نماذج من معاملة علماء السلف لأئمة الجور.
وقد مارس علماء السلف الصالح هذه العقيدة المستقيمة عملياً ، وطبقوا هذا السلوك القويم واقعياً، فنالوا ثمرته في الدنيا والآخرة ، وأصبحوا على مر التاريخ أئمة يدعون إلى الخير، وهداة يستضاء بنورهم حتى قيام الساعة.
عن سليمان بن علي الربعي، قال: «لما كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث، إذ قاتل الحجاج بن يوسف، انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم، فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل، وفعل..؟ قال: وذكروا من فعل الحجاج...قال: فقال الحسن: أرى أن لا تقاتلوه؛ فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء؛ فاصبروا حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين. « لقد كان الحسن- رحمه الله- يرى أن الله ما سلط الحجاج إلا عقوبة، ففي رواية: «يا أيها الناس - إنه والله- ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا الله بالسيف،ولكن عليكم بالسكينة والتضرع» - « أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى 164/7» ، وابن أبي الدنيا في «العقوبات 52 » وسنده صحيح. »
قال: فخرجوا من عنده، وهم يقولون: نطيع هذا العِلْجَ؟! قال: وهم قوم عرب ! قال:خرجوا مع ابن الأشعث، قال: فقتلوا جميعاً» . « أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى 164-163/7، والدولابي في «الكنى » ( 121/2) بسند صحيح. »
ولقد سأل أبو الحارث الصائغ « هو من جلة أصحاب الامام أحمد - رحمه الله-، وانظر: «المنهج ا أ لحمد »للعليمي1/ 363 » الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- عن أمر حدث في بغداد، وهمّ قوم بالخروج ! فقال له: ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟! فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: «سبحان الله! الدماء..الدماء..لا أرى ذلك، ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة؛ يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان للناس فيه- يعني: أيام الفتنة-؟!
قلت: والناس اليوم..أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟!
قال: وإن كان؛ فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمت الفتنة، وانقطعت السبل.
الصبر على هذا، ويسلم لك دينك: خير لك»
وبهذا يظهر لذي عينين، ويتضح لمن ألقى السمع وهو شهيد: أن النجاة من ظلم ولاة الأمر، والسلامة من جور الأئمة، واستئثارهم بالدنيا؛ هو: الصبر، والنصيحة، والتواصل معهم؛ لدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وجمع قلوب الرعية على طاعتهم في طاعة الله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر إن أمروا بمعصية الله، والدعاء لهم بالهداية والصلاح، والحرص على اتخاذ بطانة صالحة من أهل العلم المخلصين، والدعاة الصادقين، والارتباط الوثيق بشعوبهم، وعونهم على أن يكونوا رعية صالحة: تحبهم ويحبونهم، ويدعون لهم، وعدم اتخاذ بطانة من المنافقين والمحرضين الذين لم يعرفوا بعلم، أو دعوة على منهج أهل السنة والجماعة، وعدم موالاة الكافرين، ولا يكون ذلك على وجهة الأكمل مقامه الأمثل، إلا بنصر الشريعة، ونشر القرآن والسنة، وتحكيمهما؛ فإنهما العدل ولا عدل في غيرها.
والعدل أساس الملك ، وسر دوامه، ومصدر الأمان والأمن؛ ولذلك صدق شيخ الإسلام عندما قرر هذه السنة الإلهية، وهذا القانون الاجتماعي: أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة!!.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون