المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمي


belhocine59
2012-05-10, 20:40
كانت ملامح الكآبة دائما تضلل وجهه نادرا ما رأيناه مبتسما أو ضاحكا كما يفعل الكثير ممن هم في سنه ، كان جادا إلى ابعد الحدود وكان كثيرا ما يغضب إذا تعاملنامعه بنوع من الهزل والدعابة ، ولشدة جديته كنا نناديه" عمي" رغم انه في سننا ولم يغضبه هذا الاسم بل لعله وجده مناسبا ، كان يبتهج دائما إذا أخدنا برأيه في أمورنا حتى وإن كانت تافهة فتراه يطرق طويلا لإبداء الرأي ويتحدث بتركيز ودقة كأنه إنسان هرم حكيم
كان سباقا الى تقديم يد العون وقد يجد فيه واجبا لابد منه بل يجد راحة وهو يخدم غيره مما جعلنا نقصده دائما في حاجاتنا كأن يقرضنا نقودا ونحن نعلم انه يفتقدها أو يدفع عنا ظلما سلط عالينا ونحن نعلم انه قد يتضرر أكثر مما نتضرر ، ولأنه كان لا يرفض لنا طلبا كنا نبالغ أحيانا في الاستعانة به حتى في ابسط الأشياء فقد كنا نطلب منه أن ينقل لنا خلاصة القواعد داخل القسم قبل أن يفرغ هو من نقلها فلا يمانع
لم يكن هذا منا فقط فأسرته كانت لا تطلب شيئا إلا منه ولا تعول على احد غيره فتراه يعمل عمل الكبير والصغير ، ورغم هذا يجد القسوة والزجر من أسرته التي هو أصغرها فالكل يريد أن يظهر انه القيم الذي وجبت عليه تربية الأخ الصغير فتراه دائما باكيا من هذا شاكيا من ذاك إلا والدته التي كان يحبها ويوقرها غير أنها لا تستطيع أن تفعل شيئا يزيل عنه همه وشقوته، لقد كان قلما يسمح له باللعب معنا أو المكوث خارج البيت بعد صلاة المغرب .
كان لا ينتظر عونا من أحد ولا يطمع في شيء غير ما يكسبه من عرق جبينه لأنه قد سبق وجرب فلم يجد عطاء لا من الأب ولا من الإخوة فاعتمد على نفسه بتعفف
نشأ الفتى على هذه الشاكلة يرضى بما يقدم له أو يطلب منه وتمر الأعوام والأعوام ويستقل بحياته ويستقيم وضعه رابطا الصلة بأسرته حريصا على زيارة والديه مرة كل اسبوع على الاقل يهتم لهمهما يزيل عنهما وحشتهما ولا يغادرهما إلا إذا اطمأن على حالهما
كان يريد أن يضفي على أسرته الجديدة بعض ما فقده في طفولته حين كان صبيا
غير أن ملامح الكآبة ظلت تلازمه وانطبع ذلك على أسرته وأولاده فتراهم يدخلون البيت وقد تخلوا على كل ما استمتعوا به خارجه من ضحك ودعابة ليعم الجد والسكون فكثيرا ما يفرح ابنه الصغير لبسمة اغتنمها من والده حين تصرف معه دون قصد بحماقة وغباء كما أن طبعه الجدي المتعفف ظل يلازمه فلا يشكو حاجة ولا ينتظر عونا فاعتبره الأهل الميسور الغني فكلما طرأ طارىء إلا وبحثوا عنه واستفتوه وطلبوا منه المساعدة فينبري لذلك دون تردد والويل له إذا تردد أو امتنع.
يتمنى اخوته أن ينالهم بعض ما ينعم به ليخفف عنهم شقوة الحياة وهي عظيمة ومن اين له أن يعينهم وهو بالكاد يلبي مطالب اسرته فتنتابهم الريبة ويعظم الشك ويتهم عمي بالاستحواذ على خيرات الوالد باعتباره القائم عليها وكأنه بامكانه ان يفعل ذلك ووالده مازال يذكر كم انفق في ليلة عرسه في بداية هذا القرن ، ويغضب عمي غضبا لم نعهده فيه ابدا ومما ضاعف غضبه أن جل اسرته اقرت ما اتهم به ويعقد العزم على ان يغير من طبعه وان يكون كأخوته ينتظر فقط ما قد يناله من نعم يخفف بها شقوة الحياة.
كريم احمد القل في 19/12/02