منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فهموني في هذا السؤال الخاص بالأنظمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-29, 18:03   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ابراهيم داود
☆رسّـامْـ المُنتـدى☆
 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

طرح المشكلة: تحتاج الدولة في تنظيم شؤونها الى هيئة مسيرة تعرف بالسلطة الحاكمة وضع القوانين و تطلب من الأفراد الالتزام بها قصد تحقيق المصلحة العامة الا أن هذه القوانين قد لا تقوى على ضبط العلاقات الاجتماعية ضبطا كاملا، فتنظيم علاقة الفرد بالفرد من جهة و علاقة الفرد بالجماعة من جهة أخرى يجعل للأخلاق دورا في التنظيم السياسي ، لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا و تجادلوا حول أهمية الأخلاق في النشاط السياسي فمنهم من قال بوجوب التقيد بها في العمل السياسي ومنهم من رفضها و قال أنها تتعارض مع الدولة و السياسة ، من هنا نتساءل هل الأخلاق ضرورية في العمل السياسي أم لا ؟ و بتعبير آخر هل يمكن الفصل بين السياسة و الأخلاق ؟ ألا تقتضي الممارسة السياسية والدولة بصفة عامة الالتزام بالقيم الأخلاقية ؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الأطروحة: يعتقد رواد هذا الاتجاه أن الدولة يجب أن تقوم على أسس أخلاقية حتى تحفظ كرامة الانسان و أمنه و مصالحه العامة فالسياسة تقتضي التحلي و الالتزام بالقيم الأخلاقية ، و أهم هؤلاء نجد الفيلسوف الألماني كانط Kant (1724-1804) و الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل (1872-1972) Bertrand Russell الحائز على جائزة نوبل للسلام ،و أيضا العلامة العربي عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406).
الحجج و البراهين: و قد برروا موقفهم بالحجج التالية: ﺇذ يبرر بن خلدون حاجة السياسة الى الأخلاق بأن الطبيعة الخيرة للإنسان تجعله أهلا للسياسة و الأخلاق معا و هما صفتان لا نجدهما لدى الحيوان و نفس الفكرة نجدها فيما بعد عند جون جاك روسو( 1712-1778) Jean Jacques Rousseau ( الانسان خير بطبيعته ) كما أنه ﺇذا كانت غاية السياسة تحقيق الخير للمجتمع فينبغي للحكام مراعاة مصالح الناس ، وذلك يتطلب أن يتحلوا بالأخلاق ( العفو، الكرم، الصبر على المكارة، الوفاء بالعهد... ). و فيما يتعلق بالدولة عند ابن خلدون فهي لها عمر مثل عمر الانسان ، فعند نشأتها تحتاج للسيف ( القوة) لمواجهة المعارضين لها، و عند سقوطها لكثرة الطامعين فيها، و يرد بن خلدون سقوط الدول الى التخلي عن الفضائل و الأخلاق و الانغماس في اللهو و المجون و في ذلك ربط صريح بين السياسة و الأخلاق عند بن خلدون و ما حدث للرئيس التونسي زين العابدين بن علي أفضل مثال.
يؤكد برتراند راسل أن مصير الإنسانية واحد في ظل الحروب التي تسود العالم لذلك لا بد من التعاون بين الشعوب على أساس القيم الأخلاقية حيث يقول : « و الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون و أول خطوة فيه ﺇنما تتم في قلوب الأفراد ».
يؤكد كانط أنّ الانسان بما أنه يملك إرادة خيرة و هي مقيدة بالواجب الأخلاقي فانه ينشد الخير في سلوكه ، والدولة بدورها لا تخرج عن هذه الطبيعة بالتالي فالسياسة يجب ان تكون مستمدة من المثل الأخلاقية السامية كالنزاهة و العفة و الاحترام حيث يقول : « يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام التام كونه غاية مطلقة في ذاته » وقد دعا كانط في كتابه مشروع السلام الدائم الى أن الحياة السياسية داخل المجتمع الواحد و خارجه يجب أن تقوم على العدل و المساواة و طالب بإنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السلام و فك النزاعات بطرق سلمية و تغليب الأخلاق في السياسة و هو ما تجسد لاحقا في عصبة الأمم ثم هيئة الأمم المتحدة.
ﺇنّ غاية الدولة هي المحافظة على الانسان و ترقيته و من هنا يجب أن تقوم السياسة على أسس أخلاقية و ما يؤكد ذلك هو الحروب المنتشرة في العالم بسبب غياب الأخلاق حيث يقول الأديب الروسي تولستوي (1828-1910) Tolstoï : « ﺇنّ الشر لا يقتل الشر كما أنّ النار لا تطفئ النار » و أفضل مثال على الاستعانة بالأخلاق في العمل السياسي سلوك رواد النضال السلمي مثل المهاتما غاندي (1869-1948) Le Mahatma Gandhi و هو زعيم حركة التحرير الوطني الهندية و قد منح لقب المهاتما الذي يعني الروح الأعظم، و أيضا مارتن لوثر كينج (1929-1968) Martin Luther King و الذي حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1964، إضافة الى زعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا (ولد سنة 1918-مازال حيا) Nelson Mandela الذي قضا 26 سنة في السجن لأنه حارب التمييز العنصري بين السود و البيض و قد حاز على جائزة نوبل للسلام سنة 1993؛ فقد نجح كل هؤلاء في إيقاظ ضمائر الناس و تحفيز هممهم عبر مختلف الوسائل السلمية و الأخلاقية لمقاومة الاستعمار و الظلم السياسي.
النقد : لا يمكن إنكار أهمية الأخلاق في الممارسة السياسية، ﺇلا أن ذلك يبقى مجرد دعوة نظرية فقط فالقيم الأخلاقية و حدها كقيم معنوية سامية لا تكفي لتجعل النظام السياسي قويا و قادرا على فرض وجوده و احترام الناس للقانون و هي لا تكفي أيضا لضمان بقاء الدولة و استمرارها خاصة في الدول التي تكثر فيها الطائفية و تعدد الأديان كالعراق مثلا ، لهذا فدولة كانط التي ينشدها هي مملكة للملائكة و ليست للبشر، .وهو الامر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية .

عرض نقيض الأطروحة: على النقيض مما سبق يدعو بعض الفلاسفة و المفكرون الى ضرورة الفصل بين الأخلاق و العمل السياسي لأنه يتطلب في الحقيقة استخدام القوة و المكر والخداع فغاية السياسة هي المحافظة على الدولة من خلال تحليل الوضع القائم أما الأخلاق فإنها تهتم بما يجب أن يكون و أهم من قال بذلك الفيلسوف الايطالي نيكولا مكيافيللي (1469-1527) Nicolas Machiavel و الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (1588-1679) Thomas Hobbes، و الألماني نيتشه (1844-1900) Nietzsche .
الحجج و البراهين :و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
يقدم مكيافيللي في كتابه الأمير جملة من النصائح للأمراء و الحكام حتى يدوم حكمهم و يترسخ سلطانهم و هي كلها قائمة على الفصل بين السياسة و الأخلاق، فقد نصح الأمير بألا يعبأ بالفضائل و أن يلجأ الى التظاهر بالأخلاق فقط و هذا حتى يتقي شر الرعية، لكن ﺇن تعارضت الأخلاق مع مصالحه و مصالح الدولة ينبغي له عدم الاكتراث بها فلا يجب على الأمير أن يكون كريما لأنّ الكرم يؤدي الى الفقر و هو ﺇن افتقر سيخسر هيبته لدى رعاياه ذ لو قام بصرف الأموال على الشعب سيخسر الكثير عند قيان الحروب أو إقامة المشاريع مما يتطلب فرض الضرائب و عندئذ سينسى الشعب مدى كرمه معهم و لذا فالبخل ان صح تسميته كذلك أفضل كما حدث مع الزعيم الليبي معمر القذافي الذي كان يوزع عائدات البترول على شعبه لكنهم تنكروا له عند قيام الحرب و نسوا ما قام به و اغتالوه بطريقة بشعة.
و عليه أن لا يكون طيبا لأنّ ذلك يثير روح الثورة عليه في نفوس رعاياه، أما القسوة فتقيم النظام و تمنع الفوضى و تحقق الوحدة و تقضي على الفتنة و هي في المهد، كما أنّ رضا الرعايا متغير فلا تعتمد في استمرار حكمك على رضاهم بل اعتمد على قوتك فهي ﺇن دامت سيدوم حكمك حيث يقول : « الغاية تبرر الوسيلة » و يقول أيضا :« من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك ».
و يقدم مكيافيللي أمثلة تاريخية تثبت ذلك منها ما يتعلق بالقائد القرطاجي حنبعل (247-183ق.م) Hannibal و الذي كان محبوبا من قبل جنوده لكنه هزم على يد القائد و الجنرال الروماني سكيبيو الإفريقي (235-183ق.م) Scipion L’Africain و كان مهيبا يخشاه جنوده و قويا أيضا، لأنّ جنود حنبعل فروا من المعركة رغم حبهم لقائدهم أما جنود سكيبيو الإفريقي فقد كانوا منضبطين خوفا من قائدهم فانتصروا، يقول مكيافيللي : « ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة ». وهناك مثال اخر يثبت أن الحكام الذين بقوا في السلطة أطول مدة ليسوا من يفون بالوعود و يتحلون بالأخلاق و انما الذين يحسنون الضحك على عقول الناس فيقدمون الوعود لكنهم يعرفون كيف يجعلون الناس ينسونها مثال ذلك فرانسوا الأول (1494-1547) François I بقي مدة طويلة في حكم فرنسا امتدت من سنة 1515ﺇلى غاية 1547 لكنه لم يفعل شيئا مما وعد به؛ و إنما كان يقدم الوعود لكنه كان بارعا في جعل الناس ينسونها.
هذا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للحاكم ، أما بخصوص السياسة الخارجية أي علاقة الأمير بالدول الأخرى فيصفها مكيافيللي بأنها غابة، و نصحه بأن يكون ثعلبا و أسدا في نفس الوقت ( أن يستعمل أسلوب الحيوان )، أي يتبع أسلوب الثعلب القائم على المكر و الخداع و الحيلة و المراوغة و النفاق و الرياء و أن لا يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه ﺇلا ﺇذا حققت له مصلحة. وأن يتبع أسلوب الأسد القائم على القوة و البطش و العنف و ينصحه بأن يبني جيشا نظاميا يدين له بالولاء و أن لا يعتمد على المرتزقة الأوغاد الذين لا يدينون بالولاء ﺇلا للمال فالحاكم الذي يعتمد على المرتزقة يسير نحو هلاكه و لعل ما حدث للزعيم الليبي معمر القذافي خير مثال على ذلك.
كما يؤكد هوبز أن الانسان شرير بطبعه فهو لا يستجيب ﺇلا لمنطق القوة و المكر و لا يمكن ان نحد من أنانيته و طبيعته الشريرة ﺇلا بواسطة سلطة سياسية قوية حيث يقول :« الانسان ذئب لأخيه الانسان » و هذا ما يؤدي الى تصارع دائم بين الناس و قد كانت حياة المجتمع الطبيعي عبارة عن حرب الجميع ضد الجميع فتنازل الناس عن جميع حقوقهم لشخص قوي شريطة أن يضمن لهم الأمن و الاستقرار ،و لضمان ذلك لا بد من فصل السياسة عن الأخلاق لأنها تضعف الحاكم.
و يؤكد فيلسوف القوة نيتشه أنّ السياسة لا تتفق مع الأخلاق؛ و الحاكم المقيد بالقيم الأخلاقية ليس بسياسي بارع و هو لذلك لن يعمر في السلطة و الحكم،فالفضائل الإنسانية من إخلاص و أمانة و محبة تصير رذائل في السياسة و على الحاكم ان يكون قويا لان الأخلاق هي سلاح الضعفاء حيث يقول :« الأخلاق من صنع الضعفاء» ؛ وقد عبر عن نفس الفكرة الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال فوكو (1926-1984م) Michel Foucault: « ﺇنّ السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى ».
النقد:رغم ان أطروحة مكيافيللي لها مبرراتها و هي حالة الحرب الأهلية الدائمة بين الإمارات الايطالية و حلمه أن يرى بلاده ايطاليا و قد توحدت في دولة واحدة لا أنه مع ذلك فان تبنى السياسيون أطروحة مكيافيللي نتج عنها الاستبداد و الظلم و الإفراط في استخدام القوة و إهدار حقوق الانسان و الشعوب و انتشار الحروب و غياب السلم الدولي، كما أن القول أن الانسان شرير بطبعه زعم و افتراض وهمي ليس له أي أساس من الصحة فالإنسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير و وظيفة الدولة هي تنمية جوانب الخير فيه أما اعتمادها على القوة فدليل على عجزها عن القيام بوظائفها و لا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم و المجتمع الطبيعي حيث يسود قانون الغاب ذ توظيف القوة المفرطة في السياسة يفقد الناس الطمأنينة و يجعلهم يعيشون في خوف دائم و هذا ما يتنافى مع الغاية التي من أجلها أوجد الانسان الدولة و ما يحدث في سوريا أفضل مثال على ذلك حيث أفرط الرئيس بشار الأسد في استخدام القوة العسكرية ضد شعبه بحجة المحافظة على النظام العام.
التركيب: ظاهريا الأطروحتان متعارضتان لكنهما في الحقيقة غير ذلك فالممارسة السياسية تتطلب استعمال القوة و الدهاء و الحيلة لكن الأخلاق هي التي تمنح للقوة و السلطة مشروعيتهما فوجود الدولة و استمرارها يقتضي تكامل السياسة مع الأخلاق ذ لا بد أن يعمل الحاكم على تجسيد القيم الأخلاقية و ترقية مواطنيه و الحفاظ على حقوقهم و هذا يتطلب نوعا من الحزم و القوة حتى لا تنهار الدولة.
الرأي الشخصي: لكن حسب اعتقادي فالعلاقة بين الدولة و الأخلاق يجب أن تكون علاقة تكامل ايجابي لأن التاريخ يكشف أن الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كانت قائمة على أساس من الأخلاق و كانت العلاقة بين الخليفة و الرعية تسودها المحبة و الأخوة و النصيحة مما أدى الى ازدهار الدولة الإسلامية و الواقع يثبت أن الدول التي تخلت عن الأخلاق و عوضتها بالقوة و البطش كان مصيرها الزوال كما هو الحال بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية و لهذا فقد قام الإسلام بفرض قوانين على الناس أدت الى ظهور حكم عادل يسوي بين الجميع و يضع لكل فرد حدودا ينبغي أن يقف عندها و يحول بين الحكام و بين أنانيتهم و شهواتهم . فالإسلام يدعو الى التشاور و العدل و المساواة و الأخوة و الرحمة و احترام الحقوق و شبه الأمة أو الدولة بالجسد الواحد حيث يقول النبي صلى الله عليه و سلم : « مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد ذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ».
حل المشكلة:ن التحليل السابق يفضي الى النتيجة التالية و هي أن الممارسة السياسية تتطلب استعمال القوة لكن مع ضرورة مراعاة القيم الأخلاقية الفاضلة كالعدل و الرحمة و الأمانة، فالقوة بدون أخلاق مطية للتعسف الظلم؛ كما أن أخلاقا بدون قوة عنوان للضعف و فقدان السلطة لهيبتها و زوال للدولة التي بدونها لا قيام حياة اجتماعية طبيعية حيث يقول هيغل Hegel : « الدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية » .













رد مع اقتباس