المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة وعبرة "اعمل الخير وانسه"


هشام 12
2012-05-01, 11:52
كانَ وليد شاباً، وعلى الرغم من أنَّهُ كان فقيراً بالمقاييسِ المادية، إلا أنَّهُ وبكل تأكيد كان غنياً بشخصيته. وفي إحدى الأمسيات، بعد عملٍ طويلٍ ومُضْنٍ، وكان في طريقه إلى منزله عندما رأى سيدة مسنة قد تقطعت بها السُبُلُ على قارعة الطريق. خرج وليد من سيارته دون أنْ يفكرَ ولو للحظةٍ، إذ أنَّهُ قد استشعر بأنَّ السيدة كانت في حاجةٍ ماسةٍ للمساعدةِ. كانت السيدة متوترةً وهي تقفُ إلى جانب سيارتها من طراز (بي أم دبليو)، لا تدري ما عساها فاعلةٌ.

لم يكن لِيتوقفَ أحدُهم للمساعدة منذ ساعةٍ مضت أو نحوَ ذلك. تُرى هل سيسيءُ إليها؟ لم يكن مظهرُه يبعثُ على الطمأنينة؛ فقد كان يبدو فقيراً وجائعاً.

قال لها وليد: “أنا هنا كي أساعدَك يا سيدتي. لِمَ لا تنتظرين في سيارتي حيثُ الدفء؟ أما أنا فسأقوم بإصلاح سيارتك في هذه الأثناء.”

وبما أن وليد ميكانيكي، فإنَّ إصلاحَ السيارة لم يستغرق وقتاً طويلاُ.

عَلَتْ وجهَ وليد ابتسامةٌ وهو يغلق غطاء المحرك بعد إصلاح السيارة. سألته السيدة بكم كانت تدين له. كانت ستوافق على أي مبلغ، فقد تخيلت بالفعل الأشياء الفظيعة التي كان يمكن أنْ تحدثَ لها لو أنَّهُ لم يتوقف. لم يكن وليد قد فكر مطلقاً بأنْ يستوفيَ أي أجر. فبالنسبة له لم يكن هذا عملاً. لقد كان عمله هذا مساعدةَ شخصٍ محتاجٍ، ويعلمُ اللهُ أنَّهُ قد كان هناك العديدُ ممن مدُّوا له يدَ العون في الماضي. كان قد عاش حياته بأكملها على هذا النحو، ولم يسبق له قط أن يتصرفَ بأي طريقةٍ أخرى.

أخبرها وليد أنَّها إنْ كانت تود بالفعل أن تؤديَ حقه إليه، فكل ما عليها فعله هو أن تقدم المساعدة اللازمة لأول شخصٍ محتاج تلتقيه في المرة القادمة.

ثم انتظر حتى أدارت محرك سيارتها وانطلقت مبتعدة. لقد كان يوماً بارداً ومُحبِطاً، ولكنَّ شعورَهُ كان رائعاً وهو متجهٌ إلى المنزل.

وعلى بُعدِ أميالٍ قليلة أسفل الطريق، رأت السيدة مطعماً صغيراً فذهبَتْ لتناول لقمة على عَجَلٍ ولتتخلص من أثر البرد قبل أن تُنهيَ المحطة الأخيرة في مشوارها نحو المنزل. كان المطعم يبدو موحشاً وكان ثمّةُ مضختا بنزين قديمتان في الخارج. كان المشهد كله غريباً عليها. جاءت النادلة وأحضرت منشفة نظيفة لتجفيف شعر السيدة المبلل.

كانت على محياها ابتسامة حلوة، لم يفلح حتى وقوفها على قدميها طوال اليوم في مَحوِها. لاحظت السيدة أن النادلة كانت حاملاً في شهرها الثامن تقريباً، ولكنها رغم ذلك لم تدعْ مجالاً للتوتر والآلام أنْ تغير في سلوكها.

تساءلت السيدة المسنة كيف يمكن لشخص يمتلك الشيء القليل أن يكون بهذا العطاء حيال شخص غريب. ثم تذكرت وليد.

بعد أن أنْهَت السيدة وجبتها قامت بتسديد الحساب بورقة من فئة المائة دولار. أسرعت النادلة للحصول لها على فكة لورقة المائة دولار، ولكن السيدة المسنة كانت قد انْسلَّت بالفعل خارجةً من الباب. وعندما عادت النادلة كانت السيدة قد غادرت. تساءلت أين يمكن أن تكون السيدة. ثم لاحظت شيئاً مكتوباً على المنديل. واغْرَوْرَقَت عيناها بالدموع عندما قرأت ما كتبته السيدة: “لستِ مدينة لي بأي شيء. لقد مررت بنفس الظروف. وقد ساعدني أحدُهم ذات مرةٍ مثلما أُساعدُكِ الآن. إذا كنتِ تودين بالفعل أداءَ حقي، هذا ما عليك فعله: لا تدعي سلسلة المحبة هذه تنتهي عندكِ.”

وتحتَ المِنديل كانت هناك ثلاثُ ورقاتٍ أُخَرُ من فئة المائة دولار.

حسناً، كانت هناك طاولاتٌ تحتاجُ التنظيف، وأوعيةُ سُكَّرٍ يجب مَلْؤُها، وأُناسٌ ينتظرون الخدمة، ولكنَّ النادلة أرجأتها إلى يوم آخرَ. وفي تلك الليلة، عندما وصلت البيت عائدةً من العمل وصعدت إلى سريرها، كانت تفكر بشان المال وبما قد كتبت تلك السيدة. كيف تسنى لها معرفةُ مدى حاجتِها وزوجِها إلى ذلك المال؟ كان الوضعُ سيكون قاسياً معَ توقُّعِ ولادة الطفل الشهر المقبل….

كانت تعلم مدى قلقِ زوجِها، وبينما كان يرقد نائماً بجانبها، نظرت إليه وهمست برِقةٍ وصوتٍ خفيض: “كل شيءٍ سيكون على ما يُرامُ. أحبك يا وليد.”

* مهما عملت من خير للآخرين، فإنَّهُ سَيُوفَّى إليك بطريقة أو بأخرى. وحتى لو لم يكن ذلك في هذه الحياة، فحتماً سيكون في الآخرة