يقول الوالد ابن عثيمين رحمه الله عن الجماعة الثانية :
تكون كأجر الجماعة السابقة الأصلية لأنها في الغالب أقل ولأنها متخلفة عنها وإنما قلت يستحب أن يصلوا جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)
وهذا عام يشمل الصلاة صلاة الجماعة الأولى الأصلية وصلاة الجماعة الثانية
إن حديث تفضيل صلاة الجماعة على الفذ وصلاة الرجلين على الرجل وحده... ونظائرهما
إنما هو وارد في حق الجماعة الأولى
لأنها هي التي حضنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها لا إلى غيرها
التي كانت من أجل الضرورة لفوات الجماعة الأولى وأما قول من قال من أهل العلم إن من أتوا إلى المسجد بعد انتهاء الجماعة فإنهم لا يصلون جماعة فإنه قول لا دليل عليه
الدليل: حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: (أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- من نواحي المدينة يريد الصلاة
فوجد الناس قد صلّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم)
رواه الطبراني في الأوسط وقال رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد(2/45) وصححه الألباني
فلو كانت جائزة من غير كراهة لما ترك فضيلة الصلاة في مسجده -صلى الله عليه وسلم-
والصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام
وهذه تسمى [ السُّنةُ التَّركِية ] ، فلا جرم؛ نترك الذي تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بل والأثر الذي رووه عن ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل أوجهاً وأسباباً قد تكون معلومة لنا أو لا فلعل ابن مسعود رضي الله عنه رجع فصلى في بيته لأمور اعتبارية اعتبرها في ذلك الوقت وهو أنه يخشى إن صلى وشاهده العامة ظنوا أنها من الصلاة المشروعة أو أنه لا يريد الصلاة خلف ذلك الإمام أو ما أشبه ذلك من الأسباب
بل اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-كما في حديث أبي بكرة الثقفي- رضي الله عنه -
في " المعجم الكبير " ( 9380 )بسند حسن عن إبراهيم
:" أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس وقد صلوا فرجع بهما إلى البيت . . ثم صلى بهما "
ويدل لهذا أن صاحب المغني رحمه الله ذكر أن ممن روي عنهم استحباب الجماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى ابن مسعود رضي الله عنه كما هو معلوم لمن اطلع عليه وعلى هذا فالقول بأن الجماعة بعد الجماعة إذا فاتت أنها بدعة وتكره أو ما أشبه ذلك قول لا وجه له
الجماعة الثانية تفتح باب الجماعة الثالثة و.....حتى الجماعة العاشرة ، فيُفتح الباب على مصراعيه، لأن كل دليل على جواز- فضلا عن استحباب- الثانية هو دليل الثالثة وهلما سحبا
لا سيما وأنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً دخل فأراد أن يصلى وحده فقال النبي عليه الصلاة والسلام (من يقوم مع هذا فيتصدق عليه) فقام معه أحد الصحابة وهذا دليل على أن الجماعة بعد الجماعة مشروعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها وأما قول من قال إن هذا فيه متصدق ومتصدق عليه فلا يقاس عليه من دخل بعد صلاة الجماعة ؟؟؟
القضية ليست قضية قياس إنما هي الوقوف عند النص وهي لا تتعدى مُتَصَدِّق ومُتَصَدَّق عليه ، ومن وسع دلالة النص هو الذي قال بالقياس الأولوي ، وإلا فأين الدليل العملي عليها من السنة المطهرة ، أو التنصيص بعينها لا احتجاجا بالعمومات
فنقول إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من صلى جماعة من قبل أن يعيد الجماعة مع هذا من أجله فكيف بمن لم يصل جماعة أصلاً فاستحباب الجماعة بحقهما أولى ولا حرج أن نقول كل منكما متصدق ومتصدق عليه نعم إن اعتيدت الجماعة الثانية في المسجد بحيث جعلت عادة راتبة يصلى هؤلاء ثم يأتي بعدهم قوم يصلون فإن هذا لا شك أنه من الأمور التي ينهى عنها لأنها تؤدي إلى تفرق المسلمين والتواني عن الجماعة الأولى ويحصل فيها مفاسد فيفرق بين الأمر العارض وبين الأمر الدائم المستمر فاتخاذ جماعة أخرى في المسجد عادة راتبة لاشك أنه ينهى عنها لأنه ليس من هدي الصحابة رضي الله عنهم
بناءً على التسليم بالجواز فلا مانع من اتخاذ ذلك راتبا وعادة للجماعة الثانية والثالثة و....والذي يعترض بالمنع يُحتج عليه بأدلة المجيزين، وضاعت الجماعة الأم
وأما إذا فاتت الجماعة نفراً بغير قصد ولكن من أجل الضرورة فإنه في هذه الحال لاشك في أنه يستحب أن يصلوا جماعة ولا يصلوا فرادى
إذا الأمر متعلق بالضرورة فإن لحم الميتة -وغيره - يحل عند الضرورة
ولكن كيف نفهم أو ماذا نفعل بقوله
-صلى الله عليه وسلم-
" مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَن وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِد فَوَجَدَ النَّاس قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّه مِثْل أَجْر مَنْ صَلَّى وَحَضَرَ ، لَا يَنْقُص ذَلِكَ مِنْ أَجْره شَيْئًا "
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم وغيرهم وَإِسْنَاده صحيح (صحيح أبي داود) - ( 3 / 99)
وماذا عن هديه العملي- صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: (أقبل النبي- صلى الله عليه وسلم -من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم)
رواه الطبراني في الأوسط وقال رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد(2/45) وصححه الألباني
أين الضرورة المدعاة هنا ؟ وإلا فنقول: هنيئا للبطالين المتهاونين عن صلاة الجماعة، ناموا ولا تستيقضوا فما فاز إلا النُّومُ ، فهناك الجماعة الخامسة أو حتى التاسعة إن لم تدركوا الأولى !!
ولاشك أن كل واحد من الناس إذا دخل جماعة في المسجد بعد أن سلم الإمام ثم قالوا ما نصلى جماعة كل واحد يصلى وحده لاشك أن في هذا تفرقة بين المسلمين فإن اجتماعهم على إمام وصلاتهم جماعة أقرب إلى الائتلاف والاجتماع من كون كل واحد منهم يتفرق عن الآخر وهذا ظاهر لمن تدبره وتأمله بل إنه صريح في الأحاديث فيما ذكرناه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (من يتصدق على هذا)
أما هذا فقد سبق الجواب عنه
جماعة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات
وفيما ذكرناه من قوله (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده)
نفس الحكم ينطبق عن صلاة تحية المسجد - وغيرها من الرواتب- من غير ما فرق ، لأن الدليل العام الذي شمل الجماعة الثانية نفسه يُحتج به على مشروعية الجماعة لتحية المسجد -وغيرها- وهذا يفتح باب البدع الاضافية على مصراعيه
والله الموفق
لنا ولكم ولجميع المسلمين
فتبصر يا ابو الحارث المهدي بارك الله فيك
اللهم أجعلنا من المتبصرين المبصرين الهادين المهديين
همسة: وأرجو من أخي سفيان أن يتذكر أن المسألة فيها خلاف معتبر
فلا داعي للتوسع أكثر وإنما أوردتُ الذي سبق ذكرهُ لبيان وجه قناعتي لا غير
والسلام عليكم .ورحمة.الله وبركاته