تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حوار حول الشيخ الحويني : مع بعض كتاب شبكة سحاب السلفية


سمير زمال
2009-01-18, 22:55
مقدّمــــــــــــة


بسم الله الرّحمـــــــن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف المرسلين أمّا بعد:
فكثيرا ما يوقفني بعض إخواني الغيورين على أعراض الدّعاة إلى الله جزاهم الله خيرا , على بعض الخرجات الفريدة التي لا زال غلاة الجرح و التّبديع من بعض شباب السنّة يخرجون علينا بها بين الفينة و الأخرى .
و لأنّني – بحمد الله – قد خبرت القوم و أدركت أغلب أساليبهم في تسويق بضاعتهم , فإنّني كنت أكتفي بالتّخفيف من هول الفجيعة على إخواني الغيورين هؤلاء , مع الإشارة إلى بعض دلائل التّلبيس و التّعصّب و التّطفيف في الميزان , و التي لا تخلو منها كتابات هؤلاء الإخوة هداهم الله , فكانت إشارتي إلى دلائل تلك الخصال الشّنيعة في تصرّفاتهم على سبيل دفع الشّبهة عن إخواني و تذكيرهم بنعمة الله عليهم إذ سلموا من رقّ تعظيم الخلق أكثر من الحقّ , كما هو حاصل لأولئك المساكين أصحاب التّعليقات الممجّدة للشّباب الجرّاحين و المشنّعة على الشّيوخ المجروحين بلا رحمة و لا شفقة , و الدّاعية للمضيّ في ذلك المسار الذي يزعمون فيه مقاومة أهل البدع و الحزبيّين , مع أنّهم في الحقيقة قد جسّدوا بدعة الحزبيّة المقيتة في أبشع صورها كما سيأتي في هذه العجالة .
و لقد كنت أدعو إخواني المنصفين ألّا ينشغلوا بتلك التّرهات التي تنبّه لها الحذّاق بما آتاهم الله من العلم و البصيرة , و سئم منها المبتدؤون بما منحهم الله من صفاء الفطرة و السّريرة , فلم تعد تتجاوز السّحابيّين و شبكتهم مع حوالي ثلاث منتديات كاسدة أخرى يحسن إهمال ذكرها لتزيد على إبهامها إبهاما, فصار شأنهم و الحال هذه مجموعة تتبادل الخداع و المجاملة على حساب الحق , و إن استدرجوا بعض من يكتب تعليقات التّمجيد و التّعظيم فإنّهم كما قلت لك قوم أصابتهم فتنة فعموا و صمّوا و هم بحمد الله قليل يزداد قلّة , و يكفيك نظرة فاحصة لحال من جرحوه سابقا , تتأمّل فيها إلى أين صار و صاروا ؟ , فستجد أغلب بل كلّ من جرحوه من أهل السنّة و دعاتها في علوّ مقابل نزولهم , و في اجتماع في مقابل تفرّقهم و في ستر و عافية في مقابل فضائحهم .
ففي الجزائر التي يصوّرون للنّاس أنّ شبابها قد دخلوا في منهج الغلوّ أفواجا , يكذّبهم الواقع و الحمد لله , و يكفي أن تسأل عن ضحاياهم لترى كيف أنّ ما ألحقوه بالشّيخ أبي سعيد الجزائري و الشّيخ بن حنفيّة العابدين و غيرهما لم يكن إلّا ابتلاء لهم من الله تعالى , ثمّ جاءتهم العاقبة الحسنة , فهاهي كتب الشّيخ أبي سعيد قد ملأت الآفاق , و هاهو شرح الرّسالة للشّيخ عابدين و غيره من كتبه يتخاطفه شباب السنّة , و هاهي مجالس إخوانهم في العاصمة تضيق بالشّباب و الطّلبة , و هاهم تلاميذ الشّيخ فركوس كالشّيخ حاج عيسى و الشّيخ رابح مختاري ... يسيرون على الدّرب لا مبالين بصراخ الصّارخين و لا بتشويش بقايا المشوّشين .
و هم مع ذلك في ودّ و صفاء و تعاون على البرّ و التـقوى لا يعكّره اختلاف في اجتهاد و لا شيء ممّا يعتري أعمال العباد , نعم ليس أحد منهم معصوما و لكن ليس أحدٌ منهم مبتدعا كما يزعم إخواننا الغلاة.
و في المقابل : فقد دبّ الافتراق في صفوف الغلاة المتعصّبين , فانشطر الحزب إلى أحزاب , و انقلب البناء إلى خراب و التّزكية إلى تبديع و سباب , فاعتبروا يا أولي الألباب .
ثمّ أمّا بعد :
فهذه وقفات مع خربشات بعض الإخوة المذكورين و نقولاتهم و حججهم و أحكامهم و تجريحاتهم التي أرهقوا بها الغيورين عن السنّة ممّن لا يزال يلتفت إليهم و هم قلّة و الحمد لله , و أقول لمن طلب منّي ذلك : أيّها الحبيب , هذا قليل يغني ذكره عن كثير, و من رأى من السّيف نصله فقد رآه كلّه, و إنّني إذ أجيبك عن صنيع هؤلاء فإنّما طمأنة لقلبك و جبرا لخاطرك و لأملك أن يهدي الله الضّال منّا و من باب عدم اليأس من الأمر بالمعروف مهما أنكره النّاس و عدم اليأس من إنكار المنكر مهما تعارف عليه النّاس , و إلّا فليس مع إخواننا هؤلاء ما يستحقّ الالتفات و لا هم – و لله الحمد - أغرقوا الأمّة بتلك الشّبهات بل هم –كما قلت لك – من قلّة إلى أقل و شذوذهم هذا من انكسار إلى اندثار و لا ترعبنّك القلّة التي تحزّبت على هذا الأمر المشين فإنّ
لكلّ ساقطة في الحيّ لاقــطة ° و كلّ كاسدة يوما لها ســوقُ
و ها أنا ذا أستعين الله تعالى في الوقوف مع بعض مواطن الخلل في ذلك الفكر المنحرف الذي تلبّس به بعض إخواننا , من خلال الصفحات التي سلّمتها لي , يكون ذكر ما فيها مغنيا على ما لم يذكر فإنّ الوقت نعمة مغبون فيها كثير من النّاس فلا يزيد المرء على ذلك بإنفاقها في هذه التّرهات .
و بين يدي هذه الوقفات أحبّ أن أقدّم بأمور لا بدّ من ذكرها :

أوّلا

أنّني لا أدّعي في هذه الورقات أنّني أفضل من إخواني الشّباب النّاقلين لتلك التّجريحات أو أكثر منهم علما ,كما لا أدّعي أنّني قد بلغت من العلم مبلغ الطّلبة المبتدئين فضلا عن المتقنين و ( رحم الله امرء عرف قدر نفسه) , و لكنّني في المقابل أزعم أنّني قد أحطت بجوانب هذه المسألة بكثير ممّا لم يحط به إخواني , فوجب البيان و النّصيحة فيما علمت من هذه الأمور الخطيرة و المتشعّبة , و قد علم أهل الحقّ أنّ الاجتهاد يتجزّأ و العلم يتجزّأ فمن أتقن مسألة فهو بها عالم , و لا يشترط أن ينتظر أن يصبح إماما لكي يتكلّم بما رآه من الحق كما هو ظاهر بيّن , و مثاله :
أنّ من رأى إخوانه يلحنون في الضّاد فينطقونها ظاء أو داء مفخّمة , فإنّه يجب عليه تقويم اعوجاجهم و إن لم يكن قد أحاط بباقي أبواب تجويد القرآن و أحكامه , لأنّه ( لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ) و هذا أمر مطّرد في سائر الأبواب كمن قوّم أخا له في الوضوء أو الصّوم أو الزّكاة فلا يشترط فيه إذا أتقن تلك المسألة أن يكون فقيها كبيرا لكي يتكلّم فيها و هذا داخل في قوله عليه السّلام ( بلّغوا عنّي و لو آية ) .

ثانيا :

أنّني لا أزعم في هذه الوقفات أنّ إخواننا هؤلاء قد خرجوا من السنّة و السّلفيّة مع أنّني أوقن ببغيهم على طائفة من أهل السنّة بغير حقّ كما سيأتيك و أنّهم تعصّبوا تعصّبا مقيتا لطائفة أخرى في الوقت نفسه و توضيح ذلك أن يقال :
معلوم أنّ الفضل يتبعّض كما أنّ الإيمان يتبعّض , فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا و استحبابا و تحريما و كراهة , و معلوم أنّ السنّة أبواب و أصول , و أنّ الرّجل أو الجماعة قد يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ في الجملة و في أغلب الجوانب و لكنّهم يكونون في الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في جانب أو جانبين , فلا يقضي خطؤهم على صوابهم و لا يحول صوابهم عائقا في طريق بيان خطئهم , و هذا الذي أنا بصدده هو من ذلك الباب بالضّبط , فإنّ الرّدّ على هؤلاء الإخوة و تخطئتهم إنّما هو في باب لا في كلّ أبواب الدّين , هذا و إن أمعنوا في تبديع كلّ مخالف على أساس و معيار ظالم سيأتيك خبره , فإنّ المنصف لا يزيد مقابل معصيتهم ربّهم فيه على أن يطيعه فيهم فإنّ ما عند الله خير و أبقى و لا يردّ الباطل بباطل و الله المستعان .

ثالثا :

أنّ كلّ ذي بصيرة يدرك أنّ القوم ينطلقون من نقطة جوهريّة عندهم و إن أنكروها الا و هي : نصرة أقوال بعض المشايخ في الجماعات و الرّجال , و الدّفاع عن تلك الأقوال بأيّة وسيلة , و التّعلّق في إثباتها بأيّة قشّة , و هم في ذلك بين متعصّب معاند و بين مخدوع بالمتعصّب يسايره في ما يمليه عليه ظانّا أنّه الحقّ لأسباب يطول ذكرها و مدارها على الجهل و قلّة الاطّلاع و التّشبّع اللاإرادي بالقواعد الفاسدة حتّى أنّ أذهان القوم و قلوبهم أشربت منهجا عجيبا غريبا مبناه على أنّ المصيب لا يعتريه خطأ و المخطأ لا يقع في صواب , و مثله الفضل مع الذّم و مثله التّسنّن مع البدعة , فمن وافقهم نظروا في كلامه بعيون عمياء لا تفحص و لا تبحث , و من خالفهم أعرضوا عن كلامه إعراضا تامّا , أو نظروا فيه بالمجهر و جعلوا حسنه قبيحا فكيف بقبيحه فدخلوا – من هذا الوجه - في
قول شيخ الإسلام في بداية كتاب التّصوّف إهـ (جزء 11 ص 12): ( ... ثم الناس في الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، هم أيضًا مجتهدون، يصيبون تارة، ويخطئون تارة، وكثير من الناس إذا علم من الرّجل ما يحبه , أحب الرّجل مطلقًا ، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه؛ أبغضه مطلقا، وأعرض عن حسناته،(...) وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة ، وأهل السنة والجماعة يقولون ما دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع و هو أنّ المؤمن يستحق وعد الله و فضله الثّواب على حسناته و يستحقّ العقاب على سيّئاته و إنّ الشّخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه و ما يعاقب عليه و ما يحمد عليـه و ما يذمّ عليه و ما يحبّ منه و ما يبغض منه فهذا هذا .
و له رحمه الله كلام كثير نفيس يقرّر فيه هذا الأصل الأصيل الذي عليه أهل السنّة و الجماعة و الذي غيّبه إخواننا هؤلاء بحجّة دفع (منهج الموازنات في النّقد ) و ليس بشيء فإنّ الموازنة بين المحاسن و المساوئ في الحكم على الرّجال و تقرير منزلتهم في الدّين منهج صحيح قويم و يخشى على من ردّه أن يكون باغيا مبتدعا و تفصيله ليس هذا موضعه الله المستعان.


رابعا

فصل في التّنبيه على الخلط بين الاتّفاق على القدر الأدنى و بين الإجماع على القدر الأعلى
و أنّ هذا من أبطل الباطل
وذلك أنّ إخواننا هؤلاء يصوّرون للشّباب أنّ كلّ (كل) علماء السنّة في هذا العصر بل و على مدار الدّهر متّفقون مع من يتعصّبون لهم في مسائل الاجتهاد المتعلّقة بباب التّبديع و الحكم على الجماعات و هذا باطل و توضيحه مهمّ جدّا يجفّ بسدّ ثغرته واد كبير من أودية الغلو , فتأمّله ترشد و تهتد :
و ذلك أنّ المعيّن محل النّزاع تكون له أخطاء أو بدع و ضلالات , فيتكلّم فيه لأجلها خلق كثير من الأفاضل و العلماء , فمنهم من يبدّعه و منهم من يشنّع عليه في بدعته و لا يحكم عليه بالبدعة , و منهم من يراه جاهلا و منهم من يبحث لفعله أو قوله عن محمل ما و منهم من قد يشدّد فيكفّره أو يكاد و منهم من يتساهل فيعدّه إماما و لا شيء عليه مع اعترافه بأنّه أخطأ في تلك المسألة و منهم من يقول تراجع و منهم من ينازع في كون مقالته دالّة على البدعة أو أنّها مجملة فيذمّه في إجماله و لا يحكم عليه بشيء .
فتصرّفُ هؤلاء المذكورين في هذا المثال , ليس على صورة واحدة كما ترى , فهم اختلفوا في أشياء و اتّفقوا في شيء و هو القدر الأدنى المشترك بينهم جميعا أو بين أكثرهم و هو مثلا :

- إثبات وقوع المحكوم عليه في البدعة أو الخطأ .
- أو إثبات ذمّه و إنزاله عن منزلة الإمامة في الدّين .

فيأتي متعصّب لمن كفّره , فيظنّ كلامهم إجماعا على قول متبوعه و يجعله ملزما لمن خالفه كإلزام الإجماع تماما , و يعامل من خالفه بمعاملة من خالف نصّا أو إجماعا متيقّنا , و الحقّ أنّ هؤلاء الأفاضل ما اتّفقوا في هذه الصّورة على الوجه الذي يفهمه المتعصّب وبيانه :
أنّهم إذا كانوا اتّفقوا على تخطئته فإنّ شيخك كفّره ( أو بدّعه ) و التّخطئة غير التّكفير و التّبديع
و إذا كانوا اتّفقوا على ذمّه فإنّ الذّمّ درجات فمنه تكفير و منه تبديع و منه تفسيق و منه تجهيل, فإن كنت تتعصّب لمن كفّره مثلا فهل من الصّدق أن تقول : أجمع هؤلاء العلماء على ما قال به شيخي ؟ و كذلك التّفسيق و غيره .
و ما قيل في الفرد المعيّن يقال في الجماعات .
و هذا مرجعه إلى مباحث الإجماع و دلالات الألفاظ و المعاني , حيث يتوهّم بعض النّاس إطباق المشايخ على قول و هم في الحقيقة مشتركون في قدر و مختلفين في ما زاد عن ذلك القدر الذي ينصره المتوهّــم , و التّنبّه لهذا الأمر مهمّ في ما نحن بصدده جدّا , و هو أنّ ما دلّ على القدر المشترك بين هؤلاء المختلفين , ليس فيه دليلا على ما اختصّ به كلّ واحد منهم زائدا به على غيره فكيف بزعم الإجماع و الله المستعان .
و من هذا الباب دخل التّعصّب و أدخل الباطل على كثير من الشّباب فإنّ العلماء قد يتّفقون على ذمّ شخص و لكنّهم يختلفون في وجه ذلك الذّمّ و درجته , فيأتي من يدّعي نسبته إلى الجهم بن صفوان بأقوال من ردّوا مقالة كفريّة جهميّة للمحكوم عليه و يضمّها إلى صوت من حكم عليه بالجهميّة الصّريحة على أنّها موافقة مطلقة !!! فيلتبس الأمر على المتلقّي الغارق في العاطفة و حسن الظنّ و يضيع الحق و معه حقوق كثيرة أوّلها حقّ العلماء في عدم تحريف أقوالهم و عدم التّقوّل عليهم و حقّ طلبة العلم في أن يعانوا و لا يهانوا و حقّ الأخوّة الإيمانيّة الثّابتة التي لا يحرّكها اختلاف في اجتهاد , و في واقع إخواننا و تعاملاتهم يظهر هذا المعلم المظلم جليّا لا يحتاج إلى مزيد توضيح و قد ذكرته ها هنا لأنّي قد أحيلك عليه في ما بقي من المناقشة و الله الموفّق لا إله إلّا هو .....

يتبــــــــــــــــــــــــــــع بإذن الله تعالى
المصدر منتديات تبسة الإسلامية (http://tebessa.forume.biz/montada-f9/topic-t1679.htm#3824)

homida ahmed
2009-01-19, 10:36
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
مشكور اخي الكريم الواقع لك الشكر ما افدتنا ه من هذه الكلمات الرائعة
حقيقة القول نذهب دائما لما نختلف فيه ولا نرجع لما اجتمعنا عليه
كما قلت اهل العلم معرفة منا واجتهادتنا خاطئة تحتمل الصواب كما قالهافي قولته المشهورة الامام الشافعي رحمه الله .
...............جزاك الله عنا وعنهم بالخير خيرات وبالكلمات حسنات

سمير زمال
2009-01-19, 20:11
مشكور اخي ....................

المقنين الساحر
2009-01-21, 15:10
جزاك الله خيرا ياأخي على إثارة هذا الموضوع في بيان هذا المنهج الخبيث الذي تلبس به بعض شبابنا اليوم ، وكما قلت فإنه يتراجع يوما بعد يوم ولله الحمد ويقل أتباعه المتعصبين لرؤوسه وكما يقال { ما بني على باطل فهو باطل }

ابوانس 22
2009-01-21, 15:52
جزاك الله خيرا

سمير زمال
2009-01-22, 12:36
بارك الله فيكم أحبتي - ويعلم الله ان المقصد من هذا البحث بيان بعض مما خفي ...وليعلم الإخوة في سحاب أنه ليس طعن في الشبكة - التي لها فضل كبير وعندها من ثناء أهل العلم والفضل ما يغنيها عن ثنائنا ..... لكن ما يؤخذ عليهم غلق باب الحوار والتعليق
خامسا : أنّ إخواننا هؤلاء و حيث تعصّبوا لكلام بعض الأفاضل فإنّه عسر عليهم التّسليم لمن خالفهم , و زاد الأمر تعقيدا في نفوسهم :
أن جعلوا موضع النّزاع ليس هو تبرئة الحويني ( كما هنا) و لكنّهم جعلوا موضع النّزاع هو انتقاص من بدّع الحويني أو غيره , و لذلك تراهم ينهالون بتعليقات الثّناء على المشايخ بمجرّد تنزيل موضوع في ذمّ هذا أو ذاك و كأنّ ثمّة خصومة دنيوية لا علميّة , و هذا من الجهل و التّعصّب و الحيدة عن مواطن الخلاف و القفز إلى اصطناع خلاف غير موجود أصلا ,
و ذلك أنّنا لا نخالفهم في فضل كثير ممّن يتعصّبون لهم
و لكنّنا بحمد الله ننظر نظرة سلفيّة لا نظرة صوفيّة , فنقبل الحقّ ممّن جاء به و نرد الباطل ممّن صدر منه , و لا يلزم من قبول الحقّ تعظيم قائله و لا يلزم من ردّ الباطل انتقاص قائله , و هذا هو منهج أهل السنّة قاطبة و عليه نسير ,
و من زعم أنّ الأمر غير هذا فعليه البيّنة و أنّى له .
سادسا :أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني سلّمه الله قد ثبتت له منزلة الفضل في هذه الأمّة بما
لا ينكره إلا مجحف , وكان ذلك قديما على لسان الشّيخ الألباني في أكثر من موضع ,
ثمّ جاءت فتنة الغلوّ في التّجريح , فأصابته سهام القوم الذين هم بين باغ و مجتهد مأجور , و إنّما الوقفة هذه مع البغاة الذين جنوا على الرّجل و على كثير من أهل الفضل بقواعد هشّة لا يعرفها أهل الحقّ و لا يقرّونها .
و قد أثبتت السّنين لكلّ ذي عينين أنّ الرّجل سلفيّ مصلح لا خلفيّ مفسد
, و لو كان كما يقولون لما طال عمر فتنته و لا استمرّت فصول كذبته فإنّه
كما قال بعض السّلف
( لو همّ رجل أن يكذب على النّبي الكريم في البحر تحدّث النّاس في البر أنّ فلانا كذّاب )
و لم نسمع الشّيخ يوما يكفر أهل المعاصي أو يطالب بالخروج على أولياء الأمور أو يعرّض بذلك , و لا رأينا منه تحريضا و لا رأى منه ذلك من يتابع دروسه من المنصفين و العقلاء .
ثمّ شاء الله تعالى أن يخرج الشّيخ بدعوته المباركة على شاشات بعض الفضائيّات , فعادت إليه ألسنة الشّباب الجرّاحين تطلب عرضه و تروم هدمه , آخذة في ذلك بالأقوال التي مرّت عليها سنين يتذكّر فيها المتذكّر , و يتّعظ فيها المتّعظ ,
و يظهر فيها المخبوء , و الرّجل ثابت لا يتزعزع كما أسلفت لك .
ثمّ سئل عنه الشّيخ الفاضل المحدّث أبو عبيدة مشهور حسن سلمان , فزكّاه و أشهد الله على ما يقول , و صرّح أنّه من الرّاسخين في الحديث الدّاعين إلى التّصفية و التّربية , مشيرا إلى آثار خروجه على بعض القنوات , و ظهور تلك الآثار الطيّبة على العوام فضلا على المتسنّنين , و طالب الشّيخ من يلمز في الحويني أن يأتي بالبرهان و الدّليل , و أن يتّق الله ربّه .
ثمّ دافع عنه الشّيخ علي الحلبي وفّقه الله في أكثر من موضع , و قال أنّه سلفي ,
و إن كان أنّ عنده أخطاء , و أنّ مسلك الهدم مسلك غير عادل و لا سلفي .
و هذا الذي قاله الشّيخان الفاضلان , عليه عدّة من مشايخنا الأفاضل في الجزائر و في غيرها , و الشّيخ أبو إسحاق قد وضع الله له القبول في كثير من طبقات النّاس , حتّى و الله لقد صار كثير من العوام يحذّرون بعضهم بعضا من الأحاديث الضّعيفة و الموضوعة و يعرفون شرك الدّعاء و حرمة الاستغاثة بالصّالحين و الأولياء , و أنّ العبادة يجب أن تصرف خالصة لربّ السّماء , ولا عجب , فإنّ الشّيخ حفظه الله لم يترك بابا من أبواب الدّين إلا و نبّه عليه , و ردّ على الصّوفيّة و ردّ على العقلانيّين و ردّ على أكثر المخالفين في مصر و غيرها ,
بطريقة يفرح بها كلّ محبّ للسنّة إذ يكفي أن يزحف بجحافل السنّة و حجج أهل الحديث على الرّوافض الذين يسبّون الصّحابة في مصر , فيفحمهم , و على النّصارى فيفضحهم و على المتصوّفة فلا يبقي لهم قشّة يتعلّقون بها , و يكفي أنّه حفظه الله قد أخرج الله به كثيرا ممّن يملكون صحونا لاقطة , أخرجهم من فتن قنوات الدّجل و الغناء و الأفلام السّاقطة إلى رياض السنّة الزّاهرة , و سحائبها الماطرة , فهل من معترف بالفضل لأهل الفضل يا أهل الفضل الذين بغوا على إخوانهم .
و هل من العدل أن تخرجوا علينا تصرخون أنّ الرّجل ليس معه إلا القصص و الكلام السّياسي , و أنّه لا يدعو لتوحيد و لا لسنّة و لا لتصفية و لا لتربية ,
بل و اتّهمتموه أنّه يجعل التّوحيد أربع أقسام , و أنّه يجعل الألوهيّة هي الحكم ,
و أنّه يجعل لا إله إلا الله بمعنى ( لا حاكم إلا الله) و أنّكم ما رأيتم منه خيرا قط , أفلا تتّقون ؟
و إذا كان أغلبكم أو كلكم لا يتابعون القنوات و لا لمن يتابع هذه القنوات , فكيف تجعلون عدم العلم بجهود الشّيخ علما بعدم جهوده , و
عدم العلم ليس علما بالعدم كما هي القاعدة المعلومة
عند طلبة العلم ؟
و أمّا نحن : فلا ندّعي له العصمة و لا السلامة من الخطأ و الزّلل ,
و لكنّنا نرى أنّكم بخستموه حقّه , بل و بخستم السنّة حقّها فإنّه قد علم أنّ النّظر إلى المصالح و المفاسد و الإنصاف في الحكم و اعتبار المآلات , هذا كلّه حاكم على الأمور الاجتهادية التي منها الحكم على الأعيان و خاصة الذين من هذا النّوع .
و لو أنّكم فصّلتم في الحكم لكان وقع ظلمكم أخفّ ,
و لو أنّكم لم توالوا و تعادوا على ذلك الحكم لكان أخفّ و أخفّ ,
لكنكم و الله المستعان قد أجملتم في موضع التّفصيل و أطلقتم في موضع التّقييد , و قلتم ما ليس لكم عليه غير مشتبهات محتملات , و ممّن يقرأ هذه الورقات أناس يشاهدون الحويني على القنوات فنسألهم : بالله عليكم : هل سمعتم الرّجل يقول إنّ توحيد الألوهيّة هو توحيد الحكم , أو أنّ الخروج على ولاة الأمور جائز أو مختلف فيه , أو أنّ حكّام الأرض جميعا كفرة !!!
فأمّا الحجج التي يزعم إخواننا أنّها معهم فأبشر بانهيارها عمّا قريب ,
و أمّا أنّ رجلا له خمسين عاما يخطب و يتكلّم , و ينقّب المتربّصون له عن زلّة أو هفوة و يجدونها فهذا ممكن بل أكيد , و أمّا زعمهم أنّها دليل على منهج يسلكه فهذا قول مضحك مبك سيأتيك خبره ,
فتعيّن أن أجيبك – أخي المستنصح – إلى الدّفاع عن الرّجل منطلقا من مناقشة أصول من تعصّب على تبديعه من إخواننا وذلك من خلال ما نقلت إليّ من موقع سحاب ممّا احتجّ به بعض الشّباب لننصح و نستنصح , و نبحث عن الحقّ فيما اختلف فيه الخلق , و ها هنا تنبيه مهــم :
قد وددت - و الله - ألا أذكر اسما و لا رسما , و لكنّ ما لا يتحقّق المطلوب إلا بذكره فلا محيد عليه .
و هذه الشّبكة أيضا وددت ألا أذكرها و لكنّ الأمر لازم إلا ألّا أتكلّم أصلا , فذكرتها و أنا إذ أنتقد على إخواني الشّباب مسلكهم في الجرح و التّبديع و التّقليد الشّنيع إلا أنّني أقول :
قد رأيت بعض الطيّبين من الأعضاء ينقلون من تلك الشّبكة فلعلّه يحسن أن أقول لهم :
أولا :
لا يضير أن تنقلوا بل و أن تسجّلوا هناك و تستفيدوا من هذه الشّبكة في ما يتعلّق بالعلم النّافع و الذي لا تخلو منه .
ثانيا : أمّا بخصوص الغيبة و النّميمة و الطّعن في السّلفيّين الدّعاة إلى الله فهذه هي البقعة السّوداء على تلك الشّبكة فاحذروها و خاصّة من هو جديد في الالتزام و لا يزال على الفطرة لم يدخل عليه داخل الغلو , و والله قد رأيت من اهتدى إلى السنة بسبب الحويني و محمّد حسّان , و غيرهما , ثمّ وقع في أيدي هؤلاء الإخوة سامحهم الله , فصار اليوم يسمّي الحويني بالضّال المضل ,
بل و يحذّر أمّه من مشاهدته!! و هذا من فوائد الإطلاق عند القوم و إلّا فماذا يخشى على عجوز طاعنة أن تفعل بها قطبيّة! الحويني, أو حزبيّة محمّد حسّان ! و يخلق الله ما يشاء
و لا حول و لا قوّة إلا بالله .
هذه كلمات بين يدي المقال , و قد أزف الابتداء في مناقشة من تعصّب للرّجال , و هذه الوقفة الأولى في ذمّ استعمال الإخوة هداهم الله للتّبديع بالمجمل , و هي الحلقة الأولى و تأتي بعدها حلقات أسأل الله أن يعين على تمامها ,
و أن ينفع بها من كتبها و من قرأها وأن يهدينا جميعا سواء السّبيل , و إلى مناقشة مقالات الرّجل التي احتجّ بها بعض الشّباب في تضليل الحويني :
الحلقة الأولى : الطّاعن يستعمل ألفاظا مجملة غير محرّرة و يعلّق عليها ذمّا شرعيّا بلا دليل :
قال الطّاعــــــــــــن :
...أما بعد؛ فإن المخالفات الكبرى عند الحويني والتي خالف بها أصول أهل السنة، ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين تنحصر فيما يلي :
قوله : ( المخالفات الكبرى... ) وصف يحتمل معنيان من جهة كبر هذه المخالفات : نسبيّ ( إلى صاحبها ) و حقيقي , فيقال هلّا بيّنت لنا مقصودك : أهي كبرى بمعنى أنّها أكبر ما وجد عند الحويني من مخالفات , أو أنّها كبرى بالنّسبة لأصول أهل السنّة و عقيدتهم التي تميّزوا بها عن أهل البدعة و الضّلالة .
و الظّاهر أنّ كلّا من الأمرين مقصود :
فالمعنى الأوّل دليله الحكم عليه بأنّه مبتدع , و لا يكون الرّجل مبتدعا إلا بمخالفته للسنّة في أصل عظيم , أو بما يرقى إلى درجته بمجموعه من الفروع و الجزئيّات كما هو معلوم .
و المعنى الثّاني : دليله ذكر انحصار ما أخذ على الرّجل في ما ساقه و لا شكّ أنّ متخصّصا حاذقا !! مثل هذا الطّاعن , لا يمكن أن يذكر الهنات عند تبديع صاحب (كبرى المخالفات) في مقام تفصيل و احتجاج على أمر عظيم و هو الطّعن في دين حامل دين داعية إلى الله كالحويني .
قوله
( .... ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين...)
أقول : هذه بداية مبكّرة في الانحراف عن قواعد أهل السنّة و أصولهم التي يزعم الطّاعن المنافحة عنها , و هو بذلك قد وافق سمتا عامّا تتميّز به ألفاظ أهل البدع كما سترى:
و ذلك أنّ أهل السنّة و الجماعة و حيث كانوا أعلم النّاس بالحق و أرحمهم بالخلق فإنّهم يتخيّرون من العبارات أبعدها عن الإجمال و أسلمها من الاحتمال , و أوضحها في المقال , هذا دأبهم العام في كلّ شؤونهم و مواقفهم , فكيف بأمر متعلّق بأعراض المسلمين , فكيف بأسماءَ يعلّق عليها المتكلّم ذمّا شرعيّا منسوبا إلى الله و رسوله ؟ و يجعلها قسما مندرجا تحت بدعة كبرى( حقّا لا تلبيسا على حدثاء الأسنان ) و هي بدعة الخروج ؟
أهكذا يكون عرض أهل السنّة و حالهم في الكلام عن خصومهم , التّصنيف بالظنّ و الجرح بالاحتمالات و القذف بالألفاظ المجملات و أين هذا التّصرّف
الغامض من قول شيخ الإسلام رحمه الله في شرح حديث الافتراق :
(وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه (يعني أهل السنّة) إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، و اتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم‏.‏ وجماع الشر الجهل والظلم... )
فهل أجمع أهل السنّة أنّها توجد فرقة جديدة إسمها السّروريّة و أدرجوها تحت الأصل البدعي الأكبر الذي هو الخروج , لأنّهم إذا كانوا قد أجمعوا على ذلك , فلا شكّ أنّهم بيّنوا رحمهم الله أصول هذه الفرقة و مقالاتها و مميّزاتها , سواءً ما لحقت من أجله بالخوارج أو ما تميّزت به عن باقي فرقهم كالحروريّة و الأزارقة و غيرهم و هذا هو محلّ الخلل في كلام الطّاعن كما سيأتي .
فإن كان الأمر كذلك فإنّ على المتكلّم أن يبيّن للنّاس أين وقع هذا في فتاواهم رحمهم الله ثمّ بعد ذلك يأتي بدعواه أنّ فلانا من هؤلاء لكي يحسن له الاحتجاج إذا احتج , و يحسن للنّاس النّظر في أقواله المجرّدة التي يبقى أبناؤها أدعياء إلى حين إثبات البيّنات عليها , و هذا لكي لا يكون ممّن يتكلّم في الشّرع و في أعراض حملة الشّرع بالألفاظ المجملة فيلحق – من هذا الوجه - بمن ذمّهم شيخ الإسلام في النّقل السّابق .
و توضيحه :
أنّ الحكم على فلان بأنّه سروري مفتقر إلى مقدّمات أهمّها : معرفة من هم السّروريّة معرفة جليّة واضحة لا يعتريها وهم أو اضطراب , معرفة أصولهم , معرفة أصول المحكوم عليه , ثمّ النّظر في هذه الأصول هل هي فعلا أصول القوم أم لا , فإن ثبت ذلك أو بعضه , نظر في ما يسمّى بضوابط الحكم على المعيّن من قيام حجّة و انتفاء الموانع و توفّر الشّروط , مع استصحاب القاعدة الكبرى التي غفل عنها الأستاذ و هي أنّه ( ليس كلّ من وقع في الكفر كافرا و لا كلّ من وقع في البدعة مبتدعا ) و لا كلّ من وقع في السّروريّة ! سروريّا .
فأين هذا كلّه في دعوى الأستاذ الجارح و من نقل عنه ؟

........

المقنين الساحر
2009-01-22, 14:12
جزاك الله خيرا يا أخي على هذا التأصيل الرائع وننتظر منك المزيد إن شاء الله ، أما أصحاب هذا المنهج فأقسم بالله العظيم لو أن ابن حجر والنووي والقرطبي رحمهم الله في زماننا هذا لولغ في أعراضهم هؤلاء المنتسبين للسلفيية زورا وبهتانا بحجة أنهم تلطخوا بأوحال الأشعرية ، فهؤلاء القوم لم يفقهوا إلى حد الآن قاعدة { الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث } وليتهم رجعوا إلى كتاب سير أعلام النبلاء ليرو منهج المنصفين من أهل العلم .....

سمير زمال
2009-01-24, 20:07
خامسا :
أنّ إخواننا هؤلاء و حيث تعصّبوا لكلام بعض الأفاضل فإنّه عسر عليهم التّسليم لمن خالفهم , و زاد الأمر تعقيدا في نفوسهم :
أن جعلوا موضع النّزاع ليس هو تبرئة الحويني ( كما هنا) و لكنّهم جعلوا موضع النّزاع هو انتقاص من بدّع الحويني أو غيره , و لذلك تراهم ينهالون بتعليقات الثّناء على المشايخ بمجرّد تنزيل موضوع في ذمّ هذا أو ذاك و كأنّ ثمّة خصومة دنيوية لا علميّة , و هذا من الجهل و التّعصّب و الحيدة عن مواطن الخلاف و القفز إلى اصطناع خلاف غير موجود أصلا ,
و ذلك أنّنا لا نخالفهم في فضل كثير ممّن يتعصّبون لهم
و لكنّنا بحمد الله ننظر نظرة سلفيّة لا نظرة صوفيّة , فنقبل الحقّ ممّن جاء به و نرد الباطل ممّن صدر منه , و لا يلزم من قبول الحقّ تعظيم قائله و لا يلزم من ردّ الباطل انتقاص قائله , و هذا هو منهج أهل السنّة قاطبة و عليه نسير ,
و من زعم أنّ الأمر غير هذا فعليه البيّنة و أنّى له .
سادسا :
أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني سلّمه الله قد ثبتت له منزلة الفضل في هذه الأمّة بما
لا ينكره إلا مجحف , وكان ذلك قديما على لسان الشّيخ الألباني في أكثر من موضع ,
ثمّ جاءت فتنة الغلوّ في التّجريح , فأصابته سهام القوم الذين هم بين باغ و مجتهد مأجور , و إنّما الوقفة هذه مع البغاة الذين جنوا على الرّجل و على كثير من أهل الفضل بقواعد هشّة لا يعرفها أهل الحقّ و لا يقرّونها .
و قد أثبتت السّنين لكلّ ذي عينين أنّ الرّجل سلفيّ مصلح لا خلفيّ مفسد
, و لو كان كما يقولون لما طال عمر فتنته و لا استمرّت فصول كذبته فإنّه
كما قال بعض السّلف
( لو همّ رجل أن يكذب على النّبي الكريم في البحر تحدّث النّاس في البر أنّ فلانا كذّاب )
و لم نسمع الشّيخ يوما يكفر أهل المعاصي أو يطالب بالخروج على أولياء الأمور أو يعرّض بذلك , و لا رأينا منه تحريضا و لا رأى منه ذلك من يتابع دروسه من المنصفين و العقلاء .
ثمّ شاء الله تعالى أن يخرج الشّيخ بدعوته المباركة على شاشات بعض الفضائيّات , فعادت إليه ألسنة الشّباب الجرّاحين تطلب عرضه و تروم هدمه , آخذة في ذلك بالأقوال التي مرّت عليها سنين يتذكّر فيها المتذكّر , و يتّعظ فيها المتّعظ ,
و يظهر فيها المخبوء , و الرّجل ثابت لا يتزعزع كما أسلفت لك .
ثمّ سئل عنه الشّيخ الفاضل المحدّث أبو عبيدة مشهور حسن سلمان , فزكّاه و أشهد الله على ما يقول , و صرّح أنّه من الرّاسخين في الحديث الدّاعين إلى التّصفية و التّربية , مشيرا إلى آثار خروجه على بعض القنوات , و ظهور تلك الآثار الطيّبة على العوام فضلا على المتسنّنين , و طالب الشّيخ من يلمز في الحويني أن يأتي بالبرهان و الدّليل , و أن يتّق الله ربّه .
ثمّ دافع عنه الشّيخ علي الحلبي وفّقه الله في أكثر من موضع , و قال أنّه سلفي ,
و إن كان أنّ عنده أخطاء , و أنّ مسلك الهدم مسلك غير عادل و لا سلفي .
و هذا الذي قاله الشّيخان الفاضلان , عليه عدّة من مشايخنا الأفاضل في الجزائر و في غيرها , و الشّيخ أبو إسحاق قد وضع الله له القبول في كثير من طبقات النّاس , حتّى و الله لقد صار كثير من العوام يحذّرون بعضهم بعضا من الأحاديث الضّعيفة و الموضوعة و يعرفون شرك الدّعاء و حرمة الاستغاثة بالصّالحين و الأولياء , و أنّ العبادة يجب أن تصرف خالصة لربّ السّماء , ولا عجب , فإنّ الشّيخ حفظه الله لم يترك بابا من أبواب الدّين إلا و نبّه عليه , و ردّ على الصّوفيّة و ردّ على العقلانيّين و ردّ على أكثر المخالفين في مصر و غيرها ,
بطريقة يفرح بها كلّ محبّ للسنّة إذ يكفي أن يزحف بجحافل السنّة و حجج أهل الحديث على الرّوافض الذين يسبّون الصّحابة في مصر , فيفحمهم , و على النّصارى فيفضحهم و على المتصوّفة فلا يبقي لهم قشّة يتعلّقون بها , و يكفي أنّه حفظه الله قد أخرج الله به كثيرا ممّن يملكون صحونا لاقطة , أخرجهم من فتن قنوات الدّجل و الغناء و الأفلام السّاقطة إلى رياض السنّة الزّاهرة , و سحائبها الماطرة , فهل من معترف بالفضل لأهل الفضل يا أهل الفضل الذين بغوا على إخوانهم .
و هل من العدل أن تخرجوا علينا تصرخون أنّ الرّجل ليس معه إلا القصص و الكلام السّياسي , و أنّه لا يدعو لتوحيد و لا لسنّة و لا لتصفية و لا لتربية ,
بل و اتّهمتموه أنّه يجعل التّوحيد أربع أقسام , و أنّه يجعل الألوهيّة هي الحكم ,
و أنّه يجعل لا إله إلا الله بمعنى ( لا حاكم إلا الله) و أنّكم ما رأيتم منه خيرا قط , أفلا تتّقون ؟
و إذا كان أغلبكم أو كلكم لا يتابعون القنوات و لا لمن يتابع هذه القنوات , فكيف تجعلون عدم العلم بجهود الشّيخ علما بعدم جهوده , و
عدم العلم ليس علما بالعدم كما هي القاعدة المعلومة
عند طلبة العلم ؟
و أمّا نحن : فلا ندّعي له العصمة و لا السلامة من الخطأ و الزّلل ,
و لكنّنا نرى أنّكم بخستموه حقّه , بل و بخستم السنّة حقّها فإنّه قد علم أنّ النّظر إلى المصالح و المفاسد و الإنصاف في الحكم و اعتبار المآلات , هذا كلّه حاكم على الأمور الاجتهادية التي منها الحكم على الأعيان و خاصة الذين من هذا النّوع .
و لو أنّكم فصّلتم في الحكم لكان وقع ظلمكم أخفّ ,
و لو أنّكم لم توالوا و تعادوا على ذلك الحكم لكان أخفّ و أخفّ ,
لكنكم و الله المستعان قد أجملتم في موضع التّفصيل و أطلقتم في موضع التّقييد , و قلتم ما ليس لكم عليه غير مشتبهات محتملات , و ممّن يقرأ هذه الورقات أناس يشاهدون الحويني على القنوات فنسألهم : بالله عليكم : هل سمعتم الرّجل يقول إنّ توحيد الألوهيّة هو توحيد الحكم , أو أنّ الخروج على ولاة الأمور جائز أو مختلف فيه , أو أنّ حكّام الأرض جميعا كفرة !!!
فأمّا الحجج التي يزعم إخواننا أنّها معهم فأبشر بانهيارها عمّا قريب ,
و أمّا أنّ رجلا له خمسين عاما يخطب و يتكلّم , و ينقّب المتربّصون له عن زلّة أو هفوة و يجدونها فهذا ممكن بل أكيد , و أمّا زعمهم أنّها دليل على منهج يسلكه فهذا قول مضحك مبك سيأتيك خبره ,
فتعيّن أن أجيبك – أخي المستنصح – إلى الدّفاع عن الرّجل منطلقا من مناقشة أصول من تعصّب على تبديعه من إخواننا وذلك من خلال ما نقلت إليّ من موقع سحاب ممّا احتجّ به بعض الشّباب لننصح و نستنصح , و نبحث عن الحقّ فيما اختلف فيه الخلق , و ها هنا تنبيه مهــم :
قد وددت - و الله - ألا أذكر اسما و لا رسما , و لكنّ ما لا يتحقّق المطلوب إلا بذكره فلا محيد عليه .
و هذه الشّبكة أيضا وددت ألا أذكرها و لكنّ الأمر لازم إلا ألّا أتكلّم أصلا , فذكرتها و أنا إذ أنتقد على إخواني الشّباب مسلكهم في الجرح و التّبديع و التّقليد الشّنيع إلا أنّني أقول :
قد رأيت بعض الطيّبين من الأعضاء ينقلون من تلك الشّبكة فلعلّه يحسن أن أقول لهم :
أولا :لا يضير أن تنقلوا بل و أن تسجّلوا هناك و تستفيدوا من هذه الشّبكة في ما يتعلّق بالعلم النّافع و الذي لا تخلو منه .
ثانيا : أمّا بخصوص الغيبة و النّميمة و الطّعن في السّلفيّين الدّعاة إلى الله فهذه هي البقعة السّوداء على تلك الشّبكة فاحذروها و خاصّة من هو جديد في الالتزام و لا يزال على الفطرة لم يدخل عليه داخل الغلو , و والله قد رأيت من اهتدى إلى السنة بسبب الحويني و محمّد حسّان , و غيرهما , ثمّ وقع في أيدي هؤلاء الإخوة سامحهم الله , فصار اليوم يسمّي الحويني بالضّال المضل ,
بل و يحذّر أمّه من مشاهدته!! و هذا من فوائد الإطلاق عند القوم و إلّا فماذا يخشى على عجوز طاعنة أن تفعل بها قطبيّة! الحويني, أو حزبيّة محمّد حسّان ! و يخلق الله ما يشاء
و لا حول و لا قوّة إلا بالله .
هذه كلمات بين يدي المقال , و قد أزف الابتداء في مناقشة من تعصّب للرّجال , و هذه الوقفة الأولى في ذمّ استعمال الإخوة هداهم الله للتّبديع بالمجمل , و هي الحلقة الأولى و تأتي بعدها حلقات أسأل الله أن يعين على تمامها ,
و أن ينفع بها من كتبها و من قرأها وأن يهدينا جميعا سواء السّبيل , و إلى مناقشة مقالات الرّجل التي احتجّ بها بعض الشّباب في تضليل الحويني :
الحلقة الأولى :
الطّاعن يستعمل ألفاظا مجملة غير محرّرة و يعلّق عليها ذمّا شرعيّا بلا دليل :
قال الطّاعــــــــــــن :
...أما بعد؛ فإن المخالفات الكبرى عند الحويني والتي خالف بها أصول أهل السنة، ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين تنحصر فيما يلي :
قوله : ( المخالفات الكبرى... ) وصف يحتمل معنيان من جهة كبر هذه المخالفات : نسبيّ ( إلى صاحبها ) و حقيقي , فيقال هلّا بيّنت لنا مقصودك : أهي كبرى بمعنى أنّها أكبر ما وجد عند الحويني من مخالفات , أو أنّها كبرى بالنّسبة لأصول أهل السنّة و عقيدتهم التي تميّزوا بها عن أهل البدعة و الضّلالة .
و الظّاهر أنّ كلّا من الأمرين مقصود :
فالمعنى الأوّل دليله الحكم عليه بأنّه مبتدع , و لا يكون الرّجل مبتدعا إلا بمخالفته للسنّة في أصل عظيم , أو بما يرقى إلى درجته بمجموعه من الفروع و الجزئيّات كما هو معلوم .
و المعنى الثّاني : دليله ذكر انحصار ما أخذ على الرّجل في ما ساقه و لا شكّ أنّ متخصّصا حاذقا !! مثل هذا الطّاعن , لا يمكن أن يذكر الهنات عند تبديع صاحب (كبرى المخالفات) في مقام تفصيل و احتجاج على أمر عظيم و هو الطّعن في دين حامل دين داعية إلى الله كالحويني .
قوله
( .... ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين...)
أقول : هذه بداية مبكّرة في الانحراف عن قواعد أهل السنّة و أصولهم التي يزعم الطّاعن المنافحة عنها , و هو بذلك قد وافق سمتا عامّا تتميّز به ألفاظ أهل البدع كما سترى:
و ذلك أنّ أهل السنّة و الجماعة و حيث كانوا أعلم النّاس بالحق و أرحمهم بالخلق فإنّهم يتخيّرون من العبارات أبعدها عن الإجمال و أسلمها من الاحتمال , و أوضحها في المقال , هذا دأبهم العام في كلّ شؤونهم و مواقفهم , فكيف بأمر متعلّق بأعراض المسلمين , فكيف بأسماءَ يعلّق عليها المتكلّم ذمّا شرعيّا منسوبا إلى الله و رسوله ؟ و يجعلها قسما مندرجا تحت بدعة كبرى( حقّا لا تلبيسا على حدثاء الأسنان ) و هي بدعة الخروج ؟
أهكذا يكون عرض أهل السنّة و حالهم في الكلام عن خصومهم , التّصنيف بالظنّ و الجرح بالاحتمالات و القذف بالألفاظ المجملات و أين هذا التّصرّف
الغامض من قول شيخ الإسلام رحمه الله في شرح حديث الافتراق :
(وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه (يعني أهل السنّة) إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، و اتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم‏.‏ وجماع الشر الجهل والظلم... )
فهل أجمع أهل السنّة أنّها توجد فرقة جديدة إسمها السّروريّة و أدرجوها تحت الأصل البدعي الأكبر الذي هو الخروج , لأنّهم إذا كانوا قد أجمعوا على ذلك , فلا شكّ أنّهم بيّنوا رحمهم الله أصول هذه الفرقة و مقالاتها و مميّزاتها , سواءً ما لحقت من أجله بالخوارج أو ما تميّزت به عن باقي فرقهم كالحروريّة و الأزارقة و غيرهم و هذا هو محلّ الخلل في كلام الطّاعن كما سيأتي .
فإن كان الأمر كذلك فإنّ على المتكلّم أن يبيّن للنّاس أين وقع هذا في فتاواهم رحمهم الله ثمّ بعد ذلك يأتي بدعواه أنّ فلانا من هؤلاء لكي يحسن له الاحتجاج إذا احتج , و يحسن للنّاس النّظر في أقواله المجرّدة التي يبقى أبناؤها أدعياء إلى حين إثبات البيّنات عليها , و هذا لكي لا يكون ممّن يتكلّم في الشّرع و في أعراض حملة الشّرع بالألفاظ المجملة فيلحق – من هذا الوجه - بمن ذمّهم شيخ الإسلام في النّقل السّابق .
و توضيحه :
أنّ الحكم على فلان بأنّه سروري مفتقر إلى مقدّمات أهمّها : معرفة من هم السّروريّة معرفة جليّة واضحة لا يعتريها وهم أو اضطراب , معرفة أصولهم , معرفة أصول المحكوم عليه , ثمّ النّظر في هذه الأصول هل هي فعلا أصول القوم أم لا , فإن ثبت ذلك أو بعضه , نظر في ما يسمّى بضوابط الحكم على المعيّن من قيام حجّة و انتفاء الموانع و توفّر الشّروط , مع استصحاب القاعدة الكبرى التي غفل عنها الأستاذ و هي أنّه ( ليس كلّ من وقع في الكفر كافرا و لا كلّ من وقع في البدعة مبتدعا ) و لا كلّ من وقع في السّروريّة ! سروريّا .
فأين هذا كلّه في دعوى الأستاذ الجارح و من نقل عنه ؟
........