منير الجزائري
2007-07-26, 23:43
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بما انه حل علينا شهر رجب في كثير من الاحاديث الضعيفة والبدع التي لن تثبت عن السلف فاحببت ان اصع هاده الحلقات من كتاب الحافظ ابن حجر المسمى بتنبيه العجب بما ورد في شهر رجب نبدء على بركة الله وارجوا من الاخوة والاخوات ان يضعوا افاداتهم هنا ويساعدو اخاهم الضعيف الى الله بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
شاهدت بخط سيدي الأخ في الله - تعالى - الشيخ شمس الدين السخاوي، كان الله له. وجدت بخط شيخي شيخ الإسلام، حافظ الوقت أبي الفضل أحمد بن الإمام أبي الحسن، على بن محمد، العسقلاني الأصل، المصري، الشافعي، ابن حجر - رحمه الله تعالى - ما نصه.
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أرسل بالحق بشيرا ونذيرا - صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كل وصحبه، قديما وأخيرا.
أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من الإخوان في جميع ما ورد في فضائل شهر رجب الفرد، وصيامه والصلاة فيه، وبيان صحيح ذلك من سقيمه، فسطرت في هذه الأوراق ما وصلت إليه بحسب العجلة.
قال ابن دحية: رجب. جمعه أرجاب، ورجبانات، وأرجبة وأراجب ورجابي. قال. وله ثمانية عشر اسما:
الأول: رجب؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية، أي يعظم.
الثاني: الأصم؛ لأنه ما كان تسمع فيه قعقعة السلاح.
الثالث: الأصب؛ لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.
الرابع: رجم - بالميم - لأن الشياطين ترجم فيه.
الخامس: الشهر الحرام.
السادس: الحرم، لأن حرمته قديمة.
السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة.
الثامن:المعلى؛ لأنه رفيع عندهم.
التاسع: الفرد، وهذا اسم شرعي.
العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري، عن أبي رجاء العطاردي.
الحادي عشر: منصل الآل، أي الجواب. وقع في شعر الأعشى.
الثاني عشر: منزع الأسنة.
الثالث عشر: شهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحون.
الرابع عشر: المبرى.
الخامس عشر: المعشعش.
السادس عشر: شهر الله.
هذه ستة عشر: ثم ذكر ابن دحية.
السابع عشر: سمي رجبا؛ لترك القتال: يقال. أقطع لله الرواجب.
الثامن عشر: سمي رجبا؛ لأنه من الرواجب.
وهذان ليسا اسمين زائدين، بل هذا اختلاف في اشتقاق اسم رجب.
ثم قال: وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب. قال: وذلك كذب.
قال الحربي: كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول.
فصل
لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، - معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه - حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره. وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به.
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.
ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد في ذلك:
ما رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: " قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان... "الحديث.
فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان. لذلك كان يصومه.
وفي تخصيصه ذلك بالصوم - إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم.
ومن ذلك: ما رواه أبو داود في السنن، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن سعيد الجريري، عن أبي السليل - يعني ضريب بن نفير - عن مجيبة الباهلية، عن أبيها - أو عمها.
أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغير حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ومن أنت ؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال صلى الله عليه وسلم: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ قال: ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: لما عذبت نفسك ؟ ثم قال: صم شهر الصبر، ويومان من كل شهر. قال: زدني، فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم يومين فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام. قال: زدني. قال صلى الله عليه وسلم: صم الحزم واترك. صم من الحرم واترك. فقال: بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها.
ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف - ما يدل على استحباب صيام بعض رجب، لأنه أحد الأشهر الحرم.
وأما حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام من شهر حرام: الخميس والجمعة، والسبت - كتبت له عبادة سبعمائة سنة "فرويناه في فوائد تمام الرازي. وفي سنده ضعفاء ومجاهيل.
وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة. ونحن نسوق الضعيفة ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة.
فمن الضعيفة:
ما أخبرنا أبو الحسن بن عقيل: أنبأنا أبو الفرج بن قدامة، أنبأنا أحمد بن عبد الدائم، أنبأنا يحي بن محمود، أنبأنا جدي لأمي، الحافظ أبو القاسم التيمي في كتاب الترغيب والترهيب له، أخبرنا سليمان بن إبراهيم وغيره، قال: حدثنا أبو سعيد النقاش، أخبرنا أبو أحمد العسال، حدثنا جعفر بن أحمد فارس، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا محمد بن المغيرة بن بسام، حدثنا منصور يعني ابن زيد، حدثنا موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، سمعت أنس بن مالك، يقول: "إن في الجنة نهرا يقال له رجب: ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل: من صام يوم من رجب سقاه الله من ذلك النهر".
وهكذا أورده أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو النقاش الحافظ الأصبهاني في كتاب فضل الصيام له.
وهكذا رواه أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، في كتاب فضل الصوم، عن جعفر بن أحمد بن فارس، بسنده. وقال في إسناده: حدثنا منصور. وهو ابن زيد الأسدي.
ورواه البيهقي في فضائل الأوقات له من طريق منصور بن زيد، قال: حدثنا موسى بن عمران، سمعت أنس بن مالك.
وهكذا رويناه في أمالي أبي محمد الجوهري. وقال فيها: عن منصور بن زيد بن زائدة الأسدي عن موسى بن عمران.
وهكذا رواه ابن شاهين في كتاب الترغيب والترهيب له من طريق الحسن بن الصباح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن منصور بن زائدة عن موسى بن عمران به.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: فيه مجاهيل.
قلت:
أما موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، فإنه رجل ثقة معروف، أخرجه له مسلم وغيره. نعم.
أما موسى بن عمران، فلا يدرى من هو. وقد جاء منسوبا مجودا في الرواية التي سقناها وأظن أن موسى يكنى أبى عمران. وأظن أن في رواية البيهقي وغيره. عن موسى أبي عمران فصحفها بعض الرواة عن موسى ابن عمران؛ ومثل هذا يقع كثيرا.
وأما منصور بن زيد، فقد روى عنه جماعة ولكن لم أقف فيه للمتقدمين على جرح ولا تعديل.
نعم ذكره الذهبي في الميزان، فقال:
( منصور بن يزيد حدث عنه محمد بن المغيرة، في فضل رجب، لا يعرف والخبر باطل). ثم ساقه من طريق السلفي بإسناده إلى جعفر بن أحمد بن فارس، بسنده المتقدم.
قلت:
وقوله منصور بن يزيد، بزيادة ياء مثناة من تحت في أوله، وَهْمٌ. وإنما هو زيد، بفتح الزاي، كما تضافرت بذلك الروايات. ولم ينفرد محمد بن المغيرة عن برواية ذلك بل روى عنه محمد بن روق ويعيش بن الجهم، وغيرهما، كما تقدم.
ثم قال الذهبي في الميزان:
(محمد بن المغيرة بن بسام يروي عن منصور بن يزيد، وعنه البخاري بإسناد نظيف إلى البخاري، يحدث: إن في الجنة نهرا يقال له: رجب... الحديث. وهو باطل).
قلت:
وفي الكامل لابن عدي: محمد بن المغيرة، عن أيوب بن سويد الرملي، كان يسرق الحديث وهو عندي ممن يضع الحديث، أ هـ.
وفي ثقات ابن حبان: ( محمد بن المغيرة بن بسام الشهرزوري سكن أذنة، يروى عن إسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، حدثنا عنه عمر بن سنان، وغيره من شيوخنا، ربما أخطأ يعتبر حديثه إذا روى عنه الثقات ). أ هـ.
وهذان عندي واحد، وإن كان الذهبي يفرق بينهما في الميزان، وتبين أن هذا ليس بحجة.
وأما شيخه فمجهول الحال. فالإسناد ضعيف في الجملة، لكن لا يتهيأ الحكم عليه بالوضع. والله أعلم.
وله طريق أخرى عن أنس:
رواه أبو عبد الله الحسين بن فتحوية عن عبد الله بن شنبة، عن سيف بن المبارك، عن عمر بن حميد القاضي عن كثير بن سليم، عن أنس. وفي إسناده مجاهيل. ووجدت له شاهدا إلا أنه باطل. فقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي:
أنبأنا الشيخ أبو البركات هبة الله ابن المبارك السقطي، أخبرنا أبو الغنائم الدجاجي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا البغوي، حدثنا سويد، عن يحي بن أبي زائدة، عن عاصم بن أبي نضرة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، مرفوعا:
" إن في الجنة نهرا يقال له: رجب، ماؤه الرحيق، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أعده الله لصوام رجب ".
قالت: ورجال هذا الإسناد ثقات إلا السقطي، فإنه من وضعه، وأما عاصم بن أبي نضرة فما عرفته.
حديث آخر:
قال أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا أحمد بن مالك القشيري، أنبأنا زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".
أخبرناه أبو الحسن بن أبي المجد، أخبرنا سليمان بن حمزة، وعيسى بن معالي. إجازة، قالا: أنبأنا جعفر بن علي الهمداني، أنبأنا الحافظ أبو طاهر السلفي، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الواحد، حدثنا أبو القاسم بن بشران، حدثنا أبو بكر: محمد بن إسماعيل الوراق، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، هو البغوي، حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".
ورواه الطبراني في الأوسط، ومن حديث زائدة. وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. وتفرد به زائدة.
ورواه البيهقي في فضائل الأوقات عن القواريري، وعن زائدة. قال: تفرد به زائدة، عن زياد، وهو حديث ليس بالقوي.
ورواه يوسف القاضي في كتاب الصيام، عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن زائدة به.
قلت:
وزائدة بن أبي الرقاد، روى عنه جماعة، وقال فيه أبو حاتم يحدث عن زياد النميري، عن أنس أحاديث مرفوعة، منكرة. فلا يدرى منه، أو من زياد، ولا أعلم روى عن غير زياد، فكنا نعتبر بحديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: بعد أن أخرج له حديثا في السنن: لا أدري من هو. وقال في الضعفاء: منكر الحديث (و) في الكني: ليس بثقة. وقال ابن حبان لا يحتج بخبره.
ثم وجدت لهذا الخبر إسنادا ظاهره الصحة، فكأنه موضوع، فأردت التنبيه عليه؛ لئلا يغتر به.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي: أنبأنا الشيخ أبو البركات السقطي، أخبرنا محمد بن علي بن المهتدي، أنبأنا عيسى بن علي بن الجراح أنبأنا القواريري، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس به.
قلت:
وهذا من صنعة السقطي، فيه دليل على جهله، فإن القورايري لم يلحق حماد بن سلمة، وإنما رواه عن زائدة بن أبي الرقاد. كما تقدم.
حديث آخر:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأنا محمد بن عبد الله بن قريش، أخبرنا الحسن بن سفيان، أنبأنا أبو زرعة، أنبأنا محمد بن عبد الله الأزدي، أنبأنا يوسف بن عطية الصفار، أنبأنا هشام القروي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان ".
قلت: وهو حديث منكر من أجل يوسف بن عطية ؟ فإنه ضعيف جدا.
وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة، أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها؛ لئلا يغتر بها... فمنها:
• حديث: " رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ".
رواه أبو بكر النقاش المفسر، أنبأنا أحمد بن العباس الطبري، أنبأنا الكسائي، أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد الخدري.
وهو سند مركب، ولا يعرف لعلقمة سماع من أبي سعيد، والكسائي المذكور في السند لا يدري من هو، وليس هو على بن حمزة المقدسي؛ فإنه أقدم من هذه الطبقة بكثير. والعهدة في هذا الإسناد على النقاش.
وقد رواه الحافظ الكبير أبو الفضل محمد بن ناصر في أماليه، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو الخطاب بن البطر، سماعا، وأبو علي ابن البناء، إجازة. قالوا:
أنبأنا أبو القاسم الحرفي، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش، أنبأنا أبو عمرو: أحمد بن العباس الطبري القيروي: أنبأنا الكسائي، قال ابن ناصر، هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائي المقدسي الكوفي، أنبأنا أبو معاوية، أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الأشهر أحد، ولذلك يقال له: شهر الله الأصم، وثلاثة أشهر متواليات: يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم. إلا وإن رجبا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر، وأسكنه الفردوس الأعلى، ومن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان، وزن لك ضعف مثل جبال الدنيا. ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا، طول مسيرة ذلك اليوم سنة. ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاء، ومن الجذام، والجنون والبرص، ومن فتنة المسيح الدجال
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
شاهدت بخط سيدي الأخ في الله - تعالى - الشيخ شمس الدين السخاوي، كان الله له. وجدت بخط شيخي شيخ الإسلام، حافظ الوقت أبي الفضل أحمد بن الإمام أبي الحسن، على بن محمد، العسقلاني الأصل، المصري، الشافعي، ابن حجر - رحمه الله تعالى - ما نصه.
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أرسل بالحق بشيرا ونذيرا - صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كل وصحبه، قديما وأخيرا.
أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من الإخوان في جميع ما ورد في فضائل شهر رجب الفرد، وصيامه والصلاة فيه، وبيان صحيح ذلك من سقيمه، فسطرت في هذه الأوراق ما وصلت إليه بحسب العجلة.
قال ابن دحية: رجب. جمعه أرجاب، ورجبانات، وأرجبة وأراجب ورجابي. قال. وله ثمانية عشر اسما:
الأول: رجب؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية، أي يعظم.
الثاني: الأصم؛ لأنه ما كان تسمع فيه قعقعة السلاح.
الثالث: الأصب؛ لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.
الرابع: رجم - بالميم - لأن الشياطين ترجم فيه.
الخامس: الشهر الحرام.
السادس: الحرم، لأن حرمته قديمة.
السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة.
الثامن:المعلى؛ لأنه رفيع عندهم.
التاسع: الفرد، وهذا اسم شرعي.
العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري، عن أبي رجاء العطاردي.
الحادي عشر: منصل الآل، أي الجواب. وقع في شعر الأعشى.
الثاني عشر: منزع الأسنة.
الثالث عشر: شهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحون.
الرابع عشر: المبرى.
الخامس عشر: المعشعش.
السادس عشر: شهر الله.
هذه ستة عشر: ثم ذكر ابن دحية.
السابع عشر: سمي رجبا؛ لترك القتال: يقال. أقطع لله الرواجب.
الثامن عشر: سمي رجبا؛ لأنه من الرواجب.
وهذان ليسا اسمين زائدين، بل هذا اختلاف في اشتقاق اسم رجب.
ثم قال: وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب. قال: وذلك كذب.
قال الحربي: كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول.
فصل
لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، - معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه - حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره. وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به.
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.
ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد في ذلك:
ما رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: " قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان... "الحديث.
فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان. لذلك كان يصومه.
وفي تخصيصه ذلك بالصوم - إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم.
ومن ذلك: ما رواه أبو داود في السنن، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن سعيد الجريري، عن أبي السليل - يعني ضريب بن نفير - عن مجيبة الباهلية، عن أبيها - أو عمها.
أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغير حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ومن أنت ؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال صلى الله عليه وسلم: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ قال: ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: لما عذبت نفسك ؟ ثم قال: صم شهر الصبر، ويومان من كل شهر. قال: زدني، فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم يومين فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام. قال: زدني. قال صلى الله عليه وسلم: صم الحزم واترك. صم من الحرم واترك. فقال: بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها.
ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف - ما يدل على استحباب صيام بعض رجب، لأنه أحد الأشهر الحرم.
وأما حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام من شهر حرام: الخميس والجمعة، والسبت - كتبت له عبادة سبعمائة سنة "فرويناه في فوائد تمام الرازي. وفي سنده ضعفاء ومجاهيل.
وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة. ونحن نسوق الضعيفة ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة.
فمن الضعيفة:
ما أخبرنا أبو الحسن بن عقيل: أنبأنا أبو الفرج بن قدامة، أنبأنا أحمد بن عبد الدائم، أنبأنا يحي بن محمود، أنبأنا جدي لأمي، الحافظ أبو القاسم التيمي في كتاب الترغيب والترهيب له، أخبرنا سليمان بن إبراهيم وغيره، قال: حدثنا أبو سعيد النقاش، أخبرنا أبو أحمد العسال، حدثنا جعفر بن أحمد فارس، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا محمد بن المغيرة بن بسام، حدثنا منصور يعني ابن زيد، حدثنا موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، سمعت أنس بن مالك، يقول: "إن في الجنة نهرا يقال له رجب: ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل: من صام يوم من رجب سقاه الله من ذلك النهر".
وهكذا أورده أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو النقاش الحافظ الأصبهاني في كتاب فضل الصيام له.
وهكذا رواه أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، في كتاب فضل الصوم، عن جعفر بن أحمد بن فارس، بسنده. وقال في إسناده: حدثنا منصور. وهو ابن زيد الأسدي.
ورواه البيهقي في فضائل الأوقات له من طريق منصور بن زيد، قال: حدثنا موسى بن عمران، سمعت أنس بن مالك.
وهكذا رويناه في أمالي أبي محمد الجوهري. وقال فيها: عن منصور بن زيد بن زائدة الأسدي عن موسى بن عمران.
وهكذا رواه ابن شاهين في كتاب الترغيب والترهيب له من طريق الحسن بن الصباح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن منصور بن زائدة عن موسى بن عمران به.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: فيه مجاهيل.
قلت:
أما موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، فإنه رجل ثقة معروف، أخرجه له مسلم وغيره. نعم.
أما موسى بن عمران، فلا يدرى من هو. وقد جاء منسوبا مجودا في الرواية التي سقناها وأظن أن موسى يكنى أبى عمران. وأظن أن في رواية البيهقي وغيره. عن موسى أبي عمران فصحفها بعض الرواة عن موسى ابن عمران؛ ومثل هذا يقع كثيرا.
وأما منصور بن زيد، فقد روى عنه جماعة ولكن لم أقف فيه للمتقدمين على جرح ولا تعديل.
نعم ذكره الذهبي في الميزان، فقال:
( منصور بن يزيد حدث عنه محمد بن المغيرة، في فضل رجب، لا يعرف والخبر باطل). ثم ساقه من طريق السلفي بإسناده إلى جعفر بن أحمد بن فارس، بسنده المتقدم.
قلت:
وقوله منصور بن يزيد، بزيادة ياء مثناة من تحت في أوله، وَهْمٌ. وإنما هو زيد، بفتح الزاي، كما تضافرت بذلك الروايات. ولم ينفرد محمد بن المغيرة عن برواية ذلك بل روى عنه محمد بن روق ويعيش بن الجهم، وغيرهما، كما تقدم.
ثم قال الذهبي في الميزان:
(محمد بن المغيرة بن بسام يروي عن منصور بن يزيد، وعنه البخاري بإسناد نظيف إلى البخاري، يحدث: إن في الجنة نهرا يقال له: رجب... الحديث. وهو باطل).
قلت:
وفي الكامل لابن عدي: محمد بن المغيرة، عن أيوب بن سويد الرملي، كان يسرق الحديث وهو عندي ممن يضع الحديث، أ هـ.
وفي ثقات ابن حبان: ( محمد بن المغيرة بن بسام الشهرزوري سكن أذنة، يروى عن إسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، حدثنا عنه عمر بن سنان، وغيره من شيوخنا، ربما أخطأ يعتبر حديثه إذا روى عنه الثقات ). أ هـ.
وهذان عندي واحد، وإن كان الذهبي يفرق بينهما في الميزان، وتبين أن هذا ليس بحجة.
وأما شيخه فمجهول الحال. فالإسناد ضعيف في الجملة، لكن لا يتهيأ الحكم عليه بالوضع. والله أعلم.
وله طريق أخرى عن أنس:
رواه أبو عبد الله الحسين بن فتحوية عن عبد الله بن شنبة، عن سيف بن المبارك، عن عمر بن حميد القاضي عن كثير بن سليم، عن أنس. وفي إسناده مجاهيل. ووجدت له شاهدا إلا أنه باطل. فقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي:
أنبأنا الشيخ أبو البركات هبة الله ابن المبارك السقطي، أخبرنا أبو الغنائم الدجاجي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا البغوي، حدثنا سويد، عن يحي بن أبي زائدة، عن عاصم بن أبي نضرة، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، مرفوعا:
" إن في الجنة نهرا يقال له: رجب، ماؤه الرحيق، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أعده الله لصوام رجب ".
قالت: ورجال هذا الإسناد ثقات إلا السقطي، فإنه من وضعه، وأما عاصم بن أبي نضرة فما عرفته.
حديث آخر:
قال أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا أحمد بن مالك القشيري، أنبأنا زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".
أخبرناه أبو الحسن بن أبي المجد، أخبرنا سليمان بن حمزة، وعيسى بن معالي. إجازة، قالا: أنبأنا جعفر بن علي الهمداني، أنبأنا الحافظ أبو طاهر السلفي، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الواحد، حدثنا أبو القاسم بن بشران، حدثنا أبو بكر: محمد بن إسماعيل الوراق، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، هو البغوي، حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".
ورواه الطبراني في الأوسط، ومن حديث زائدة. وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. وتفرد به زائدة.
ورواه البيهقي في فضائل الأوقات عن القواريري، وعن زائدة. قال: تفرد به زائدة، عن زياد، وهو حديث ليس بالقوي.
ورواه يوسف القاضي في كتاب الصيام، عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن زائدة به.
قلت:
وزائدة بن أبي الرقاد، روى عنه جماعة، وقال فيه أبو حاتم يحدث عن زياد النميري، عن أنس أحاديث مرفوعة، منكرة. فلا يدرى منه، أو من زياد، ولا أعلم روى عن غير زياد، فكنا نعتبر بحديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: بعد أن أخرج له حديثا في السنن: لا أدري من هو. وقال في الضعفاء: منكر الحديث (و) في الكني: ليس بثقة. وقال ابن حبان لا يحتج بخبره.
ثم وجدت لهذا الخبر إسنادا ظاهره الصحة، فكأنه موضوع، فأردت التنبيه عليه؛ لئلا يغتر به.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي: أنبأنا الشيخ أبو البركات السقطي، أخبرنا محمد بن علي بن المهتدي، أنبأنا عيسى بن علي بن الجراح أنبأنا القواريري، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس به.
قلت:
وهذا من صنعة السقطي، فيه دليل على جهله، فإن القورايري لم يلحق حماد بن سلمة، وإنما رواه عن زائدة بن أبي الرقاد. كما تقدم.
حديث آخر:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأنا محمد بن عبد الله بن قريش، أخبرنا الحسن بن سفيان، أنبأنا أبو زرعة، أنبأنا محمد بن عبد الله الأزدي، أنبأنا يوسف بن عطية الصفار، أنبأنا هشام القروي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان ".
قلت: وهو حديث منكر من أجل يوسف بن عطية ؟ فإنه ضعيف جدا.
وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة، أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها؛ لئلا يغتر بها... فمنها:
• حديث: " رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ".
رواه أبو بكر النقاش المفسر، أنبأنا أحمد بن العباس الطبري، أنبأنا الكسائي، أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد الخدري.
وهو سند مركب، ولا يعرف لعلقمة سماع من أبي سعيد، والكسائي المذكور في السند لا يدري من هو، وليس هو على بن حمزة المقدسي؛ فإنه أقدم من هذه الطبقة بكثير. والعهدة في هذا الإسناد على النقاش.
وقد رواه الحافظ الكبير أبو الفضل محمد بن ناصر في أماليه، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو الخطاب بن البطر، سماعا، وأبو علي ابن البناء، إجازة. قالوا:
أنبأنا أبو القاسم الحرفي، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش، أنبأنا أبو عمرو: أحمد بن العباس الطبري القيروي: أنبأنا الكسائي، قال ابن ناصر، هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائي المقدسي الكوفي، أنبأنا أبو معاوية، أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الأشهر أحد، ولذلك يقال له: شهر الله الأصم، وثلاثة أشهر متواليات: يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم. إلا وإن رجبا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر، وأسكنه الفردوس الأعلى، ومن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان، وزن لك ضعف مثل جبال الدنيا. ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا، طول مسيرة ذلك اليوم سنة. ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاء، ومن الجذام، والجنون والبرص، ومن فتنة المسيح الدجال