بلاد الزاب في عهد بني هلال
خلال حكم السلطان الحمّاديّ الناصر بن علناس الذي بدأ في 454 هـ 1062 م اشتدّت ضربات بني هلال على المغرب الأوسط، فاقتحموا مدن الزاب وقراه " واكتسحوا بسائطه بقوّة لا تقهر حتى انتهوا إلى ضواحي القلعة" وعاثوا في الأرض و" هجم الأعراب على الزاب وعملوا به عملـهم بإفريقية "
ولما جئت أبحثُ عمّا فعلـه الـهلاليون بإفريقية (تونس) وقفتُ على ما قالـه ابن خلدون "وجاء العرب فدخلوا البلد (القيروان) واستباحوه، واكتسحوا المكاسب وخرّبوا المباني وعاثوا في محاسنها، وطمسوا من الحسن والرونق معالمها" كما اطلعت على قصيدة لابن رشيق المسيلي القيرواني تعرف بـ (النونيّة) رثى فيها القيروان على إثر تخريبها وتدمير عمرانها وخاصّة مسجدها، مع ترويع أهلـها الآمنين وانتهاك حرماتها، فبعد أن ذكر فضلـها وسبقها ونشاطها الاقتصاديّ حتى كادت تتفوّق على مصر أو بغداد، وصف فضائع بني هلال في شهر رمضان 449 هـ الموافق لـ 1 نوفمبر 1057 م في قولـه:
فتكـوا بأمّـــة أحمــد أتراهـم
أمِنـوا عقـاب الله في رمضــان؟ نقضوا العهود المبرمات وأخفروا
ذمم الإلـه، ولم يفـوا بضمــان فاستحسنوا غدر الجوار وآثروا
سبي الحريم وكشفة الـنسـوان
إلى أن يقول وهو يتألـم لما آل اليه مسجد عقبة بن نافع بالقيروان وما أصابه، وكيف أضحى مظلما موحشا مع استياء الجبال والإنس والجنّ مما حلّ به من خراب:
والمسجد المعمور جامع عقبة
خرب المعاطن مـظـلم الأركان وأرى الجبال الشم أمست خشّعا
لمصابها وتزعـزع الثقــلان
ومثل هذا الذي حدث لبلاد الزاب ومدنها وقراها كطبنة والمسيلة والقلعة على حد تأكيد ابن خلدون " فخربو ها وأزعجوا ساكنيها، وعطفوا على المنازل والقرى والضيّاع والمدن فتركوها قاعا صفصفا أقفر من بلاد الجن، وأوحش من جوف العير" ، لكن بعد وصولـهم إليها جوبهوا بمقاومة عنيفة شاركت فيها عدّة قبائل متحالفة، وهذا الذي يؤكده المؤرّخ عثمان الكعاك " وتحارب الحلفاء مع الأعراب في عدّة مواضع هلك في إحداها أبو سعدى وانكسرت جيوش التحالف وانساب الأعراب (الـهلاليون) على الزاب والجزائر من كلّ صوب وحدب يحرقون ويدمرون ويخرّبون " .
إلا أنّ بعض المؤرخين ينفون عن الـهلاليين صفة التدمير والحرق والتخريب ويعتبرون هجرة بني هلال وبني سُليم فتحا ثانيا بعد الفتوحات الإسلاميّة الأولى ويشيدون بإسهامهم في تعريب بلاد المغرب. كما أظهروا بطولات رجالية ونسائية شهيرة وتركوا تراثا ثقافيا شفويا لايزال متداولا إلى اليوم لاسيما بصعيد مصر وبلاد المغرب، ويتهمون ابن خلدون بترويج ذلك حيث وصفهم بشتى النعوت ناسبا اليهم عمليات التدمير والفساد والقتل من مثل قولـه "وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى "
ويقصد الأستاذ الكعاك هنا بالتحالف الذي جمع بين بني يعلى وبطون من بني مرين وبني عبد الواد، الذين سيتركون موطنهم الأصلي بلاد الزاب بعد هزائمهم المتتالية أمام الـهلاليين ويتجهون صوب الغرب ليؤسس أحفادهم فيما بعد دولة بني مرين بالمغرب الأقصى ودولة بني زيّان العبد الواديّة بالمغرب الأوسط (الجزائر) وعاصمتها تلمسان.
وبعد فشلـهم في صدّ الزحف الـهلالي استقر بنو هلال ببلاد الزاب بعد أن أبرموا اتفاقا مع الحمّاديين الذين احتفظوا بالمدن، كما نقل ملكهم النّاصر بن علناس عاصمته إلى بجاية الناصريّة تاركا القلعة بين يدي الـهلاليين الذين استولوا بدورهم على الأرياف نظرا لطبيعتهم التي يغلب عليها الطابع البدوي الريفي، لكنّهم اندمجوا بعد ذلك واختلطوا بسكان المدن، كمدينة بسكرة التي أضحت عاصمة لدولة أحفادهم بني مزني (1279 م – 1402 م) لاسيما بعدما أنهكتهم الحروب وهلك منهم الكثير، فلم يجدوا بدا من الاستقرار في بلاد الزاب "ثم عجزوا عن الطعن ونزلوا ببلاد الزاب واتخذوا بها المدن فهم على ذلك لـهذا العهد" وهذا الذي نجده كذلك في (درر العقود الفريدة) للمقريزي، المتوفى عام 1442 م، حيث يقول " ونزل أوّلـهم ببعض قرى بسكرة، فلما كثروا وتأثلوا الأموال تحوّلوا إلى بسكرة، وانتظم كبارهم في أرباب الشورى، فنافسهم بنو رمّان رؤساء بسكرة، وعادوهم حتى اقتتلوا " ليتمكنوا بعد ذلك من إبعادهم عن مسرح الأحداث وإزاحتهم عن حكم بسكرة ليستفرد بها بنو مزني ردحا من الزمن.
الزاب في عهد الموحدين
بعد أن دخلت بلاد الزاب في ظلال دولة الموحدين (1121 م – 1269 م) كانت (المسيلة) حينها عاصمة للزاب، لكنّ نجمها بدأ يأفل عقب تخريب قلعة بني حمّاد، ولم تكن (بسكرة) في ذلك الحين سوى إحدى مدن الزاب الـهامة، وفي مادّة (بسكرة) يذكر ياقوت الحموي المتوفى عام 1228م (والدّولة الموحديّة قائمة) أنّ (بسكرة) بلدة بنواحي المغرب، ولم يشر إلى أنّها كانت قاعدة بلاد الزاب، فيقول: " بسكرة بكسر الكاف، وراء : بلدة بالمغرب من نواحي الزاب، بينها وبين قلعة بني حمّاد مرحلتان، فيها نخل وشجر وقسْب جيّد، بينها وبين طبنة مرحلة، كما يورد بيتا من الشعر لأحمد بن محمّد المروذي حين قال:
ثمّ أتـــى بســكرة النخــــيل قـــد اغتــدى في زيــّه الجميل
لكننا نجد في نفس القرن (القرن الثالث عشر) المؤرّخ الأندلسي علي بن سعيد المغربيّ (1214م – 1286 م) الذي عاصر سقوط دولة الموحدين عام 1269 م يصف بسكرة في كتابه (الجغرافيا) الذي قام بتحقيقه الأستاذ إسماعيل العربي قائلا :" وفي شرقيّها مدينة بسكرة قاعدة بلاد الزاب " .
ومن خلال هذا النّص وغيره نستطيع أن نجزم أنّ بسكرة أصبحت عاصمة بلاد الزاب وقاعدته الرئيسة قبيل أو بعيد اضمحلال دولة الموحدين عام 1269 م.
بسكرة قاعدة بلاد الزاب
بعد سقوط الموحدين وتفكك عرى دولتهم نهائيّا كما أشرنا، وإعادة تجزئة بلاد المغرب إلى ثلاثة دول مستقلّة: الحفصيّة بالمغرب الأدنى، الزيّانيّة بالمغرب الأوسط والمرينيّة بالمغرب الأقصى، تنافست هذه الدّول على ضمّ هذا الإقليم بالقوّة، ولـهذا وجدنا بلاد الزاب تارة تابعة للحفصيين وتارة للزيّانيين وتارة أخرى ضمن نفوذ الدّولة المرينيّة، وأحيانا أخرى تتمتع بالاستقلال، وأن تخطف بسكرة الأضواء كعاصمة لبلاد الزاب بعد خفوت صوت مدن: زابي، طبنة، المسيلة، القلعة، نقاوس... ويؤكد هذه الحقيقة الكثير من المؤرّخين والجغرافيين، ومن هؤلاء مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون الذي لبث في بسكرة بضع سنين متفرقات، وكانت لـه دراية عميقة بالمنطقة حيث يقول: " هذا البلد بسكرة هو قاعدة وطن الزاب لـهذا العهد" أي القرن 14 م.
ولم يكتف صاحب (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر) بذلك فقط، بل عرض حدودا جديدة لبلاد الزاب مستثنيا مدنه القديمة كزابي وطبنة والمسيلة والقلعة وباغاي ومسكيانة ونقاوس... وغيرها، " وطن الزاب لـهذا العهد وحدّه من لدن قصر الدوسن بالغرب إلى قصور تنومة وبادس في الشرق" ثمّ يعدّد بعض قرى الزاب التي كانت لامعة في ذلك الحين " وهذا الزاب وطن كبير يشتمل على قرى متعددة متجاورة جمعا جمعا، يعرف كلّ واحد منها بالزاب، وأو لـها زاب الدوسن، ثمّ زاب طولقة، ثمّ زاب مليلة، وزاب بسكرة، وزاب تهودا، وزاب بادس. وبسكرة أمّ هذه القرى كلـها " .
وهذه الرقعة الجغرافيّة التي حدّدها ابن خلدون كإقليم لبلاد الزاب؛ تمثل اليوم جزءا مهما من ولاية بسكرة. كما أعطى تقسيما لبلاد الزاب ما زال متداولا إلى اليوم إلى حدّ كبير حيث قسّمه إلى زاب غربي وأوسط وشرقي، " وأما الزاب فالجانب الغربي منه، وقاعدته طولقة... والجانب الوسط، وقاعدته بسكرة... وأما الجانب الشرقي من الزاب وقاعدته باديس (بادس) وتنومة" على اعتبار أن مدينة سيدي عقبة لم تكن ذات شأن على عهد ابن خلدون.
أما ابن الحاج النميري الذي زار بسكرة في إطار حملة السلطان المريني أبي عنّان عام 758 هـ يوم كانت عاصمة لبني مزني فذكر في رحلته (فيض العباب وإفاضة قدّاح الآداب في الحركة السعيدة إلى قسنطينة والزاب) أنّ " بسكرة هي قاعدة الزاب " والذي عاصر دولة بني مزني ببسكرة والزاب وكان ضيفا مع السلطان أبي عنان لدى أميرها أنذاك أبي يعقوب يوسف بن منصور بن الفضل بن مزني، فيما صاحب (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) تقيّ الدين المقريزيّ (713 هـ – بعد 774 هـ) ، أورد نصّا نستشفّ منه أنّ بلاد الزاب في القرن الرابع عشر الميلادي كانت عاصمتها مدينة بسكرة وهو في سياق الحديث عن الفضل بن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن مزني، الأمير... وكيف أضحى كبير بلاد الزاب، وعاصمته بسكرة، " وقام بعده أبو إسحاق في الخلافة بتونس – طبعا بعد وفاة أخيه المستنصر – فعقد لفضل هذا على الزاب ولأخيه عبد الواحد بن علي على بلاد الجريد، فقدم بسكرة متوليّا على الزاب حتى فتك به بنو رمّان في سنة ثلاث وثمانين وست مئة واستبدّوا بعده بأمر بسكرة والزاب " قاعدة بلاد الزاب " أكد هذا كذلك في القرن 16 م محمّد بن علي البروسوي (ت 997 هـ - 1589 م) في كتابه (أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك) لتفتك ريادة هذا الإقليم إلى يوم الناس هذا.
كما حاول بنو زيان الاستيلاء على بلاد الزاب وإخضاعها إلى سلطانهم وافتكاكها من الحفصيين، حيث وجه أبو تاشفين بن أبي حمّو جيشا عام 720 هـ لاستكشاف المنطقة والتعرّف على طبيعتها وبث الرّعب في نفوس حكامها .
الزاب اليوم
أمّا مصطلح الزاب في العصر الراهن فيكاد يقتصر على تراب ولاية بسكرة دون غيرها من المدن الزابيّة الأخرى التي تقع اليوم في إقليم ولاية: باتنة، المسيلة، خنشلة، قسنطينة... وغيرها " وعاصمة الزاب الإداريّة والتجاريّة في يومنا هذا هي مدينة بسكرة" استنادا إلى العلامة البشير الإبراهيمي الذي ردّ على دائرة المعارف الإسلاميّة حول مادّة (الزاب) كما أنّ هذا الزاب يقسم اليوم إلى زابين، الزاب الغربي والزاب الشرقي، والزاب الغربيّ يقسم بدوره إلى شطرين، الزاب الظهراوي والآخر قبلي، فالزاب الظهراوي يشـمل بلدات العامري، برج بن عزوز، طولقة، فوغالة، ليشانة، فرفار، بوشقرون، لغروس، الدوسن،... إلى غاية أولاد جلال وسيدي خالد وما جاورهما، رغم أنّ العلامة الإبراهيمي ردّ على دائرة المعارف الإسلاميّة، واعتبر" الدوسن وأولاد جلال خارجان عن الزاب وتقعان غربيه" مخالفا بذلك ابن خلدون الذي يؤكد على زابية الدّوسن في قولـه:"وسلكنا القفر إلى الدّوسن من أطراف الزاب " .
أمّا الزاب القبلي فيضمّ بلدات: أورلال، ليوة، الصّحيرة، بنطيوس، مخادمة، أمليلي، أوماش، بيقو، مناهلة، زاوية بن واعر... أمّا الزاب الشرقي فيقع شرق مدينة بسكرة، عاصمة الزاب، ويضمّ سيدي عقبة، تهودة، عين الناقة، الذيبيّة، سيدي خليل، شتمة، الدروع، الفيض، خنقة سيدي ناجي، زريبة الوادي، بادس، القصر، ليانة، سريانة، قرطة، زريبة حامد... وغيرها. . وجميعها تقع في إقليم ولاية بسكرة الجزائريّة.
بل أذهبُ إلى أكثر من ذلك حيث أجزم أنّ مصطلح (الزاب) يكاد يقتصر اليوم عند الإشارة إلى مناطق بعينها فقط، تشـمل دائرة أورلال ببلدياتها وقراها وبدرجة أقلّ دائرة طولقة، بحيث لما يقول الرّجل في هذا الزمان إنّي ذاهب إلى الزاب، مباشرة تتجه الأنظار صوب أورلال وكذلك طولقة وضواحيهما القريبة إلى حدّ ما، ولـهذا ما زال إلى اليوم يطلق على الشارع الرئيس ببسكرة (الزعاطشة) المؤدّي إلى هذه البلديات (طريق الزاب).
من مدن الزاب القديمة
رغم اتساع الرّقعة الجغرافيّة لبلاد الزاب واحتوائه قديما على أكثر من 360 مدينة وقرية، إلا أنّ مجموعة منها فقط تصدّرت أحداث التاريخ ومحطاته الكبرى وكان لـها شأن يذكر.
ومن مدن الزاب تأتي في الطليعة مدينة (زابي) التي اشتق منها مصطلح الزاب، والتي بنيت على أطلالـها مدينة المسيلة، ومدينة (طبنة) عاصمة الزاب في العهد الأغلبي وتقع اليوم قريبا جدا من بريكة بولاية باتنة، وعاصمة الزاب الجزائريّ كما يقول المؤرّخ عبد الرحمن الجيلالي ، أمّا ابن حوقل المتوفى عام (981 م) فيذكر عن (طبنة) بعدما فقدت بريقها " طبنة مدينة قديمة وكانت عظيمة كثيرة البساتين والزروع والقطن والحنطة والشعير ولـها سور" ، و(مقرة) التي تقع شرق (المسيلة) التي نبغ فيها العلامة المقّري صاحب كتاب (نفح الطيب) وقد نقل عنه العلامة محمّد البشير الإبراهيمي " أصل سلفنا من مقرة إحدى قرى زاب إفريقية انتقلوا في المائة السادسة إلى تلمسان"
و(المسيلة) التي بناها الفاطميون لتحلّ محلّ طبنة كما أسلفنا، إلى جانب مدينة (قسنطينة) يقول الأستاذ الكعّاك وهو يتحدّث عن الجزائر في العهد الموحّدي " ولم تكن بجاية وحدها حضرة علم فإنّ مدن الزاب وعلى الخصوص قسنطينة وعموم المدن الجزائريّة " .
إضافة إلى مدينة (باغاي) التي اشتهرت بمؤتمر شيعة دوناتيس عام 394 م، كما ارتبطت بشخصيّتي الكاهنة وكسيلة في البدايات الأولى للفتوحات الإسلاميّة لبلاد المغرب، وهي مدينة شهيرة تقع حاليّا في ولاية خنشلة، ومدينة (أربه أو أذنه أو أدنه) وكانت ذات شان على عهد عقبة بن نافع، ومدينة (مسكيانة) بولاية أم البواقي اليوم والقريبة من (باغاي)، قال عنها ابن حوقل في كتابه صورة الأرض ما نصّه " مسكيانة قرية عليها سور قديمة كثيرة المياه والزرع ولـها سوق وماؤها جار من عيون فيها من الحوت الكثير الرخيص وسوقها ممتد كالبساط" .
ومن مدن الزاب قديما كذلك (نقاوس) و(تيجيس) جنوب شرقيّ قسنطينة، وبالتراب التونسيّ اليوم مدينة (توزر) هذه المدينة التي اعتبرها ياقوت الحمويّ في معجم بلدانه من مدن الزاب " مدينة في أقصى إفريقية من نواحي الزاب الكبير من أعمال الجريد، معمورة، بينها وبين نفطة عشرة فراسخ... " إضافة إلى قفصة ونفطة الزابيتين التونسيتين حاليّا، يقول الحمويّ دائما حول الزاب"الزاب الكبير منه بسكرة وتوزر وقسنطينية وطولقة وقفصة ونفزاوة ونفطة وبادس" .
أمّا مدن الزاب القديمة والموغلة في التاريخ وتتبع حاليا إقليم ولاية بسكرة؛ فهناك: الدوسن، طولقة، تهوذا (تهودة)، بادس، بسكرة، ملشون، حياس، مشاش…وغيرها.
الزاب في الشعر العربي
احتلّ مصطلح (الزاب) حيّزا معتبرا في المساحة الشاسعة لديوان العرب في قديمه وحديثه، مما يمكن أن يشكل ديوانا مستقلا (الزاب في الشعر العربي). أو ينهض بإعداد دراسة عن الزاب .
ومن الشعراء القدامى الذين استحوذت بلاد الزاب على إعجابهم فاستلـهموا من ربوعها درر قصائدهم، الشاعر محمّد بن هانئ الأندلسي (932 م – 973 م) الذي بعدما ضاقت عليه الأرض بما رحبت ومطاردته من الأندلس لتشيّعه الواضح، لجأ إلى بلاد الزاب، يوم كانت شيعيّة وعاصمتها المسيلة، فاتصل بأميرها جعفر بن حمدون الأندلسي، وقد ظلّ ينعم في كنفه مادحا لـه ولأخيه يحي وابنه إبراهيم وللزاب كذلك.
ولشدّة إعجابه وسحره بهذا الإقليم فقد خصّه بوصف بليغ في عدّة قصائد ، مشبّها إيّاه بجنّة الخلد والكوثر في قولـه:
خليلي أين الزاب عـنّا وجعفـــر وجنّـة خلد بنـت عنهــا وكوثــر
أتى النّاس أفواجـا إليـك كأنّمــا من الزاب بيت أو من الزاب محشر
و في قصيدة أخرى :
إنمــا الـزاب جنـّة الخلـد فيـهـا مـن نَــدَاهُ غـضـــارة التصريف
أما قصره فقد أعجب بقبابه المشيدة التي ازدانت بها بلاد الزاب:
ألا أيّها الـوادي المقدّس بالطــوى وأهــلَ الندى قلبي إليـك مشـوق
ويا أيّها القصر المنيـف قبابــه على الزاب لا يسـدد إليك طريــق
ويا ملك الزاب الرّفيعَ عمــادُه بقيتَ لجـمع المجد وهـي فريـــق
وفي قصيدة أخرى يشبّه بلاد الزاب بالعراق وهي تضم حينذاك بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية، حيث يتزاحم كبار القبائل والشيوخ على باب جعفر بن علي بن حمدون كأنّه خليفة بغداد:
ورأيت حولي وفـد كـلّ قبيلـة أرضا وطأت الدر رضراضا بها وسمعت فيـا كلّ خطبة فيصـل حتى توهمت العـراق الزابــا والمسك تربا والرّيّاض جنابـا حتى حسبت ملوكها أعرابـا
وفي موضع آخر يمدح جعفر بن علي ويسمو ببلاد الزاب إلى مرتبة بغداد حاضرة الخلافة العبّاسيّة في عدلـه وحسن سيّاسته في قولـه:
تبغدد منه الزابُ حتى رأيتُـه يَهبّ نسيمُ الروض فيه فيُستجفى