وا حسرتاه على من أرضى الناس بسخط رب العالمين فإن البلاء لأهل الدين وقد أفلح من كان عليه من الصابرين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفر، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ـ صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أمّا بعد؛
فمن حكمته الله جل في علاه؛ أن جعل أهل الحق دائماً في محن وبلاء ـ وذلك؛ حتى يميز الخبيث من الطيب والمؤمن الصابر الشاكر من الكافر.
وقد تبيّن : أن الأنبياء جميعهم عرِّضوا إلى الابتلاء والامتحان، بل وقد سمى الله بعضهم بأنهم ألو العزم، وذلك بائن في قول الله تعالى الذي عزى به نبيه ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ }[ الأحقاف: 35].
وكان النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يثبت أصحابه ويصبرهم على ما يعانون من أذى الناس لهم، وذلك؛ لصدعهم بالحق، حيث أنه ما كان يقول لآل ياسر وهو يراهم يعذبون ويضطهدون في دينهم إلا: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ).[ فقه السيرة 1/103 تحقيق الشيخ الألباني].
ولقد أثاب الله تعالى أهل الصبر على الأذى والثبات أجراً عظيماً، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[ السجدة :24]، فهم أئمة يقتدى بهم ويقتفى أثرهم، وذلك؛ لأنهم ثبتوا على الحق مع شدة المعادة لهم، فكانوا من الصابرين.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: (ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض ، مما يرون من ثواب أهل البلاء)[ السلسلة الصحيحة الكاملة: 5/305]، فمن باب أولى أن يثاب الذين يبتلون في دينهم ويثبتون.
وقال النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم :أيضا: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل..)[ السلسلة الصحيحة الكاملة 1/142]، فالأنبياء كلهم ابتلوا وصبرا، وكلّهم خالف هوى الناس ولم يوافقوا ضلالهم ولم يرضوهم؛ بل أرضوا الله تعالى، وصبروا على الأذى إرضاء لله تعالى وحده، وكذلك الصحابة والتابعين والأئمة المهديين ومن سار على نهجهم.
فلذلك تجد أهل الحق قلّة، وأهل الباطل كثرة، فقد قال تعالى: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [ الأنعام : 116]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : و من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير و لكنكم غثاء كغثاء السيل..) [ السلسلة الصحيحة الكاملة: 3/23]، وهنالك آيات وأحاديث أخر دلت على مدح القلة وذم الكثرة، فإذا رأيت العالم أو الداعية التف حوله كثير الناس؛ وخاصة في زمن الجهل في الدين الذي نعيشه فاعلم أنه وافق هواهم وأرضى نفوسهم، وهذا من إرضاء الناس بسخط الله.
فانتبه يا رعاك الله إني لك من الناصحين، فلتتبع قول الفضيل بن عياض :" إلزم طرق الهدي ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
جزى الله قائله خيرًا واعتذر أني لم أصل لاسمه
منقول من الأخت أم عبد العزيز