تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القرين


العروة الوثقى
2012-05-11, 16:16
عرف الإنسان منذ بداية وجوده على وجه الأرض صراعاً دائماً في ذاته بين أهوائه


كاللذة والسلطة والمال



من جهة والقيود التي تلجم تلك الأهواء من جهة أخرى

تعرف بالأخلاق والضمير والمحرمات

كما عرف أيضاً أن سلوكه (أفعاله أو أقواله) يأتي نتيجة ذلك الصراع القائم لكنه مع ذلك ظل يتساءل عن طرفي هذا الصراع ، هل هي نفسه فقط ؟ أم أنها كيانات غيبية غريبة عنه تلعب دوراً في تشكيل سلوكه ؟

العروة الوثقى
2012-05-11, 16:45
أتت الأديان لتجيب عن تلك التساؤلات لتوضح الأمر على أنه صراع بين الخير والشر ، بين الملائكة والشياطين، وأن الإنسان متورط لا محالة في هذا الصراع ومن هنا برز تساؤل آخر : هل يملك الإنسان دوراً في تغيير نتيجة هذا الصراع القائم في ذاته أم أن سلوكه رهن بنتيجة الحرب بين تلك الكيانات المذكورة أي أنه ضحية فقط ؟ بمعنى آخر : هل الإنسان مسير أم مخير ؟ ، شغل ذلك السؤال الفلاسفة وعلماء الدين وتجادلوا فيه دهوراً ولن نناقشه في هذا المقال ولكن نكتفي بالقول :

" من الواضح أن هناك فهماً فطرياً لدى الإنسان للتمييز بين طرفي الصراع وهذه القدرة على التمييز تفرض وجود كيان ثالث نطلق عليه الذات أو ما يعرف بـ إيجو في علم النفس الفرويدي ، أي أن الإنسان مسير ومخير في آن معاً ، تلك الثنائية التي تبدو ظاهرياً متناقضة منطقياً موجودة في النفس البشرية المعقدة ".


لننقاش الآن أحد طرفي الصراع الذي يلعب على وتر الشهوات والأهواء لدى الإنسان فلا يكترث إلى العواقب التي قد تكون مدمرة على من حوله من البشر ، هذا الطرف في الصراع لا بد أن يكون ملازماً وملاصقاً للإنسان ويولد معه ويغويه باستمرار، لماذا ؟ لأنه لم يعرف في الحياة البشرية أن أحداً لم يكن ولو للحظة من لحظات حياته غافلاً عن أهوائه ، وأيضاً يقتضي الإيمان بوجود الشيطان أنه ليس من الممكن له أن يتابع البشر كافة في نفس الوقت ليغويهم لفعل الشر ، لذلك يقوم بتوكيل أتباعه على كل إنسان جديد، وهذا يتطابق مع فكرة القرين في الدين الإسلامي ليس فقط لتفسر سلوك مبني على الشهوات وبدون قيود ، ولكن أيضاً لتفسر ظواهر كالمس الشيطاني والتقمص و استحضار الرواح وغيرها بحسب رأي بعض الباحثين. نتمنى أن تكون الأسطر التالية أن تعطي نظرة مختصرة وأقرب للشمولية قدر الإمكان عن فكرة القرين.


القرين في اللغة
القرين هو المرافق والمصاحب، فاقترن بالشيء لازمه وصاحبه


القرين في الإسلام
في الإسلام القرين كائن غيبي يلازم الإنسان في حياته وهو من الجن المسبب للوسوسة والشرور المتأتية من إغواء النفس حيث ورد ذكره في عدة مواضع من القران الكريم :


قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد
الآية 27 من سورة ق



وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
سورة الزخرف – الآية 36

كما هو ملاحظ من الايات فالقرين لا سلطة له هلى من يذكر الله وإنما هو معين لمن ظل عن السبيل

وقد بين محمد رسول الله (ص) فكرة القرين

عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير





النفس في القرآن الكريم

هل لفكرة القرين صلة بالنفس ؟ نحن نعرف أن القرآن الكريم أطلق على النفس عدة صفات عند ذكرها في مواضع عدة منها


وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

سورة يوسف - آية 53



لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ

سورة القيامة - الآية 2



يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

سورة الفجر - آية 27


تولد النفس مع الإنسان وتتطبع بطباع قد تكون طيبة أو خبيثة حسب أعمالها ، ويعتقد أن القرين هو من تتفاعل معه النفس في الأفكار والتخيلات ، فأنت مثلاً عندما تقف أمام المرآة لتسأل : هل أبدو جميلاً ؟ حينها يجيبك قرينك : كأن لون القميص ليس لائقاً . عندها قد تقتنع بما نقله إليك أو قد تجيبه بكل ثقة : " بل أبدو في غاية التألق " ، وقد تكون النفس قوية وذات قناعات راسخة لدرجة أنها طوعت قرينها بإتجاه معين لا يتزحزح عنه .