مشاهدة النسخة كاملة : الحقيقة والانظمة
gadiofala
2012-05-10, 14:03
سلام عليكم ارجو المساعدة هل من مقالات حول الحقيقة والانظمة السياسية والاقتصادية وجازاكم الله خيرا
خولة لبابة
2012-05-10, 14:32
سلام أختي حتى أنا أبحث عن مقالة حول الحقيقة و لم أجد شيئا.....أتمنى ان تساعدونا فوقتنا الحالي محدود....
رضا الطلياني
2012-05-10, 17:55
الديمقراطية :
و هي المرشح رقم 1 في الباك يعني تقدر تقولي 100بالمية :
هل غرض الديمقراطية تحقيق الحرية السياسية أم المساواة الاجتماعية
ـ إذا سلمنا بمقولة إبن خلدون :* إن الإنسان إجتماعي بطبعه*. فإن هذه الطبيعة الاجتماعية نجدها أكثر تجسيدا في إنتقال الإنسان من المجتمع الطبيعي (البدائي) إلى المجتمع السياسي ، حيث يكوّن ما يعرف بالدولة . وتعرّف في الإصطلاح السياسي بأنها : مجموعة بشرية تحتل رقعة جغرافية تخضع لنظام سياسي وتتمتع بالسيادة . وبذلك يعد النظام السياسي أحد أهم أركان الدولة ، و ينقسم إلى قسمين : نظام حكم فردي ، ويكون فيه مصدر السلطة الفرد . ونظام حكم جماعي ويكون فيه الشعب هو مصدر كل السلطة ويعرف بالديمقراطي. ولقد اختلف الناس في تفسيراتهم للديمقراطية ، وتضاربت تصوراتهم حولها ، إلى حد صار كل فريق منهم يؤمن بنوع معين من تلك التفسيرات ،وكل فئة تدعوا إلى تصور خاص.فهي في لغة الرأسماليين حرية في مختلف أبعادها خاصة السياسية . وفي لغة الاشتراكيين مساواة اجتماعية مطلقة. وهنا نتساءل : هل غرض الديمقراطية تحقيق الحرية السياسية أم المساواة الاجتماعية ؟
ـ يرى أنصار النظام الليبرالي وعلى رأسهم *هنري ميشال*Henri Michel و الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke 1704/1632.أن غرض الديمقراطية الحقة هو تحقيق الحرية السياسية ، والحرية تعني أن يكون الشخص مستقلا عن كل شيء ما عدا القانون ، وقد ظهر هذا النظام السياسي الحر في العصر الحديث على الخصوص مستلهما مبادئه من نظرية العقد الإجتماعي ونظرية الإقتصاد الحر ، وهو إمتداد للنزعة الفردية التي تعترف بالحقوق و الحريات الطبيعية للفرد في تقرير مصيره بنفسه ، والدفاع عن حقوقه ، وعلى هذا الاساس أصبحت الارادة الفردية مصدرا للقوانين التي تحكم المجتمع إلى درجة أن الارادة الفردية غدت تعلوا على ارادة الدولة ، وقد تبلور الحكم الليبرالي في نظرية سياسية قائمة بداتها تجمع الديمقراطية والليبرالية . ولهذا يقول السياسي المصري علي الدين هلالAli Eddine Hilal في كتابه – مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث – يقول : * فالديمقراطية الليبرالية تزاوج بين فلسفتين مختلفتين ... هاتان الفلسفتان هما الديمقراطية و الليبرالية *. و يقوم هذا النظام على أساس: الديمقراطية السياسية التي تهدف إلى تجسيد حرية الأفراد في المجتمع ، وهذا ما أكده هنري ميشال Henri Michelفي قوله : * الغاية الأولى من الديمقراطية هي الحرية * فالليبرالية تطالب بالحرية وعدم الخضوع ما عدا لسلطة القانون حيث يقول أحد المفكرين : * الحرية تعني أن يكون الشخص مستقلا عن كل شيئ ما عدا القانون * وتقوم هذه الديمقراطية ( الليبرالية ) على أسس منها :
ـ الحرية الفكرية : تمجد الفرد في مجال الفكر وتعطي له الحرية والحق في أن يعبر عن آراءه و أفكاره ، ويتدين بالديــن الذي يــريد ، وأن لا تعيقه الحكومة في الدفاع عن إجتهاداته الفكرية لأنه في النهاية مسئول عن نتائج أعماله.
ـ الحرية الإقتصادية : فالدولة الليبرالية تعترف بحرية الافراد في المجال الاقتصادي كرحرية المنافسة و حرية التجارة و المنافسة ..إلخ
ـ الحرية السياسية : حيث نقلت حرية المستهلك (الحرية الاقتصادية ) من المجال الاقتصادي الى المجال السياسي ،حيث يقول أحد المفكرين : * كلما تصورت نظاما إقتصاديا يقوم على المنافسة كلما تصورت نظاما سياسيا يقوم على حرية الإختيار بين الأحزاب و الإتجاهات السياسية *. وتتمثل هذه الحريات السياسية في حرية تكوين الأحزاب لتسمع كلمة الفرد من خلالها و يشارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توجيه الحياة العامة عن طريق الإنتخابات ، ويختار الفرد بمحض إرادته من يمثله في الحكم ، وإن دل على شيء إنما يدل على أن سلطة الدولة إنبثقت من إرادة الأفراد الذين يكوّنون إرادة الشعب . وقد عبر كلسون Kelsonعن هذا بقوله : * إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة في الإيديولوجية الديمقراطية * . وقد طبق هذا النظام في دول أروبا الغربية وإشتهرت مجتمعاته بالتعددية الحزبية و حرية ممارساته .
ـ لكن هذا النوع من الديمقراطية ركز على الحريات السياسية و أهمل المساواة الإجتماعية ، لأن عدم التساوي في المجال الإجتماعي يؤدي بالضرورة إلى عدم التساوي في المجال السياسي ، لهذا فهذه الحريات السياسية كانت في صالح الطبقة الرأسمالية الغنية التي تملك رؤوس الأموال و توظفها في الإنتخابات .وبالتالي فالحرية الليبرالية هي حرية نصوص قانونية لا حرية واقع . فهي ديمقراطية صورية ، حيث يقول عنها لينين : *إن مساواة المستغلين للمستغلين كمساواة الجائع للشبعان*
ـ وهذا ما أدى إلى ظهور موقف معارض و هم أنصار الديمقراطية الإشتراكية . وعلى رأسهم * كـــارل مــاركس* Karl Marx 1818-1883 وزميله فريديريك أنجلز Friedrich Engels 1820-1895 الذين يرون أن غرض الديمقراطية هو المســاواة الإجتماعية . وذلك بتبني الديمقراطية الإجتماعية التي ترمي إلى تحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين ، وهي نظرية تعبر عن إرادة الشعب . وهي تخلص المجتمع من الطبقية لهذا يقول فريديريك أنجلز : * الإشتراكية ظهرت نتيجة صرخة ألم ومعاناة الانسان * و بالتالي فهي تخلق مجتمع متوازن متعاون ، وهذا عن طريق المساواة بين أفراد المجتمع . ولهذا نجد ماركس ينادي بالديمقراطية الإجتماعية لأن الديمقراطية من غير مساواة تؤذي إلى هيمنة الرأسماليين و إستغلالهم لأغلبية أفراد الشــعب و بالتالي ظهور الطبقية . فالمساواة هي بوابة الديمقراطية . ولتحقيق ذلك لابد من الإعتماد على أســس هــي :
ـ تكافؤ الفرص : أي المساواة بين جميع الأفراد من خلال ديمقراطية التعليم و العلاج المجاني ونظام الحزب الواحد الذي يعبر عن إرادة الجماهير وليس هناك مجال للمنافسة السياسية .
ـ محاربة الإستغلال : وذلك بتدخل الدولة في الحياة الإقتصادية من أجل تأميم وسائل الإنتاج و مختلف المرافق المالية و الإقتصادية للقضاء على التفاوت الطبقي ( محو الفوارق الطبقية بين الناس و غزالة الفقر و البؤس عن الطبقة العاملة ) التي هي مصدر الانتاج و الثروة في المجتمع ، أي أن المهم للدولة الاشتراكية ليس تسجيل حقوق المواطنين السياسية في دســاتــير ، وإنما رفع المستوى المادي و الفكري لهم ، لأن الجماهير تعبر عن إرادتها و طموحاتها السياسية داخل جهاز الحزب الواحد وليــس هناك مجال للمنافسة السياسية ، لأن فكرة التعددية غير واردة ، فالأفراد متساوون و الشعب يشكل وحدة متجانسة .
ـ لكن تطبيق هذه الديمقراطية الإجتماعية أدى إلى نتائج سلبية لأن نظام الحكم الإشتراكي ركز على المساواة الإجتماعية و أهمل الحريات السياسية )الصحافة . المعارضة . الإعلام ..إلخ ( مما أثر سلبا على الهدف الذي جاءت من أجله الإشتراكية وهو تحقيق العدالة ، حيث تحولت الانظمة الإشتراكية إلى أنظمة إستبدادية مارست الظلم و الإستغلال على شعوبها ، مما أدى إلى ظهور حروب أهلية وصراعات قومية ، وثورات على هذه الأنظمة نتيجة قمع الحريات و خير دليــل ما يــحدث اليوم في العــالم العـربي بما يعرف بـ *الربيع العربي* .
ـ إن سلبيات الموقفين السابقين هي التي أدت إلى ظهور موقف آخر يوفـق بينهما ، و هو الموقف التركـيبي الذي يـرى أنصاره أن الديمقراطية الحقة تقوم على أســاس الحرية السياسية والمساواة الإجتماعية معـا ، لوجود تكامل بينهما و عدم القدرة عن الإستغناء عن أي منهما . لهذا يقول المفكر الفرنسي موريس دوفيرجي :* الديمقراطية السياسية و الديمقراطية الإجتماعية ليستا متعارضتان في جوهرهما بل هما على العكس متكاملتان ويمكن الإعتقاد بأن الديمقراطية الحقة لن تتحقق إلا بإقترانهما *.
و أصح الآراء أن الديمقراطية ليست رأسمالية و لا إشتراكية ، ومن الخطأ الفادح و الضرر المؤلم الذي نلصقه بالديمقراطية محاولة تحقيق الحرية ونبذ المساواة ، أو تحقيق المساواة ونبذ الحرية ، فالديمقراطية الحقة لا تفرض على المرء كــيف يعيش أو كيف يجب أن يرى الحياة ، وإنما عليها أن تدفع عنه العقبات و توفر له شروط الحياة ، وان تتيح له فرصة العمل في جو كـريـم يستطيع أن يعيش منه قبل أن يستطيع الإدلاء بصوته ، فالديمقراطية إذن نضال الدولـة لتحقيق التوفيق بين المبدأين السياسي و الإجتماعي ، حيث يقول أحد المفكرين : * يمكن أن تكون الإختلافات فيما تظهر متكاملة كمراحل أو أطوار مختلفة في تطور مبادئ الديمقراطية *.
ـ إذن نستنتج أن غرض الديمقراطية لا يكتفي بتحقــيق الحرية السياسية وحدها ، و لا المساواة الإجتماعية وحدها ، بل بهما معا . لأن مبدأ الحرية و المساواة متداخلان فيما بينهما متكاملان يصعب الفصل بينهما . حيث يقول أحد المفكرين :* إن الحرية و المساواة كلاهما وجهان لشيء واحد لا يمكن أن يكون أحدهما دون الآخر و هذا الشيء هو الديمقراطية الخيرة *
رضا الطلياني
2012-05-10, 17:56
وهادي التوقع رقم 2 في الباك وهي مستبعدة نسبيا وممكن الطريقة تكون استقصاء
هل النظام الاستبدادي هو الوحيد القادر على حفظ مقومات الدولة أم الحكم الديمقراطي الجماعي ؟
ـ تعتبر الدولة أرقى أنواع التجمعات البشرية و هي تمثل جماعة من الناس تقطن رقعة جغرافية، و تتمتع بقدر من السيادة و تخضع لسلطة معينة هذه الأخيرة التي أخذت أشكالا عديدة ؛ فهناك دول تمارس فيها السلطة بشكل فردي و هو ما يعرف بالحكم الفردي، و هناك دول اتخذت من الحرية و الانفتاح أساسا لممارسة السلطة؛ و هو ما يعرف بالحكم الجماعي أو الديمقراطي، لكن رجال السياسة و الفلاسفة اختلفوا و تجادلوا حول أفضل هذه الأنظمة التي تحمي الدولة من الانهيار و تحقق النظام و المصلحة العامة، و من هنا نتساءل : هل أنظمة الحكم الفردية هي الوحيدة القادرة على حفظ مقومات الدولة؟ أم الحكم الجماعي هو الذي يحقق ذلك ؟ و بتعبير اخر هل الحكم الاستبدادي القائم على القوة هو من يضمن استمرار الدولة ؟ أم الحكم الديمقراطي الجماعي هو من يضمن ذلك ؟
ـ يرى أنصار هذا الاتجاه ان أنظمة الحكم الفردية بنوعيها الاستبدادي و الملكي هي التي تحفظ الدولة من الانهيار و تحقق المصلحة العامة للشعب و ذلك بخضوعهم لإرادة فرد واحد قوي يمسك بجميع السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و ليس للشعب الحق في متابعته أو فرض آرائهم عليه لأنه فرد يتمتع بقوة الشخصية و القدرة على اتخاذ القرار فمصدر السلطة هو الإرادة الفردية ، فالدولة يحكمها زعيم عظيم يعتقد أنه يجسد في شخصيته مقومات الأمة و قيمها و مثلها العليا ، و أنه بذلك يجسد الإرادة المطلقة للدولة فيتولى بنفسه ممارسة كل السلطات ، إنه المشرع و المنفذ و القاضي ، بهذه الكيفية تتحقق الدولة القوية و أهم هؤلاء نجد المفكر الايطالي نيكولا ميكيافيلي ، و أيضا الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز
و قد برروا موقفهم بالحجج التالية: فالحاكم المستبد أو الديكتاتور يتسلم مقاليد الحكم بالقوة كما فعل هتلر في ألمانيا و تكون له السلطة المطلقة و هو يؤمن بأنه الوحيد القادر على حماية مصالح الدولة لذلك فهو يجسد بشخصيته كيانها حيث قال لويس الرابع عشر : * الدولة هي أنا*
و ما يحقق ذلك هو إنشاء حزب واحد يضم جميع الأنصار و لا مجال للتعددية الحزبية و لا للمعارضة لأنه تعتبر حاجزا للنهوض بالدولة و أنها كيان يثير الشغب و المشاكل و الفتنة بين أبناء الشعب لذا وجب القضاء عليها وان الحرية السياسية تفتح مجال الفوضى ليستغلها من لا يريدون للدولة النهوض من خلال دعوة الشعب للثورات و التخريب و الاحتجاج عوضا عن دعوته الى العمل و بناء الدولة و لهذا فالديكتاتورية هي الوحيدة القادرة على حفظ الدولة من التشتت خاصة لدى الشعوب التي تنتشر فيها الطائفية و تعدد الديانات مثال ذلك العراق فعندما كان يحكمها صدام حسين بشكل قوي لم يكن هناك اقتتال طائفي حتى ان نسبة الأمية كانت الأضعف في الوطن العربي لكن عندما سقط حكمه صارت العراق اليوم تشهد صراعات و اقتتالا طائفيا مروعا.
كما دفعت الحرب الأهلية التي عاشتها ايطاليا في القرن السادس عشر ميكيافيلي الى التأكيد في كتابه الأمير ان على الحاكم أن يكون قويا و يستعمل جميع الوسائل المتاحة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة ليحفظ الدولة من الانحلال و الزوال فمشاورة الرعية تثير روح الثورة عليه أما القسوة فتقيم النظام و تمنع الفوضى و تحقق الوحدة و تقضي على الفتنة وهي في المهد يقول ميكيافيلي: * من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك* و يقول أيضا : *الغاية تبرر الوسيلة * وما يوضح ذلك أكثر الحجة التاريخية التالية و المتعلقة بالقائد القرطاجي حنبعل و الذي كان محبوبا من قبل جنوده لكنه هزم على يد سكيبيو الإفريقي و هو جنرال و قائد عسكري روماني و كان مهيبا يخشاه جنوده و قويا أيضا لان جنود حنبعل فروا من المعركة رغم حبهم لقائدهم أما جنود سكيبيو الإفريقي فقد كانوا منضبطين خوفا من قائدهم فانتصروا.
ان ما يبرر الحكم الفردي القائم على التسلط و القوة هو الطبيعة الإنسانية الأنانية فالإنسان لا يستجيب الا لمنطق القوة و العنف و لا يمكن ان نحد من طبيعته الأنانية و الشريرة الا بواسطة سلطة سياسية قوية حيث يقول هوبز *الانسان ذئب لأخيه الانسان * و يقول أيضا :* لا دين إلا ما ترضاه الحكومة ، و لا حقيقة الا ما ينادي بها السلطان * فقد كانت حياة المجتمع الطبيعي عبارة عن حرب الجميع ضد الجميع فتنازل الناس عن جميع حقوقهم لشخص واحد قوي شريطة ان يضمن لهم الأمن و الاستقرار, نفس الفكرة عبر عنها ابن خلدون ( إذ اشترط وجود حاكم قوي لوضع حد للطبيعة العدوانية للإنسان و هو ما تجسد في الحكم الثيوقراطي ( الديني ) ، حيث يسيطر فيه رجال الدين على الحياة السياسية والاجتماعية كحكم الكنيسة في أوربا خلال القرون الوسطى تحت مبدأ * من عصى الأمير فقد عصى الله* و أيضا الحكم الملكي الذي تنتقل فيه السلطة عبر أفراد العائلة الملكية بالوراثة و التي تقوم على رابطة الدم ، وفي ذلك يقول عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر:* لا يمكن أن توجد الدولة الا إذا خضع الناس لسيطرة السلطة التي يفرضها المتسلطون *
لقد ساهم الحكم الفردي في تقوية كثير من الدول بسبب ما يتميز به الحكام من دهاء و فطنة و شدة ثباتهم على مصلحة الدولة و هذا ما جعلهم يحققون المستحيل أمثال نابليون جوزيف ستالين،هتلر، موسوليني هذا الأخير الذي يقول: *إذا تعذر وصف نظام الفاشيين بأنه حكومة الشعب فانه على الأقل لا يعمل الا من اجل الشعب* كما أن استعمال هؤلاء الزعماء للقوة و أساليب التخويف مع شعوبهم جعلهم ينالون الطاعة و الهيبة؛ فلو نظرنا الى الأسرة مثلا فإننا نجد الأب هو الذي يملك السلطة على أبنائه و يقوم بتسيير شؤونهم و يحفظ النظام بينهم فلو غابت سلطة الأب لانهارت الأسرة كذلك الأمر بالنسبة للدولة فلو غابت القوة في الحكم لغاب الاستقرار و النظام لدى شعبها من هنا قال الأديب الفرنسي فولتير: * دبروا للدولة كما تدبروا لأسركم *.
ـ صحيح أن الانسان من خلال طبيعته الحيوانية لا يستجيب الا للقوة لكن الإفراط في استعمالها يغيب العدالة الاجتماعية و هي الأساس الذي نشأت من أجله الدولة كما أن تمتع الحاكم بالسلطة المطلقة يؤدي بالمجتمع الى الضياع فالتاريخ اثبت أنّ كل الدكتاتوريات كان مآلها الزوال و هذا ما حدث لفرعون الذي ادعى الألوهية و هتلر الذي انتحر مع عشيقته ﺇيفا براون بعد خسارته الحرب، و أيضا موسوليني الذي أعدم من طرف شعبه؛ فقد استغل هؤلاء شعوبهم لخدمة مصالحهم الخاصة بدلا من خدمة المصلحة العامة؛ و هذا ما جعل الثورات تقوم من حين لآخر لأن الأفراد لم يكونوا راضين على ظلم هؤلاء الحكام؛ فقد قال ابن رشد:* السلطة المطلقة مفسدة مطلقة * كما ان تغييب الحرية عن الدولة بدعوى عدم النضج السياسي يعتبر قناعا يستخدمه المستبدون لتغطية ظلمهم و تسلطهم، و لو كان الاستقرار السياسي يتحقق بالقوة ، و الانفراد بالسلطة لما ثارت الشعوب ضد أنظمتها الاستبدادية ، و لما اضطرت الكثير من الأنظمة الملكية الى وضع دستور و التخلي عن التسيير الأحادي لأمور الدولة ، و فتح مجال الحرية و السماح للشعب باختيار من يمثله في الهيئة التشريعية و البرلمان ، كما حصل في انجلترا ؛اسبانيا والمغرب و الكثير من الدول.
ـ في المقابل يرى بعض الفلاسفة و المفكرين أن أفضل نظام لحفظ الدولة و تحقيق الاستقرار السياسي هو نظام الحكم الجماعي الديمقراطي حيث يكون مصدر السلطة هو الإرادة الجماعية ، و مصطلح ديمقراطية يوناني الأصل مركب من لفظين هما ديموس:شعب، و كراطوس :حكم ومعناها العام حكم الشعب . فالشعب هو الملك و صاحب القرار ، يوجه حياته العامة بإرادته الحرة ، يسن القوانين و يختار من يحكمه و يستفتى في القضايا المصيرية ، و كل ذلك يتم بواسطة الانتخابات المباشرة أو غير المباشرة - النيابية- وبالتالي كل قانون أو مشروع لم يوافق عليه الشعب يعد باطلا و أهم من مثل هذا الاتجاه المفكر الفرنسي جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي .
و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
إنّ القانون يعبر عن الإرادة العــامة و هو مقدس لا يمكن خرقه ، و لا يمكن للحاكم أن يكون فوق القانون ،لأن الحاكم مجرد مفوض و ليس مقررا، يقول جان جاك روسو: *كل واحد منا سواء كان حاكما أو محكوما يحقق حريته بخضوعه للقانون ، إذ أنّ هذه القوانين ليست سوىسجل لإرادتنا وتعبيرا كاملا عنها * ، و يرى روسو أنّ الإنسان في الحالة الطبيعية كانحراف وكانت طبيعته خيرة ، و تأسست الدولة بواسطة عقد اجتماعي حصل بالتراضي بين كل الأفراد ، فتنازل كل واحد منهم عن جزء من حريته لفائدة الإرادة العامة ( هيئة الشعب) التي تنظم حياتهم يقول : *ﺇنّ الذين تودع لهم السلطة التنفيذية ليسوا أسيادا للشعب إنما موظفوه و بوسع الشعب وضعهم أو خلعهم عندما يرغب في ذلك*ﺇذ يتميز النظام الديمقراطي بفصل السلطات السياسية عن بعضها البعض حتى لا يكون هناك تداخل و اختلاط في المهام كما أنه يحترم حقوق الانسان و المواطنة و يضمن للجميع حرية الرأي و التعبير و ذلك من خلال انتخاب نواب يمارسون السلطة باسم الشعب خلال مدة محددة و هذا ما يضمن الاستقرار للدولة ، من هنا يستطيع الشعب متابعة النواب في كل صغيرة و كبيرة مما يجعل عمل السلطة أكثر شرعية و شفافية و محاسبة كل من تسول له نفسه الخروج عن المصلحة العامة أو يحاول تحقيق مصالحة الشخصية الغير مشروعة و خير مثال على ذلك ما حدث للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي حوكم بسبب أنه استغل منصبه كرئيس لبلدية باريس و حكم علية بالسجن و دفع غرامة مالية رغم أن فعلته هذه تعود الى سنوات طويلة خلت ؛حتى قبل أن يصير رئيسا لفرنسا فالديمقراطية فرضت أن يعامل مثله مثل أي مواطن عادي.
هذا و للديمقراطية عدة أنواع منها الديمقراطية المباشرة التي ظهرت عند اليونان القديمة و تعني أن يسير الشعب أمور الحكم بشكل مباشر عن طريق التصويت على كل ما يهم شؤون الشعب في حالة السلم أو الحرب من خلال الاجتماع في أماكن خاصة و لعل عمل البرلمان استوحي منها. و هناك أيضا الديمقراطية الغير المباشرة أو ما تعرف بالنيابية؛ و هي بدورها نوعان: الديمقراطية الليبرالية حيث تهدف الى تحقيق الحرية و تكريسها في جميع المجالات خاصة في المجال السياسي كحق الأفراد في إنشاء الأحزاب السياسية بتوجهاتها المختلفة أو الانخراط فيها بشكل حر ، و التداول على السلطة ، و المشاركة في صنع القرار ، و حرية الرأي والتعبير و النشر و الإعلام ، و حرية الأفراد في العبادة والدعوة ، حقهم في إنشاء الجمعيات الثقافية و النقابات التي تدافع عن مصالحهم المادية و المعنوية في العمل ،حقهم في الملكية و المنافسة و حرية التجارة و المنفعة الفردية . إنّ كل فرد في هذه الديمقراطية حر في أن يملك ما يشاء من ثروة ، و حر في تصرفاته و أعماله الخاصة و هو في النهاية مسؤول عن نتائجها ، هكذا يجد كل واحد فرصة لتجسيد أفكاره و إبراز مواهبه و تحقيق أهدافه و يساهم في بناء الدولة بمبادرته الخاصــــــــة. إضافة الى الديمقراطية الاشتراكية التي تهدف الى تحقيق المساواة الاجتماعية والعدالة؛ عن طريق تقديم المنفعة العامة عن المنفعة الخاصة ، و تكريس مبدأ تكافؤ الفرص و محو الفوارق الطبقية بين الناس و إزالة الفقر و البؤس عن الطبقة العاملة التي هي مصدر الإنتاج و الثروة في المجتمع؛ و القضاء على الاستغلال والتمييز العنصري؛ و عليه تكون الدولة الاشتراكية هي المسؤولية على الأفراد الذين يكونوها؛ فتتدخل في توجيه الحياة الاقتصادية و تؤمم وسائل الإنتاج و مختلف المرافق المالية و الصناعية و تكون إطارا ملائما للتعبير عن إرادة الجماهير فتجمعهم في حزب واحد و غاية مشتركة
ـ صحيح أن للنظام الديمقراطي العديد من الايجابيات فقد منح الحرية للأفراد و الحق في اختيار من يحكمهم بعدما كانوا يخضعون لظلم الدكتاتورية، لكن ما يعاب عليه أن تطبيق الديمقراطية المباشرة غير ممكن في الدول شاسعة المساحة و الكثيرة عدد السكان كما يجب أن يكون هذا الشعب في مستوى عال من الثقافة و الوعي لمناقشة شؤون الدولة؛ و هذا غير متوفر لدى أفراد الشعب؛ فالأفراد المنبوذون والجهلة والفقراء لا يمكن أن يساهموا بشكل جدي في الحياة السياسية التي تتطلب معرفة بأمور الدولة وتسييرها؛ وأمور السلطة ومداخلاتها. لأنّ أولوياتهم هي لقمة العيش وليست السياسة.
أما بالنسبة للديمقراطية الغير مباشرة -النيابية - فهي لا تعبر عن إرادة الشعب حقا فالديمقراطية الليبرالية هي ديمقراطية الأقلية الغنية و المستغلة للأكثرية الفقيرة ﺇذ معروف أنّ الأثرياء و أصحاب الثروات يسيطرون على الحياة السياسية و يوجهونها كيفما شاءوا؛ فقد استبشر الجميع خيرا عندما تم اختيار الرئيس الحالي للو.م.أ باراك أوباما لكن سياسته لم تختلف عن سابقه جورج بوش الابن و هذا بسبب سيطرة الشركات المصنعة للأسلحة و التي تفرض على كل رئيس أمريكي أن يدخل في حرب و لذلك قيل : *الديمقراطية هي أكبر أكذوبة سياسية ناجحة * فما يلاحظ عن الديمقراطية الليبرالية أنها اهتمت بالجانب السياسي والاقتصادي و أهملت الجانب الاجتماعي مما جعلها تواجه مشاكل اجتماعية و أخلاقية عويصة كالبطالة و انتشار الآفات خاصة في وسط الطبقات الكادحة ، و قد كرست هذه الديمقراطية سلطة أرباب العمل و أصحاب النفوذ. أما الديمقراطية الاشتراكية أو الاجتماعية فقد أهملت الجانب السياسي و الاقتصادي و ركزت على الجانب الاجتماعي فقط ، فقضت على المبادرات الفردية و ضيقت دائرة الحرية حتى أصبحت شبيهة بالحكم الاستبدادي و هذا ما يتعارض مع الطبيعة الإنسانية القائمة على حبّ الحرية ، و أنّ سقوط الأنظمة الاشتراكية الواحدة بعد الأخرى خاصة في أوروبا الشرقية أحسن دليل على ذلك، يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال فوكو *ﺇنّ الديمقراطية الغربية بنيت على أنقاض جماجم البشر *
ـ ان النظام الأمثل في الحكم يجب ان يستمد شرعيته من قوة الحاكم و حكمته المتفاعلة مع الإرادة الشعبية إذ عليه أن يراعي متطلبات شعبه و يحقق مصالحهم العامة و متى تحقق هذا صارت الدولة قوية لا تنهار.
الموقف الشخصي: لكن من وجهة نظري فنظام الشورى الذي نادى به الإسلام هو أحسن نظام سياسي لأنه يحفظ الدولة من الانهيار فقد وردت كلمة الشورى في القرآن الكريم بصيغة الأمر حيث يقول سبحانه و تعالى:* و شاورهم في الأمر* و أيضا يؤكد الله عز وجل على هذا المبدأ في قوله : * و أمرهم شورى بينهم * فقد كان المسلمون يستشيرون بعضهم في القضايا السياسية و العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية و ذلك المبدأ يشبه في شكله البرلمان في عصرنا الحالي، فمساهمة الجميع في إصدار القرارات يجعل الكل مسئولا عنها و قد شبه النبي صلى الله عليه و سلم المؤمنين بالجسد الواحد ﺇذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى، و شبهه أيضا بالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
ـ نستنتج في الأخير أن أنظمة الحكم ما هي إلا وسيلة لحفظ الدولة و تحقيق المصلحة العامة و ليست غاية في ذاتها، لكن يجب التأكيد على أن النظام الديمقراطي يبقى منهج حكم رائد مقارنة بالحكم الفردي لأنه حتى و ﺇن فشل في بعض المجتمعات فسبب ذلك يرجع إلى درجة الوعي عند الشعوب التي تريد تطبيق الديمقراطية ﺇذ لا بد من التوفيق بين الخصوصيات المحلية و مبادئ الديمقراطية فلا يمكن مثلا أن ينتقل الشعب من حكم استبدادي عمر طويلا إلى مجتمع حر ديمقراطي عن طريق انقلاب عسكري يقول الله عز و جل في محكم تنزيله: * و ﺇذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل* .
رضا الطلياني
2012-05-10, 17:58
وهده جد مستبعدة : العلاقة بين السياسة والاخلاق :
تحتاج الدولة في تنظيم شؤونها الى هيئة مسيرة تعرف بالسلطة الحاكمة وضع القوانين و تطلب من الأفراد الالتزام بها قصد تحقيق المصلحة العامة الا أن هذه القوانين قد لا تقوى على ضبط العلاقات الاجتماعية ضبطا كاملا، فتنظيم علاقة الفرد بالفرد من جهة و علاقة الفرد بالجماعة من جهة أخرى يجعل للأخلاق دورا في التنظيم السياسي ، لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا و تجادلوا حول أهمية الأخلاق في النشاط السياسي فمنهم من قال بوجوب التقيد بها في العمل السياسي ومنهم من رفضها و قال أنها تتعارض مع الدولة و السياسة ، من هنا نتساءل هل الأخلاق ضرورية في العمل السياسي أم لا ؟ و بتعبير آخر هل يمكن الفصل بين السياسة و الأخلاق ؟ ألا تقتضي الممارسة السياسية والدولة بصفة عامة الالتزام بالقيم الأخلاقية ؟
يعتقد رواد هذا الاتجاه أن الدولة يجب أن تقوم على أسس أخلاقية حتى تحفظ كرامة الانسان و أمنه و مصالحه العامة فالسياسة تقتضي التحلي و الالتزام بالقيم الأخلاقية ، و أهم هؤلاء نجد الفيلسوف الألماني كانط Kant (1724-1804) و الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل 1872-1972 Bertrand Russell الحائز على جائزة نوبل للسلام ،و أيضا العلامة العربي عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406).
و قد برروا موقفهم بالحجج التالية: ﺇذ يبرر بن خلدون حاجة السياسة الى الأخلاق بأن الطبيعة الخيرة للإنسان تجعله أهلا للسياسة و الأخلاق معا و هما صفتان لا نجدهما لدى الحيوان و نفس الفكرة نجدها فيما بعد عند جون جاك روسو 1712-1778 Jean Jacques Rousseau - الانسان خير بطبيعته- كما أنه ﺇذا كانت غاية السياسة تحقيق الخير للمجتمع فينبغي للحكام مراعاة مصالح الناس ، وذلك يتطلب أن يتحلوا بالأخلاق العفو، الكرم، الصبر على المكارة، الوفاء بالعهد... و فيما يتعلق بالدولة عند ابن خلدون فهي لها عمر مثل عمر الانسان ، فعند نشأتها تحتاج للسيف ( القوة) لمواجهة المعارضين لها، و عند سقوطها لكثرة الطامعين فيها، و يرد بن خلدون سقوط الدول الى التخلي عن الفضائل و الأخلاق و الانغماس في اللهو و المجون و في ذلك ربط صريح بين السياسة و الأخلاق عند بن خلدون و ما حدث للرئيس التونسي زين العابدين بن علي أفضل مثال.
يؤكد برتراند راسل أن مصير الإنسانية واحد في ظل الحروب التي تسود العالم لذلك لا بد من التعاون بين الشعوب على أساس القيم الأخلاقية حيث يقول :* و الشيء الذي يحرر البشر هو التعاون و أول خطوة فيه ﺇنما تتم في قلوب الأفراد *.
يؤكد كانط أنّ الانسان بما أنه يملك إرادة خيرة و هي مقيدة بالواجب الأخلاقي فانه ينشد الخير في سلوكه ، والدولة بدورها لا تخرج عن هذه الطبيعة بالتالي فالسياسة يجب ان تكون مستمدة من المثل الأخلاقية السامية كالنزاهة و العفة و الاحترام حيث يقول :* يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام التام كونه غاية مطلقة في ذاته * وقد دعا كانط في كتابه مشروع السلام الدائم الى أن الحياة السياسية داخل المجتمع الواحد و خارجه يجب أن تقوم على العدل و المساواة و طالب بإنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السلام و فك النزاعات بطرق سلمية و تغليب الأخلاق في السياسة و هو ما تجسد لاحقا في عصبة الأمم ثم هيئة الأمم المتحدة.
ﺇنّ غاية الدولة هي المحافظة على الانسان و ترقيته و من هنا يجب أن تقوم السياسة على أسس أخلاقية و ما يؤكد ذلك هو الحروب المنتشرة في العالم بسبب غياب الأخلاق حيث يقول الأديب الروسي تولستوي :* ﺇنّ الشر لا يقتل الشر كما أنّ النار لا تطفئ النار * و أفضل مثال على الاستعانة بالأخلاق في العمل السياسي سلوك رواد النضال السلمي مثل المهاتما غاندي و هو زعيم حركة التحرير الوطني الهندية و قد منح لقب المهاتما الذي يعني الروح الأعظم، و أيضا مارتن لوثر كينج و الذي حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1964، إضافة الى زعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا و الذي قضا 26 سنة في السجن لأنه حارب التمييز العنصري بين السود و البيض و قد حاز على جائزة نوبل للسلام سنة 1993؛ فقد نجح كل هؤلاء في إيقاظ ضمائر الناس و تحفيز هممهم عبر مختلف الوسائل السلمية و الأخلاقية لمقاومة الاستعمار و الظلم السياسي.
لا يمكن إنكار أهمية الأخلاق في الممارسة السياسية، ﺇلا أن ذلك يبقى مجرد دعوة نظرية فقط فالقيم الأخلاقية و حدها كقيم معنوية سامية لا تكفي لتجعل النظام السياسي قويا و قادرا على فرض وجوده و احترام الناس للقانون و هي لا تكفي أيضا لضمان بقاء الدولة و استمرارها خاصة في الدول التي تكثر فيها الطائفية و تعدد الأديان كالعراق مثلا ، لهذا فدولة كانط التي ينشدها هي مملكة للملائكة و ليست للبشر، .وهو الامر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية .
على النقيض مما سبق يدعو بعض الفلاسفة و المفكرون الى ضرورة الفصل بين الأخلاق و العمل السياسي لأنه يتطلب في الحقيقة استخدام القوة و المكر والخداع فغاية السياسة هي المحافظة على الدولة من خلال تحليل الوضع القائم أما الأخلاق فإنها تهتم بما يجب أن يكون و أهم من قال بذلك الفيلسوف الايطالي نيكولا مكيافيللي و الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز و الألماني نيتشه و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
يقدم مكيافيللي في كتابه الأمير جملة من النصائح للأمراء و الحكام حتى يدوم حكمهم و يترسخ سلطانهم و هي كلها قائمة على الفصل بين السياسة و الأخلاق، فقد نصح الأمير بألا يعبأ بالفضائل و أن يلجأ الى التظاهر بالأخلاق فقط و هذا حتى يتقي شر الرعية، لكن ﺇن تعارضت الأخلاق مع مصالحه و مصالح الدولة ينبغي له عدم الاكتراث بها فلا يجب على الأمير أن يكون كريما لأنّ الكرم يؤدي الى الفقر و هو ﺇن افتقر سيخسر هيبته لدى رعاياه ﺇذ لو قام بصرف الأموال على الشعب سيخسر الكثير عند قيان الحروب أو إقامة المشاريع مما يتطلب فرض الضرائب و عندئذ سينسى الشعب مدى كرمه معهم و لذا فالبخل ان صح تسميته كذلك أفضل كما حدث مع الزعيم الليبي معمر القذافي الذي كان يوزع عائدات البترول على شعبه لكنهم تنكروا له عند قيام الحرب و نسوا ما قام به و اغتالوه بطريقة بشعة.
و عليه أن لا يكون طيبا لأنّ ذلك يثير روح الثورة عليه في نفوس رعاياه، أما القسوة فتقيم النظام و تمنع الفوضى و تحقق الوحدة و تقضي على الفتنة و هي في المهد، كما أنّ رضا الرعايا متغير فلا تعتمد في استمرار حكمك على رضاهم بل اعتمد على قوتك فهي ﺇن دامت سيدوم حكمك حيث يقول :* الغاية تبرر الوسيلة * و يقول أيضا :* من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك* .
و يقدم مكيافيللي أمثلة تاريخية تثبت ذلك منها ما يتعلق بالقائد القرطاجي حنبعل و الذي كان محبوبا من قبل جنوده لكنه هزم على يد القائد و الجنرال الروماني سكيبيو الإفريقي.و كان مهيبا يخشاه جنوده و قويا أيضا، لأنّ جنود حنبعل فروا من المعركة رغم حبهم لقائدهم أما جنود سكيبيو الإفريقي فقد كانوا منضبطين خوفا من قائدهم فانتصروا، يقول مكيافيللي :* ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة * . وهناك مثال اخر يثبت أن الحكام الذين بقوا في السلطة أطول مدة ليسوا من يفون بالوعود و يتحلون بالأخلاق و انما الذين يحسنون الضحك على عقول الناس فيقدمون الوعود لكنهم يعرفون كيف يجعلون الناس ينسونها مثال ذلك فرانسوا الأول بقي مدة طويلة في حكم فرنسا امتدت من سنة 1515ﺇلى غاية 1547 لكنه لم يفعل شيئا مما وعد به؛ و إنما كان يقدم الوعود لكنه كان بارعا في جعل الناس ينسونها.
هذا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للحاكم ، أما بخصوص السياسة الخارجية أي علاقة الأمير بالدول الأخرى فيصفها مكيافيللي بأنها غابةو نصحه بأن يكون ثعلبا و أسدا في نفس الوقت ( أن يستعمل أسلوب الحيوان)، أي يتبع أسلوب الثعلب القائم على المكر و الخداع و الحيلة و المراوغة و النفاق و الرياء و أن لا يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه ﺇلا ﺇذا حققت له مصلحة. وأن يتبع أسلوب الأسد القائم على القوة و البطش و العنف و ينصحه بأن يبني جيشا نظاميا يدين له بالولاء و أن لا يعتمد على المرتزقة الأوغاد الذين لا يدينون بالولاء ﺇلا للمال فالحاكم الذي يعتمد على المرتزقة يسير نحو هلاكه و لعل ما حدث للزعيم الليبي معمر القذافي خير مثال على ذلك.
كما يؤكد هوبز أن الانسان شرير بطبعه فهو لا يستجيب ﺇلا لمنطق القوة و المكر و لا يمكن ان نحد من أنانيته و طبيعته الشريرة ﺇلا بواسطة سلطة سياسية قوية حيث يقول :* الانسان ذئب لأخيه الانسان* و هذا ما يؤدي الى تصارع دائم بين الناس و قد كانت حياة المجتمع الطبيعي عبارة عن حرب الجميع ضد الجميع فتنازل الناس عن جميع حقوقهم لشخص قوي شريطة أن يضمن لهم الأمن و الاستقرار ،و لضمان ذلك لا بد من فصل السياسة عن الأخلاق لأنها تضعف الحاكم.
و يؤكد فيلسوف القوة نيتشه أنّ السياسة لا تتفق مع الأخلاق؛ و الحاكم المقيد بالقيم الأخلاقية ليس بسياسي بارع و هو لذلك لن يعمر في السلطة و الحكم،فالفضائل الإنسانية من إخلاص و أمانة و محبة تصير رذائل في السياسة و على الحاكم ان يكون قويا لان الأخلاق هي سلاح الضعفاء حيث يقول : * الأخلاق من صنع الضعفاء * ؛ وقد عبر عن نفس الفكرة الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشال فوكو : *ﺇنّ السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى *
رغم ان أطروحة مكيافيللي لها مبرراتها و هي حالة الحرب الأهلية الدائمة بين الإمارات الايطالية و حلمه أن يرى بلاده ايطاليا و قد توحدت في دولة واحدة ﺇلا أنه مع ذلك فان تبنى السياسيون أطروحة مكيافيللي نتج عنها الاستبداد و الظلم و الإفراط في استخدام القوة و إهدار حقوق الانسان و الشعوب و انتشار الحروب و غياب السلم الدولي، كما أن القول أن الانسان شرير بطبعه زعم و افتراض وهمي ليس له أي أساس من الصحة فالإنسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير و وظيفة الدولة هي تنمية جوانب الخير فيه أما اعتمادها على القوة فدليل على عجزها عن القيام بوظائفها و ﺇلا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم و المجتمع الطبيعي حيث يسود قانون الغاب ﺇذ توظيف القوة المفرطة في السياسة يفقد الناس الطمأنينة و يجعلهم يعيشون في خوف دائم و هذا ما يتنافى مع الغاية التي من أجلها أوجد الانسان الدولة و ما يحدث في سوريا أفضل مثال على ذلك حيث أفرط الرئيس بشار الأسد في استخدام القوة العسكرية ضد شعبه بحجة المحافظة على النظام العام.
ظاهريا الأطروحتان متعارضتان لكنهما في الحقيقة غير ذلك فالممارسة السياسية تتطلب استعمال القوة و الدهاء و الحيلة لكن الأخلاق هي التي تمنح للقوة و السلطة مشروعيتهما فوجود الدولة و استمرارها يقتضي تكامل السياسة مع الأخلاق ﺇذ لا بد أن يعمل الحاكم على تجسيد القيم الأخلاقية و ترقية مواطنيه و الحفاظ على حقوقهم و هذا يتطلب نوعا من الحزم و القوة حتى لا تنهار الدولة.
لكن حسب اعتقادي فالعلاقة بين الدولة و الأخلاق يجب أن تكون علاقة تكامل ايجابي لأن التاريخ يكشف أن الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كانت قائمة على أساس من الأخلاق و كانت العلاقة بين الخليفة و الرعية تسودها المحبة و الأخوة و النصيحة مما أدى الى ازدهار الدولة الإسلامية و الواقع يثبت أن الدول التي تخلت عن الأخلاق و عوضتها بالقوة و البطش كان مصيرها الزوال كما هو الحال بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية و لهذا فقد قام الإسلام بفرض قوانين على الناس أدت الى ظهور حكم عادل يسوي بين الجميع و يضع لكل فرد حدودا ينبغي أن يقف عندها و يحول بين الحكام و بين أنانيتهم و شهواتهم . فالإسلام يدعو الى التشاور و العدل و المساواة و الأخوة و الرحمة و احترام الحقوق و شبه الأمة أو الدولة بالجسد الواحد حيث يقول النبي صلى الله عليه و سلم : * مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد ﺇذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى *
ومنه نستنتج أن الممارسة السياسية تتطلب استعمال القوة لكن مع ضرورة مراعاة القيم الأخلاقية الفاضلة كالعدل و الرحمة و الأمانة، فالقوة بدون أخلاق مطية للتعسف الظلم؛ كما أن أخلاقا بدون قوة عنوان للضعف و فقدان السلطة لهيبتها و زوال للدولة التي بدونها لا قيام حياة اجتماعية طبيعية حيث يقول هيغل Hegel : * الدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية *
هادي جد مستبعدة :
رضا الطلياني
2012-05-10, 18:00
و تبقى الديمقراطية الاوفر حظاااااااااا
رضا الطلياني
2012-05-10, 18:01
ولكي الهدية التي لاتهدى :
¨ اللغة والفكر : إذا كانت اللغة تشكل عائقا للفكر ، فهل يجب رفضها ؟
إن الانسان اجتماعي بطبعه يسعى للتواصل مع الاخرين موظفا في ذلك اللغة ، والتي عرفها لالاند بأنها : كل نسق من الاشارات يمكن ان تستعمل للتواصل . ويعرفها آخرون بأنها تلك القابلية التي يتوفر عليها الانسان لاختراع الرموز بكيفية متعمدة . و لما كانت اللغة من بين المواضيع التي اهتم بدراستها الفلاسفة و المفكرين خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالفكر بإعتباره مجموعة من المعاني و التصورات الذهنية الباطنية فهو نشاط ذاتي يعكس شخصية الفرد . و لهذا اعتبره البعض منهم جوهر مستقل عنها . الامر الذي لم يؤيده البعض الآخر معتبرين أن الفكر مرتبط باللغة و متصل بها ولا يمكن تصور وجود له دونها ومن هنا نتسائل : هل يمكن أن توجد أفكار خارج اطار اللغة ، و هل اللغة تعجز عن التعبير عن كامل الفكر ؟
يرى بعض الفلاسفة و المفكرين أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة انفصال و يمثل هذا الاتجاه معظم الفلاسفة الحدسيين أمثال هنري برغسون 1859-1941 الذي يؤكد أن عدم التناسب بين مانملكه من افكار و ما نملكه من الفاظ يعود الى عدة اسباب منها : ان الفكر متقدم عن اللغة كونها رموزا اصطلاحية اجتماعية عامة في حين ان التفكير يتسم قبل كل شيء بالخاصية الداتية ، فهو انعكاس لشخصية الفرد ، ولكن لما كان التبليغ أمرا ضروريا لقيام المجتمع فإن الفرد يضطر إلى أن يسبك افكاره في قوالب اجتماعية معروفة ومن ثمة يفقدها حرارتها و اصالتها . ثم ان الالفاظ جامدة وثابتة إذا قيست بتطور المعاني وعلى هذا يصعب التعبير عن الحياة الفكرية الباطنية لأن عالم الافكار متصل أما عالم الالفاظ فهو منفصل . فاللغة أداة تواصل لا تخرج عن كونها الفاظ عادية ساكنة تقف عائقا في وجه الفكر . وقد حاول برغسون اظهار مساوئ اللغة في عدة كتب بأسلوب جذاب و هو القائل في هذا الشأن : * إن الالفاظ لا تسجل من الشيء سوى وظيفته الاكثر شيوعا وسذاجة *. أي ان اللغة تصور الشيء بما ليس هو و لا تقف من العواطف اللطيفة الا وقوفا خارجيا سطحيا، وهذا العجز دفع برجال الفن و الادب الرومانسي الى التعبير عن خواطرهم تعبيرا أكثر دقة من خلال الرسم و الرقص و القوافي ... و هذا ما يؤكد ان اللغة تشوه الفكر أحيانا . و لهذا يحلوا للرومانسيين القول:* ما أرخص الحب إذا أصبح كلمات *. فاللغة تعجز عن نقل مشاعرنا الإنسانية و تضعف امام حرارة عواطفنا المتسمة بالتلقائية .
إن التجربة السيكولوجية التي يعيشها المرء في رأي أنصار هذا الإتجاه أغنى و أوسع من أن تقتنصها اللغة ، إنه يدرك ما لا يدركه العامة و هو لهذا يسعى الى ابراز ماهو خاص ، لأن الفكر بمثابة قاموس انساني يحيط بحياة كل فرد و يحمل الكثير من الذكريات والانفعالات والعواطف التي يخرجها بعبارات و اشارات تعبيرية ، فاللغة عندئذ ماهي الا وسيلة يقودها الفكر ، و بذلك فهي تعكس ما يدور فيه و لا تصنعه ، بل الفكر هو الذي يشكلها و يصنع منها القوالب المناسبة لمعانيه ، لهذا يقول فاليري 1871-1945: * أجمل الافكار ـ الأشعار ـ هي التي لا نستطيع التعبير عنها *. فالفكر حقا هو قائد الاشارات كما هو الشأن في المكتشفات العلمية و قدرة الانسان على خلق اكثر المعاني تجريدا كما يحدث في عالم الرياضيات و هذا يؤكد استقلالية اللغة و تبعيتها للفكر ، كما تؤكدها اسبقية فهم اللغة عند الطفل على استخدامها . فالألفاظ منفصلة و محدودة بينما المعاني مبسوطة و ممدودة .
لكن هذا الوضع يضعنا امام تساءل حاد : فإذا كان الفكر يتميز عن اللغة بالشمول فهل نملك بديلا آخر عن اللغة . وهل يمكن استبدالها بوسيلة أخرى ؟ إن أي محاولة من هذا القبيل تبدوا فاشلة و لهذا نحكم على هؤولاء انهم بالغوا في موقفهم هذا عندما ميزوا و فصلوا بين اللغة و الفكر ، فإذا كان الفكر سابق عن اللغة من الناحية المنطقية فهو ليس سابق عنها من الناحية الزمانية . بدليل ان الانسان يشعر بأنه يفكر و يتكلم في نفس الوقت . كما انهم بالغوا في تمجيد الفكر الامر الذي جعله نشاطا اخرس . و قللوا من اهمية اللغة . و الواقع يثبت ان التفكير لايتم بدون لغة . فبدون هذه الاخيرة يبقى مجرد شعور باطني لا معنى له . لهذا فالمشكلة ليست في اللغة و إنما في الشخص الذي يملك ثروة لغوية للتعبير عن أفكاره . بدليل ان المعنى الواحد قد نعبر عنه بعدة كلمات . و إذا كانت حياة الانسان قد تغيرت فذلك يرجع الى اللغة ، فالازدهار في المجال الفكري يكون دائما مصحوبا بالازدهار في المجال اللغوي . و هذا ما عبر عنه كوندياك في قوله :* نحن لا نفكر بصورة حسنة او سيئة الا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة * و عليه لا بد من استخدام الألفاظ استخداما مضبوطا و جيدا .
وهذه الانتقادات أدت إلى ظهور موقف آخر معارض وهم بعض الفلاسفة و المفكرين أمثال هيجل و هاميلتون و ماكس مولر . الذين يرون أن العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة إتصال ، فهما شيء واحد لا يمكن أن نضع حدا فاصلا بينهما ، ولا يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة ،و هذه الاخيرة لا تعجز عن التعبير عن كامل الفكر .معتمدين على المسلمة القائلة : ان اللغة ملتحمة بالفكر و أن الكلام و الفكر ليس سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة ، فالمعنى يؤخد من العبارة و العبارة لا توجد خارج المعنى ، ولولا اللغة لما كان للفكر وجود وهذا يعني أن اللغة هي عين الفكر لقول احد الفلاسفة :* ليس ماندعوه فكرا الا وجه من وجهتي القطعة النقدية*. وهذا منطق ينطوي على مبررات أهمها : ان الانسان لا يفكر بمعزل عن اللغة ، فحتى و ان لم يكن يتكلم بصوت مرتفع فهو يخاطب نفسه في صمت ، وهذا دلالة على تطابق اللغة مع الفكر وهذا بغض النظر إلى ما ذهب إليه بعض علماء النفس و الذين يقرون ان الطفل يكتسب المعاني بإكتساب الالفاظ بمعنى ان الارتقاء الفكري يطابق نظامه اللغوي أو بعبارة أخرى ليست هناك فاصلة زمنية بين الفكر و اللغة. فالطفل يتعلمهما في آن واحد . فاللغة تثري الفكر ، فقد اثبثت الدراسات العلمية النفسية انه كلما اتسعت ثروة الفرد اللغوية زادت قدرته على التعبير و التفكير وبذلك ينمو الذكاء، والاعتقاد بوجود نشاط فكري بدون لغة هو مجرد توهم لأنه مونولوج داخلي بين الدات ونفسها. إذ عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت و عندما نتحدث فنحن نفكر بصوت عال . وبذلك تكون اللغة هي نفسها الفكر . لهذا يقول هاملتون : * إن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض الا لتغيب و لا يمكن تثبيتها الا بالالفاظ * . و يمكن تشبيه اللغة بورقة يكون الفكر وجهها و الصوت ظهرها ولا نستطيع ان نقطع الورقة من غير ان نقطع ظهرهافي نفس الوقت . كذلك الامر عن اللغة . لا نستطيع ان نعزل الصوت عن الفكر و لا الفكر عن الصوت . فالفكر بالنسبة للغة كالروح بالنسبة للجسد ولا وجود لأحدهما دون الآخر . وهذا ما قصده ميرلوبونتي في قوله : * الفكر لا يوجد خارج العالم و بمعزل عن الكلمات * . وهذا تأكيد على ان اللغة هي حاملة الفكر الى الخارج فهي تصبغه بصبغة اجتماعية موضوعية تنقله من طابعه الانفعالي الذاتي ليصبح معرفة انسانية قابلة للانتقال بين الافراد و هذا ما جعل هيجل يعتقد ان الكلمة تعطي للفكر وجوده الاسمى و ان الرغبة في التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى . و هذه الفكرة اشار اليها ارسطو في قوله :* ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية *أما واطسون فقد عبر عن العلاقة الواحدية بين اللغة والفكر بقوله : * الفكر ليس أكثر من كلام يختفي من وراء صمت * ومن ثمة فهو يؤكد بإلحاح على أن اللغة هي عماد الفكر ، وقد تبنى هذا الرأي ستالين القائل : * مهما كانت الافكار التي تجيء إلى فكر الإنسان فإنها لا تستطيع ان تنشأ أو توجد إلا على أساس مادة اللغة أي على أساس الالفاظ و الجمل اللغوية : فلا توجد أفكار عارية مستقلة عن مواد اللغة * و هذا يعني ان العلاقة بين الفكر و اللغة ليس علاقة علة بمعلول أو ظاهر بباطن و انما علاقة تداخل . و أخيرا يمكن القول ان الكلام ليس صورة ثانية أو نسخة أخرى من شيء وراءه اسمه فكر .بل الفكر هو الكلام نفسه . ونحن لا نتعرف على الفكرة صحتها ووضوحها الا لأنها قابلة لأن يتصورها الاخرون ، لهذا فإن التفكير من دون العبارات اللفظية ضرب من الوهم الكاذب .
إلا أن التصور بهذا المنطق يضعنا أما متناقضات منطقية من جهة وواقعية من جهة أخرى ،فالقول ان اللغة هي الفكر و الفكر هو اللغة يخالف مبدأ من مبادئ العقل وهو مبدأ الهوية فالشيء يجب ان يكون هو نفسه ، فاللغة يجب ان تكون هي اللغة و لا يمكن ان تكون هي اللغة و هي الفكر . الامر نفسه بالنسبة للفكر . إذا ما اردنا ان نتأكد بشكل أدق و أكثر وضوح عن مخالفة هذا التصور لهذا المبدأ ـ الهوية ـ علينا أن نبحث في حقيقة هذين المصطلحين و دلالتهما ر في مختلف المعاجم اللغوية و نتساءل: هل دلالة كلمة لغة هي نفسها كلمة فكر ؟ و بعيدا عن هذا فإن التجارب التي نعيشها في حياتنا اليومية تؤكد بطلان ـ الفكر مطابق للغة ـ . فالطالب في الامتحان قد تكون بحوزته مجموعة من الافكار يحاول ان يعبر عنها لكن تعبيره يخونه . فقد يعبر عن فكرة بغير ما يقصد و قد تجده يكتب ثم يمسح و قد ينتهي الامر به الى ان لا يكتب شيء و تبقى افكاره حبيسة فكره و عقله لأنه لم يرضى بهذه العبارات و هذا يؤكد وجود تفاوت بين اللغة و الفكر. فقد نجد الانسان غير قادر على الفهم لكنه قادر على التبليغ و هذا ما يثبت انه يفهم معاني اللغة أكثر مما يحسن من الفاظها . وهذا يعود الى عدم قدرة الالفاظ على احتواء المعاني و العواطف لهذا قيل : * إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تحتوي بداخلها النيران *. و من أمثلة عجز اللغة عن التعبير عن كامل الفكر أن الأم عند سماعها بخبر نجاح ابنها قد تلجأ الى الدموع .
وبناءا على ما سبق يمكن القول أن علاقة اللغة بالفكر علاقة جدلية ، فمن جهة اللغة تضع الفكر و من جهة أخرى الفكر يضع اللغة ، فنحن نفكر ثم نعبر عن أفكارنا بواسطة اللغة ،إلا ذلك لا يعني ان اللغة مجرد وسيلة يمكن استبدالها بأخرى لأن الافكار ترد الى الذهن و هي تلبس ثوب اللغة ، فلا يمكن القبول بأسبقية الفكر على اللغة .
ويشير آلان أن الطفل لا يتوفر في البداية على افكار و إنما يكتشفها من اللغة التي يتعلمها ، و إذا كانت اللغة اداة للتواصل فهذا يعني أنها من المستوى الانساني اداة لنقل الافكار ، فالفكرة ترد الى الذهن وهي مجسدة في لغة أو في قوالب لغوية و لكي نفهم أفكارنا يجب أن نصوغها صياغة لغوية باعتبار اللغة تسجل الافكار و التجارب الانسانية ، وهذا ما عبر عنه لافيل في قوله : *إن اللغة ذاكرة انسانية *. فنحن إذن مطالبون بعدم التحيز الى بعض الاساليب اذا كانت لا تعبر حقا عن كل حاجاتنا المتجددة مع تطور ثقافاتنا و منعرجات مشاعرنا ،لا بد ان تتحمل اللغة هذه الاصلاحات كمثل الشجرة الحسنة التي تتحمل التخلي عن بعض الأغصان الجافة المتصلبة كي تستعيد نونتها ، فلابد أن نتخير ألفاظنا و ننتقي تعابيرنا .
لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى ان اللغة مستقلة عن الفكر ومختلفة عنه ففي بعض الاحيان تعجز عن التعبير أو نقل المشاعر الإنسانية و تضعف أمامها. فاللغة لا تمس من الفكر الا الشعور أي الأشياء التي يدركها إنتباهنا و لذلك نجد صعوبة كبيرة في التعبير عن الاشياء التي تختبئ وراء الشعور، وبمقدار ما يقوى على التعبير عنها .أما الاشياء التي لا يعيدها فتبقى مكبوتة و قد تعبر عن نفسها في شكل أحلام أو فلتات اللسان .
ومنه نستنتج أن اللغة مرتبطة إرتباطا ضروريا بالفكر ، كما أن الفكر يرتبط إرتباطا ضروريا باللغة ، فلا توجد لغة بدون فكر ، و لافكر بدون لغة و العلاقة بينهما ليست علاقة متكافئة لأنها علاقة جدلية أي تفرض التناقض وفي هذا يقول دولاكروا : *ان الفكر يضع اللغة في نفس الوقت الذي يضع فيه من طرف اللغة *. فتطور اللغة يبقى رهين النشاط الفكري للانسان الذي أثبت قدرته على وضع المصطلحات الجديدة لكل ابداع فكري و بهذا تتجدد اللغة بتجدد الفكر و تبقى حية طالما كان هناك فكر مبدع ، سواء كان مجال ابداعه الرياضيات البحتة أو علوم الواقع أو الفلسفة أو الفن ...إلخ كل هذه الميادين قوامها رموز و الفاظ تشير الى معاني و افكار مختلفة .إذن : فلا سبيل الى الاستغناء عن اللغة فهي وسيلة اساسية يعتمد عليها الانسان من اجل تحقيق التواصل مع الاخرين و بناء العلاقات الاجتماعية تضمن له البقاء و الاستمرارية .
رضا الطلياني
2012-05-10, 18:03
تــاع الاقتصاد و هي مستبعدة نهائيا حسب عقلية الاساتدة دي حطو الاسئلة
لأنهم يحطوا من الواقع ... و الواقع يتحدث عن السياسة و الاقرب للسياسة هي الديمقراطية : و تم استشارة العديد من الاساتدة و تم الاتفاق على أن الديمقراطية ستكون بنسبة كبيرة لهدا الموسم و بأي طريقة ؟؟؟؟ركزي على الديمقراطية جدل و استقصصاء :
ولك الاقتصاد :
الاقتصاد هو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالنشاط الانساني المؤدي الى خلق المنافع و زيادتها أو هو علم تنظيم الثروة الطبيعية و البشرية انتاجا و توزيعا و استهلاكا.لكن النظم الاقتصادية اختلفت ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنوياأي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟
ـ يرى أنصار النظام الرأسمالي وهم العالم الاقتصادي آدم سميث في كتابه بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم وبعده عدد من المفكرين الفرنسيين في القرن أمثال ساي و هم في الجملة يزعمون أن قوانين الاقتصاد السياسي تجري على أصول عامة وبصورة طبيعية كفيلة بسعادة المجتمع و حفظ التوازن الاقتصادي فيه و أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة .
و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين أهمها أن الاقتصاد الرأسمالي مؤسس على تصور روماني للحقوق يجعل من الملكية حقا مطلقا لا تحده حدود . فهو يقوم على الإيمان بالفرد إيمانا لا حد له و بأن مصالحه الخاصة تكفل بصورة طبيعية مصلحة المجتمع في مختلف الميادين وأن الدولة ترمي في وظيفتها إلى حماية الأشخاص والدفاع عن مصالحهم الخاصة ولا يحق لها أن تتعدى حدود هذه الغاية في نشاطها ، كما أنه لا بد أن تقر بالحرية الاقتصادية وما يتبعها من حريات ، فتفتح الأبواب وتهيأ الميادين بحيث يجوز للفرد التملك ولاستهلاك والإنتاج بكل حرية ،وانتهاج أي طريق لكسب المال و مضاعفته و يقوم هدا النظام على مبادئ هي :
ـ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج :فللفرد الحرية التامة في امتلاك الأراضي و الآلات و المصانع ووظيفة القانون في المجتمع الرأسمالي هي حماية الملكية الخاصة و تمكين الفرد من الاحتفاظ بها.وكذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و الجودة.
ـ عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية: من جهة تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج حتى لا تعيق النشاط الاقتصادي، فمتى تدخلت الدولة في تحديد الأسعار مثلا والأجور والمعاملات التجارية خلقت معظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من أن تترك القوانين الاقتصادية تسير على مجراها الطبيعي و بذلك ينظم الاقتصاد نفسه ويهدف إلى خير المجتمع . لهذا يقول آدم سميث : * دعه يعمل أتركه يمر *.
ـ قانون العرض و الطلب: وهو القانون الطبيعي الذي ينظم الاقتصاد و يحفظ المستوى الطبيعي للثمن بصورة تكاد ميكانيكية ، فالثمن إذا تعدى حدوده الطبيعية العادلة إنخفض الطلب على تلك السلعة المعروضة ، وعندما تحدث هذه العملية < إنخفاض الطلب> ينخفض الثمن إلى مستواه الطبيعي السابق علما أن هذا القانون لا ينطبق على البضائع في السوق فحسب بل ينطبق أيضا على مختلف القضايا الإجتماعية الاخرى كمشكلة العلاقة بين اليد العاملة و الاجور حيث نجدها هي الاخرى تخضع إلى نظام طبيعي فلو كانت منخفضة في مهنة معينة إزداد الطلب عليها و بالتالي ترتفع الاجرة التي يتقاضاها العامل ، لكنها إذا إرتفعت بصورة غير عادية قام تنافس بين عدد كبير من العمال طلبا للعمل مما يستلزم إنخفاضا للأجرة التي يتقاضاها العامل و بهذه الطريقة يصل المجتمع إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الافراد بطريقة لا إرادية و تحقيق التوازن الاقتصادي و الخير العام .
ـ التنافس الحر بين المنتجين: يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و فيهذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث : * إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي * .
ــ لكن بناء الحياة الاقتصادية على هذا الاساس جسد صورة المجتمع الرأسمالي القائم على تقسيم المجتمع إلى فئتين و هما فئة الرأسماليين دوو النفود و فئة العمال الذين يمثلون الطبقة الكادحة ، هذا التقسيم يجسد عدم المساواة بين الافراد و ذروة الاستغلال بينهم و بالتالي أستحالة تحقيق العدالة ، والتاريخ يثبت ان القوى التي تسير على مجراها الطبيعي تحقق اللاعدل بدل من روح العدالة وهذا ما أدى إلى ظهور الازمات والمحن و المآسي داخل المجتمعات وما النتائج التي خلفتها أحداث 1920-1929 نتيجة الكساد الاقتصادي و الافلاس وطرد العمال إلا دليل على ذلك ، فهذه الاحداث ما كانت لتظهر إلا عندما أصبحت وسائل الانتاج في يد فئة معينة من أفراد المجتمع الشئ الذي ولد المنافسة الحرة بين المنتجين و سعيهم الدائم إلى غزو الاسواق بالمنتوج و كفى ، وبدلا من النظر إلى مصلحة العمال الذين أصبحوا غرباء عن منتوجهم و عدم قدرتهم على شراءه وما يسود المجتمع الجزائري في وقتنا الحالي إلا دليل على ذلك حيث أصبح المنتجون لا تهمهم إلا مصلحتهم الخاصة و السيطرة على السوق حتى وإن كان ذلك بالطرق الغير شرعية .
ــ وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ أن الاشتراكية هي التي تحقق الرخاء الاقتصادي و العدالة الاجتماعية. فماركس يرى أنه أكتشف تناقضات رأس المال أي كيف أن الرأسمالية تقضي على نفسها بنفسها لهذا يقول إن صاحب رأس المال يعامل نشاط العمال معاملته لسلعة إذ يفرض عليهم العمل في مصانعه في مدة لا يمكن الزيادة عليها بأثمان لا تفي إلا بالحياة الضرورية لهم ،وإن قيمة كل سلعة إنما هي قيمة العمل الإنساني فيها ،ولكن العامل لا يأخذ هذه القيمة كلها بل يأخذ منها مقدار ما يكفيه للمعيشة الضرورية ، ويذهب الباقي أي القيمة الفائضة إلى صاحب رأس المال بغير عمل ، وهو يتغافل أن العمال يختلفون في بنياتهم البيولوجية وإنتاجهم هذه كلها حقائق لم تدخل في حساب رأس المال ، و يرى ماركس المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها :
ـ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج: أو ما اصطلح عليه بتأميم وسائل الإنتاج مثلما فعل الزعيم المصري جمال عبد الناصر مع قناة السويس و الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما أمم المحروقات وكل ذلك من أجل الحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية من النهب و الجشع و توجيهها نحو المصلحة الجماعية و إزالة الطبقية ـ فالأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وهذا ما عبر عنه أول رئيس للاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في قوله: * يجب أن يكون كل طباخ قادرا على إدارة البلاد*.
ـ التخطيط المركزي: و يعني التخطيط الاقتصادي الذي ترسمه الدولة وتحاول التوفيق بين حاجة المجتمع والإنتاج في كميته وتوزيعه وتحديده لئلا يبتلي المجتمع بنفس الأمراض التي أصيب بها المجتمع الرأسمالي فتحدد الأسعار و الإنتاج و توفق بينه و بين الاستهلاك مثال ذلك تدخل الدولة الجزائرية في ضبط أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك كالسكر و الزيت و الدقيق و الحليب وهذا حتى لا يحدث التضخم و تكديس السلع .
ـ تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص : و الذي يعني ضمان حصول و ممارسة الجميع على فرص متساوية مع ضمان القضاء على كل أنواع المعاملة غير العادلة في بعض نواحي الحياة العامة , كأماكن العمل والتعليم والانتفاع بخدمات المرافق العامة و تحطيم الفوارق الاجتماعية و لخلق مجتمع عادل يسوي بين جميع الناس يقول كارل ماركس * كل ما يأخذه الاقتصاد منك من أسلوب حياتك و إنسانيتك يرده إليك في شكل ثروة و نفوذ * .
ـ مبدأ توزيع السلع على حسب الحاجة الاستهلاكية للأفراد ، ويتلخص في قول ماركس :* من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته * ذلك لأن لكل فرد حاجات طبيعية لا غنى له عنها ، فهو يدفع للمجتمع كل طاقاته فيدفع له المجتمع متطلبات معيشته .
ـ لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري الذي عرقل المشاريع الاقتصادية بالإضافة إلى ظهور المحسوبية والرشوة وضعف الإنتاج ورداءته ، في ظل غياب المنافسة ومصادرة حرية الفرد التي تعتبر حقا من حقوقه الطبيعية لأن الفرد لا يمتلك و هذا ما يتنافى مع طبيعة الانسان المفطورة على حب التملك. هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أنه يرتكز على نظرة مادية و بهمل القيم الأخلاقية بحجة أن التطور الاقتصادي محكوم بقوانين ضرورية لا تحتاج مثل هذه القيم.
ـ ومما سبق يمكن القول أن النظام الإقتصادي الحر كما نادى به أنصاره لا يحقق العدالة الإجتماعية لأنه منبع للمصائب و الأزمات المختلفة منها ما ينشأ بين العمال وأرباب المصانع أو بين الرأسماليين أنفسهم ، ومنها الأزمات الخارجية كالحروب و لأن مقاييسه التي ترتد إلى المنفعة لا تتماشى مع الحياة الأخلاقية . أما الماركسية فرغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسنى لها تحقيق العدالة الإجتماعية لأنها تخفي وراءها استغلالا من نوع خاص و تفضي إلى إقامة طبقة جديدة ولهذا فكلا النظامين لا يحققان روح العدالة الإجتماعية .
و الرأي الصحيح هو الذي يرى أن النظام الانسب لتحقيق العدالة عن جدارة هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الاخلاق في آن واحد ، وهذا هو النظام الذي يدعوا إليه الإسلام حيث لم يجعل فيه الفرد آلة ميكانيكية في الجهاز الإجتماعي ولا المجتمع هيئة قائمة على حساب الفرد . بل وضع لكل منهما حقوق و كفل للفرد كرامته المعنوية و المادية معا ، ولهذا فرض الاسلام الزكاة و حرم كل وسائل الكسب الغير مشروع كالربا و السرقة ، وشرع للتملك وسائل منها الميراث و الوصية إلا أنه يوصي بالعمل و يلح عليه ، وفي هذا يقول تعالى < وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون >و هو لم يحارب الغني الطاهر الشريف الذي استعمل وسائل مشروعة ، وإنما حارب الغني المنحرف و الكنز والشح و يقاتل الفقر، إن العدالة في نظر الإسلام هي هدف هذا النظام الذي يؤمن بالتعاون بين الجميع حيث يحترم الفرد و الجماعة في آن واحدة على حد سواء ، فالنظام الإسلامي في وضعه تكاملي هو وسط من وسط و خيار من خيار . ولذلك فإن العدالة الاجتماعية التي يدعوا إليها هذا الدين هي أفضل عدالة .
ـ ومنه نستنتج أن الاقتصاد الحر لا يحقق العدالة الاجتماعية لأنه قائم على تصور الملكية الفردية لوسائل الانتاج و المنافسة الحرة و خضوع هدا كله إلى قانون طبيعي ثابت تسير من خلاله عملية الانتاج و العلاقة بين العرض و الطلب و اليد العاملة و المنتوج هي فكرة يعجز الفرد على تطبيقها على ارض الواقع دلك لأنها تحمل تناقضا في طياتها و هدا مالا يتقبله العقل إد كيف للمنفعة الفردية أن تحقق المنفعة الجماعية رغم الاختلاف بينهما ، و تعدد المصالح و المنافع يؤدي لإلى اللاعدل و بالتالي التفاوت بين الأفراد خاصة و المالكين عامة ، كما أن النظام الاشتراكي هو الآخر فشل في تحقيق العدالة لأن الماركسية تصل في الواقع إلى إستغلال آخر للعمال ، لأن العمال لا يعملون لأنفسهم و إنما للأجيال القادمة ، ثم إنها تفضي إلى محن داخلية لأن عدم الملكية لأدوات العمل يصطدم بواقع الطبيعة البشرية و يتنافى مع القانون الدي ينص على أن للعامل الحق في أن يملك القيم التي ينتجها أو فيما يماثلها ، وعليه فالنظام الدي يجسد العدلة الاجتماعية الكاملة هو النظام الدي ينص بالاقرار الدي تمليه الاخلاق بين الأفراد و المجتمع ، وعدم إهمال طرف لآخر ، أي التعامل مع الفقير و الغني و المالك والعامل ،وهده هي وجهة النظر في الدين الاسلامي الدي يقر بالملكية الخاصة والملكية الجماعية وملكية الدولة ، وهي في مجملها تدل على وجود الحرية المحدودة بالقيم الروحية و الخلقية و المقيدة بالسلطة العليا التي لها حق الطاعة و التدخل و هدا ما تجسده الآية الكريمة :{ يا أيها الدين آمنوا اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و أولي الامر منكم }و بهدا نجد الاسلام يدعوا الى التكامل من جهة و منع الإسراف من جهة أخرى ليحقق التوازن الاجتماعي التنظيم الاقتصادي الدي يستلزم بدوره تحقيق العدالة .
رضا الطلياني
2012-05-10, 18:05
ولك مقالة جد متوقعة نظرا لكثرة اللي داروها في الباك تجريبي : الكثير من الولايات دارو فالباك بلون : الابداع و الديمقراطية :
الابداع :
هل الابداع مرتبط بالشروط النفسية أم بالشروط الاجتماعية ؟
مقدمة : يتفوق الانسان عن بقية الكائنات الأخرى بفضل وظائفه العقلية العليا؛ كالإدراك و الذاكرة و اللغة و التخيل ؛ هذا الأخير ينقسم الى نوعين تخيل تمثيلي يسترجع فيه الانسان الصور و يمثلها في عقله بعد غياب الأشياء المحسوسة التي أحدثتها،و تخيل إبداعي يبتكر فيه صورا جديدة غير مألوفة تتجاوز الواقع و هذا ما يجعل الانسان كائنا مبدعا و الإبداع يعرف بأنه تركيب شيء على غير مثال سابق و القدرة على إيجاد حلول جديدة للمشكلات التي نعيشها. لكن تحديد طبيعة الإبداع و الشروط المتحكمة فيه اختلف حوله المفكرون و الفلاسفة فمنهم من يرجع عملية الإبداع الى شروط نفسية و ذاتية خاصة بالمبدع و منهم من يرجعها الى شروط اجتماعية و الى الحاجات التي يطلبها المجتمع، من هنا يمكننا التساؤل : هل الإبداع يتولد نتيجة صفات خاصة و ذاتية أم أنه يعود الى البيئة الاجتماعية و الثقافية ؟ الموقف الأول : يذهب كثير من علماء النفس و الفلاسفة الى أن الإبداع يعود الى شروط نفسية تتعلق بذات المبدع و تميزه عن غيره من الناس نذكر منها حدة الذكاء و قوة الذاكرة و سعة الخيال و خصوبته، و الاهتمام الكبير و الإرادة و الشجاعة و الجرأة و الصبر و الرغبة في التجديد إضافة الى مختلف الانفعالات من عواطف و هيجانات متعددة و أهم رواد هذا الاتجاه الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون و طبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد.
الحجج : فقد حلل فرويد ظاهرة الإبداع بردها الى الأفكار و الذكريات و الرغبات اللا شعورية ذلك أن العمل الإبداعي في نظره تعبير عن الرغبات المكبوتة التي يعمل المبدع على تحقيقها عن طريق التعويض إذ يعوض النقص الذي يعاني منه من خلال أعماله الفنية فالجاحظ أبدع في فن الأدب كتعويض لشكله الخارجي الذي لم يكن جميلا و ليوناردو دافنشي الرسام الايطالي الشهير أبدع في فن الرسم لأنه كان ابنا غير شرعي لرجل ارستقراطي رفض الاعتراف به كابن فقد حاول تعويض تجاهل أبيه له.
و ما يثبت أن الإبداع يعود الى شروط نفسية متعلقة بذات المبدع و التي ترتكز على ثلاث جوانب : الجانب العقلي، و الجانب الإرادي، والجانب الانفعالي: ففي الجانب العقلي يكفي استقراء و تتبع حياة المبدعين في مختلف المجالات يكشف أنهم يمتازون بقدرات عقلية خارقة هيأتهم لأدراك المشاكل القائمة و إيجاد الحلول لها فالمبدع يتصف بدرجة عالية من الذكاء و العبقرية ؛ وقوة الذاكرة؛ و سرعة البداهة؛ فالذكاء يعني سرعة الفهم و القدرة على حل المشاكل النظرية و العملية؛ وهو يساعد المبدع على طرح المشكلات طرحا صحيحا و إيجاد الحلول الجديدة لها يقول هنري برغسون : يتضمن الاختراع تحويل المخطط الى صور .
كما أن أصل كل إبداع هو التخيل الإبداعي فكلما كانت قدرة الانسان على التخيل كبيرة كلما استطاع تصور حلول أوسع للمشاكل التي تعترضه ﺇذ يستطيع المبدع أن يحول الصورة العقلية المجردة الى شيء حسي و صورة مشخصة ( سواء لوحة فنية أو قصيدة شعرية أو فلما سينمائيا أو رواية أدبية...الخ) حيث يقول العالم الرياضي و الفيزيائي الفرنسي باسكال : التخيل قوة رائعة عدوة للتعقل ؛و يقول أيضا : لا يستطيع التخيل أن يجعل المجانين حكماء و لكنه قادر على جعلهم سعداء .
و يشترط الإبداع ذاكرة قوية فالعقل لا يبدع من العدم بل استنادا الى معلومات و خبرات سابقة- والتي تقتضي تذكرها- لذلك فالذاكرة تمثل المادة الخام و العناصر الأولية للإبداع ؛ حيث يقول المخترع الأمريكي الكبير إديسون صاحب أعظم الاختراعات منها المصباح الكهربائي: لا يمثل الإلهام ﺇلا عشر العبقرية أما الأعشار التسعة المتبقية فهي عمل و جهد.
و فيما يتعلق بالجانب الإرادي الذي يشمل قوة العزيمة و استمرارها لأن عملية الإبداع طويلة و شاقة و هي مبنية على المعاناة الدائمة، فحين أخبر توماس أديسون مكتب براءات الاختراع في واشنطن أنه يعمل على اختراع مصباح يعمل بالكهرباء نصحه المكتب بعدم الاستمرار في مشروع كهذا وكتبوا له خطاباً جاء فيه : إنها بصراحة فكرة حمقاء حيث يكتفي الناس عادة بضوء الشمس؛فرد بخطاب قال فيه:ستقفون يوماً لتسديد فواتير الكهرباء، كما أنأديسون قبل اختراعه للمصباح الكهربائي قد حاول أكثر من 1000 محاولة لهذاالاختراع العظيم و لم يسمها محاولات فاشلة بل سماها تجارب لم تنجح .. ولنا هنا أن نتعلم من هذا المخترع الصبر والثقة بالنفس و التفاؤل. ﺇذ يقول : تعلمت 1000 طريقة خطأ لصنع المصباح .
بالإضافة ﺇلى أن المبدع يتصف بالشجاعة الفكرية و الأدبية و الروح النقدية و الميل الى التحرر فقد كان باستور شجاعا جدا عندما غامر بتجريب لقاح داء الكلب على طفل صغير بعدما كان قد جربه على الحيوانات فقط فقد كانت الكنيسة تمنع التجريب على البشر و تعاقب من يقوم بذلك ونفس الصفة تحلى بها المستكشف البرتغالي كريستوف كولومبس عندما غامر بحياته و حياة بحارته بحثا عن الهند من طريق الغرب، و التاريخ يثبت أنه ما من مكتشف أو مخترع توصل ﺇلى إثبات افتراضاته بعد فترة زمنية قصيرة و إنما دامت مجهوداتهم لسنوات فقد قضى القديس أوغسطين سنة حتى أخرج كتابه مدينة الله الى الوجود و الرسام الايطالي ليوناردو دافنشي بقي 4 سنوات و هو يرسم لوحته الشهيرة الموناليزا
أما الجانب الانفعالي فيتعلق بالميل و الرغبة و الاهتمام الشديد، فالأحوال النفسية الانفعالية لها تأثير قوي في عملية الإبداع واستقراء حياة المبدعين و تتبع أقوالهم وهم يصفون حالاتهم قبل الإبداع و أثنائه يؤكد دورها ،فمن كثرة اهتمام العالم الرياضي الفرنسي هنري بوانكاري بإيجاد الحلول الجديدة للمعادلات الرياضية المعقدة وجد فكرة مهمة حول الهندسة اللااقليدية و هو يضع رجله على سلم الحافلة حيث يقول : ﺇن الحظ يحالف النفس المهيأة و يقصد بذلك أن الانسان الذي يبذل مجهودات كبيرة يكون له حظ من النجاح، و العالم نيوتن لم يكتشف قانون الجاذبية لمجرد سقوط التفاحة و إنما كان يفكر باهتمام بالغ و تركيز قوي في ظاهرة سقوط الأجسام و ما سقوط التفاحة ﺇلا مناسبة لاكتشاف قانون الجاذبية حيث يقول : ﺇنني أضع موضوع بحثي نصب عيني دائما و أنتظر سطوع الأنوار الأولى رويداﹰ رويداﹰ الى أن تتحول الى ضياء ساطع . وقد كان لاختراع المصباح الكهربائي قصة مؤثرة في حياة أديسون، ففي أحد الأيام مرضت والدته مرضا شديدا، وقد استلزم الأمر إجراء عملية جراحية لها، إلا أن الطبيب لم يتمكن من إجراء العملية نظراً لعدم وجود الضوء الكافي، واضطر للانتظار للصباح لكي يجري العملية لها، ومن هنا تولد الإصرار عند أديسون لكي يضئ الليل بضوء مبهر.
وحتى الشعراء متفقون في نسبة إبداعاتهم الى قوة غامضة تنبع من أعماق أنفسهم فيكلموك عن شياطين الشعر و هذا الشاعر السوري نزار قباني يصف لحظة كتابته الشعر فيقول : ﺇنّ الشعر يهبط كالمفاجأة السعيدة و يجيء مثل الطائر الليلي من الجزر البعيدة . تعتبر الأحوال الانفعالية مادة الاختراع الفني و الأدبي فالمخترع أو المبدع يعاني ما تعانيه الحامل من آلام الولادة ﺇلا أنه عندما يبلغ غايته و يوفق ﺇلى تحقيق ما يفكر فيه يشعر بلذة عظيمة لا تعدلها لذة فالإبداع في جميع حالاته و مراحله ممزوج بالشوق و الحماسة و السرور أو الغم،و الفرح أو الحزن فالانفعالات القوية تنشط المخيلة التي هي أصل الإبداع فقد اجتمعت عواطف المحبة الأخوية و الحزن الشديد عند الخنساء فأبدعت في شعر الرثاء كما أن أرخميدس خرج من الحمام عاريا لشدة فرحه عندما اكتشف قانون طفو الأجسام و أخذ يصرخ في شوارع أثينا وجدتها وجدتها، و قد رقص العالم البريطاني و الفيزيائي دافي في مخبره عندما اكتشف البوتاسيوم و في كل هذا يقول برغسون : ﺇن كبار العلماء و الفنانين يبدعون و هم في حالة انفعال قوي و يقول أيضا : ﺇن العظماء الذين يتخيلون الفروض و الأبطال و القديسين الذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية لا يبدعونها في حالة جمود الدم و إنما يبدعون في جو حماسي و تيار دينامي تتلاكم فيه الأفكار. النقد : صحيح أن العوامل الذاتية لا غنى عنها في الإبداع لكنها لا تكفي وحدها في غياب محيط اجتماعي مناسب لأن بعض المجتمعات تقتل روح الإبداع و تحول دون تفتق المواهب و ظهورها و ما يثبت ذلك ظاهرة هجرة الأدمغة من الدول الفقيرة التي لا توفر لمبدعيها ما يحتاجونه الى الدول الغنية المتطورة التي تقدر المبدع و تعطيه الأولوية مقارنة بالأفراد العاديين و خير مثال على ذلك الرسام الهولندي الشهير فان غوغ الذي مات منتحرا و الحسرة تملئ قلبه لأنه لم يستطع أن يكسب رضا النقاد و لم يبع أي لوحة و هو حي حتى أن إحدى السيدات اشترت لوحة له بعد وفاته بفترة قصيرة لكي تسد بها فجوة كانت في سقف بيتها ثم بعدما بدأ الناس يقدرون أعماله الفنية-بعد فوات الأوان- نزعتها من السقف و باعتها بثرة طائلة تجاوزت الملايين. و المبدع أيضا مهما كان يملك من صفات ذاتية تدل على عبقريته فانه يخضع رغما عنه لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه و ما يحمله من قيم و مبادئ أخلاقية تحدد نوع الإبداع و مجاله كما هو الحال مع فني الرسم والنحت الذين دار حولهما جدال كبير بين علماء الإسلام بين محرم و مبيح جعل من وتيرة تطور هذين الفنيين متحفظة في المجتمعات الإسلامية مقارنة بما وصل إليه فن الرسم في أوروبا ، إضافة الى أن العوامل الذاتية التي لا تجد المناخ الاجتماعي و الثقافي المناسبين مصيرها الزوال فهي تبقى مجرد طاقات كامنة في المبدع كالبذرة التي تذبل و تموت حين لا تجد التربة الصالحة و الرعاية الملائمة لنموها. الموقف الثاني : في المقابل يرى علماء الاجتماع و على رأسهم الفرنسي دور كايم أن الإبداع ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى و هي تقوم على ما يوفره المجتمع من شروط مادية و معنوية للمبدع فالإنسان حسبهم كائن اجتماعي بطبعه و أن جميع وظائفه العقلية و منها التخيل الإبداعي لا تنمو ﺇلا في المجتمع و أن الإبداع يرتبط بدرجة نمو المجتمع و حاجاته فالمبدع يبدع لمجتمعه لا لنفسه . الحجج : فالإبداع مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية لأنه يحدث إما لجلب منفعة أو دفع ضرر فالحاجة الاجتماعية هي التي تدفع الى الإبداع حتى قيل : الحاجة أم الاختراع ﺇذ تظهر الحاجة في شكل مشكلة اجتماعية ملحة تتطلب حلا فإبداع كارل ماركس لفكرة الاشتراكية إنما هو حل لمشكلة طبقة اجتماعية مهضومة الحقوق و هي الطبقة العمالية التي كانت خاضعة لقهر و ظلم الرأسماليين، و اكتشاف العالم الفيزيائي و الرياضي الايطالي تورشيلي لقانون الضغط الجوي جاء كحل لمشكلة زراعية و اجتماعية طرحها الفلاحون عند تعذر ارتفاع الماء ﺇلى أكثر من 10.33م فقد شاعت فكرة لأرسطو بين الناس تقول أن الطبيعة تخشى من الفراغ أي أن الطبيعة تملا الفراغ في كل الأحوال ،و من جهة أخرى سجل تورشيلي ما لاحظه سقاؤوا فلورنسا مدينة في ايطاليا في حيرة من أمرهم من أن الماء لا يرتفع في المضخات الفارغة أكثر من 10.33م و أمام هذه الوضعية اضطر تورشيلي الى الفصل في القضية فإما أن يأخذ بفكرة أرسطو و يرفض حادثة امتناع الماء عن الصعود في المضخات أو العكس فقد حتم عليه الموقف دراسة الظاهرة و تفسير طبيعتها و أثبت أن وجود قوة الضغط الجوي هي السبب في تحديد ارتفاع الماء في الأنبوب فكلما كان الضغط أقوى كان ارتفاع الماء أعلى بالتالي وجد مخرجا لهذه المشكلة الاجتماعية.
ﺇن عملية الإبداع ترتبط بحالة العلم و الثقافة السائدة في المجتمع فالبيئات الاجتماعية و الثقافية المتشابهة تؤدي ﺇلى ظهور نفس الإبداعات و لعل هذا ما يفسر لنا تشابه الاختراعات و الإبداعات المعرفية في أوروبا في القرن الثامن عشر فقد اكتشف نيوتن الإنجليزي و ليبنتز الألماني حساب اللانهايات في الرياضيات في زمان واحد من غير أن يكون لأحدهما صلة بالآخر، ونفس الحدث تقريبا وقع مع ريمان و هو عالم رياضي ألماني و العالم الرياضي الروسي لوباتشيفسكي بخصوص إبداع هندسات جديدة مخالفة لهندسة إقليدس القديمة و في ذلك يقول الفيلسوف الفرنسي جاك بيكار: لا يمكن حصول كشف علمي أو اختراع جديد ﺇلا ﺇذا كانت حالة العلم نسمح بذلك، فإذا سمحت حالة العلم بذلك تولد الاختراع و نما بالضرورة، و كثيرا ما يتوصل العلماء ﺇلى اختراعات واحدة في زمان واحد . هذا من الناحية الايجابية لدور المجتمع منة خلال توفير شروط الإبداع الملائمة.
أما ﺇن لم تكن شروط الإبداع متوفرة في المجتمع فانه لن يحصل و لن يتحقق و ما يثبت ذلك أنه من المحال و المستحيل أن يكتشف المصباح الكهربائي في القرن السابع ميلادي لأنه كاختراع يقوم على نظريات علمية فيزيائية لم تكن متوفرة و معروفة في ذلك الوقت و لم يكن ممكنا اكتشاف الهندسة التحليلية قبل عصر ديكارت لأن الجبر و الهندسة لم يبلغا من التطور ما يسمح بالتركيب بينهما و لم يبدع شعراء كبار مثل امرؤ القيس ،و زهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد الشعر المسرحي في عصرهم لأن المسرح كفن لم يكن معروفا حينذاك و لأنه يقوم على المسارح و هي بناءات كبيرة و العرب في الجاهلية كانوا يسكنون الخيام و كانوا دائمي الترحال و التنقل ، وتعذر على المخترع الأندلسي و العالم الفلكي عباس بن فرناس لطيران لأن ذلك يقوم على نظريات علمية لم تكتشف في ذلك العصر؛ فقد عمد عباس بن فرناس الى تغطية جسمه بالريش كما مد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة ثم سقط فتأذى في ظهره و نحن نعرف الآن في عصرنا أن عضلات الانسان لا تكفي للقيام بمهمة الطيران.
كما أن التنافس بين المجتمعات و سعيها الى إثبات وجودها يجعل كل مجتمع يحفز أفراده على الإبداع و يوفر لهم شروط ذلك، فالتنافس العسكري بين الو.م.أ و الاتحاد السوفياتي سابقا أثناء الحرب الباردة أدى الى الإبداع في مجال التسلح و اختراع القنبلة النووية، ونفس الشيء في غزو الفضاء، و أيضا اليابان لم تكن شيئا يذكر بعد الحرب العامية الثانية فقد خرجت منها مدمرة لكن تنافسها الاقتصادي مع الو.م.أ و أوروبا الغربية جعل منها قوة اقتصادية خلاقة و مبدعة ( صناعة السيارات؛ الالكترونيات؛ صناعة الرسوم المتحركة...)
يرتبط الإبداع أيضا بالتحفيز و التشجيع و المكافآت التي تقدمها الدول لمبدعيها حيث يكثر الإبداع لدى الدول التي تخصص ميزانيات ضخمة للبحث العلمي كاليابان؛ و الو.م.أ ؛و ألمانيا و ؛فرنسا ،فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا تسخر الملايير من الدولارات في بناء المخابر و تجهيزها بمختلف الوسائل الحديثة و المتطورة و التي تمكن علمائها من الاكتشاف بالتالي الرقي و الازدهار للمجتمع الأمريكي، وما المستوى و المكانة التي تحتلها في العالم ﺇلا دليل على ذلك. إضافة الى أن الشعراء في أزهى عصور الحضارة الإسلامية كانوا يأخذون ذهبا مقابل أشعارهم.
ﺇن البيئة الاجتماعية لا تكتفي بحمل العلماء على الاختراع فقط بل تهيؤ لهم الحلول التي يجب أن يتبعوها و الأنماط التي يجب أن ينسجوا على منوالها أبحاثهم، فالمجتمع إذن ينظم خيال المبدع لذا قال لاكومب :ﺇن الاختراع تنظيم اجتماعي للتخيل التلقائي و غرض هذا التنظيم يلخص بأمرين : أولهما أنه يقيد العقل بهدف اجتماعي فيفكر العالم في نفع الجماعة و يفكر الفنان في إثارة عواطفها و إرضائها، و ثانيهما نقد التراكيب الجديدة التي ولدها التفكير التلقائي و حذف ما لا يتفق منها مع الأهداف الاجتماعية.
زيادة على أن كل عمل إبداعي و فني إنما ينتج عن تأثير العرق و البيئة و الزمان حيث يقول الفيلسوف الفرنسي تين :ﺇن ﺇنتاجات الفكر البشري كانتاجات الطبيعة الحية، لا توضح الا بتأثير البيئة، ﺇنك لا تفهم أثرا فنيا أو فنانا، أو جملة من الفنانين ﺇلا ﺇذا تصورت منازع الفكر العامة و اتجاهات الأخلاق و العادات في زمانهم.ومن الذين أيدوا وجهة النظر هذه نجد الفيلسوف الفرنسي و عالم الاجتماع ليفي بويل الذي اعتبر أن الدين و الأخلاق و العلم والفن آثار اجتماعية بالذات و أن كل تبدل في هذه الأوضاع إنما ينشأ عن تأثير التبدلات الاجتماعية،فإبداع المثل الأخلاقية يتولد من الحوادث الاجتماعية و الدليل على ذلك أن القيم الأخلاقية الجديدة كالحرية و حقوق الانسان قد تولدت في صدر المسيحية و الإسلام و عصر النهضة و الثورة الفرنسية و الثورة الصناعية و غيرها من ثورات القرن التاسع عشر و العشرين و ما ينطبق على تولد المثل الأخلاقية ينطبق أيضا على تولد الاختراعات فالعوامل التي تبعث عليها عوامل اجتماعية.
النقد : صحيح أن للبيئة الاجتماعية أهمية كبيرة في توفير شروط الإبداع، لكن الاختراع الجديد كثيرا ما كان ثورة على الأوضاع القديمة و أن المجتمع كثيرا ما يكون عائقا أمام المبدع لأن المجتمع نتيجة تأثير العادات و التقاليد يكره كل تجديد و تبديل و المبدع بطبعه يحاول تجاوز الواقع حيث يقول العالم الفرنسي لوروي : كل تركيب جديد يتولد من تحليل نقدي سابق ، فالناس لا يرتاحون للجديد لأنهم ألفوا القديم ﺇذ يقول لوروي أيضا: يتراءى للمعاصرين أن المخترع مصاب بالمس، وذلك على قدر ما يخترع و على نسبة ما يحتاج ﺇلى تصورات لا وجود لها في الأفكار المنتشرة في زمانه ، و مما يلفت النظر أن مخترعي نظريات ما بعد الطبيعة يحشرون مع المجانين و أن المبدعين الاجتماعيين (في علم الاجتماع) و الأخلاقيين يعدون ثوريين و فوضويين، و أن المبدعين في الفن يعتبرون غير متزنين حتى أن العلماء أنفسهم لا يفهم كلامهم أحد عند إتيانهم بالأفكار الجديدة فيتهمون بمخالفة نظرياتهم للحس السليم و عدم معقوليتها و ما حدث لسقراط الذي قتل بسبب أفكاره لخير مثال على ذلك .
و لو كان الإبداع راجعا لعوامل اجتماعية فقط لكان كل الأفراد الذين يعيشون في بيئة واحدة و متشابهة مبدعين و الواقع يكذب ذلك، ﺇذ كثيرا ما يظهر مبدعون في بيئات اجتماعية متخلفة و غير مناسبة و العكس قد يحصل أحيانا فقد تتوفر الظروف الاجتماعية المناسبة و لا يوجد مبدعون مثلما هو حاصل في المنتخب الفرنسي لكرة القدم فمعظم لاعبيه ليسوا من أصل فرنسي بل اغلبهم عرب و أفارقة.
التركيب : الإبداع ظاهرة معقدة تتداخل في ظهوره عوامل بعضها ذاتي يتعلق بالذات المبدعة، و بعضها الاخر موضوعي متعلق بالبيئة الاجتماعية و الثقافية فالأطروحتان متكاملتان و ليستا متعارضتين، فالإبداع لا يكون ﺇلا بتوفر الشروط النفسية و الاجتماعية معا. الرأي الشخصي : لكن حسب اعتقادي فان الشروط النفسية و الذاتية في عملية الإبداع أكثر أهمية من الشروط الاجتماعية ذلك أن المجتمع كثيرا ما يظلم المبدع و يقاوم جرأته و في تاريخ العلوم أمثلة كثيرة تدل على المقاومة التي لقيها المخترعون في زمانهم مثال ذلك أن قول الفيثاغوريينو هم أتباع فيثاغورس بالعدد الأصم اعتبر شناعة منطقية و قول نيوتن بالجاذبية العامة اعتبر غير معقول و قولالعالم الفلكي الايطالي غاليلي بدوران الأرض حول الشمس و بأنها كروية اعتبر مخالفا لمبادئ الكنيسة حتى أنه دفع حياته ثمنا لأفكاره ، وحتى نابليون بونابارت قال عن العالم الطبيعي الفرنسي لامارك الذي اشتهر بنظريته في تحول الأنواع و ذلك بعد أن اطلع على نظرياته أنه مشعوذ، كما اعترض العديد من علماء النفس على نظرية اللاشعور، وما أكثر العلماء الذين صعب عليهم قبول نظرية النسبية التي جاء بها العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين رفض العديد من النقاد العرب الشعر الحر و هاجموا من يكتبه، حتى أن الشاعر السوري نزار قباني ضرب بالبيض و الطماطم في إحدى أمسياته الشعرية بمصر لأنه انتقد نكسة 1967 ضد إسرائيل، وحتى المخترع الأمريكي إديسون تعرض للسخرية من قبل أستاذه و هو طفل صغير فبعد أيام قليله من الدراسة أرسله مدرسه إلى أمه وأرسل معه خطاباً يقول فيه بأن تجلسه في المنزل أفضل له لأنه غبي وفاسد . حل الإشكالية : نستنتج في الأخير أن الإبداع ما هو ﺇلا ثمرة تكامل العوامل النفسية و الاجتماعية فهو ظاهرة فردية تضرب بأعماق جذورها في الحياة الاجتماعية وفق حاجة المجتمع لذلك، فالمبدع يتميز بخصائص نفسية و عقلية خارقة و متطورة كقوة الذاكرة و سعة الخيال و الذكاء الخارق مع الميول القوية و الرغبة و الاهتمام و الانتباه و العواطف الجياشة إضافة إلى الجو الذي يوفره المجتمع من شروط و إمكانات مادية ومعنوية تساعد المبدع و تشجعه و تقدر مواهبه، وهذا ما حدث مع إديسون الذي تميز بالعبقرية و الإرادة القوية وقد لقي التقدير و الدعم من المجتمع الأمريكي فعندما توفي أطفئت جميع أنوار ومصابيح أمريكا في تلك الليلة، بحيث قبله كانت هكذا. و في ذلك يقول عالم النفس الفرنسي ريبو : مهما كان الإبداع فرديا فانه يحتوي على نصيب اجتماعي .
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir