تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفساد في ترك إظهار المشروع


العنبلي الأصيل
2012-05-29, 15:35
الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياءً
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى:
"وَمَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ مَشْرُوعٌ مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ قِيَامِ لَيْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِ حَيْثُ كَانَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَعَ وِرْدَهُ الْمَشْرُوعَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ بَيْنَ النَّاسِ، إذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ سِرًّا لِلَّهِ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي سَلَامَتِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَمُفْسِدَاتِ الْإِخْلَاصِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ.
وَفِعْلُهُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ مَعِيشَتُهُ الَّتِي يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَهُ حَيْثُ تَتَعَطَّلُ مَعِيشَتُهُ، وَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَجْمَعَ لِلْقَلْبِ وَأَبْعَدَ مِنْ الْوَسْوَاسِ كَانَتْ أَكْمَلَ.
وَمَنْ نَهَى عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ، فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أحدها:أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ فِيهَا، وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ، وَإِنْ جَزَمْنَا أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً، فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وهو خَادِعُهُمْ وإذا قَامُوا إلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاؤونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً} النّساء: 142، فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُمْ عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الدِّينِ، وَإِنْ كَانُوا مُرَائِينَ، وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي تَرْكِ إظْهَارِ الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً، كَمَا أَنَّ فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِيَاءً؛ وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْفَسَادِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ.
الثّاني : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنّي لم أومر أن أنقّب عن قلوب الناس، ولا أن أشقّ بطونهم))[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَجَبْنَاهُ، وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ سَرِيرَتَهُ صَالِحَةٌ.
الثّالث : أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ هَذَا يُفْضِي إلَى أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا، قَالُوا: هَذَا مُرَاءٍ، فَيَتْرُكُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ، حَذَرًا مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ، فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ، وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ، وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.
الرّابع : أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ يَطْعَنُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُم سَخِرَ اللهُ مِنْهُم وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} التّوبة: 79. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَضَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَامَ تَبُوكَ جَاءَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ يَدُهُ تَعْجِزُ مِنْ حَمْلِهَا، فَقَالُوا: هَذَا مُرَاءٍ، وَجَاءَ بَعْضُهُمْ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: لَقَدْ كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ فُلَانٍ، فَلَمَزُوا هَذَا وَهَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ[2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2) ، وَصَارَ عِبْرَةً فِيمَنْ يَلْمِزُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ."

[1] رواه البخاري في (المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد لليمن، رقم 4351) ، ومسلم في (الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم 1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2) رواه بنحوه البخاري في (تفسير القرآن، باب قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزونَ المُطَّوِّعينَ} ، رقم 4668) ، ومسلم في (الزكاة، باب الحمل بأجرة يتصدق بها، رقم 1018) من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.

محمد جديدي التبسي
2012-05-29, 16:13
بارك الله فيك

صار الخجل يمنع البعض من الواجبات ناهيك عن النوافل وغيرها

شكرا لكم على الموضوع جزاكم الله خيرا

العنبلي الأصيل
2012-05-30, 09:03
بارك الله فيك

صار الخجل يمنع البعض من الواجبات ناهيك عن النوافل وغيرها

شكرا لكم على الموضوع جزاكم الله خيرا

وفيك بارك الله أخي محمد.
ومثل هذا كمن تعذر يوما لي أنه صار يرائي الناس حين يصلي في المسجد حين سألته عن عدم ذهابه إلى الجماعة. مع انها واجبة وليست كالذي تكلم عنه شيخ الإسلام من النوافل والأذكار.