكتاب الإحياء إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضي الحسيني، فلما طالعه ورأى طريقته الأثرية في تخريج أحاديث الإحياء فتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث وكتب السنة، وتخلص مما في كتاب الإحياء من الخطأ الضار وهو قليل، ولاسيما عقيدة الجبر والتأويلات الأشعرية والصوفية والغلو في الزهد وبعض العبادات المبتدعة". والشخص لا يصف بالضرر شيئا يعتقده وينصره ، والأمر نفسه يقال عن عقيدة الجبر لأنها عقيدة أشعرية أيضا.