هل معيار الحقيقة هو البداهة و الوضوح ؟أم هناك هناك معايير أخرى ؟
المقدمة:
تطلق حقيقة المعرفة على عدة معاني منها الصدق والصواب أو مطابقة للواقع ، بيد أن الحقيقة في الميدان الفلسفي ترمي إلى طبيعة المعرفة وتفسير ماهيتها ودراسة أصولها وأدواتها وهذا ما جعل الفلاسفة يختلفون في تحديدها فنجد البعض من يرى أن معيار الحقيقة هو البداهة و الوضوح بينما نجد البعض الآخر يعتقد أن معيار الحقيقة هو النجاح والمنفعة فيا ترى هل معيار الحقيقة هو البداهة و الوضوح ؟ أم هناك معايير أخرى ؟
عرض منطق الأطروحة : الحقيقة في الوضوح والبداهة:
يرى الفلاسفة العقليون ديكارت، فاروخ، سبينوزا) أن الحقيقة تحمل مقياسها في ذاتها فالفكرة الحقيقية هي فكرة بديهة واضحة في غاية البساطة وهي مرجع صد الأحكام التي يستنبطها العقل ( إما حدس أو استنباط من الحدوس)، تتمثل الأحكام البديهية في المبادئ العقلية و الرياضية مثلا أن (أ)أكبر من (ب) و(ب)أكبر من (ج) فإن (أ) أكبر من (ج) وكذلك (الكل أكبر من الجزء) ،فلكل شيء علة يضاف إليها القضايا الرياضية مجموع أقياس زوايا المثلث يساوي قائمتين بمنظور ديكارتي الذي يبني نسقه الفكري انطلاقا بمنظور الكوجيتو(أنا أفكر أنا موجود )فمن الحقيقة البديهية التي لا شك فيها وهي في غاية الوضوح(أنا أفكر يستلزم منها استنباط القضية أنا موجود)، و الفكرة البديهية في نظر سبينوزا فاروخ هي كنور الشمس تعرف بالأشياء دون أن نستطيع أن ننفيها ولا تحتاج إلى برهان أو إثبات على صدقها وفي هذا يقول إن الأفكار الواضحة المتميزة لا يمكن أن تكون باطلا فكما أن النور يكشف عن نفسه و عن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه و معيار الكذب)
نقد:
رد الحقيقة إلى البداهة والوضوح يجعل من الحقيقة نسبة وذاتية لان الوضوح مرجع ذاتي فما يبدو لديكارت واضحا يبدو لغيره ملتبسا كما أن الحقائق الرياضية و البديهية لم تعد مطلقة في الرياضيات المعاصرة فالكل يساوي الجزء ومجموع أقياس المثلث يساوي أقل أو أكثر من قائمتين ومنه .
عرض نقيض الأطروحة : النفع والنجاع مقياس الحقيقة البراغماتية:
يرى البراغماتيون( جون ديوي، وليام جيمس ، شيلر، تشارل ساندرس برس ) أن المعرفة خطة أو مشروع أو حل لمشكل لأن المشاكل هي مصدر إثارة التفكير تتوقف حقيقة الافكار على مدى نجاحها وما سيترتب عنها من آثار نافعة يقول ويليام جيمس(إن كل ما يؤدي بنا إلى النجاح فهو حقيقي وإن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي) ،فلا يهمنا مصدر الحقيقة سواء كانت عقلية ، علمية فلسفية، عامية، دينية وغيرها و الواقع لا يدرك إلا من خلال علاقتنا به و بالأشياء وانعكاساته علينا لذى لا يهمنا من الأشياء جوهرها ولا صفاتها وعللها إنما آثارها وما يترتب عنها فكل محاولة معرفة هي محاولة سيطرة لا فهم لذى النجاح هو مقياس الحقيقة والفشل و الإخفاق والبطلان يقول وليام جيمس : (كل ما هو ناجح هو حقيقي )ويضيف بقوله الفكرة السابقة هي التي تؤدي بنا إلى النجاح)ويقول بيرس أن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج) ولذلك فإن الماضي هنا لا يهم بل المهم هو المستقبل بحيث أن الفكرة الخاطئة في الماضي قد تكون صحيحة في المستقبل إذا استطاعت أن تؤثر إيجابا على باقي مجرى الأحداث و تعتبر التجربة هي الأداة التي تؤكد صدق النتائج أو كذبها يقول ويليام جيمس : " إنالإنسان يجب أن يشاهد صحة رأيه أو خطأه في تجربته العملية ، فإن جاءت هذهالعملية التجريبية موافقة للفكرة كانت الفكرة الصحيحة وإلا فهي باطلة ."
النقد:
تأثرت النزعة البراغماتية بالتطور الحاصل في الحياة العلمية وحضورها المكثف وحل المشاكل الإنسانية و اتي بدورها أكدت صدق النظريات العلمية أو فشلها لابد على التفكير الفلسفي أن يحاكي التفكير لكن طبيعة التفكير الفلسفي وموضوعاته تختلف عن التفكير العلمي فلا يمكن للتفكير الفلسفي التحرر من التفكير المجرد و الميتافيزيقي وفي جعل المنفعة مقياس للحقيقة يؤدي إلى تعارض الحقائق بتعارض المصالح و المنافع وتغيرها فما هو حقيقي اليوم كاذب غدا و تحمل نوعا من التناقض فالكذب قد يجلب حقيقة منفعة لكن يعد حقيقة وعليه ليس كل نافع حقيقي لكن كل حقيقي نافع
التركيب : الوجود الشخصي مقياس الحقيقة الوجوديون