سلاماً على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفاً . الصديق والحبيب هاتان الصفتان تعتبران أجمل وأسمى وأرقى العلاقات في الوجود البشري الصداقة التي هي مرآة النفس فعندما أرى صديقي كأنما أنظر إلى نفسي بالمرآة لأنه لن يجاملني وسأرى نفسي وحقيقتي دون أي تشويه أوقناع ولا يمكن أن نتخيل صداقة دون حب الصديق ولكن حب دون تزلف أو مجاملة .
في مشوار العمر ، تغالبنا الحياة بمتاعبها وكبد مشاقها، ونغالبها بالإيمان ثم بالعمل والطموح والصبر، ووسط هذا ، يأتي المحيط الاجتماعي الذي نفرغ فيه آلامنا ونستقي منه آمالنا بعدالرجاء في توفيق الله عز وجل فالعلاقات الاجتماعية هي الساحة الواسعة للنفس والوجدان، وننسج فيها خيوط المحبة وتتكىء عليها إنسانيتنا ومن هذا النسيج الاجتماعي نبني صداقاتنا بعد ان تصهرنا بشفافية المشاعر ونصهرها بصدق المواقف لذلك نأتي إليها بمواصفات خاصة وتشدنا إليها بتلقائية فهي الصحبة والمرآة الصادقة والموقف والتسامح، والصراحة ، ووعاء المحبة الذي تتوحد فيه أفراح وأتراح الأصدقاء، وكم زودنا الإبداع الإنساني بالمأثور من القول والشعر والحكمة في الصداقة ..ونقل الأقدمون والمعارضون تجارب صداقاتهم ، واضافوا ويضيفون إلى عالم الصداقة ما يوثق صور العلاقات الاجتماعية من خلال مؤشر الصداقة ، ومهما تلاحقت الأجيال وتوالت تبقى الصداقة الحقة العامل المشترك في البناء الإنساني عبر مجموعات الأصدقاء فإذا كانت الأسرة هي نواة المجتمع ،فإن الصداقات هي أجنحته وشرايينه التي يتواصل من خلالها، بذلك لا تقتصر الصداقة على أفراد، بل تمتد روابطها ولحمتها بين الأسر وتتجاوز حدود الجغرافيا والمرحلة العربية، وهي الأسمى في علاقاتنا وهي الدرجة الأعلى في أوساط الزمالة والجيرة والأقارب وحتى بين الزوجين حين يتوجان علاقة المودة والرحمة والصداقة بينهما معذرة أيها الأحبة القراء..فقد أطلت هذه المقدمة عن الصداقة ، وعذري في ذلك أنني من جيل قامت صداقاته على هذه المعاني الجميلة التي تحفظ كنز الصداقة في نفسي ونحفظها مما قد يشوبها من عارض في مواقف الحياة ولكن حسبي أن الصداقة هي الموقف وشفافية القصد.
فقد تعرضت صداقتي ومحبتي لصديق كبير في نفسه وعقله كريم في سجاياه نبيل في مواقفه باحث في أرائه وعميق في أفكاره وهي سمات حاضرة دائما في مسؤولياته الكبيرة وموقفه الرفيع في عمله كما هو موقفه في نفسي ،ففي زيارتي له ذات يوم تحدثت معه بما ظننت ما ننسج به المحبة والصداقة وبدافع الحرص على نقاء مواقفه وجوهر سجاياه ، فقلت لصديق نفسي وقلبي وعقلي ان احدهم يقول عنك أنك لاتخدم ..ولم أقصد اتهاماً وأشهد أنني لم أقصد الاساءة له فهو كبير وصديق غالٍ إلى أبعد الحدود، ولكنه لم يترك لي الفرصة حيث غضب وتحامل عليَّ وأعاد لي الاتهام بالجحود والنكران ومن هول المفاجأة انعقد لساني وانفطر قلبي خوفا مع نقاء وشفافية المحبة والصداقة وكأنها تضيع في لحظة غضب لم أسيء فيها النية والقصد ، ولم يكن أمامي سوى الصمت الحائر.. ولم أزد على قولي له (لك مني السلام) هذه رسالة إلى الصديق النبيل أجدد فيها سلامي ومحبتي ولكل الأصدقاء وللصداقة كل المحبة والله تعالى الموفق.
حكمة:
خمس في خمس: المحبة في القرآن، والعز في القناعة، والذل في المعصية، والهيبة في قيام الليل ، والغنى في ترك الطمع.