تاريخ وطبيعة العلاقات السعودية الإسرائيلية
قاعدة إسرائيلية في السعودية
وشهدت المناقشات بين لندن وواشنطن خلافات حادة حول الأسلوب الأمثل لمعالجة الأزمة اليمنية, وللتعامل مع عبد الناصر في اليمن. وقد ارتاعت لندن من إلحاح كنيدي على إيجاد تسوية في اليمن مادامت بريطانيا لا تعتبر الثورة حركة ضارة. لذلك تحركت بالتعاون مع اسرائيل لاثارة القوى الضاغطة ممثلة بشركات النفط والبنوك التي اذا ما وجهت ضغوطها استطاعت أن تنجز شيئا .
وعلى الرغم من كل ذلك فإن كنيدي اعترف بالنظام الثوري في اليمن وإن كان اعترافه هذا مصحوبا ببعض الشروط. وعلى ما يبدو فإن فيصل ربما كان مقتنعا بان التعاون مع اسرائيل يجب إلغاؤه بعد الاطاحة بسعود وتتويجه ملكا مكانه, ولكن موافقته في اجتماع تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1962 على التعاون السعودي الأسرائيلي لمهاجمة الثورة وعبد الناصر أوجدت وضعا على أرض الواقع لا يمكن إلغاؤه أو التخلص منه بسهولة. ويعتبر هذا التعاون مهما جدا كونه أول تعاون تآمري مع اسرائيل موجه ضد أكثر من دولة عربية. ولتدعيم هذا التعاون نجح كومر في اجبار أمريكا على ارسال سرب جوي إلى المملكة العربية السعودية للبقاء هناك تدليلا على تصميم أمريكا على الدفاع عن النظام السعودي ومنع أي هجوم على حدوده, وقد تم ذلك بسبب الحاح الخطة السعودية-الإسرائيلية عليه.
تمكن خاشقجي من الحصول على ميزانية غير محدودة لشراء جميع الأسلحة اللازمة للمرتزقة الإسرائيليين والبريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين والجنوب افريقيين الذين تقرر إرسالهم إلى اليمن, وكذلك لتسليح القبائل التي انحازت إلى جانب الملكيين والسعودية.
كذلك حصل كمال أدهم على ميزانية مفتوحة لرشوة القبائل اليمنية ومواجهة متطلبات الجانب الإسرائيلي تحت ستار مساعدة العناصر اليمنية وبالإضافة لكل ذلك اتخذت إجراءات أخرى مثل:
1- استئجار الجنود المرتزقة العائدين من بيافرا والكونغو.
2- اعلان جوليان ايمري النائب البريطاني الصهيوني ودنكان سانديز عن تشكيل مكتب باسم "لجنة الدفاع عن اليمن الإمامية" مستخدمين الضابط البريطاني المرتزق جون كوبر لشراء وتأجير المرتزقة. وشكلت وحدة عمل لهذا الغرض مقرها في سلون ستريت بلندن.
3- تشكيل ايمري مع فتزوري ماكلين زوج ابنه هارولد مكملان لجنة في مجلس العموم البريطاني تحت شعارعدن لن تلحق السويس هدفها الإعلان مباشرة أن بريطانيا تدعم وتشارك في كل شئ يفعله النائب الصهيوني المحافظ جوليان ايمري.
4- تحرك الضابط البريطاني المرتزق جون كوبر عبر الحدود السعودية إلى منطقة الجوف اليمنية ليشكل أول وحدة عمل سعودية - اسرائيلية مشتركة لتوجيه جنود المظلات الإسرائيليين من أصل يمني الذين سينزلون ليذوبوا في المجتمع اليمني كما هو مقرر حيث سيقودون عمليات تخريبية.
5- افتتاح مكتبين لتجنيد المرتزقة أحدهما في لندن والآخر في عدن لنفس الغرض. وقد كان المكتب الثاني تحت اشراف سكرتير الحاكم البريطاني في عدن الضابط في القوات الجوية الملكية (آر.أ.اف) انتوني الكسندر بويل كما أشارت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في عددها الصادر في 9 أيار (مايو) عام 1964 وذكره أيضا انتوني ماكلير في كتابه "المرتزقة".
6- كما كان مقررا أن تتحرك بريطانيا بواسطة هؤلاء المرتزقة عبر الحدود بينما تتحرك اسرائيل من جدة وجيبوتي لإنزال الأسلحة لهؤلاء المرتزقة ومؤيديهم في الجبال اليمنية.
7- افتتاح مكتب ارتباط سعودي - اسرائيلي ببيروت إبعادا لتلك الأنشطة عن الأراضي السعودية. وقد أقلق وجود المكتب فؤاد أيوب اللبناني آنذاك فأرسل تفاصيل نشاطه إلى القاهرة لكي يحمي نفسه من عواقب نسج المؤامرات في لبنان ضد مصر.
وكان هدف العملية الاسرائيلية البريطانية السعودية المشتركة استنزاف طاقات مصر في اليمن ومحاولة اسقاط النظام الثوري هناك. وقد لعبت المخابرات السعودية دورا أساسيا وخطيرا جدا في تاريخ العرب الحديث بتبذيرها المال على اسرائيل. إذ تشير بعض المصادر إلى أنه ربما كان الممول الحقيقي لتطبيق فكرة الغزو الاسرائيلي للأرض العربية عام 1967. وكان ايضا الطرف العربي الوحيد الذي عرف بخطة الغزو عشية الخامس من حزيران عام 1967.
حكام السعودية يعرفون
كتب الخبير العسكري الاسرائيلي هيرش غودمان مقالا في صحيفة الجيروزاليم بوست في (12/10/1980) يقول : كان هناك تفاهم واضح في المرحلة الأولى للتحالف الأميركي-الإسرائيلي, وخصوصا في الفترة 1967-1973 تقوم اسرائيل بموجبه بالتدخل بالنيابة عن أميركا إذا حدثت تغييرات في الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط. أما المثال المهم فيتعلق بإدراك آل سعود في الفترة 1967-1973 أنه إذا تحرشت مصر, المكتظة بالسكان والفقيرة والصديقة لموسكو, بالمملكة السعودية القليلة السكان والمتخمة بالمال والمؤيدة للغرب بشدة فإن حكام السعودية يعرفون أن اسرائيل ستتدخل للدفاع عنهم لحماية المصالح الغربية.
السعودية على اتصال مستمر مع إسرائيل
وفي مايو 1994 نشر خبيرا شؤون المخابروات يوسي ميلمان ودان رافيف كتابا بعنوان : الأصدقاء بالأفعال : أسرار التحالف الإسرائيلي- الأمريكي قالا فيه : كان السعوديون رسميا وعلنيا في حالة حرب مع إسرائيل. إلا أن صانعي القرار في إسرائيل كانوا يدركون أن المملكة السعودية دولة معتدلة ومؤيدة للغرب, وأنها - رغم استخدامها الخطاب المعادي لإسرائيل - كانت على اتصال مستمر مع إسرائيل. ففي حقل المخابرات التقى ضابط العمليات في المخابرات الإسرائيلية (الموساد) مع ضباط أمن ومخابرات الأسرة المالكة السعودية عددا كبيرا من المرات وتبادلوا وجهات النظر حول الطرق الواجب تطبيقها لإضعاف القوى الدينية الأصولية في منطقة الشرق الأوسط. أما المخابرات المركزية الأمريكية فكانت دوما على علم بالاتصالات السرية السعودية- الإسرائيلية وشجعتها باستمرار.
تعهد عبد العزيز
وحتى الوثائق التاريخية الغربية لم يفرج إلا عن النذر القليل منها , وفي شباط (فبراير) عام 1992 رفعت الحكومة الأميركية صفة السرية عن عدد كبير من وثائق البيت الأبيض التي كان بينها وثائق تتعلق بالتعامل الأمريكي السري مع المملكة السعودية, وقام التلفزيون الأميركي بعرض برنامج وثائقي بعنوان:"الملفات السرية:واشنطن واسرائيل والخليج" , أشار فيه إلى عدد من الوثائق السرية جدا . فقد ذكرت الوثائق السرية أن عبد العزيز واجه محنة صعبة هددت العرش السعودي نتيجة انخفاض عائدات الحج والاسراف والتبذير الذي سببه حكمه الفوضوي والفردي والعشوائي. وذكرت الوثائق أن الحكومة الأميركية تدخلت لانقاذ العرش السعودي مقابل تنازلات قدمها عبد العزيز للرئيس الأميركي هاري ترومان. فقد عقد الطرفان اتفاقا سريا تقوم الحكومة الأميركية بموجبه بانقاذ العرش السعودي عن طريق منحه مساعدات مالية كبيرة ومساعدات عسكرية للتصدي للخطر الهاشمي الأردني-العراقي الذي يدعمه البريطانيون . وفي المقابل وافق عبد العزيز وتعهد على أن لا تشارك المملكة السعودية أبدا في أية حروب يشنها العرب ضد اسرائيل لاستعادة فلسطين. وقد نفذ عبد العزيز وأبناؤه التعهد الذي قطعوه على أنفسهم للولايات المتحدة. وفي المقابل منح الرئيس ترومان ضمانات أمنية للعرش السعودي في أبريل (نيسان) 1950 حين أرسل مساعد وزير الخارجية جورج ماكجي للقاء عبد العزيز, وبحث الطرفان موضوع إحداث ترتيبات للدفاع عن العرش السعودي عن طريق تمديد الاتفاقية المؤقتة بخصوص منح قاعدة الظهران للأميركيين مقابل الحصول على الأسلحة وإنشاء برنامج للتدريبات العسكرية لإنشاء جيش مهمته إبقاء آل سعود في الحكم. وقد بدأ تنفيذ الاتفاق السري في عام 1951 حين وصلت فرقة من سلاح المهندسين في الجيش الأميركي لبناء منشآت عسكرية في المملكة (المصدر: مجلة نيوزويك وصحيفة الواشنطن بوست, 17فبراير (شباط)1992.
المخابرات الأمريكية تعتبر أن إسرائيل أنقذت العرش السعودي مرتين
الأمر المحير هو لماذا أنقذت المخابرات الإسرائيلية العرش السعودي مرتين خلال الفترة (1961 - 1976) . وقد أجاب خبراء شؤون الأمن على ذلك السؤال.
فقد ذكر الباحث ألكساندر بلاي من معهد ترومان في مقال كتبه في مجلة العلوم السياسية الفصلية "جيروزاليم كوارترلي" تحت عنوان "نحو تعايش إسرائيلي - سعودي سلمي" إن المملكة السعودية وإسرائيل قامتا ببناء علاقة حميمة وكانتا على اتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962بهدف ما أسماه "منع عدوهما المشترك" - أي عبد الناصر - من تسجيل انتصار عسكري في الجزيرة العربية . وذكر بلاي أنه أجرى مقابلة مع السفير الإسرائيلي السابق في لندن آهارون ريميز (1965 - 1970) الذي أعلمه أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة حميمة مع إسرائيل وعلى اتصال وثيق معها . وأكد الكاتب البريطاني فريد هاليدي ما ذكره الباحثان الآخران حيث ذكر في كتابه "الجزيرة العربية بلا سلاطين" أن الملك فيصل طلب من إسرائيل التدخل لحمايته من عبد الناصر أثناء حرب اليمن, وأن إسرائيل قامت بشحن كمية كبيرة من الأسلحة مستخدمة الطائرات البريطانية العسكرية , وأن صناديق الأسلحة ألقيت من الجو فوق مناطق الملكيين اليمنيين.