جاء عابد يقال له (همام) إلىالإمام على رضي الله عنه وقال له:
صف لى المتقين حتى كأنى أنظرإليهم..
فقال رضي الله عنه:
هم أهلالفضائل .. منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع..
غضوا أبصارهمعما حرم الله عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ..
نزلت أنفسهمفى البلاء كالتى نزلت فى الرخاء .. لولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهمفى أجسادهم طرفة عين شوقا إلى ربهم ، عظم الخالق فى أنفسهم فصغر ما دوته فىأعينهم..
قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة ..
صبروا أياما قصيرة ، أعقبتهم راحة طويلة ..
تجارةرابحة سيرها لهم ربهم ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وأسرتهم ففدوا انفسهم منها ..
أما الليل فصافون أقدامهم يرتلون لأجزاء القرآن ترتيلا ..
فإذامروا بآية فيها تخويف صغوا إليها بمسامع قلوبهم ، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها فيأصول آذانهم ..
فهم جاثون على ركبهم يطلبون من الله فكاك رقابهم..
وأما النهار فحلماء ، علماء أبرار أتقياء .. قد براهم الخوف برىالقداح..
ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى .. وما بالقوم من مرض ..
لايرضون من أعمالهم بالقليل ، ولا يستكثرون الكثير .. فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون ..
إذا زكى أحدهم خاف مما يقال له فيقول : أنا أعلمبنفسى من غيرى ، وربى أعلم بنفسى منى .. اللهم لا تؤاخذنى بما يقولون ، واجعلنىأفضل مما يظنون ، واغفر لى ما لا يعلمون ..
فمن علامة أحدهم : أنك ترى لهقوة في الدين ، وحزما فى لين ، وإيمانا فى يقين ، وحرصا فى علم ، وعملا فى حلم ،وقصدا فى غنى ، وخشوعا فى عبادة ، وتحملا فى فاقة ، وصبرا فى شدة ، وطلبا فى حلال ،ونشاطا فى هدى ، وتحرجا عن طمع ..
يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل.. يمسىوهمه الشكر ، ويصبح وهمه الذكر ..
يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل .. تراه قريبا أمله ، قليلا زللْه ، خاشعا قلبه ، قانعة نفسه ، مكظوما غيظه ، ميتةشهوته ..
الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون.. يعفو عمن ظلمه ، ويعطى منحرمه ، ويصل من قطعه ، بعيدا فحشه ، لينا قوله ، غائبا منكره ، حاضرا معروفه ..
فى الزلازل وقور ، وفى المكاره صبور ، وفى الرخاء شكور ، ولا يحيف على منيبغض ، ولا يأثم فيمن يحب..
يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه ، لا يضيع مااستحفظ ، ولا ينابز بالالقاب ، ولا يضر بالجار ، ولا يشمت بالمصائب ..
إنبغى عليه صبر حتى يكون الله هو الذى ينتقم له.. نفسه منه فى هناء ، والناس منه فىراحة ..
أتعب نفسه لآخرته ، وأراح الناس من نفسه .. بعده عمن تباعد عنه زهدونزاهة ، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، وليس تباعده بكبر وعظمة ، ولا دنوه بمكر وخديعة.