المعزلدين الله
2009-01-22, 10:03
الحجاب وتحديات العري والميوعة
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجاب وتحديات العري والميوعة
عناصر الموضوع :
1. الستر هو الأصل (دين الفطرة ).
2. التناغم بين لباس الظاهر والباطن في شريعة الإسلام.
3. مقومات اللباس الشرعي :شروطه وآدابه.
4. اللباس الشرعي بين الغلو والتمييع.
5. أهداف الحرب على الحجاب.
////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
الحمد لله على نعمة الستر ونعوذ بالله من فتنة العري والعهر، والصلاة والسلام على نبي الفضيلة والرحمة وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الكرام الأعفاء أجمعين، وعلى التابعين وتابعيهم على طريق العفة إلى يوم الدين...
بين يدي الموضوع:
يقول ربنا تبارك وتعالى: « يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» الأعراف (26ـ27).
ويقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه مسلم مرفوعا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
مقدمة:
تعد معركة الحجاب - أو اللباس الشرعي بالتعبير الأصح - في زماننا اليوم من المعارك التي لا تخبو نارها بين المتدينين والعلمانيين، وهي تفرض نفسها على جميع الواجهات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية، ويرجع سر هذا النزاع إلى الجذور الفكرية المادية التي تقدسها الثقافة العلمانية وترفض التنازل عنها، خاصة في ظل استقواء هذه الثقافة اليوم بما حققه الغرب المادي من تفوق حضاري تكنولوجي سيطر به على العالم، وبسط من خلاله عولمته الثقافية على الشعوب الضعيفة ومنها الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها، ونتيجة لذلك استقوت النخب العلمانية المتغربة في بلداننا بما يقدمه لها الغرب العلماني من دعم مادي ومعنوي، لتكون له درعا أماميا يصد به المتدينين الذين ينظر إليهم باستمرار كدعاة للتطرف والإرهاب الذي يشكل خطرا على حضارته المادية العلمانية، وفي هذا السياق المحموم تأتي حملة العلمانيين على حجاب المرأة المسلمة والتي كان من تجلياتها ما وقع في فرنسا ودول أخرى من حملات مسعورة استهدفت الحجاب والمحجبات.
وفي مقابل ذلك يقف المتدينون المخلصون من هذه الأمة في وجه هذه الهجمة الشرسة الظالمة متسلحين بإيمانهم بدينهم وقيمه العليا التي لا تتعارض أبدا مع تحقيق السعادة المادية للإنسان فوق هذه الأرض، حيث يمثل حجاب المرأة المسلمة ثابتا من ثوابت هذا الدين الذي لا يمكن التنازل عنه، والذي لا يشكل أي خطر على تقدم المجتمع ولا على إدماج المرأة في عجلة التنمية التي تقود هذا المجتمـع ، بل إن الحجاب يعتبر حارسا للقيم المعنوية والمادية لأنه يحفظ كرامة المرأة ويحميها أثناء قيامها بأدوارها الأساسية داخل المجتمع، ويحمي المجتمع أيضا إغراءاتها وفتنتها وما تسببه للمجتمع من متاعب وانزلاقات، لأن مما يغفل الناس عنه في زماننا أو يتغافلون عنه غالبا أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة يمثل قيمة مادية محسوبة النفع لدى الملتزمين بها ومن يتعامل معهم في الدنيا قبل الآخرة، فالمرأة العفيفة التي تصون نفسها بعفتها وحجابها لن تستعمل –على الأقل- إغراءها الجسدي للتقرب من المسئول عليها في العمل لتضر بزميلاتها وزملائها من باقي العمال أو الموظفين، ولن تفعل ذلك لتخل بواجباتها فتضيع المعمل أو الإدارة التي تشتغل بها في كثير من المصالح والمنافع التي هي مسئولة على إنجازها وتحقيقيها.
1. الستر هو الأصل (دين الفطرة ):
وإذا رجعنا بهذه المعركة إلى أصلها نجدها تبدأ مع بداية الخليقة من عهد أبينا آدم عليه السلام حينما أخرجه الشيطان من الجنة وكشف عنه غطاءه وستره الذي خلق به، وذلك ما يخبرنا به الحق تبارك وتعالى في قوله « يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا» الأعراف (27)، وقد اختلف العلماء في نوع اللباس والستر الذي كان يتمتع به أبونا آدم وأمنا حواء قبل ارتكابهما للخطيئة، لكنهم اتفقوا على أن هذا الستر هو جزء من الدين ومن التكليف الذي أمر به أبونا آدم وذريته من بعده ، وفي ذلك يقول الطاهر بن عاشور « وقد كان ذلك اللباس الذي نزل به آدم هو أصل اللباس الذي يستعمله البشر. وهذا تنبيه إلى أن اللباس من أصل الفطرة الإنسانية، والفطرة أول أصول الإسلام، وأنه مما كرم الله به النوع منذ ظهوره في الأرض، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قربانهم نزع لباسهم بأن يحجوا عراة...» (1)
ومن ثم فإن طرفي المعركة قد تحددا منذ البداية: منهج آدم عليه السلام القائم على دين الفطرة الذي خلق عليه وهو الإسلام «إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ» آل عمران (19)، وهو منهج الستر والعفة والتقوى. وفي مقابله منهج إبليس اللعين القائم على العري والشهوة والإغواء والقعود للناس في طريق الحق لصدهم عن منهج الحياء وستر العورات « قالَ فَبِما أغْوَيْتَني لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِِِِيمَ » الأعراف (16).
وهنا لابد من وقفة مع دعاة العري الذين يَتَسَمَّوْنَ بالطبيعيين نسبة إلى الطبيعة، وفي هذا تدليس منهم وتشويه لحقائق الخلق كما صرحت بها هذه الآيات وغيرها، ولذلك نقول لهم إن الطبيعة التي خلق عليها أبونا آدم وأمنا حواء والتي هي الفطرة، هي طبيعة الستر والحياء، وهي التي تتلاءم مع مقام التكريم الذي رفع الله عز وجل إليه الإنسان تمييزا له عن الحيوان وعن الشياطين التي تميل إلى العري وكشف السوءات، بل إن التعري فيه انحطاط حتى عن درجة الحيوان لأن الحيوان الذي يتصرف بغريزته كساه الله بالشعر وستر عورته بالذيل وغير ذلك «أُولَئِكَ كَالأنْعامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ» الأعراف (179)، لكن اللباس في شريعة الله لا يقف عند المظهر الخارجي السطحي وإنما يتعداه إلى أعمق من ذلك، ولنوضح هذه القضية ننتقل إلى النقطة الثانية في الموضوع وهي:
2. التناغم والتكامل بين لباس الظاهر ولباس الباطن في شريعة الإسلام:
ينبهنا القرآن الكريم منذ البداية إلى الترابط الأساسي بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب في حياة المسلم الصادق والمخلص في دينه، والذي لا يجمد عقله عند المظهر حتى يتحول الدين في حياته إلى طقوس جوفاء وأغلال خارجية بدون دلالة إيمانية تعبدية، وفي نفس الوقت لا يغرق في الروحانيات بقلبه فقط حتى يعطل المقاصد العملية الاجتماعية لشريعة رب العالمين، يقول ربنا تبارك وتعالى في سياق ذكر نعمه على الإنسان:
« يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَْنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وريشاً وَلِبَـاسَ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، ذلك من آياتِ اللهِ لَعلَّهُمْ يَذَّكَّرونَ» الأعراف (26)
إن الإنسان خلق في أحسن تقويم، وهو من أجمل مخلوقات الله، ولذلك فاللباس لا يزيده إلا جمالا، وحضارة اللباس هي من خصائص الإنسان وليس الحيوان، وفي هذا رد قوي على دعاة العري والإباحية الذين ينتسبون زورا للطبيعة، والإسلام في هذه الآيات جمع بين زينة الظاهر وزينة الباطن، بين لباس الثياب والريش الذي يغطي الجسد وبين لباس التقوى الذي يستر الباطن، وهذا الأخير هو الأحسن والأفضل لأنه لباس التربية الصالحة التي تعصم الإنسان من داخله، وهنا نقول للمغالين في الدعوة إلى لباس الظاهر والتشديد في بعض جزئياته التي هي من الفضل وليس من الفرض في الرأي الراجح كمسألة النقاب مثلا، والذين يدعون إلى حجب المرأة نهائيا عن الأنظار، نقول لهم هونوا عليكم فلباس العفاف في قلب المرأة المؤمنة هو العاصم لها من الرذيلة، لأن لباس الخارج ما هو إلا عنوان صغير للباس الباطن، ولأن معركة الدعوة اليوم ليس في تثبيت ما اعتبره أسلافنا فضلا في شأن ستر المرأة، وإنما معركتنا اليوم في تثبيت ما جعلته الشريعة فرضا لمواجهة تيار العري والميوعة الذي أخذ يجرف اليوم في طريقه كل شيء، والمعركة مع أهل الأهواء اليوم لا ينبغي أن تبنى على ردود الأفعال المتشنجة لأن التطرف لا يعالج بتطرف مثله أبدا، وإنما يعالج بمنهج الوسطية والاعتدال، وهنا ننتقل للتعريف بمقومات الحجاب الشرعي.
3. مقومات اللباس الشرعي: شروط وآداب وتعبد
تحدث علماؤنا قديما وحديثا في قضايا اللباس وستر العورات وبينوا الشروط اللازمة في لباس الرجل والمرأة، لأن الشريعة الإسلامية فرقت بين الجنسين في هذه المسألة نظرا لاختلاف طبيعة جسد المرأة عن جسد الرجل، وهو اختلاف يجد تفسيره في اختلاف الوظائف التي أناطتها الشريعة الإسلامية بكل من المرأة والرجل.
وهنا لا بد أن ننبه أن الله عز وجل أكرم المرأة بجسد لطيف وجميل يفيض غضارة ونعومة وحسنا، ولذلك وضع عليها قيودا زائدة قي ستر هذا الجسد عن أعين الأجانب والغرباء، وذلك حتى لا تكون فتنة للصالحين من عباد الله تميلهم عن طاعة الله، وحتى لا يطمع فيها مرضى القلوب ممن لا يخافون الله فيمتهنون كرامتها، يقول الحق تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْن فَلَا يُؤْذَيْنَ َ» سورة الأحزاب (59),
ومن ثم فهذه القيود ليست تكبيلا لحرية المرأة وحرمانا لها من بعض حقوقها، وإنما هي سياج يحميها أولا ويحمي باقي أفراد المجتمع ثانيا، ومن هنا يكون الحجاب امتحانا وابتلاء للمرأة يختبر قدر إيمانها ومدى طاعتها لربها، كما يختبر قدرتها قي التضحية برغبتها الخاصة في التعري وإبراز مفاتن الجسد أمام أعين الآخرين خاصة حينما يكون هذا الجسد جميلا وجذابا، هل تتنازل عن كل ذلك لفائدة المصلحة العامة للمجتمع؟ ومع ذلك فالحجاب ليس مظهرا سلبيا يعارض جمال المرأة ورغبتها في إبراز هذا الجمال للآخرين، بل إنه لا يزيد المرأة إلا حسنا وجمالا لكنه الجمال المصحوب بالهيبة والاحترام، ولما سئل الدكتور القرضاوي حفظه الله عن ما يزعمه بعض المعارضين للحجاب من أن فتنة الحجاب أقوى من فتنة التبرج، كان جوابه.... عكس جمال التبرج الذي يسلب المرأة هيبتها واحترامها أمام الآخرين ويعرضها لمعاكسات ومرضى القلوب، وصدق الله العظيم إذ يقول «ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْن فَلَا يُؤْذَيْنَ». أما ما تعانيه المرأة المسلمة المحتجبة من حرارة الصيف بسبب الحجاب فهو تضحية منها تحسب لها في ميزان حسناتها يوم لقاء الله، عكس تضحية المتبرجة بعريها أيام البرد التي تعرضها لزمهرير الدنيا والآخرة وقانا الله منه في الدارين معا.
أما مواصفات الحجاب الشرعي والشروط الواجب توفّرها فيه كما بينها علماؤنا فهي كالتالي:
الأول: ستر جميع بدن المرأة باستثناء الوجه والكفين على الراجح.
الثاني: أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة تدعو إلى الفتنة والإغراء.
الثالث: أن لا يكون رقيقا شفافا تظهر من ورائه مفاتن الجسد.
الرابع: أن لا يكون ضيقا يبرز مفاتن الجسد ويفصل معالمها.
الخامس: أن لا يكون معطرا يفوح برائحة الطيب والعطور المغرية للرجال.
السادس : أن لا يكون فيه تشبه بملابس نساء الكهنوت من الديانات الأخرى.
السابع : أن لا يكون فيه تشبه بملابس الرجال.
الثامن : أن لا يقصد به الشهرة بين الناس.
وكما نلاحظ فهي مواصفات مبنية على التيسير والرحمة والوسطية والاعتدال الذي رسمه الله عز وجل في قوله « وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» النور (13). وخلاصة ما ورد في زينة الظاهر من أقوال السلف رأيان: الأول أنها الثياب في قول ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أنها الوجه والكفان في قول ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره الفقيه المالكي أبو الوليد الباجي رحمه الله في شرحه لموطأ مالك رحمة الله عليه المسمى بالمنتقى، وقيل أيضا أنها الكف والخاتم والوجه أو الكحل والخاتم في أقوال أخرى، وقد بين رسول الله صلى الله عليه فيما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: :« يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه » والحديث حسنه علماء الحديث بمجموع طرقه.فالمرأة المسلمة مطالبة بستر كل جسدها باستثناء الوجه والكفين لكن يبقى لها الخيار الكامل في اختيار شكل لباسها حسب تقاليد مجتمعها وزمانها، فالمبدأ هو ستر العورة بالنسبة للرجل والمرأة معا وهذا ثابت لا يتغير، أما ما وراء ذلك فهو موكول إلى ذوق الإنسان واختياره حسب تقاليد بيئته وعصره وهذا يتغير حسب معطيات الظروف والوقت، ولذلك فوظيفة اللباس الإجرائية هي واحدة في كل المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب وهي الستر والعفة ولا يلزم معها إلا الشروط التي تحققها، أما شكل اللباس وتقاليده فتتعدد بتعدد الشعوب الإسلامية وتنوع أعرافها وتقاليدها الخاصة.
غير أن تنوع العادات والتقاليد حسب اختلاف المكان والزمان لا يبيح للمرأة المسلمة الانسياق وراءها بشكل أعمى حيث تصبح مراعاتها ومجاراتها عائقا يعطل وظيفة الحجاب الشرعية وهي الستر والعفة، ولذلك فالأمر يتطلب حساسية خاصة للتمييز بين حدود الوجوب والإلزام التي لا تحتمل التجاوز والتعطيل، وبين حدود الإباحة التي لا ضير من الاختلاف فيها، وخلاصة القول أنه على نساءنا وبناتنا انتهاج الطريق الصحيح والمعتدل في موضوع اللباس الشرعي في غير تشدد ولا تسيب، وهذا ما أعالجه في النقطة الموالية.
4. الحجاب بين الغلو والتمييع:
لقد وصلت معركة الحجاب حدا من التناقض جعلنا اليوم نقف بين طرفي نقيض ، بين غلاة من الإباحيين كشفوا كل شيء من جسد المرأة حتى لم يبق لهم ما يكشفون منه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبين غلاة من المتدينين المتعصبين لبعض الآراء والاجتهادات الفقهية التي أصبحت مرجوحة ومتجاوزة في زماننا، والمتأثرين ببعض أنماط التدين التقليدية التي بالغت في تضخيم فتنة المرأة وزينتها على المجتمع، والذين يصل بهم الحال إلى اعتبار المرأة المؤمنة الصالحة النقية المحتجبة متبرجة، فقط لأنها كشفت وجهها ويديها وخالفت مذهبهم الفقهي القائل بوجوب تغطية الوجه ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهنا لا بد من تنبيه هؤلاء وغيرهم أن الحديث عن الحجاب هو حديث عن حجب مفاتن المرأة خارج بيتها وأمام الأجانب، وليس يراد به بتاتا حجب عقل المرأة وكفاءتها عن المجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وهي عنصر فعال فيه وقد شاركت بفاعليتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية في خير عصور الإسلام، أي في عصر النبوة ثم عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم، فأنى لأي كان اليوم أن يقصي المرأة من معترك الحياة باسم الدين ؟
وهنا أقول للغلاة والمتشددين في شأن البرقع وغطاء الوجه أنه من حقهم أن يلزموا أنفسهم بذلك، وإن كان في نظري لا يناسب الحكمة في الدعوة إلى الله في هذا الزمان الذي صار فيه كل شيء بالمكشوف، خاصة وأن جماهير فقهاء الإسلام رأوا في غطاء الوجه قديما أنه من الفضل وليس من الفرض، فلماذا كل هذا التعنت ؟؟..والطامة الكبرى التي نحذر منها هؤلاء هي تهجماتهم بدافع التعصب لآرائهم على المؤمنات الصالحات العفيفات والذي اعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم من الموبقات المهلكات، وأكبر من ذلك ما قد يحصل لكثير من النساء غير المحتجبات من إعراض عن الالتزام بالحجاب بسبب الفتاوى التي تلزمهم بتغطية الوجه وهن غير قادرات على ذلك، وهنا يصبح الدعاة إلى الالتزام بالإسلام عائقا أمام التزام الناس ببعض أحكامه بسبب التعصب لرأي فقهي لا غير، ولذلك فإن كنت لا أصادر حق هؤلاء في إلزام أنفسهم بما لا يلزم، فإنه ليس من حقهم بتاتا إلزام الآخرين والأخريات بهذا الرأي وشن الحرب على من خالفهم، لأن في ذلك إحداث فتنة وبلبلة بين المسلمين لن يستفيد منها إلا خصوم الدعوة الإسلامية من دعاة العري والإباحية.
وبين هِؤلاء وأولئك يقف طرف ثالث من المغالين في تمييع الحجاب شكلا ومضمونا، حيث ابتكرت النساء أشكالا جديدة من الحجاب تفتقد لكثير من مواصفات الحجاب التي سبق ذكرها، حيث أصبح الحجاب عندهن تقليعة موضة لا أقل ولا أكثر، يقلدن فيها بعض محتجبات الفضائيات ممن خضعن لضغوط الإعلام والموضة فانحرفن بالحجاب عن صورته الأصلية الناطقة بالستر والحشمة إلى صورة مشوهة هي أقرب للعري منها إلى اللباس الشرعي. ولذلك لم يبق من تسمية الحجاب لدى هؤلاء المحتجبات الجديدات سوى غطاء الرأس ، أما باقي أعضاء الجسد فهي بارزة للعيان من وراء اللباس الضيق الذي صار عبارة عن سروال ومعطف ملتصقين بالجسم وينطقان بكل تفاصيله ، والأدهى والأمر في هذا الحجاب الموضوي الإعلامي ـ إن صح التعبير ـ أنه يستر الرأس بينما صدر المرأة وخصرها الذي هو أشـد فتنة، والذي هو مركز عورتها بارز بشكل مفضوح، حيث صار الفرق بين المحتجبة وغير المحتجبة يختـزل في غطاء الرأس، وكأن السراويل والأقمصة والمعاطف الضيقة هي من ابتكار الشريعة الإسلامية ولا ينقصها سوى غطاء الرأس لتكون وتصير حجابا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهنا نهيب بنساء وبنات المسلمين أن يتقين الله في حجابهن، وأن يستجبن لله وللرسول بستر أجسادهن وفق ما أمرت به شريعة الإسلام في غير إفراط ولا تفريط، ولا ينخدعن بسفاسف الإعلام، وصرعات الموضة، وأبواق الإباحية المغرضة، لأنها كلها كاسدة في ميزان الله يوم القيامة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ »الأنفال (24-25)
وأن يصمدن في طريق العفة والإيمان ليفزن بشرف الدنيا والآخرة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » آل عمران (200). لأننا اليوم أمام حرب حقيقية على الحجاب الشرعي باعتباره رمز العفة والكرامة، وبعض أهداف هذه الحرب نقف معها في العنصر التالي والأخير.
5. أهداف الحرب على الحجاب:
ترى ما هي الأهداف الحقيقية لهذه الحرب الإباحية الكاسحة المدمرة ؟ والتي تستهدف بلاد المسلمين على الخصوص، ماذا يراد بها ؟ وماذا يراد لنا من قبل أعدائنا ؟
والجواب يمكن اختزاله أولا في نقطة مركزية وهي أن مراد الأعداء فينا أنهم يسعون إلى سلبنا أهم مصادر عزتنا وقوتنا وتميزنا الأخلاقي في هذه الدنيا وهو العفة والحياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إن لكل دين خُلُقًا , وخُلُقُ الإسلام الحياء»، ولذلك فهم يقصدون إلى جرنا إلى درجة انحرافهم وبعدهم عن منهج الله وشريعته حتى نتساوى معهم في المعصيــة « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً » النساء (89)، لأننا إذا تساوينا معهم في المعاصي يصبح لهم التفوق علينا بسبب قوتهم المادية التي يمتلكونها اليوم وتصير لهم الغلبة المطلقة علينا.
أما الأهداف الأخرى لهذه الحرب وتداعياتها فهي أنها:
• توظف سلاح المرأة في التخريب والتدمير عوض البناء والتشييد، فعوض أن تكون المرأة صالحة مصلحة تصير مائلة عن طاعة الله مميلة لغيرها كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• تجعل جسد المرأة وسيطا تجاريا لترويج البضائع الغربية وتسويقها من خلال وسائل الإشهار والدعاية في الإعلام والسينما والأنترنت.
• تزرع الشقاق والخلاف في وسط الأسرة المسلمة بين الأب وبناته، وبين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخته، وهكذا تتحطم قلعة الأسرة وتضيع التربية.
• تسهل انتشار الفواحش بين المسلمين، وتجعل العرض رخيصا، وتقتل الغيرة، ومن يتنازل عن عرضه يسهل عليه أن يتنازل عن أرضه وصدق الشاعر حين قال:
إن لم نردها لدين الله قائمـة سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
• تدفع الشباب إلى الجري وراء اللذة الحسية التي يهدرون فيها طاقاتهم وأوقاتهم، وتبعدهم عن طلب المثل العليا من عبادة وعلم وإبداع فكري وفني.
• تكثر جند الشيطان الذين تقوم عليهم الساعة والذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يتسافدون في الطريق تسافد الحمر، أي يكونون كالبهائم في ممارسة الجنس بحيث يفعلون ذلك على قارعة الطريق، وقد ظهرت علامات ذلك في الغرب منذ زمان، وها هي اليوم تتسرب إلى بلاد المسلمين خطوة خطوة، نسأل الله العفو والعافية.
وهنا نقول للمسلمين والمسلمات إن من يصمد في معركة الحجاب والعفة اليوم يكون جنديا من جنود الرحمان في مواجهة جند الشيطان، ويكتب له أجر المهاجر في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم "العبادة في الهرج كهجرة إلي" ويكون له أجر من عمل بذلك على يوم القيامة.
ومن انخرط في تيار الإباحية يكون من جند الشيطان، ويكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
فلننظر مع أي الفريقين نريد أن نكون ؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
1- الكتاب : التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور
المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)
الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان
الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م ج 8 ص 58
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجاب وتحديات العري والميوعة
عناصر الموضوع :
1. الستر هو الأصل (دين الفطرة ).
2. التناغم بين لباس الظاهر والباطن في شريعة الإسلام.
3. مقومات اللباس الشرعي :شروطه وآدابه.
4. اللباس الشرعي بين الغلو والتمييع.
5. أهداف الحرب على الحجاب.
////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
الحمد لله على نعمة الستر ونعوذ بالله من فتنة العري والعهر، والصلاة والسلام على نبي الفضيلة والرحمة وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الكرام الأعفاء أجمعين، وعلى التابعين وتابعيهم على طريق العفة إلى يوم الدين...
بين يدي الموضوع:
يقول ربنا تبارك وتعالى: « يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» الأعراف (26ـ27).
ويقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه مسلم مرفوعا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
مقدمة:
تعد معركة الحجاب - أو اللباس الشرعي بالتعبير الأصح - في زماننا اليوم من المعارك التي لا تخبو نارها بين المتدينين والعلمانيين، وهي تفرض نفسها على جميع الواجهات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية، ويرجع سر هذا النزاع إلى الجذور الفكرية المادية التي تقدسها الثقافة العلمانية وترفض التنازل عنها، خاصة في ظل استقواء هذه الثقافة اليوم بما حققه الغرب المادي من تفوق حضاري تكنولوجي سيطر به على العالم، وبسط من خلاله عولمته الثقافية على الشعوب الضعيفة ومنها الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها، ونتيجة لذلك استقوت النخب العلمانية المتغربة في بلداننا بما يقدمه لها الغرب العلماني من دعم مادي ومعنوي، لتكون له درعا أماميا يصد به المتدينين الذين ينظر إليهم باستمرار كدعاة للتطرف والإرهاب الذي يشكل خطرا على حضارته المادية العلمانية، وفي هذا السياق المحموم تأتي حملة العلمانيين على حجاب المرأة المسلمة والتي كان من تجلياتها ما وقع في فرنسا ودول أخرى من حملات مسعورة استهدفت الحجاب والمحجبات.
وفي مقابل ذلك يقف المتدينون المخلصون من هذه الأمة في وجه هذه الهجمة الشرسة الظالمة متسلحين بإيمانهم بدينهم وقيمه العليا التي لا تتعارض أبدا مع تحقيق السعادة المادية للإنسان فوق هذه الأرض، حيث يمثل حجاب المرأة المسلمة ثابتا من ثوابت هذا الدين الذي لا يمكن التنازل عنه، والذي لا يشكل أي خطر على تقدم المجتمع ولا على إدماج المرأة في عجلة التنمية التي تقود هذا المجتمـع ، بل إن الحجاب يعتبر حارسا للقيم المعنوية والمادية لأنه يحفظ كرامة المرأة ويحميها أثناء قيامها بأدوارها الأساسية داخل المجتمع، ويحمي المجتمع أيضا إغراءاتها وفتنتها وما تسببه للمجتمع من متاعب وانزلاقات، لأن مما يغفل الناس عنه في زماننا أو يتغافلون عنه غالبا أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة يمثل قيمة مادية محسوبة النفع لدى الملتزمين بها ومن يتعامل معهم في الدنيا قبل الآخرة، فالمرأة العفيفة التي تصون نفسها بعفتها وحجابها لن تستعمل –على الأقل- إغراءها الجسدي للتقرب من المسئول عليها في العمل لتضر بزميلاتها وزملائها من باقي العمال أو الموظفين، ولن تفعل ذلك لتخل بواجباتها فتضيع المعمل أو الإدارة التي تشتغل بها في كثير من المصالح والمنافع التي هي مسئولة على إنجازها وتحقيقيها.
1. الستر هو الأصل (دين الفطرة ):
وإذا رجعنا بهذه المعركة إلى أصلها نجدها تبدأ مع بداية الخليقة من عهد أبينا آدم عليه السلام حينما أخرجه الشيطان من الجنة وكشف عنه غطاءه وستره الذي خلق به، وذلك ما يخبرنا به الحق تبارك وتعالى في قوله « يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا» الأعراف (27)، وقد اختلف العلماء في نوع اللباس والستر الذي كان يتمتع به أبونا آدم وأمنا حواء قبل ارتكابهما للخطيئة، لكنهم اتفقوا على أن هذا الستر هو جزء من الدين ومن التكليف الذي أمر به أبونا آدم وذريته من بعده ، وفي ذلك يقول الطاهر بن عاشور « وقد كان ذلك اللباس الذي نزل به آدم هو أصل اللباس الذي يستعمله البشر. وهذا تنبيه إلى أن اللباس من أصل الفطرة الإنسانية، والفطرة أول أصول الإسلام، وأنه مما كرم الله به النوع منذ ظهوره في الأرض، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قربانهم نزع لباسهم بأن يحجوا عراة...» (1)
ومن ثم فإن طرفي المعركة قد تحددا منذ البداية: منهج آدم عليه السلام القائم على دين الفطرة الذي خلق عليه وهو الإسلام «إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ» آل عمران (19)، وهو منهج الستر والعفة والتقوى. وفي مقابله منهج إبليس اللعين القائم على العري والشهوة والإغواء والقعود للناس في طريق الحق لصدهم عن منهج الحياء وستر العورات « قالَ فَبِما أغْوَيْتَني لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِِِِيمَ » الأعراف (16).
وهنا لابد من وقفة مع دعاة العري الذين يَتَسَمَّوْنَ بالطبيعيين نسبة إلى الطبيعة، وفي هذا تدليس منهم وتشويه لحقائق الخلق كما صرحت بها هذه الآيات وغيرها، ولذلك نقول لهم إن الطبيعة التي خلق عليها أبونا آدم وأمنا حواء والتي هي الفطرة، هي طبيعة الستر والحياء، وهي التي تتلاءم مع مقام التكريم الذي رفع الله عز وجل إليه الإنسان تمييزا له عن الحيوان وعن الشياطين التي تميل إلى العري وكشف السوءات، بل إن التعري فيه انحطاط حتى عن درجة الحيوان لأن الحيوان الذي يتصرف بغريزته كساه الله بالشعر وستر عورته بالذيل وغير ذلك «أُولَئِكَ كَالأنْعامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ» الأعراف (179)، لكن اللباس في شريعة الله لا يقف عند المظهر الخارجي السطحي وإنما يتعداه إلى أعمق من ذلك، ولنوضح هذه القضية ننتقل إلى النقطة الثانية في الموضوع وهي:
2. التناغم والتكامل بين لباس الظاهر ولباس الباطن في شريعة الإسلام:
ينبهنا القرآن الكريم منذ البداية إلى الترابط الأساسي بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب في حياة المسلم الصادق والمخلص في دينه، والذي لا يجمد عقله عند المظهر حتى يتحول الدين في حياته إلى طقوس جوفاء وأغلال خارجية بدون دلالة إيمانية تعبدية، وفي نفس الوقت لا يغرق في الروحانيات بقلبه فقط حتى يعطل المقاصد العملية الاجتماعية لشريعة رب العالمين، يقول ربنا تبارك وتعالى في سياق ذكر نعمه على الإنسان:
« يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَْنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وريشاً وَلِبَـاسَ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، ذلك من آياتِ اللهِ لَعلَّهُمْ يَذَّكَّرونَ» الأعراف (26)
إن الإنسان خلق في أحسن تقويم، وهو من أجمل مخلوقات الله، ولذلك فاللباس لا يزيده إلا جمالا، وحضارة اللباس هي من خصائص الإنسان وليس الحيوان، وفي هذا رد قوي على دعاة العري والإباحية الذين ينتسبون زورا للطبيعة، والإسلام في هذه الآيات جمع بين زينة الظاهر وزينة الباطن، بين لباس الثياب والريش الذي يغطي الجسد وبين لباس التقوى الذي يستر الباطن، وهذا الأخير هو الأحسن والأفضل لأنه لباس التربية الصالحة التي تعصم الإنسان من داخله، وهنا نقول للمغالين في الدعوة إلى لباس الظاهر والتشديد في بعض جزئياته التي هي من الفضل وليس من الفرض في الرأي الراجح كمسألة النقاب مثلا، والذين يدعون إلى حجب المرأة نهائيا عن الأنظار، نقول لهم هونوا عليكم فلباس العفاف في قلب المرأة المؤمنة هو العاصم لها من الرذيلة، لأن لباس الخارج ما هو إلا عنوان صغير للباس الباطن، ولأن معركة الدعوة اليوم ليس في تثبيت ما اعتبره أسلافنا فضلا في شأن ستر المرأة، وإنما معركتنا اليوم في تثبيت ما جعلته الشريعة فرضا لمواجهة تيار العري والميوعة الذي أخذ يجرف اليوم في طريقه كل شيء، والمعركة مع أهل الأهواء اليوم لا ينبغي أن تبنى على ردود الأفعال المتشنجة لأن التطرف لا يعالج بتطرف مثله أبدا، وإنما يعالج بمنهج الوسطية والاعتدال، وهنا ننتقل للتعريف بمقومات الحجاب الشرعي.
3. مقومات اللباس الشرعي: شروط وآداب وتعبد
تحدث علماؤنا قديما وحديثا في قضايا اللباس وستر العورات وبينوا الشروط اللازمة في لباس الرجل والمرأة، لأن الشريعة الإسلامية فرقت بين الجنسين في هذه المسألة نظرا لاختلاف طبيعة جسد المرأة عن جسد الرجل، وهو اختلاف يجد تفسيره في اختلاف الوظائف التي أناطتها الشريعة الإسلامية بكل من المرأة والرجل.
وهنا لا بد أن ننبه أن الله عز وجل أكرم المرأة بجسد لطيف وجميل يفيض غضارة ونعومة وحسنا، ولذلك وضع عليها قيودا زائدة قي ستر هذا الجسد عن أعين الأجانب والغرباء، وذلك حتى لا تكون فتنة للصالحين من عباد الله تميلهم عن طاعة الله، وحتى لا يطمع فيها مرضى القلوب ممن لا يخافون الله فيمتهنون كرامتها، يقول الحق تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْن فَلَا يُؤْذَيْنَ َ» سورة الأحزاب (59),
ومن ثم فهذه القيود ليست تكبيلا لحرية المرأة وحرمانا لها من بعض حقوقها، وإنما هي سياج يحميها أولا ويحمي باقي أفراد المجتمع ثانيا، ومن هنا يكون الحجاب امتحانا وابتلاء للمرأة يختبر قدر إيمانها ومدى طاعتها لربها، كما يختبر قدرتها قي التضحية برغبتها الخاصة في التعري وإبراز مفاتن الجسد أمام أعين الآخرين خاصة حينما يكون هذا الجسد جميلا وجذابا، هل تتنازل عن كل ذلك لفائدة المصلحة العامة للمجتمع؟ ومع ذلك فالحجاب ليس مظهرا سلبيا يعارض جمال المرأة ورغبتها في إبراز هذا الجمال للآخرين، بل إنه لا يزيد المرأة إلا حسنا وجمالا لكنه الجمال المصحوب بالهيبة والاحترام، ولما سئل الدكتور القرضاوي حفظه الله عن ما يزعمه بعض المعارضين للحجاب من أن فتنة الحجاب أقوى من فتنة التبرج، كان جوابه.... عكس جمال التبرج الذي يسلب المرأة هيبتها واحترامها أمام الآخرين ويعرضها لمعاكسات ومرضى القلوب، وصدق الله العظيم إذ يقول «ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْن فَلَا يُؤْذَيْنَ». أما ما تعانيه المرأة المسلمة المحتجبة من حرارة الصيف بسبب الحجاب فهو تضحية منها تحسب لها في ميزان حسناتها يوم لقاء الله، عكس تضحية المتبرجة بعريها أيام البرد التي تعرضها لزمهرير الدنيا والآخرة وقانا الله منه في الدارين معا.
أما مواصفات الحجاب الشرعي والشروط الواجب توفّرها فيه كما بينها علماؤنا فهي كالتالي:
الأول: ستر جميع بدن المرأة باستثناء الوجه والكفين على الراجح.
الثاني: أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة تدعو إلى الفتنة والإغراء.
الثالث: أن لا يكون رقيقا شفافا تظهر من ورائه مفاتن الجسد.
الرابع: أن لا يكون ضيقا يبرز مفاتن الجسد ويفصل معالمها.
الخامس: أن لا يكون معطرا يفوح برائحة الطيب والعطور المغرية للرجال.
السادس : أن لا يكون فيه تشبه بملابس نساء الكهنوت من الديانات الأخرى.
السابع : أن لا يكون فيه تشبه بملابس الرجال.
الثامن : أن لا يقصد به الشهرة بين الناس.
وكما نلاحظ فهي مواصفات مبنية على التيسير والرحمة والوسطية والاعتدال الذي رسمه الله عز وجل في قوله « وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» النور (13). وخلاصة ما ورد في زينة الظاهر من أقوال السلف رأيان: الأول أنها الثياب في قول ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أنها الوجه والكفان في قول ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره الفقيه المالكي أبو الوليد الباجي رحمه الله في شرحه لموطأ مالك رحمة الله عليه المسمى بالمنتقى، وقيل أيضا أنها الكف والخاتم والوجه أو الكحل والخاتم في أقوال أخرى، وقد بين رسول الله صلى الله عليه فيما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: :« يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه » والحديث حسنه علماء الحديث بمجموع طرقه.فالمرأة المسلمة مطالبة بستر كل جسدها باستثناء الوجه والكفين لكن يبقى لها الخيار الكامل في اختيار شكل لباسها حسب تقاليد مجتمعها وزمانها، فالمبدأ هو ستر العورة بالنسبة للرجل والمرأة معا وهذا ثابت لا يتغير، أما ما وراء ذلك فهو موكول إلى ذوق الإنسان واختياره حسب تقاليد بيئته وعصره وهذا يتغير حسب معطيات الظروف والوقت، ولذلك فوظيفة اللباس الإجرائية هي واحدة في كل المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب وهي الستر والعفة ولا يلزم معها إلا الشروط التي تحققها، أما شكل اللباس وتقاليده فتتعدد بتعدد الشعوب الإسلامية وتنوع أعرافها وتقاليدها الخاصة.
غير أن تنوع العادات والتقاليد حسب اختلاف المكان والزمان لا يبيح للمرأة المسلمة الانسياق وراءها بشكل أعمى حيث تصبح مراعاتها ومجاراتها عائقا يعطل وظيفة الحجاب الشرعية وهي الستر والعفة، ولذلك فالأمر يتطلب حساسية خاصة للتمييز بين حدود الوجوب والإلزام التي لا تحتمل التجاوز والتعطيل، وبين حدود الإباحة التي لا ضير من الاختلاف فيها، وخلاصة القول أنه على نساءنا وبناتنا انتهاج الطريق الصحيح والمعتدل في موضوع اللباس الشرعي في غير تشدد ولا تسيب، وهذا ما أعالجه في النقطة الموالية.
4. الحجاب بين الغلو والتمييع:
لقد وصلت معركة الحجاب حدا من التناقض جعلنا اليوم نقف بين طرفي نقيض ، بين غلاة من الإباحيين كشفوا كل شيء من جسد المرأة حتى لم يبق لهم ما يكشفون منه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبين غلاة من المتدينين المتعصبين لبعض الآراء والاجتهادات الفقهية التي أصبحت مرجوحة ومتجاوزة في زماننا، والمتأثرين ببعض أنماط التدين التقليدية التي بالغت في تضخيم فتنة المرأة وزينتها على المجتمع، والذين يصل بهم الحال إلى اعتبار المرأة المؤمنة الصالحة النقية المحتجبة متبرجة، فقط لأنها كشفت وجهها ويديها وخالفت مذهبهم الفقهي القائل بوجوب تغطية الوجه ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهنا لا بد من تنبيه هؤلاء وغيرهم أن الحديث عن الحجاب هو حديث عن حجب مفاتن المرأة خارج بيتها وأمام الأجانب، وليس يراد به بتاتا حجب عقل المرأة وكفاءتها عن المجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وهي عنصر فعال فيه وقد شاركت بفاعليتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية في خير عصور الإسلام، أي في عصر النبوة ثم عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم، فأنى لأي كان اليوم أن يقصي المرأة من معترك الحياة باسم الدين ؟
وهنا أقول للغلاة والمتشددين في شأن البرقع وغطاء الوجه أنه من حقهم أن يلزموا أنفسهم بذلك، وإن كان في نظري لا يناسب الحكمة في الدعوة إلى الله في هذا الزمان الذي صار فيه كل شيء بالمكشوف، خاصة وأن جماهير فقهاء الإسلام رأوا في غطاء الوجه قديما أنه من الفضل وليس من الفرض، فلماذا كل هذا التعنت ؟؟..والطامة الكبرى التي نحذر منها هؤلاء هي تهجماتهم بدافع التعصب لآرائهم على المؤمنات الصالحات العفيفات والذي اعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم من الموبقات المهلكات، وأكبر من ذلك ما قد يحصل لكثير من النساء غير المحتجبات من إعراض عن الالتزام بالحجاب بسبب الفتاوى التي تلزمهم بتغطية الوجه وهن غير قادرات على ذلك، وهنا يصبح الدعاة إلى الالتزام بالإسلام عائقا أمام التزام الناس ببعض أحكامه بسبب التعصب لرأي فقهي لا غير، ولذلك فإن كنت لا أصادر حق هؤلاء في إلزام أنفسهم بما لا يلزم، فإنه ليس من حقهم بتاتا إلزام الآخرين والأخريات بهذا الرأي وشن الحرب على من خالفهم، لأن في ذلك إحداث فتنة وبلبلة بين المسلمين لن يستفيد منها إلا خصوم الدعوة الإسلامية من دعاة العري والإباحية.
وبين هِؤلاء وأولئك يقف طرف ثالث من المغالين في تمييع الحجاب شكلا ومضمونا، حيث ابتكرت النساء أشكالا جديدة من الحجاب تفتقد لكثير من مواصفات الحجاب التي سبق ذكرها، حيث أصبح الحجاب عندهن تقليعة موضة لا أقل ولا أكثر، يقلدن فيها بعض محتجبات الفضائيات ممن خضعن لضغوط الإعلام والموضة فانحرفن بالحجاب عن صورته الأصلية الناطقة بالستر والحشمة إلى صورة مشوهة هي أقرب للعري منها إلى اللباس الشرعي. ولذلك لم يبق من تسمية الحجاب لدى هؤلاء المحتجبات الجديدات سوى غطاء الرأس ، أما باقي أعضاء الجسد فهي بارزة للعيان من وراء اللباس الضيق الذي صار عبارة عن سروال ومعطف ملتصقين بالجسم وينطقان بكل تفاصيله ، والأدهى والأمر في هذا الحجاب الموضوي الإعلامي ـ إن صح التعبير ـ أنه يستر الرأس بينما صدر المرأة وخصرها الذي هو أشـد فتنة، والذي هو مركز عورتها بارز بشكل مفضوح، حيث صار الفرق بين المحتجبة وغير المحتجبة يختـزل في غطاء الرأس، وكأن السراويل والأقمصة والمعاطف الضيقة هي من ابتكار الشريعة الإسلامية ولا ينقصها سوى غطاء الرأس لتكون وتصير حجابا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهنا نهيب بنساء وبنات المسلمين أن يتقين الله في حجابهن، وأن يستجبن لله وللرسول بستر أجسادهن وفق ما أمرت به شريعة الإسلام في غير إفراط ولا تفريط، ولا ينخدعن بسفاسف الإعلام، وصرعات الموضة، وأبواق الإباحية المغرضة، لأنها كلها كاسدة في ميزان الله يوم القيامة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ »الأنفال (24-25)
وأن يصمدن في طريق العفة والإيمان ليفزن بشرف الدنيا والآخرة « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » آل عمران (200). لأننا اليوم أمام حرب حقيقية على الحجاب الشرعي باعتباره رمز العفة والكرامة، وبعض أهداف هذه الحرب نقف معها في العنصر التالي والأخير.
5. أهداف الحرب على الحجاب:
ترى ما هي الأهداف الحقيقية لهذه الحرب الإباحية الكاسحة المدمرة ؟ والتي تستهدف بلاد المسلمين على الخصوص، ماذا يراد بها ؟ وماذا يراد لنا من قبل أعدائنا ؟
والجواب يمكن اختزاله أولا في نقطة مركزية وهي أن مراد الأعداء فينا أنهم يسعون إلى سلبنا أهم مصادر عزتنا وقوتنا وتميزنا الأخلاقي في هذه الدنيا وهو العفة والحياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إن لكل دين خُلُقًا , وخُلُقُ الإسلام الحياء»، ولذلك فهم يقصدون إلى جرنا إلى درجة انحرافهم وبعدهم عن منهج الله وشريعته حتى نتساوى معهم في المعصيــة « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً » النساء (89)، لأننا إذا تساوينا معهم في المعاصي يصبح لهم التفوق علينا بسبب قوتهم المادية التي يمتلكونها اليوم وتصير لهم الغلبة المطلقة علينا.
أما الأهداف الأخرى لهذه الحرب وتداعياتها فهي أنها:
• توظف سلاح المرأة في التخريب والتدمير عوض البناء والتشييد، فعوض أن تكون المرأة صالحة مصلحة تصير مائلة عن طاعة الله مميلة لغيرها كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• تجعل جسد المرأة وسيطا تجاريا لترويج البضائع الغربية وتسويقها من خلال وسائل الإشهار والدعاية في الإعلام والسينما والأنترنت.
• تزرع الشقاق والخلاف في وسط الأسرة المسلمة بين الأب وبناته، وبين الزوج وزوجته، وبين الأخ وأخته، وهكذا تتحطم قلعة الأسرة وتضيع التربية.
• تسهل انتشار الفواحش بين المسلمين، وتجعل العرض رخيصا، وتقتل الغيرة، ومن يتنازل عن عرضه يسهل عليه أن يتنازل عن أرضه وصدق الشاعر حين قال:
إن لم نردها لدين الله قائمـة سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
• تدفع الشباب إلى الجري وراء اللذة الحسية التي يهدرون فيها طاقاتهم وأوقاتهم، وتبعدهم عن طلب المثل العليا من عبادة وعلم وإبداع فكري وفني.
• تكثر جند الشيطان الذين تقوم عليهم الساعة والذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يتسافدون في الطريق تسافد الحمر، أي يكونون كالبهائم في ممارسة الجنس بحيث يفعلون ذلك على قارعة الطريق، وقد ظهرت علامات ذلك في الغرب منذ زمان، وها هي اليوم تتسرب إلى بلاد المسلمين خطوة خطوة، نسأل الله العفو والعافية.
وهنا نقول للمسلمين والمسلمات إن من يصمد في معركة الحجاب والعفة اليوم يكون جنديا من جنود الرحمان في مواجهة جند الشيطان، ويكتب له أجر المهاجر في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم "العبادة في الهرج كهجرة إلي" ويكون له أجر من عمل بذلك على يوم القيامة.
ومن انخرط في تيار الإباحية يكون من جند الشيطان، ويكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
فلننظر مع أي الفريقين نريد أن نكون ؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
1- الكتاب : التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور
المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)
الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان
الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م ج 8 ص 58