قضية المخطوفين اللبنانيين تكشف عورات المعارضة السورية
بعيداً عن كل اللغط الإعلامي والسياسي الذي تثيره قضية اللبنانيين المخطوفين في سوريا، كشفت هذه القضية "العورات" الكثيرة التي تعتري طبيعة عمل المعارضة السورية المدنية والمسلحة، وأعادت إلى الأذهان التصريحات العديدة التي أدلى بها مسؤولون غربيون حول عدم الثقة بهذه المعارضة، والتردد في تقديم الدعم المادي والعسكري لها.
في البداية حاولت المعارضة السورية القول أن النظام يقف وراء عملية الخطف بهدف تشويه سمعته، لكن سرعان ما تبين أن هذا الإتهام غير صحيح من خلال تولي شخصيات تنتمي إلى المعارضة الوساطة مع الخاطفين، والإعلان باسمهم عن مطالبهم التي تتبدل بين لحظة وأخرى.
الجناح السياسي للمعارضة ضائع
في الفترة الأخيرة، سعى المجلس الوطني السوري إلى الحصول على إعتراف دول العالم به كممثل شرعي للشعب السوري، لكنه لم ينجح بالحصول على إعتراف قوي من هذه الدول، نظراً إلى الخلافات الكثيرة التي حصلت بين المجلس والعديد من قوى المعارضة الأخرى، بالإضافة إلى الخلافات التي حصلت داخل المجلس نفسه. وفي هذا السياق أظهرت قضية اللبنانيين المخطوفين أن المجلس يشبه إلى حدّ بعيد الحكومة اللبنانية الحالية، من خلال عدم قدرته على الإمساك بهذا الملف من الناحية السياسية، والإكتفاء بترداد المواقف التي تدلي بها شخصيات معارضة لَعِبت دوراً بارزاً في هذا الموضوع، ما دفع إحدى الشخصيات المعارضة إلى القول أن هذه القضية كشفت أن المجلس لا يملك الحيثية التي تسمح له بالإدعاء بأنه يمثل أغلبية القوى المعارضة السورية، في حين يكتفي أحد أعضاء المجلس بالتذكير بأن هناك العديد من القوى المعارضة غير المنضوية تحت لواء المجلس، ويشير إلى أن المجلس لا يزال يسعى إلى توحيد هذه القوى تحت مظلته من دون أن ينجح في تحقيق ذلك حتى الساعة، لكنه يعترف بان هذه القضية شكلت إنتكاسة له، وأثّرت كثيراً على صورته وعلى صورة الثورة السورية أمام الرأي العالم المحلي والعالمي.
الجناح العسكري لا دور له
على صعيد متصل، أظهرت هذه القضية أن "الجيش السوري الحر" لديه القدرة على الإمساك بالأرض في العديد من الدول المجاورة لسوريا أكثر منها، فهو حتى الساعات الأولى من العملية لم يكن باستطاعته أن يحدد ما إذا كانت إحدى المجموعات التابعة له هي من نفذ العملية أم لا، وكان يتهرب من الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي وجهت له حول المخطوفين بالقول أنه لا يستطيع إعطاء معلومات حول هذه القضية نظراً لدقتها، لكنه في الحقيقة لم يكن لديه معلومات تذكر عنها، وحتى اليوم لا يستطيع أن يحدد بشكل دقيق أي جناح من أجنحته يقف وراء عملية الخطف، ويكتفي بتكرار نفيه لمسؤوليته عنها.
وفي هذا السياق، ترى مصادر في المعارضة السورية أن هذه العملية أكدت مخاوف العديد من الدول التي كانت تتردد في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية، مشيرة إلى أن من الواضح أن ما كان يعلنه "الجيش السوري الحر" في الفترة السابقة غير صحيح، وتعتبر أن من الطبيعي أن ترفض الدول الكبرى المؤيدة للمعارضة السورية اليوم تقديم المساعدات العسكرية لها خوفاً من وصولها إلى مجموعات غير معروفة الأهداف والتوجهات، وتشير إلى أن هذه القضية كشفت أن هناك مجموعات معارضة مسلحة مستقلة داخل الأراضي السورية تستفيد من الفوضى الحاصلة في مناطق عديدة للقيام بالعديد من الأعمال التي لا توافق عليها معظم القوى المعارضة حتى، وتلفت إلى أن تنظيم المعارضة، لا سيّما المسلحة، بات حاجة ضرورية لأن العالم لم يعد ينظر إليها بثقة، لا بل ربما يفضل النظام على حالة الفوضى الحاصلة.
اذاً، في الحسابات الدقيقة أظهرت عملية خطف الحجاج اللبنانيين واحتجازهم كرهائن فشل المعارضة السورية الذريع، بعد مرور أكثر من سنة على بداية "الثورة السورية"، كما أنها أحرجت الدول الداعمة لهذه القوى إلى حد بعيد.
نشر يوم الثلاثاء 29 أيار/مايو 2012