لينة نور
2012-06-15, 14:36
السلام عليكم
«البيان» تدق ناقوس الخطر (1-2)
زواج الأقارب يورِّث الأمراض
تاريخ الزواج من الأقارب ليس وليد الساعة وإنما يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي. ورغم أن الإسلام لم يمنع زواج الأقارب إلا ان هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي تحض على عدم الزواج من الأقارب ومنها على سبيل المثال ما روي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قوله «غربوا النكاح» وحديث آخر اختلف العلماء حول مدى قوته «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».
هذه النصائح أخذت بها المجتمعات الغربية إذ لا تتعدى نسبة الزواج من الأقارب في تلك المجتمعات أكثر من 10% بينما تصل في بعض البلدان العربية إلى 50% أو أكثر، الأمر الذي أدى إلى توارث الأمراض من جيل إلى آخر وتفاقم المشاكل الصحية في المجتمعات العربية.
وقد ارتبط موضوع الزواج من الأقارب في الدول العربية بمعتقدات اجتماعية وتاريخية وجغرافية ومادية.. وغيرها من المعتقدات التي ما زالت سائدة لدى بعض العائلات والقبائل ومنها عدم التفريط بثروة العائلة خاصة في حالة الزواج من غير الأقارب لا بل والأطرف أن بعض القبائل تنظر إلى الشاب المتعلم كثروة عائلية يجب أن لا تخرج عن نطاق العائلة.
وقد أثبتت الدراسات التي قام بها نخبة من العلماء في كليات الطب المختلفة في جامعة الإمارات منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ولغاية الآن أن نسبة زواج الأقارب في الدولة وصلت إلى 50% منها 26% زيجات بين الأقارب من الدرجة الأولى. وقد أفرزت تلك الزيجات نتائج سلبية على بعض العائلات ومنها توارث الأمراض من جيل إلى آخر حيث بلغ مجموع الأمراض الوراثية التي تم رصدها بين المواطنين والمقيمين العرب في الدولة بسبب زواج الأقارب ما لا يقلّ عن 82 مرضا.
يقول الدكتور غازي عمر تدمري المدير المساعد في المركز العربي للدراسات الجينية أن «نسبة زواج الأقارب في العالم تصل إلى 10% باستثناء الصين واندونيسيا وتتراوح ما بين 1 إلى 10% في عدة قارات منها أميركا اللاتينية ووسط إفريقيا وشمال الهند واليابان واسبانيا. وفي الدول العربية تتراوح نسبة الزيجات بين الأقارب بين 40 و50% وخاصة بين الأقارب من الدرجة الأولى ومن ابرز الدول التي ينتشر بها زواج الأقارب من الدرجة الأولى بنسبة كبرى مصر 11% البحرين 21% العراق 29% والكويت والسعودية 31% وفي الأردن 32% وفي دولة الإمارات تصل إلى 26%.
ويقول إن الزواج من الأقارب في العالم العربي ينظر إليه من قبل الغرب على أساس الوازع الديني ولكن هذا غير صحيح إذ إن الزواج بين الأقارب يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام وتحديدا قبل القرن السابع الميلادي وعندما جاء الإسلام لم ينه عن زواج القارب وإنما حث على الابتعاد عنه وهناك أدلة كثيرة على ذلك مثل «غربوا النكاح» و«تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» وغير ذلك.
* أسباب الظاهرة
ويضيف بأن الزواج من الأقارب يوعز لأسباب اجتماعية وتاريخية وغير محصورة بين المسلمين فقط بل تتعدى ذلك إلى المجتمعات المسيحية كما نرى في لبنان وبعض الدول العربية الأخرى وقد ارتبط موضوع الزواج من الأقارب بعدة أسباب منها ملاءمة الطرفين الشريكين واستعداد الفتاة للدخول إلى عالم الزوجية بشكل أسهل لأنها، أي البنت، تعرف العائلة. بالإضافة إلى ذلك يلاحظ أن الزيجات بين الأقارب أمتن من مثيلاتها في غير الأقارب بسبب حرص العائلة الدائم على استقرار الزواج.
وفي بعض الدول العربية لوحظ أن نسبة الزواج بين الأقارب تختلف باختلاف نسبة التعلم والمكان الذي يحدث فيه الزواج حضري أو مدني فمثلا في الأردن وتونس وعمان أثبتت الدراسات أن زواج الأقارب ينتشر أكثر في المناطق النائية مقارنة مع المدن الرئيسية. وفي بعض الدول العربية الأخرى أثبتت الدراسات أن ازدياد نسبة التعلم للفتاة في الشراكة الزوجية تؤدي إلى انخفاض نسبة الزواج من الأقارب وعلى العكس من ذلك في اليمن حيث اتضح انه كلما زادت نسبة التعلم لدى الرجال كلما زادت نسبة الزواج من القريبات في تلك العائلات.
ورجحت تلك الدراسات أن احد أهم تلك الأسباب لذلك هو ارتفاع قيمة هذا الإنسان لدى العائلة بحيث ينظر له وكأنه ثروة عائلية يجب عدم التفريط بها. في بعض الدول مثل البحرين والكويت ولبنان وسوريا نسبة الزيجات من الأقارب في انخفاض تدريجي وفي دول أخرى هناك استقرار بمعنى لا انخفاض ولا زيادة. أما في بعض الدول الأخرى فالغريب أن نسبة الزيجات من الأقارب ما زالت في ارتفاع مستمر مثل اليمن والجزائر وأوعزت بعض الدراسات الأسباب لكثرة النسل في العائلات.
* داخل الدولة
أما بالنسبة لدولة الإمارات فهناك العديد من الدراسات التي أجريت حول موضوع الزواج من الأقارب وأول دراسة قام بها حول هذا الموضوع الدكتور عبد الباري بنر عام 1996 شملت 2000 زيجة بين المواطنين في مدينة العين خلال عامي (94-95) وبينت أن نسبة زيجات الأقارب من العائلات التي شملتهم الدراسة حوالي 50% وقامت الدكتورة لحاظ الغزالي من جامعة الإمارات بدراسة على نفس الشريحة عام 97 لمعرفة ما إذا كانت تلك النسبة في ارتفاع أو انخفاض وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن نسبة الزواج بين الأقارب لدى مواطني الدولة في ازدياد بحيث كانت في الجيل الماضي حوالي 39% وارتفعت في الجيل الحالي إلى 50%.
وبينت الدراسة أن 26% من تلك الزيجات هي بين الأقارب من الدرجة الأولى مع احتمالية أن يكون أولادهم اكثر تمسكا بالزواج من الأقارب. كما لاحظت تلك الدراسة ازدياد نسبة الزواج من الأقارب لدى الشباب المتعلم (الثانوي والجامعي) وتختلف تلك النسب باختلاف منطقة السكن والعادات الاجتماعية والأصول العرقية والمذهبية للعائلات.
وقامت الدكتورة لحاظ الغزالي أيضا بدراسة قارنت فيها زواج الأقارب في مدينتي العين ودبي وقد أوضحت تلك الدراسة أن نسبة زواج الأقارب في العين وصلت إلى حوالي 54% وفي دبي حوالي 40%. وكانت نسبة الزيجات من الأقارب من الدرجة الأولى 28% في العين و20% في دبي.
وعلى الرغم من النسبة المنخفضة في زيجات الأقارب من الدرجة الأولى في دبي إلا أن الدراسة لاحظت ازدياداً مطرداً من الزواج بين الأقارب حيث كانت نسبة الفارق في زواج الأقارب بين الجيلين الماضي والحالي في دبي حوالي 10% مقارنة مع 7% في مدينة العين.
وأشارت الدراسة إلى أن السبب الرئيسي لهذه الزيادة في دبي هو الخصائص الديموغرافية التي تمر بها الإمارة من حيث النمو المتسارع لحجم الجاليات الأجنبية المقيمة فيها بحيث أصبح المواطنون معزولين داخل مجتمعاتهم وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى ارتفاع نسبة الزواج من الأقارب.
وهناك أيضا دراسة أخرى قامت بها الدكتورة جوان الطلباني على 24 ألف ولادة في مستشفى الكورنيش خلال الفترة من 92 ولغاية 95 وقد تبين من خلالها أن نسبة الزيجات من الأقارب هي 32% في إمارة أبوظبي. ومن خلال الاطلاع على كافة الدراسات التي أجريت تبين أن معدل زواج الأقارب في الدولة 50%، وفي العين 54% وفي دبي 40% وفي أبوظبي حوالي 32%.
* نقطة للبحث
وأشار الدكتور محمود طالب إلى انه وبسب هذه الظاهرة المهمة (الزيجات بين الأقارب) انطلق العديد من الباحثين في الدراسات لمعرفة الأمراض المرتبطة بزواج الأقارب وقد اكتشفت الدكتورة لحاظ الغزالي من خلال دراسة قامت بها عام 1998 وشملت أطفالاً من دبي والشارقة وخورفكان والعين أن 92% من الأطفال الذين يعانون من الطرش كانوا نتيجة زيجات بين الأقارب مقارنة مع دراسة عالمية أشارت إلى أن 75% من الأطفال الذين فقدوا السمع آباؤهم أقارب من الدرجة الأولى.
واكتشفت الدكتورة لحاظ من خلال الدراسة أن بعض العائلات لديها أكثر من طفل يعاني من الطرش ولكن الآباء لم يكن لديهم أدنى فكرة تربط بين زواج الأقارب والأمراض الوراثية.
* تشوهات خلقية
وفي دراسة أخرى أجريت في مستشفى الكورنيش وشملت 24 ألف ولادة شملت كل الولادات خلال الفترة من عام 92 إلى العام 95 تبين من خلالها أن 400 ولادة كانت تحمل أمراضا وراثية أو تشوهات خلقية وبعملية حسابية بسيطة استنتجت أن 17% من كل ألف ولادة تمت في أبوظبي كانت تحمل تشوهات خلقية أو أمراضا وراثية خاصة الأمراض التي تحمل الصفات المتنحية.
* المستوى التعليمي
دراسة أخرى قامت بها الدكتورة فلساما ايبن من جامعة العين أيضا عن تأثير زواج الأقارب على المستوى التعليمي حيث شملت الدراسة 1250 تلميذا من تلاميذ المدارس الحكومية في مدينة العين وتبين من خلال تلك الدراسة أن 24% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة يعانون من اضطرابات سلوكية ترتبط بحالات أخرى في نفس العائلة وهذا يؤكد أن العنصر الوراثي كان عنصرا مهما في تلك الاضطرابات السلوكية.
* الأمراض النفسية
دراسة أخرى قام بها احد أطباء جامعة العين أيضا وشملت 1100 تلميذ من المواطنين والعرب المقيمين لمعرفة مدى ارتباط الأمراض النفسية بزواج الأقارب وقد توقع الباحثون عند البدء بإجراء الدراسة أن تكون نسبة الأمراض النفسية لدى المقيمين العرب أكثر منها بين المواطنين لأسباب منها الانفصال عن بيئتهم ومجتمعاتهم وتقوقعهم على أنفسهم ولكن على العكس تبين من خلال الدراسة أن نسبة الأمراض النفسية لدى المواطنين أعلى وتبين أن من أهم أسباب ذلك الزواج من الأقارب.
* الجهاز العصبي
دراسة أخرى لفريق عمل الدكتورة لحاظ الغزالي عام 1999 شملت 9600 ولادة في ثلاثة من المستشفيات المهمة في مدينة العين خلال عامي 95 و97 أثبتت أن هناك علاقة وطيدة بين أمراض الجهاز العصبي لدى هؤلاء المواليد خاصة إذا كانت في صلة القرابة بين الزوجين من الدرجة الأولى.
كما أشارت تلك الدراسة أيضا إلى أن بعض الأمراض الوراثية المعروفة عالميا بأنها أمراض نادرة الحدوث كثيرا ما تحدث في منطقة العين بسبب زواج الأقارب ومنها على سبيل المثال مرض شار كوت ـ ماري ـ توث وهو عبارة عن مرض تباطؤ التوجيهات العصبية للأطراف ( اليدين والقدمين ) يتحول الطفل فيما بعد إلى طفل مقعد.
* الإجهاض المتكرر
دراسة أخرى قام بها الأستاذ الدكتور يوسف عبد الرزاق أيضا من كلية الطب في جامعة الإمارات عام 1997 وشملت 2200 سيدة مواطنة من مدينتي دبي والعين. وأوضحت الدراسة أن 37% من حالات الإجهاض المتكرر أو وفيات متكررة بعد الولادة هي لزيجات من الأقارب مقارنة ب 29% لزيجات من غير الأقارب. واستنتج الدكتور يوسف عبد الرزاق أن زواج الأقارب يودي إلى زيادة نسبة المخاطر بحدوث أمراض سرطانية وتشوهات خلقية وأمراض سلوكية أو عيوب جسدية في الأطفال الناتجين عن تلك الزيجات.
* السرطان
دراسة أخرى قام بها الدكتور عبد الباري بنر من كلية الطب في جامعة الإمارات على المواليد الإماراتيين الذين ولدوا خلال الفترة من عام 1983 و1997 والموجودة قيودهم في مركز السجل الوطني لأمراض السرطان وقد تم التوصل إلى ثلاثة أنواع من الأمراض السرطانية تنتشر لدى هؤلاء الأطفال.
وأشارت الدراسة والتي شملت 69 عائلة أن 80% من الأطفال الذين يعانون من سرطان الدم هم لآباء أقارب من الدرجة الأولى وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع المعدلات العالمية.
ونبه الدكتور غازي تدمري، المدير المساعد في المركز العربي للدراسات الجينية، أنه من الخطأ الربط ما بين حدوث الأمراض الوراثية والزواج من الأقارب قبل الأخذ بالعوامل المرتبطة بالمرض. ومن أهمها تاريخ العائلة وما إذا كانت هناك حالات مرضية متكررة الحدوث فيها. وكذلك يجب البتّ في نمط انتقال المرض من الآباء إلى الأبناء عن طريق دراسة صفات المرض، وهذا ما يقوم به المختصون في الوراثة الإكلينيكية.
ألا إن الجواب القاطع غالباً ما يأتي حين تطبيق التقنيات الوراثية المعتمدة على دراسة الجينات لتحديد كيفية انتقال المرض، بل الإشارة إلى الشريك الذي انتقل من خلاله المرض أي الأب أو الأم وصولاً إلى الأجداد من كلا الطرفين. وهنالك الآلاف من تلك الدراسات المنشورة عالمياً ومنها ما تناول انتقال الأمراض الوراثية في عائلات من أصول عربية مختلفة...
تحقيق عماد عبد الحميد ـ مصطفى خليفة
البيان (30-12-2005)
منقول للفائدة ونحن كشعب عربي عندنا نفس المسالة [ٌ الزواج من الاقارب ]
«البيان» تدق ناقوس الخطر (1-2)
زواج الأقارب يورِّث الأمراض
تاريخ الزواج من الأقارب ليس وليد الساعة وإنما يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي. ورغم أن الإسلام لم يمنع زواج الأقارب إلا ان هناك الكثير من الأحاديث النبوية التي تحض على عدم الزواج من الأقارب ومنها على سبيل المثال ما روي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قوله «غربوا النكاح» وحديث آخر اختلف العلماء حول مدى قوته «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».
هذه النصائح أخذت بها المجتمعات الغربية إذ لا تتعدى نسبة الزواج من الأقارب في تلك المجتمعات أكثر من 10% بينما تصل في بعض البلدان العربية إلى 50% أو أكثر، الأمر الذي أدى إلى توارث الأمراض من جيل إلى آخر وتفاقم المشاكل الصحية في المجتمعات العربية.
وقد ارتبط موضوع الزواج من الأقارب في الدول العربية بمعتقدات اجتماعية وتاريخية وجغرافية ومادية.. وغيرها من المعتقدات التي ما زالت سائدة لدى بعض العائلات والقبائل ومنها عدم التفريط بثروة العائلة خاصة في حالة الزواج من غير الأقارب لا بل والأطرف أن بعض القبائل تنظر إلى الشاب المتعلم كثروة عائلية يجب أن لا تخرج عن نطاق العائلة.
وقد أثبتت الدراسات التي قام بها نخبة من العلماء في كليات الطب المختلفة في جامعة الإمارات منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ولغاية الآن أن نسبة زواج الأقارب في الدولة وصلت إلى 50% منها 26% زيجات بين الأقارب من الدرجة الأولى. وقد أفرزت تلك الزيجات نتائج سلبية على بعض العائلات ومنها توارث الأمراض من جيل إلى آخر حيث بلغ مجموع الأمراض الوراثية التي تم رصدها بين المواطنين والمقيمين العرب في الدولة بسبب زواج الأقارب ما لا يقلّ عن 82 مرضا.
يقول الدكتور غازي عمر تدمري المدير المساعد في المركز العربي للدراسات الجينية أن «نسبة زواج الأقارب في العالم تصل إلى 10% باستثناء الصين واندونيسيا وتتراوح ما بين 1 إلى 10% في عدة قارات منها أميركا اللاتينية ووسط إفريقيا وشمال الهند واليابان واسبانيا. وفي الدول العربية تتراوح نسبة الزيجات بين الأقارب بين 40 و50% وخاصة بين الأقارب من الدرجة الأولى ومن ابرز الدول التي ينتشر بها زواج الأقارب من الدرجة الأولى بنسبة كبرى مصر 11% البحرين 21% العراق 29% والكويت والسعودية 31% وفي الأردن 32% وفي دولة الإمارات تصل إلى 26%.
ويقول إن الزواج من الأقارب في العالم العربي ينظر إليه من قبل الغرب على أساس الوازع الديني ولكن هذا غير صحيح إذ إن الزواج بين الأقارب يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام وتحديدا قبل القرن السابع الميلادي وعندما جاء الإسلام لم ينه عن زواج القارب وإنما حث على الابتعاد عنه وهناك أدلة كثيرة على ذلك مثل «غربوا النكاح» و«تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» وغير ذلك.
* أسباب الظاهرة
ويضيف بأن الزواج من الأقارب يوعز لأسباب اجتماعية وتاريخية وغير محصورة بين المسلمين فقط بل تتعدى ذلك إلى المجتمعات المسيحية كما نرى في لبنان وبعض الدول العربية الأخرى وقد ارتبط موضوع الزواج من الأقارب بعدة أسباب منها ملاءمة الطرفين الشريكين واستعداد الفتاة للدخول إلى عالم الزوجية بشكل أسهل لأنها، أي البنت، تعرف العائلة. بالإضافة إلى ذلك يلاحظ أن الزيجات بين الأقارب أمتن من مثيلاتها في غير الأقارب بسبب حرص العائلة الدائم على استقرار الزواج.
وفي بعض الدول العربية لوحظ أن نسبة الزواج بين الأقارب تختلف باختلاف نسبة التعلم والمكان الذي يحدث فيه الزواج حضري أو مدني فمثلا في الأردن وتونس وعمان أثبتت الدراسات أن زواج الأقارب ينتشر أكثر في المناطق النائية مقارنة مع المدن الرئيسية. وفي بعض الدول العربية الأخرى أثبتت الدراسات أن ازدياد نسبة التعلم للفتاة في الشراكة الزوجية تؤدي إلى انخفاض نسبة الزواج من الأقارب وعلى العكس من ذلك في اليمن حيث اتضح انه كلما زادت نسبة التعلم لدى الرجال كلما زادت نسبة الزواج من القريبات في تلك العائلات.
ورجحت تلك الدراسات أن احد أهم تلك الأسباب لذلك هو ارتفاع قيمة هذا الإنسان لدى العائلة بحيث ينظر له وكأنه ثروة عائلية يجب عدم التفريط بها. في بعض الدول مثل البحرين والكويت ولبنان وسوريا نسبة الزيجات من الأقارب في انخفاض تدريجي وفي دول أخرى هناك استقرار بمعنى لا انخفاض ولا زيادة. أما في بعض الدول الأخرى فالغريب أن نسبة الزيجات من الأقارب ما زالت في ارتفاع مستمر مثل اليمن والجزائر وأوعزت بعض الدراسات الأسباب لكثرة النسل في العائلات.
* داخل الدولة
أما بالنسبة لدولة الإمارات فهناك العديد من الدراسات التي أجريت حول موضوع الزواج من الأقارب وأول دراسة قام بها حول هذا الموضوع الدكتور عبد الباري بنر عام 1996 شملت 2000 زيجة بين المواطنين في مدينة العين خلال عامي (94-95) وبينت أن نسبة زيجات الأقارب من العائلات التي شملتهم الدراسة حوالي 50% وقامت الدكتورة لحاظ الغزالي من جامعة الإمارات بدراسة على نفس الشريحة عام 97 لمعرفة ما إذا كانت تلك النسبة في ارتفاع أو انخفاض وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن نسبة الزواج بين الأقارب لدى مواطني الدولة في ازدياد بحيث كانت في الجيل الماضي حوالي 39% وارتفعت في الجيل الحالي إلى 50%.
وبينت الدراسة أن 26% من تلك الزيجات هي بين الأقارب من الدرجة الأولى مع احتمالية أن يكون أولادهم اكثر تمسكا بالزواج من الأقارب. كما لاحظت تلك الدراسة ازدياد نسبة الزواج من الأقارب لدى الشباب المتعلم (الثانوي والجامعي) وتختلف تلك النسب باختلاف منطقة السكن والعادات الاجتماعية والأصول العرقية والمذهبية للعائلات.
وقامت الدكتورة لحاظ الغزالي أيضا بدراسة قارنت فيها زواج الأقارب في مدينتي العين ودبي وقد أوضحت تلك الدراسة أن نسبة زواج الأقارب في العين وصلت إلى حوالي 54% وفي دبي حوالي 40%. وكانت نسبة الزيجات من الأقارب من الدرجة الأولى 28% في العين و20% في دبي.
وعلى الرغم من النسبة المنخفضة في زيجات الأقارب من الدرجة الأولى في دبي إلا أن الدراسة لاحظت ازدياداً مطرداً من الزواج بين الأقارب حيث كانت نسبة الفارق في زواج الأقارب بين الجيلين الماضي والحالي في دبي حوالي 10% مقارنة مع 7% في مدينة العين.
وأشارت الدراسة إلى أن السبب الرئيسي لهذه الزيادة في دبي هو الخصائص الديموغرافية التي تمر بها الإمارة من حيث النمو المتسارع لحجم الجاليات الأجنبية المقيمة فيها بحيث أصبح المواطنون معزولين داخل مجتمعاتهم وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى ارتفاع نسبة الزواج من الأقارب.
وهناك أيضا دراسة أخرى قامت بها الدكتورة جوان الطلباني على 24 ألف ولادة في مستشفى الكورنيش خلال الفترة من 92 ولغاية 95 وقد تبين من خلالها أن نسبة الزيجات من الأقارب هي 32% في إمارة أبوظبي. ومن خلال الاطلاع على كافة الدراسات التي أجريت تبين أن معدل زواج الأقارب في الدولة 50%، وفي العين 54% وفي دبي 40% وفي أبوظبي حوالي 32%.
* نقطة للبحث
وأشار الدكتور محمود طالب إلى انه وبسب هذه الظاهرة المهمة (الزيجات بين الأقارب) انطلق العديد من الباحثين في الدراسات لمعرفة الأمراض المرتبطة بزواج الأقارب وقد اكتشفت الدكتورة لحاظ الغزالي من خلال دراسة قامت بها عام 1998 وشملت أطفالاً من دبي والشارقة وخورفكان والعين أن 92% من الأطفال الذين يعانون من الطرش كانوا نتيجة زيجات بين الأقارب مقارنة مع دراسة عالمية أشارت إلى أن 75% من الأطفال الذين فقدوا السمع آباؤهم أقارب من الدرجة الأولى.
واكتشفت الدكتورة لحاظ من خلال الدراسة أن بعض العائلات لديها أكثر من طفل يعاني من الطرش ولكن الآباء لم يكن لديهم أدنى فكرة تربط بين زواج الأقارب والأمراض الوراثية.
* تشوهات خلقية
وفي دراسة أخرى أجريت في مستشفى الكورنيش وشملت 24 ألف ولادة شملت كل الولادات خلال الفترة من عام 92 إلى العام 95 تبين من خلالها أن 400 ولادة كانت تحمل أمراضا وراثية أو تشوهات خلقية وبعملية حسابية بسيطة استنتجت أن 17% من كل ألف ولادة تمت في أبوظبي كانت تحمل تشوهات خلقية أو أمراضا وراثية خاصة الأمراض التي تحمل الصفات المتنحية.
* المستوى التعليمي
دراسة أخرى قامت بها الدكتورة فلساما ايبن من جامعة العين أيضا عن تأثير زواج الأقارب على المستوى التعليمي حيث شملت الدراسة 1250 تلميذا من تلاميذ المدارس الحكومية في مدينة العين وتبين من خلال تلك الدراسة أن 24% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة يعانون من اضطرابات سلوكية ترتبط بحالات أخرى في نفس العائلة وهذا يؤكد أن العنصر الوراثي كان عنصرا مهما في تلك الاضطرابات السلوكية.
* الأمراض النفسية
دراسة أخرى قام بها احد أطباء جامعة العين أيضا وشملت 1100 تلميذ من المواطنين والعرب المقيمين لمعرفة مدى ارتباط الأمراض النفسية بزواج الأقارب وقد توقع الباحثون عند البدء بإجراء الدراسة أن تكون نسبة الأمراض النفسية لدى المقيمين العرب أكثر منها بين المواطنين لأسباب منها الانفصال عن بيئتهم ومجتمعاتهم وتقوقعهم على أنفسهم ولكن على العكس تبين من خلال الدراسة أن نسبة الأمراض النفسية لدى المواطنين أعلى وتبين أن من أهم أسباب ذلك الزواج من الأقارب.
* الجهاز العصبي
دراسة أخرى لفريق عمل الدكتورة لحاظ الغزالي عام 1999 شملت 9600 ولادة في ثلاثة من المستشفيات المهمة في مدينة العين خلال عامي 95 و97 أثبتت أن هناك علاقة وطيدة بين أمراض الجهاز العصبي لدى هؤلاء المواليد خاصة إذا كانت في صلة القرابة بين الزوجين من الدرجة الأولى.
كما أشارت تلك الدراسة أيضا إلى أن بعض الأمراض الوراثية المعروفة عالميا بأنها أمراض نادرة الحدوث كثيرا ما تحدث في منطقة العين بسبب زواج الأقارب ومنها على سبيل المثال مرض شار كوت ـ ماري ـ توث وهو عبارة عن مرض تباطؤ التوجيهات العصبية للأطراف ( اليدين والقدمين ) يتحول الطفل فيما بعد إلى طفل مقعد.
* الإجهاض المتكرر
دراسة أخرى قام بها الأستاذ الدكتور يوسف عبد الرزاق أيضا من كلية الطب في جامعة الإمارات عام 1997 وشملت 2200 سيدة مواطنة من مدينتي دبي والعين. وأوضحت الدراسة أن 37% من حالات الإجهاض المتكرر أو وفيات متكررة بعد الولادة هي لزيجات من الأقارب مقارنة ب 29% لزيجات من غير الأقارب. واستنتج الدكتور يوسف عبد الرزاق أن زواج الأقارب يودي إلى زيادة نسبة المخاطر بحدوث أمراض سرطانية وتشوهات خلقية وأمراض سلوكية أو عيوب جسدية في الأطفال الناتجين عن تلك الزيجات.
* السرطان
دراسة أخرى قام بها الدكتور عبد الباري بنر من كلية الطب في جامعة الإمارات على المواليد الإماراتيين الذين ولدوا خلال الفترة من عام 1983 و1997 والموجودة قيودهم في مركز السجل الوطني لأمراض السرطان وقد تم التوصل إلى ثلاثة أنواع من الأمراض السرطانية تنتشر لدى هؤلاء الأطفال.
وأشارت الدراسة والتي شملت 69 عائلة أن 80% من الأطفال الذين يعانون من سرطان الدم هم لآباء أقارب من الدرجة الأولى وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع المعدلات العالمية.
ونبه الدكتور غازي تدمري، المدير المساعد في المركز العربي للدراسات الجينية، أنه من الخطأ الربط ما بين حدوث الأمراض الوراثية والزواج من الأقارب قبل الأخذ بالعوامل المرتبطة بالمرض. ومن أهمها تاريخ العائلة وما إذا كانت هناك حالات مرضية متكررة الحدوث فيها. وكذلك يجب البتّ في نمط انتقال المرض من الآباء إلى الأبناء عن طريق دراسة صفات المرض، وهذا ما يقوم به المختصون في الوراثة الإكلينيكية.
ألا إن الجواب القاطع غالباً ما يأتي حين تطبيق التقنيات الوراثية المعتمدة على دراسة الجينات لتحديد كيفية انتقال المرض، بل الإشارة إلى الشريك الذي انتقل من خلاله المرض أي الأب أو الأم وصولاً إلى الأجداد من كلا الطرفين. وهنالك الآلاف من تلك الدراسات المنشورة عالمياً ومنها ما تناول انتقال الأمراض الوراثية في عائلات من أصول عربية مختلفة...
تحقيق عماد عبد الحميد ـ مصطفى خليفة
البيان (30-12-2005)
منقول للفائدة ونحن كشعب عربي عندنا نفس المسالة [ٌ الزواج من الاقارب ]