السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..أما بعد..أيها المسلمون: الظلم لا يدوم ولا يطول، وسيَضمحلّ ويزول، والدهر ذو صرفٍ يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور، أين الذين التحفوا بالأمن والدَّعَة، واستمتعوا بالثروة والسَّعة، لقد نزلت بهم الفواجع، وحلّت بهم الصواعق والقوارع، فهل تعي لهم حِسًّا، أو تسمَعُ لهم ركزاً؟! فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته»، وقرأ صلى الله عليه وسلم : ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ وقد سئل احد شيوخ الأمويين بعد سقوط دولتهم : ما كان سبب زوال ملككم ؟ فأجاب : " إنّا شُغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا ، ظلمنا رعيتنا ، فيئسوا من إنصافنا وتمنوا الراحة منا ، وتحومل على أهل خراجنا فتخلّوا عنا ، وخربت ضياعنا ، فخلت بيوت أموالنا ، ووثقنا بوزرائنا ، فآثروا منافعهم على منافعنا ، وأمضوا أمورا دوننا، أخفوا علمها عنا ، وتأخر عطاء جندنا ، فزالت طاعتهم لنا ، واستدعاهم أعادينا فتعاهدوا معهم على حربنا ، وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا " فسبحان من سمع أنينَ المضطهدِ المهموم، ونداءَ المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكاناً، ودمَغ الظالم فعاد بعد العزّ مهاناً. وبعد الشجاعة جبانا ، وبعد القصور والدور ، والخدم والحبور ، أصبح طريدا شريدا ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾
أيها الناس: إنه ليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العمران حيث يظهر الطغيان، لأنَّ الظلم جالبُ الإحن، ومسبِّب المحن، والجَور مسلبةٌ للنعم، مجلبة للنقم، وقد قيل: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش. ومن سخط الله على الظالم أنه سبحانه يخذل الظالم، وينصر المظلوم ولو بعد حين، فكم هلكت دول، وزالت أمم، وتهاوت عروش،وهزمت جيوش، بسبب دعوة مظلوم ، قال الذهبي - رحمه الله – : لما حبس خالد بن برمك وولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس. فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها . وأنشأ يقول :
رب قوم قد غَدَوا في نعمةٍ *** زمناً والدهرُ ريانُ غَدَق
سَكَتَ الدهرُ زمانا عنهمُ *** ثم أبكاهم دماً حين نَطَق
وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدًا قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك..جزء من خطبة ابن تيمية رحمه الله.