المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد العبارة الشيطانية "إن لم تكن أهلا لها فاحلقها!"


عزالدين النائلي
2012-05-28, 20:01
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله أما بعد فقد أعجبني هذا المقال لما فيه من تصحيح كثير من المفاهيم وأرجو أن ينفعكم:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد: فقد دب التحريف في كثير من المفاهيم الشرعية في أذهان الناس، حتى أصبح من يجلي التحريف عنها محرفاً مبدلاً،وهذا مصداق ما أخبر به ابن مسعود رضي الله عنه في الخبر الذي له حكم الرفع ([1]) والذي أخرجه الدارمي في سننه فقال: أخبرنا يعلى، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال عبد الله –أي ابن مسعود رضي الله عنه-:(( كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة ". قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثرت قراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة)).

قلت:إسناده صحيح.

ولقد وقع ما أخبر به رضي الله عنه منذ زمن، فأصبحت كثير من السنن بدعاً وكثير من البدع سنناً والله المستعان ولا يماحك في وقوع هذا وحصوله إلا مكابر.

ومن من هذه المفاهيم المحرفة المبدلة المبتدعة والتي أصبحت مفهوماً صحيحاً عند الناس وترسخت ترسخ الجبال الرواسي:

اعتقاد أن الالتزام ببعض الأوامر الشرعية(كإطلاق اللحية وتقصير الرجال الثياب ولبس المرأة للجلباب) مقصور على فئة مخصوصة من الناس تختلف مسمياتهم بحسب المجتمعات والأعراف ففي بعض البلدن يسمونهم:المطاوعة وفي بعضها: الملتزمين وفي بعضها: المشايخ أو الشيوخ أو السنيين([2])وهناك تسميات أخرى، لكن كلها تجتمع في حقيقة واحدة أن من يلتزم بأداء هذه الأوامر هو ممن يظهر الاستقامة على دين الله بأداء أوامره واجتناب نواهيه، أما بقية المسلمين المخاطبين بهذه الأوامر الشرعية فلا يدور في نفس أحد منهم وقوعه في الإثم لعدم أداءه هذه الأوامر الشرعية وذلك لأنه قد تقرر عنده وفي قرارة نفسه أنه ليس بملتزم(=مطوع،شيخ،مستقيم...إلخ) !

لدرجة أنك إذا أنكرت على أحدهم الإخلال بهذه الأوامر الشرعية، بادرك قائلاً:يا أخي أنا لست ملتزماً وإن شاء الله إذا فكرت بالالتزام سأطلق لحيتي أو أقصر ثوبي أو تقول المرأة لمن تنكر عليها: إذا التزمت إن شاء الله ألبس اللباس الشرعي!والحوادث المشابهة للمعنى الذي أود الإشارة إليه أكثر من أن تحصر!

وكما هو معلوم ومتقرر أن البدعة إذا ظهرت لا تبقى على حالها الأول بل تكبر ويتفرع عنها بدع ومفاهيم خاطئة تتنسب للشرع؛ قال البربهاري:((واحذر صغار المحدثات من الأمور؛ فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:((فالبدع تكون في أولها شبراً ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعاً وأميالاً وفراسخ))([3]).

وسأوقفك أيها القارئ على هذه المفاهيم السيئة-التي تفرعت- بعد الكلام على مفهوم حصر الالتزام ببعض الأوامر الشرعية بفئة معينة من الناس وسأضرب مثالاً-وليكن الأمر بإعفاء اللحية- وانطلق من خلاله في نقد هذا المفهوم وبيان بعض المفاهيم الناتجة عنه.

فالله أسأل أن يجعل هذه الكتابة سبباً في تجلية هذا التحريف الخطير ، وأن تكون سبباً في دفع المسلمين إلى الالتزام بالأوامر الشرعية والأوبة إلى جادة الحق والله الهادي لا إله إلا هو.

حكم اللحية

أوجب الإسلام على الرجال البالغين إطلاق اللحية وإرخاءها وأدلة ذلك كثيرة متكاثرة،من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:[أعفوا اللحى] وفي لفظ:[وفروا اللحى] رواهما البخاري وغيره.

أقول:وقد أجمع أهل السنة على أن الأصل في الأوامر الشرعية الوجوب، الإجماع على حرمة حلقها، نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على حرمة حلق اللحية ومن ذلك، ولعلي أكتفي بمثالين:

(1) ابن حزم حيث قال:((واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلةٌ لا تجوز))([4])

قلت: مثلة أي تشويه باللفظ المستعمل في هذا العصر، وقد أقر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الإجماع فلم يتعقبه كما فعل مع إجماعات أخرى نقلها ابن حزم ونقده شيخ الإسلام في كتابه نقد مراتب الإجماع.

(2) ابن الهمام: ((وأما الأخذ منها وهي دون ذلك(أي دون القبضة!)كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحدٌ))([5]) وزاد ابن عابدين-في النقل-بعد أن نقل الإجماع الذي ذكره ابن الهمام مقراً له:((وأخذ كلها فعل يهود الهنود ومجوس الأعاجم))([6])

-لا تنافي بين فعل الطاعة والوقوع في المعصية:

بعض الناس يظن أنه لا يفعل بعض الطاعات حتى يدع بعض المعاصي وهذا من تلبيس إبليس عليه لأن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن يجتمع في الإنسان كفر وإيمان وشرك وتوحيد والمراد بالكفر ما ليس بمخرج من الملة مثاله:قول النبي صلى الله عليه وسلم:((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) فالكفر في هذا الحديث الأصل فيه أنه كفر أصغر دليله:قال تعالى:﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

فأثبت لهم الإيمان مع وقوع القتال بينهما،والشرك المقصود ما ليس بمخرج من الملة كالرياء،وبسط هذا في كتب الاعتقاد.

ومن عقيدة أهل السنة والجماعة:أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

فلا تنافي أن يقع الإنسان في الكبيرة وهو قائم على طاعة ، أما التصور الخاطئ وهو = لا ألتزم بإطلاق اللحية مثلاً حتى أكون أهلاً لها فهذا من عبث الشيطان بالإنسان، وقد حصل أن بعض الصحابة رضي الله عنهم وقعت منهم كبائر وأن بعضهم قد جلد في شرب الخمر كما روى البخاري في صحيحه:حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث، قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب:(( أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله»

أقول:

لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم احلق لحيتك وأطل إزارك فأنت لست أهلاً لأن تتشبه بالصالحين!! كما يلبّس الشيطان على كثير من الناس.

نعم المعصية تؤثر على الإنسان فتجعله يتثاقل عن الطاعات كما هو معروف، لكن أن يبادر الإنسان -بنفسه هو- بسبب هذا التلبيس الإبليسي إلى أن يتوقف عن فعل طاعة بحجة أنه ليس أهلاً لها فهذا هو الممنوع واعتقاد مثل هذا أنه من الشرع= بدعة لم ينزل الله بها من سلطان.

- الأوامر التي أمر الله بها والنواهي التي نهى عنها كل المسلمين مخاطبين بها


إن الأوامر الشرعية التي أمر الله بها في الكتاب والسنة وكذلك النواهي يجب على كل المسلمين الالتزام بها إلا ما دل الدليل على اختصاص فئة دون أخرى فبعض الأحكام تخص الرجال وبعضها يخص المرأة وهكذا ولكن الأصل أن الكل مخاطب بها،قال تعالى:﴿ـيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:((قال مجاهد: وقتادة: نزلت في المسلمين يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام كلها))( [7])

أقول:وجه الشاهد:((في المسلمين)) ولم يقولا في الملتزمين أو المتنسكين أو المطاوعة!!!

فحصر فئة بأوامر شرعية دون بقية المسلمين دون دليل وهو من الابتداع في دين الله .

جملة من المفاهيم السيئة التي نتجت عن هذا المفهموم


(1) الجرأة على اقتحام المعاصي والتهاون في فعل الطاعات:

بعض الناس بحجة أنه ليس ملتزماً=مطوعاً=شيخاً ذا لحية، يستسهل عمل بعض المعاصي ويستسهل التهاون في فعل كثير من الطاعات وإذا ما قيل له في هذا قال:عندما يهدينا الله نتوقف عن هذه المعاصي أو يقول :ادع لنا يا شيخ حتى نصبح نفسك !

والصغيرة إذا لم يأبه بها العبدة أو إذا أصر عليها قد تنقلب معه كبيرة فكيف بمن يقتحم الكبائر بعد الكبائر ولا يتحرك فيه ساكن! ويصبّر نفسه إذا ما أحس بقليل ندم بأنه سيدع هذه الذنوب إذا ما أراد أن يلتزم...

(2) التزام أجوف!:

كثير من الناس إذا ما أراد أن يستقيم على الطاعة ما استطاع أو كما يقال في الكلام الدارج بين الناس=يلتزم، لا يزيد على أن يطلق لحيته ويقصر إزاره وقد يزيد بعض النوافل، مع إخلاله في إصلاح داخلة نفسه وتزكيتها والاجتهاد في رفع الجهل عنها.

وهذا بسبب ذلك المفهوم الخبيث فحصر هذا الطاعات في هذه الفئة جعل من أراد الاستقامة على الطاعة يكتفي بالاتيان بها وبهذا يكون من أهل الاستقامة !!! وهذا مفهوم خاطئ.

(3) التكسب بالدين:

أدى حصر هذا المفهوم الخاطئ على فئة معينة من الناس هم -أهل الاستقامة الظاهرية-إلى ظهور من يعتاش بإطالة اللحية وتقصير الإزار، فغالب الناس يظنون خيراً –بعد ترسخ هذا الحصر في فئة معينة- في كل من أطال لحيته([8])، فيظنون أنه لا يكذب لا يغش لا يطمع لا يظلم ! وقد حدثني أحد الإخوة بأنه سمع رجلاً يعمل دلالاً في أحد الأسواق يمسك لحيته ويقول:هذه عدة الشغل! وتخيل لو أن غالب المسلمين فاسقهم وصالحهم، شارب الخمر، وقائم الليل كلهم يطلقون لحاهم هل كان لأمثال هذا مجال لأن يعتاش باللحية ؟! ومجالات الاعتياش باللحية كثيرة إنما أردت ضرب مثالاً وأنا أعلم يقيناً أن كثيراً ممن يقرأ هذه المقالة يعرف قصة من هذا النوع، والله المستعان.

وهذا المفهوم الفرعي-إن صح التعبير-نتج عنه مفهوم إرجائي عند كثير من المسلمين، فتجد الواحد منهم إذا أمرته بإطلاق اللحية أو أنكرت عليه حالقها بادرك قائلاً وهو يشير إلى قلبه:

أهم شيء هنا! أو يقول العبرة بما في القلب لا بما يظهر(!) ثم يدلل على كلامه مستشهداً بحادثة لرجل يظهر الاستقامة ومطيل للحيته ويأكل أموال الناس بالباطل وقد تسمع منه في أكثر من قصة من هذا النوع!!

وهذا من تلبيس إبليس بلا شك، فذاك النصاب الذي يتكلم عنه لا نعلم حقيقة أمر إطلاق لحيته هل هو فعلاً من أجل التكسب والاعتياش أو أنه أطلقها لله تعبداً ولكنه واقع في ذنب أخر كأكل أموال الناس بالباطل؟ ومع هذا فهو خير منه في جميع الأحوال –فيما يظهر للناس-فهو مطبق للأمر،وتخلُف الإخلاص عن تطبيق الفعل الله أعلم به،أما هذا المرجئ ارجاء العوام! فهو لم يقتصر على عدم تطبيق الأمر بل زاد ضغثا على إبالة باعتقاده عدم أهمية تطبيق هذا الأمر لأن العبرة بما في القلب فقط! فتأمل.

وهذا الجاهل ما علم أن للإيمان الراسخ في القلب علامات تظهر على الجوارح؛ قال ابن أبي شييبة في مصنفه:حدثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت عبد ربه أبا كعب يقول: سمعت الحسن يقول: «إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني , إن الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل»

قلت:وإسناده صحيح.

(4) ترك إنكار المنكر:

من المفاهيم الخطيرة التي نتجت عن ذلك المفهوم:

ترك إنكار المنكر الذي يقع من الحليق، ووصل هذا المرض حتى إلى طلاب العلم فأصبح الواحد لا يرى حلق اللحية أمراً مستنكراً من المنكرات لكثرة رؤيته وكما قيل: كثرة المساس تفقد الإحساس !

بل والله وصل الأمر لأبعد من هذا تجد من ينكر عليك إنكارك على الحليق، فلو أنكرت على حليق معصية ما كحلقه لحيته أو غيره لبادرك أخٌ لك في الله قائلاً: ألا ترى أنه حليق فكيف تنكر عليه ؟

والحق أن الإنسان ينكر ولو من باب إبراء ذمته أمام الله جل وعز.

(5) الأمر بالمنكر(!!) والنهي عن المعروف(!!!):

بعض الناس الذين وفقهم الله لإطلاق اللحية تأتيه وتعتريه حالات ضعف الإيمان-وكلنا ذاك الرجل-فيقع في معصية أو كبيرة من الكبائر، فتجد من ينكر عليه قائلاً: يا أخي احلق لحيتك لا تكذب على الناس !!! وهذا أمر بالمنكر نسأل الله العافية فحسنة اللحية التي يأمره هذا الأحمق باستئصال سببها قد تكون هي سبب رجحان ميزانه يوم القيامة ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ، الحسنة سبب لأن تُمحى السيئة قال تعالى﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، فتأمل خبث هذا المفهوم وكيف أنه سببٌ لهلاك العبد في وقتٍ هو أحوج ما يكون فيه للازدياد من الطاعات حتى يقوى إيمانه ويستقيم أمره.

(6) حصر الوصف بالعامية في الحليق!:

بسبب ذلك المفهوم نتج مفهوم أخر هو: حصر الوصف بالعامية في الحليق، فترى من أطال لحيته البارحة يصف رجلاً حليقاً اليوم فيقول: فلان عامي! والحق أن العامي هو من قل نصيبه من العلم الشرعي ولو طالت لحيته، نعم العوام أكثرهم ممن يحلقون لحاهم لكن لا يعني هذا أن كل من طالت لحيته ازداد علمه !

(7) حصر مفهوم الانتكاسة بحلق اللحية:

أنتج مفهوم حصر الالتزام بإطلاق اللحية مفهوماً خطيراً وهو:حصر الانتكاسة في حلق اللحية، فكثير من أهل الخير إذا ضعف أحد إخوانهم في الله وحلق لحيته قالوا فلان انتكس!

وفي الوقت نفسه لا يصفون من كان حليقاً سنياً أصبح ذا لحية بدعياً بالمنتكس بل يقولون فلان التزم وحاله الآن خير من قبل وهذه هي الانتكاسة حقاً نعم اللحية أمر الله بها وواجب التزامها لكن أن يكون الرجل مبتدعاً وإن كان ذا لحية شر من أن يكون حليقاً سنياً فالبدعة أشد من المعصية؛قال الإمام الشافعي=رحمه الله-: ((لأن يلقى اللهَ عز وجل العبدُ بكل ذنب خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء))

أقول: لا يُفهم هذا الكلام على غير محله فيتخذ الإنسان هذا الأثر وأمثاله ذريعة للتزود من الكبائر فيهلك لأن المعاصي بريد الكفر ورب شهوة انتهت بصاحبها إلى الكفر بالله، نسأل الله العافية والثبات على دينه حتى نلقاه، إنما المراد من هذا الأثر وأمثاله التي تواتر معناها عن السلف رضوان الله عليه بيان منزلة السنة وما يُرجى لأهلها وقبح البدعة وخطرها، فالانتكاسة صورها عديدة وليست مقتصرة على من ترك الطاعة وتوقف عنها فالسني ينتكس إلى البدعة والمسلم ينتكس إلى الكفر والصالح ينتكس فيصبح فاسقاً طالحاً نسأل الله السلامة.

هذه بعض المفاهيم التي خطرت في البال ورأيت التنبيه عليها مهم والمجال مفتوح للزيادة كما هو معلوم ولا أنسى أن أنبه
أن ماقيل اللحية يقال مثله في اللباس الشرعي للمرأة، وكذا يقال في تقصير الثوب، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.

حاشية مهمة لإبطال شبهة من أسبل إزاره وقال إن ذلك ليس من الخيلاء فيجوز لي أن أسبل !

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين أما بعد: فإن كثيراً من الناس قد ابتلي بإطالة ما يلبس إلى أسفل الكعبين، وقد ورد الوعيد على من يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين ويشتد الوعيد إذا كانت هذه الإطالة مع خيلاء، ومن عجائب الردود التي يرد بها من يطيل ثوبه أو بنطاله إو إزاره أنه لا يفعل ذلك من باب الخيلاء ! فلا شيء عليه وقد يتنزل بعضهم فيعترف بوقوعه بخلاف الأولى !!

وهذا الرد باطل: فالإسبال على صورتين:
الأولى: أن يكون ذلك بخيلاء وفي ذلك ورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) متفق عليه.

الثانية: أن يكون الإسبال بلا خيلاء، فهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) رواه البخاري.

فالإسبال محرم في الحالين لكن في الأولى يشتد العقاب وهو عدم نظر الرب عز وجل للعبد يوم القيامة في وقت يطمع في رحمة الله حتى الكافر...

أما الثانية فلم يرد فيها أن الله لا ينظر له ولكن ورد أنه متوعد بالعذاب بقدر ما أسبل من إزاره والنار لا يقوى عليها أحد.
وبعضهم يطرح شبهة فيقول:إن الوعيد واحد ونحن نحمل المطلق على المقيد فيكون ما أسفل الكعبين في النار والله لا ينظر إليه لأنه من باب الخيلاء !

وهذا باطل لأن الحكم في الحديث الأول(لا ينظر الله إليه) مع تقييد ذلك بالخيلاء يختلف عن الحكم في الحديث الثاني(ما أسفل الكعبين ففي النار) دون ذكر الخيلاء مع أن السبب واحد وفي هذا يقول علماء الأصول بل وقد أجمعوا على ذلك: أن الحكم إذا اختلف مع الاتفاق في السبب لم يجز حمل المطلق على المقيد !

وممن نقل الإجماع على هذا الآمدي(الأحكام 4/3) وابن الحاجب(مختصر المنتهى 155/2) بواسطة المطلق والمقيد للصاعدي ص(240).
أما استدلالهم بقول أبي بكر رضي الله عنه:((إن أحد شقي ثوبي يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟)) رواه البخاري وجواب النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله:((إنك لست تصنع ذلك خيلاء)) على جواز الإسبال بدون خيلاء فباطل! يبطله قول أبي بكر رضي الله عنه إلا أني أتعاهد ذلك منه أي أرفعه إذا استرخى وذلك لأنه كان نحيفاً رضي الله عنه كما ورد في ذكر صفته رضي الله عنه.

هذا وصل اللهم على محمد وآله وصحبه






وكتب

حمود الكثيري الأثري

الهوامش:
([1]) المراد بحكم الرفع أن الصحابي لم يقله برأيه واجتهاد بل أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا لفظه هو.
([2]) سمعتها في مصر أثناء دراستي فيها فكان يسمون من يطلق لحيته تعبداً لله سني.
([3]) مجموع الفتاوى(8/425).
([4]) مراتب الإجماع ص 175.
([5]) فتح القدير(2/348).
([6]) الدر المختار (2/418).
([7]) مجموع الفتاوى(7/266).
([8]) وإلى فترة قريبة كان كثيرٌ من الناس يحسن الظن بالبهرة الإسماعلية الذين يعملون في كثير من المحلات التجارية فيظنهم الناس بسبب لحاهم أنه من أهل الاستقامة والديانة وهم من أهل الكفر والنجاسة كما هو معلوم.