تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإعلانات القديمة وطرائفها تثير الاهتمام


gatboulerbah
2009-01-22, 19:51
من حجر رشيد الى المنادي و «الحاضر يُعلم الغائب»... الإعلانات القديمة وطرائفها تثير اهتمام زوار موقع «ذاكرة مصر المعاصرة»


وثّقت مكتبة الإسكندرية من خلال المكتبة الرقمية لـ «ذاكرة مصر المعاصرة» الإعلانات المصرية في القرن العشرين، وأثارت الإعلانات النادرة المتاحة عبر الموقع اهتمام العديد من الزائرين.

الذاكرة انفردت بتناول تاريخ الإعلانات المصرية وعرض مجموعة من أبرز إعلانات عشرينات القرن الماضي التي تمثل بدايات الإعلان المصري المطبوع.

كانت الإعلانات موجودة أيام المصريين القدماء، غير أن الفكرة كانت مختلفة من حيث الشكل والمضمون عن مفهومنا الحالي لها، إذا كان الإعلان مقتصراً على الأوامر والمراسيم الملكية الخاصة مثلاً بزواج الملك، حيث كان يحفر الأمر الملكي على الحجر، ويعلق في المعبد الرئيس وتوزع نسخ منه على المعابد الكبيرة التي يزورها الناس في الأعياد والأيام الرسمية.

كما أن الاستدعاء للخدمة في الجيش كان يتم بهذه الطريقة أيضاً حيث يعلق المسؤول (قائد الجيش) اللوحة الحجرية التي تفيد أن الملك يأمر بدخول الصبية في خدمة الجيش فيتقدموا للقائد لاتخاذ الإجراءات اللازمة. إضافة الى الإعلانات الاجتماعية التي نجدها اليوم، كالتهنئة بمناسبة النجاح أو الزفاف أو شكر مسؤول عن واجب قام به أو خدمة قدمها وما إلى ذلك، ونجد نموذجاً جميلاً عن ذلك في حجر رشيد، فقد رفع الملك بطليموس الخامس (إبيفانس) كثيراً من الضرائب عن كاهل المواطن المصري فتقدم مواطنون بعريضة شكر حفرت بلغات ثلاث كانت السبب في الكشف عن اللغة المصرية القديمة من طريق حجر رشيد.

تطور شكل الإعلان بعد ذلك وأصبح له دور مؤثر وفعال فكان هناك شخص يتولى هذه المهمة الشاقة يركب على دابته وينادي بين الناس في الشوارع والأزقة إن قرر الوالي زيادة الضرائب أو رفعها، أو إذا كان هناك اجتماع للقضاة مع الحاكم. كل ذلك حدث في زمن لم تكن الطباعة ظهرت بعد، وتطور الأمر فأصبح لكل حارة مناد خاص بها توكل إليه مهمة الإعلان سواء عن السلع والبضائع أو الأفراد أو القرارات والاستدعاءات، ومن أشهر الجمل التي كان يرددها المنادي «والحاضر يُعلم الغائب».

ومع اختراع الطباعة والنهضة الصناعية الكبرى، تغيّر شكل ومسار الإعلان فغاب المنادي وظهرت الصحف كنتيجة طبيعية لاختراع الطباعة، واتخذ الوالي محمد علي باشا من صحيفة «الوقائع المصرية» ( صدرت في أول الأمر باللغتين التركية والعربية) صحيفة رسمية واعتبرها جريدة الحكومة الرسمية مصدراً أوامره بتهيئة الوسائل لنشر هذه الجريدة.

وتضمنت أعداد «الوقائع» بعض الأخبار الداخلية خصوصاً ما اتصل منها بأخبار الوالي كما أنها عنيت بالمجالس الرسمية كحوادث مجلس المشورة وحوادث الديوان الخديوي، وبعض الأخبار الخارجية وغيرها من أخبار الداخل في المدن المهمة كالإسكندرية، كما خصصت بعض صفحاتها للمسائل التجارية.

ومنذ ذلك الوقت تغير شكل الإعلان في مصر، وبات شيئاً مستقلاً عن الأخبار، ففي وقت مضى كان الإعلان عبارة عن خبر قصير يفيد بأن منتَجاً جديداً طرح في الأسواق أو أن عقاراً معروضاً للبيع، أما بعد ظهور الصحف والمجلات فقد أصبحت الإعلانات مستقلة وتكتب عادة بنوع الخط نفسه ولكن بحجم أصغر وتحدد بإطار من لون الخط ذاته، ليستطيع القارئ تمييزها عن مجمل أخبار الصفحة وكانت معظمها إعلانات تجارية وعقارية ومزادات.

ومع انتشار الصحف والمجلات وكثرة عدد المثقفين والملمين بالقراءة والكتابة ازدادت أهمية الإعلانات بالنسبة الى المنتج، اذ أصبحت الأداة التي يستخدمها كوسيلة اتصال مباشرة بينه وبين المستهلك ليطلعه على السلع الجديدة وميزاتها.

وكانت معظم الإعلانات تتميز بطرافتها وأسلوبها التوجيهي الساخر، وفي بعض الأحيان كان حسها الفني عالياً من حيث الرسوم والنص المتقن، فكثير من الإعلانات التي انتشرت فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي كثرت فيها الأخطاء النحوية وانعدمت فيها الصياغة اللغوية الجيدة، كما ظهرت فيها الألفاظ الأجنبية والعامية بوضوح.

ولو تصفحنا إحدى المجلات القديمة لوجدنا تنوعاً كبيراً في الإعلانات المنشورة، منها الإعلانات الاجتماعية كتهنئة الملك بعيد الميلاد أو الزواج أو عيد الجلوس على العرش، ومنها إعلانات المبيدات الحشرية التي مازال بعضها مستخدماً حتى اليوم وتتميز بطرافتها في إقناع الجمهور بشراء السلعة.

كما ظهر نوع من الإعلانات اختصت به الصحف والمجلات ذاتها وهو الإعلان عن أهمية الإعلان في زيادة الربح وسرعة بيع المنتجات والسلع، ومن الإعلانات الطريفة بالنسبة الينا اليوم، إعلانات السيارات، فعند قراءة مميزاتها نستطيع أن نلمس مدى التقدم الذي أحرزه الإنسان في صناعة السيارات، اضافة الى إعلانات الصحف والمجلات، كانت كل مجلة تنشر إعلاناً أو أكثر عن العدد المقبل الذي تنبه أنه سيضم مفاجأة لقرائه كزيادة عدد الصور الملونة أو زيادة عدد المقالات أو وجود مقال لكاتب كبير...

ومن أطرف ما يصادفك وأنت تتصفح مجلة قديمة إعلانات الفرق الاستعراضية كإعلان عن فرقة الفنانة فاطمة رشدي صديقة الطلبة، أو عن كازينو عز الدين الذي يقدم أرشق وأجمل فتيات الاستعراض وأطرف المنولوجات. ولم تقتصر الشركات على الإعلان عن المنتج فقط، بل كانت تعتمد على تنظيم المسابقات ذات الربح المادي لتشجع المستهلك على الشراء. كما أن فكرة الاستعانة بشخص مشهور ذي جاذبية خاصة عرفت منذ ثلاثينات القرن الماضي ولكن في شكل مختلف حيث كان يتم الاستعانة بصورة لفنانة مشهورة ذات بشرة ناعمة لنشرها مع مستحضر تجميل للعناية بالبشرة والتأكيد أن الفنانة منذ أن استخدمت المستحضر المعلن عنه أصبحت صاحبة بشرة بيضاء ناعمة.

وتميزت الإعلانات الخاصة بالسينما والمسرح في تلك الفترة، بفكرة محددة وهي الإعلان عن أهمية الفيلم سواء في تدعيم قيم دينية أو اجتماعية أو تقديم استعراضات جديدة أو وجود طفلة يطلق عليها الطفلة المعجزة أو أن الفيلم هو أروع ما قدمه الفنان على الإطلاق.

طرائف كثيرة تقع عليها عينك وأنت تتمتع بقراءة المجلات والصحف، ومع وجود الإذاعة والتلفزيون، أضحت الوسائل السمعية والمرئية تتفنن في طرق عرض إعلانات مشتركيها، الأمر الذي زاد من قيمة الإعلان المادية والفنية، وأصبح من السهل أن تميز كل فترة زمنية على حدة من إعلاناتها سواء المنشورة أو المسموعة أو المرئية.

ومن هذا المنطلق وثقت مكتبة الإسكندرية ما يزيد على 500 إعلان مطبوع لمنتجات متنوعة، تلقي الضوء على جانب مهم وطريف في تاريخ مصر لم يلتفت إليه كثير من الباحثين على رغم أهميته في دراسة تطور الإخراج الفني والصحافي للإعلان المطبوع.