تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خطب الجمعة


بن حجوجة
2012-04-27, 09:14
خطبة ( العين حق)


الحمد لله الملك العلام القدوس السلام ، جعل منار الشرع مستمراً على الدوام .. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنحط بها الأوزار والآثام,ويُـستعان بها على شكر منحه ومننه الوافرة الأقسام , وأشهد أن رحمته للعالمين سيدنا محمداً عبده ورسوله حامل لواء السلامة والإسلام , والمكتسي حلة الكرامة والإكرام, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم الذين قامت بهم شرائع الإسلام .
يـا أيــها الـراجـون منه شفاعة *** صـلوا عـليــه وسـلـموا تسليما
أمــا بعد .. فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى, قال الله تعالى وتقدس {يـَأَيـُّهَـا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تـَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكمْ فُرْقـَاناً وَّيُكـَفِّرْ عنكُمْ سَيِّئـَاتِكُمْ ويغْفِرْ لَكُمْ واللهُ ذو الفضل العَظِيم} .

عباد الله : إنَّ من محاسن شريعة الإسلام – وكلها محاسن – أنها جعلت قاعدة منع الضرر والضرار من أصول قواعد الشريعة ,ومن مجالات التطبيق العملي لهذه القاعدة الجليلة حرصُ المسلم على أن لا يَـعينَ ولا يُـعانَ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً,.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق ,ولو كان شيءٌ سابقَ القدر لسبقته العين ,وإذا استُـغسلتم فاغسلوا) رواه مسلم .
قال النووي في شرحه: فِيهِ إِثْبَات الْقَدَر ... فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْره مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّه تَعَالَى . وَفِيهِ صِحَّة أَمْر الْعَيْن ; وَأَنَّهَا قَوِيَّة الضَّرَر . اهـ
وروى أبي نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخه وحسنه الألباني عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر) .
أي أنها تصيب الرجل فتقتله فيدفن في القبر، وتصيب الجمل فيشرف على الموت فيذبح ويطبخ في القدر .
وقد قرر علماء أهل السنة أن العين حق ، وأنها تُمرض وتقتل، خلافا لبعض المبتدعة المنكرين,وهم محجوجون بالآثار النبوية الصحيحة .
وحقيقة العين كما ذكر القسطلاني: نظر المعيان لشيء باستحسان، مشوب بحسد، فيحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى .
وتسمي العرب العائن بالتلقاعة، مبالغة من اللقع وهو الرمي، وتطلق العامة على العين النضل والنحت .
وقد وقعت الكثير من الحوادث قديماً وحديثاً بسبب العين، وألفت فيها المؤلفات .
عباد الله .. وإذا كانت العين من الحق ، فكيف السبيل إلى التوقي منها واستدفاعها؟
إن من أعظم ما تستدفع به العين تجديدَ العبد لعهد الافتقار والذلة والانكسار لله والحاجة لحفظ الله ورعايته له, بقراءة أذكار الصباح والمساء فقائلها لا يضره شيء بإذن الله, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول (إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) صحيح البخاري.
ومما تُستَدفع به العين ستر ما يخاف عليه إن أمكن ذلك كما فعل يعقوب عليه السلام حين أمر بنيه أن يدخلوا من أبواب متفرقة لحاجة في نفسه قال المفسرون إنه أراد أن يدفع ضرر العين عنهم .
وكما فعل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه عندما رأى صبياً صغيراً حسن الهيئة، فقال: دسموا نونته، أي سوّدوا الدائرة التي تكون في خديه، حتى تنصرف الأعين عنه .
وإنك والله لتعجب من تبجح وتفسخ وتعري بعض نساء وشباب المسلمين وإظهارهم لما لا يجوز لهم إظهاره من أجسادهم تقليدا للكفرة والفساق, فهلا خافوا على أجسادهم ضرر العين إذ لم يخافوا عقاب الله وجعلَه تلك الأجساد وقوداً لنار جهنم!!! وما يتذكر إلا أولو الألباب.
وإذا وقعت العين وحل ضررها بالبدن فإن شرها يستدفع بالرقى والتعاويذ الشرعية الثابتة, بعيدا عن دجل الأفَّاكين,وأكلة أموال الناس بالباطل من السحرة والمشعوذين.
ولتجنب الإضرار بالعين شرع الله لنا عند الإعجاب بهيئة المسلم أو حاله أو ماله أو ولده أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما قال تعالى في قصة صاحب الجنتين وصاحبه: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) , قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال بعض السلف : من أعجبه شيء من حاله أو ماله او ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
ونقل القرطبي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: (ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله) .
ومما يستدفع به ضرر العين التبريك - وهو قول: اللهم بارك فيه أو بارك له أوعليه ، أو ما شاء الله تبارك الله – كما جاء في قصة سهل بن حُنيف عندما عانه عامر بن ربيعة .
وقد روى هذه القصة الإمام أحمد وابن ماجه ومالك وغيرهم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مع أصحابه نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ!! (أي الفتاة في خدرها) فَلُبِطَ سَهْلٌ (أي صُرع وسقط على الأرض) فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ، وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
وقد أفاد الحديث أن المَعين إذا عرف عائنه فإنه يشرع له أن يطلب منه الوضوء والاغتسال, ويجب على من طُلب منه الاغتسال أن يمتثل ولا يكابر في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم(وإذا استُـغسلتم فاغسلوا) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظاهر هذا الأمر الوجوب .
وعلى كل من يعلم من نفسه أنه ربما يصيب بالعين أن يتقي الله في إخوانه كما قال عليه الصلاة والسام وأن يكثر دائماً في حديثه ووصفه من ذكر الله والدعاء بالبركة، وأن يجتنب الاسترسال في الوصف والاستحسان، وجموح النفس في ذكر ما تراه العين من الأمر المستحسنة .
وإنك لتعجب من تمادي بعض العائنين، وجرأتهم على الله في التنافس على إيذاء فلان، أو إفساد سيارة أو بيت علان .
حتى إن أحدهم (كما حدثني الوالد رحمه الله، وحد) معروفاً بالعين، وكان يبيع في السوق، فرأى رجلاً يبيع بجواره وقد فتح الله عليه، فدب الحسد في قلب العائن، فلما انتهى السوق كان الرجل الآخر يضع بضاعته في السيارة فجاءه العائن وقال له: أين تذهب وأنا لم أبع مثلك اليوم؟ تريدها في المكينة، أو في الكفرات؟
فقال له: يا فلان خاف الله، فأبى، فقال: إن كنت عازماً ففي الكفرات .
يقول الرجل (وهو حي موجود الآن، وكان صديقاً للوالد رحمه الله): ذهبت إلى البيت، فبدأت الكفرات تتعطل الواحد تلو الآخر، ولم أصل البيت إلا بعد مشقة .
عباد الله .. وإذا أبى المعيان أو العائن إلا أن يؤذي الآخرين جاز لولي الأمر أو القاضي أن يعزره ، وأن يحبسه حتى ينتهي عن فعله، كما نص على ذلك أهل العلم .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله
عباد الله .. إن مما تجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه، أن الإصابة بالعين، واشتهار وقوعها من شخص معيَّن, ليس مؤشراً على فسق ولا صلاح , لأن الإنسان قد تصيبه عين نفسه, قال ابن القيم:(وقد يَعين الرجل نفسه, وقد يَعين بغير إرادته) .
ويقول ابن عبد البر رحمه الله (إن الرجل الصالح قد يكون عائناً وقد يَعين الرجل نفسه) .
كما نقل المناوي عن الخليفة سليمان بن عبد الملك أنه نظر إلى نفسه في المرآة فأعجبته فقال: كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وأبو بكر صديقاً، وعمر فاروقاً، وعثمان حبيباً، وأنا الملك الشاب، فما دار عليه الشهر حتى مات .
وكان لأحدهم ابنة جميلة، فدخل عليها ذات يوم فنظر إليها، ولم يذكر الله وقال: يا بخت من ستكونين من نصيبه .. وما هي إلا ساعات وترتفع حرارة البنت المسكينة، ولم تطلع عليها الشمس إلا وقد أفضت إلى رحمة الله تعالى .
عباد الله .. كل شيء بقضاء الله، ولا ينبغي أن يحاط من اشتهر بالعين وإضرار الناس بها بهالة من الإجلال والمخافة منه والتودد له على وجه يعتقد هو أو غيره أن بيده ضر أحد أو نفعه, واقرأوا إن شئتم قول الله عن السحرة الذين هم اشد خطرا وأكثر ضررا من العيَّانين قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) فالأمر كله إليه , ما من نسمة هواء تجري إلا بأمره، وما من مثقال ذرة في هذا الكون الفسيح تسكن أو تتحرك إلا بمشيئته وعلمه سبحانه وتعالى,ومن الناس من يصاب بما هو اخطر من العين حين يَنسب إليها كل شئ، فإذا تلعثم في كلامه، أو تعثر في ممشاه، او اصطدم بسيارته ظن أن ذلك من أثر العين, حتى إنك لترى الرجل والمرأة وما فيهما ما يستحسنه عاقل من خلْق ولا خلُق ولا علم ولا دين، ومع ذلك يتوهم ملاحقة العين له في كل آن، وما هذا إلا استدراج من الشيطان له ليعيش في دوامة من الوساوس يفسد بها دينه وتتعطل مصالح دنياه .
عباد الله .. صلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...


خطبة ( عمل المرأة في المحلات التجارية)


أما بعد ..
عباد الله .. قضية تم طرحها في الأيام الماضية ، وكثر عنها الكلام في وسائل الإعلام ، واختلفت فيها الآراء والأفهام ، فكانت الحاجة لبيانها من هذا المكان ، من منبر الجمعة منبر محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان مطلع هذه القضية ، ما أمر به ولاة الأمر وفقهم الله لكل خير ، حيث جاء في قرار مجلس الوزراء : قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، وعلى وزارة العمل وضع جدول زمني لتنفيذ ذلك ومتابعته .
وبعد صدور القرار .. تباينت الآراء والطروحات .
ووقع الخطأ الفادح ممن اتسع نظرهم لمراعاة أحوال النساء المتسوقات في شرائهن لمستلزماتهن الخاصة ، بينما قصر نظرهم عن مراعاة أحوال النساء العاملات في المحلات ، وضبط ممارستهن لهذا العمل بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد .
وإذا كنا لا نشك في أن الدافع لهذا القرار هو مصلحة مراعاة خصوصية المرأة المتسوقة وحفظ حيائها ومشاعرها في شرائها لمستلزماتها الخاصة وأدوات الزينة ، وتوفير الوظائف للنساء .
فإننا في المقابل ، لا بد أن ننظر في حال البائعة التي تدخل وتخرج صباح مساء مع الرجال يومياً ، وتجاورهم في المقارّ على مدى العام ، وما يترتب على ذلك من علاقات زمالة كما يقولون .
ثم ما حال هذه البائعة في الصباح الباكر وفي المساء المتأخر ، هل ستأمن المرأة على نفسها ؟ خاصة إذ علم بعض ضعفاء النفوس من العاملين أو المتسوقين أنه لا يوجد داخل المحل سوى امرأة .
ثم هل يمكن أن يأتي صاحب المحل في آخر الليل ويغلق المحل عليها ويجرد مبيعات اليوم معها .
إن أعظم ما يخشاه الغيور على دينه وعرضه هو سوء فهم أو سوء تطبيق هذا الأمر وعدم تقييده بالضوابط الشرعية ، فتتحول قضية عمل المرأة في بيع المستلزماتهن النسائية ، إلى قضية انتشار النساء البائعات في مختلف المعارض لبيع جميع السلع ، أو وقوع الفوضى في الأسواق كما وقع في هذه الأيام في بعض المدن بعد صدور القرار، فأصبحت المرأة تبيع في المحل، ويدخل عليها الرجال والنساء على حد سواء.
إننا أمام هذه القضية ، وخوفنا على بلادنا ومجتمعنا ، لا يمكن أن نغفل عن الدعوات التغريبية الفاسدة التي يتبجح أصحابها بتحرير المرأة زعموا ، والدعوة إلى نزولها للعمل في ميدان الرجال والاختلاط بهم ، ومن المعلوم أن هذه الدعوات ، تبعاتُها على المجتمعات خطيرة، وثمراتُها مرة ، فضلاً عن مصادمتها للنصوص الشرعية .
ومن أراد أن يدرك ما جناه دعاة السفور والاختلاط من المفاسد التي لا تحصى ، فلينظر إلى المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارا أو اضطرارا ، من انحراف المرأة ، وتفكك الأسرة ، وشيوع الفاحشة في المجتمع .
وقد تواترت الأدلة الشرعية على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الفاحشة .
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)).
فأمر الله تعالى المؤمنات بإدناء جلابيبهن وستر أجسامهن إذا أردن الخروج ، لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب .. وإذا كان هذا في مجرد الخروج فقط ، فكيف بالنزول إلى ميدان الرجال والاختلاط بهم بحكم العمل والوظيفة .
ويقول الله جل وعلا : (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )).
فأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر عن الحرام ، وحفظ الفرج عن الزنا ، ثم أخبر سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم وأطهر .. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها من إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء .
ولهذا أمر الله المؤمنات بعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن سترَ الرأس والوجه ، لأن هذه الوسائلَ والذرائعَ موصلةٌ إلى الأمور المحرمة .
وفي خطاب آخر ، نهى الله النساء عن الخضوع بالقول للرجال لكونه يفضي إلي الفتنة ، كما في قوله عز وجل: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)) .
يعني مرض الشهوة .. ومن البدهي أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال فإنها لا بد أن يحصل بينها وبينهم من الكلام ورفع الكلفة ، وربما الخضوع بالقول ، وربما الخلوة ، ما يجد الشيطان فيه بغيته في تزيين المنكر والفاحشة .
ولما أمر الله تعالى المرأة بحجاب الوجه ، أمر بحجاب آخر ، وهو الحجاب عن الرجال الأجانب والخلوة بهم ، فقال سبحانه:(( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) .
فخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو حجاب نفسها بقرارها في بيتها، وعدم خروجها منه إلا لحاجة، فلا تكون خراجة ولاجة لأتفه الأموركما هو حال بعض النساء.
ولهذا ، أمر الله سبحانه أمهات المؤمنين بالقرار في بيوتهن ، ونهاهن عن التبرج والاختلاط بالرجال ، سواء كان ذلك بحكم العمل ، أو البيع والشراء ، أو السفر أو غيرِ ذلك؛ فقال سبحانه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
فأَمَر الله أمهات المؤمنين بالقرار في البيوت ، وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك، لما في ذلك من صيانتهن وسلامة دينهن .
وتأمل معي ، أن الله تعالى سمّى مكث المرأة في بيتها قرارا ، فقال (وقرن في بيوتكن) ، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها، وحماية لها من الفتن والشرور .
وبعد هذا الوقفة الموجزة مع بعض الأدلة الشرعية ، فإننا ندرك أن هذا القرار الذي يتعلق بمسألة حساسة وخطيرة ، يحتاج تطبيقه وتنفيذه من وزارة العمل إلى مرجعية شرعية تحكم عمل المرأة بالضوابط الشرعية ، كما أنه يحتاج إلى آلية واضحة وصارمة تضمن سلامة تطبيق القرار وحصول المصالح ودرء المفاسد .
وإنك لتحزن أن ترى الآلاف من شبابنا العاطلين ممن يبحثون عن لقمة العيش ، فلا يجدون من الوظائف ما يسد حاجتهم ، حتى صرح معالي وزير العمل لوكالة الأنباء السعودية عقب توليه الوزارة ، أن عدد العاطلين عن العمل من السعوديين في المملكة حسب الإحصاءات الرسمية ، يقدر بنحو 300 ألف عامل .
فنحن ننتظر ونأمل من وزارة العمل أن تزيد اهتمامها بتوظيف الشباب من الذكور وهذا هو الأهم ، ثم بعد ذلك إيجاد وظائف للنساء بالضوابط الشرعية .
عباد الله .. إذا نظرنا إلى منهج الإسلام في عمل المرأة ، نجد أن الإسلام لم يفرض على المرأة العمل في الأصل، مع أنه لم يمنعها من ممارسته بضوابطه الشرعية .
فالمسئول عن البيت والنفقات هو الرجل وليس المرأة .. أما المرأة فعملها الأول والأساسي هو ما خلقها الله تعالى له ، من إدارة البيت ، وحضانة الأبناء وتربيتهم ورعايتهم .
فإن احتاجت إلى العمل الوظيفي بأجرة فلا حرج عليها، ويمكن أن تبدأ بالعمل من داخل المنزل، وهناك أعمال وظيفية كثيرة يمكن أن تؤديها المرأة في بيتها . وهو المسمى عالمياً بالعمل عن بعد .. وهذا العمل جاء الحث عليه بحمد الله في قرار مجلس الوزراء حيث نص القرار على تنفيذ أسلوب العمل عن بعد كأحد المجالات الجديدة التي يمكن أن تعمل من خلالها المرأة، وتنفيذ برنامج الأسر المنتجة .
في دراسة علمية مفادها أن ستة وأربعين مليوناً من أصحاب الأعمال المنزلية في أمريكا – ومعظمهم من النساء – ، يكسبون دخلاً أكثر من دخل موظفي المكاتب بنسبة 28%.
وأما إذا احتاجت المرأة إلى العمل في خارج المنزل فبالشروط الشرعية ، ومن أهمها: أن يكون العمل مباحاً ومحفوظاً من الاختلاط بالرجال .. وألا يترتب على العمل إهمال أو تفريط في الوظيفة الأساسية لها زوجةً وأماً.
ومن خلال الإحصائيات الرسمية ، نجد بين يدينا الآلاف من الوظائف المتاحة للمرأة السعودية ، وهي جزء من العلاج ، متى ما وفرنا لها البيئة المناسبة ، والإطار الشرعي الذي يتناسب مع طبيعة المرأة ، ويحفظ لها حقوقها .
وعلى سبيل المثال: في الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الصحة عشرات الآلاف من الوظائف المتاحة للمرأة السعودية كالتمريض والوظائف الفنية والطبية وبمرتبات جيدة، والمتطلبات الدراسية لها في معظمها قصيرة الزمن سنتان أو ثلاث أو أربع بعد الشهادة الثانوية .
ومع هذا فهناك إحجام من النساء وأولياء الأمور عن هذا الكم الهائل من الوظائف ، بسبب وجود الاختلاط المحرم في أكثر هذه الوظائف .
وقد أجرت جريدة (البلاد) السعودية استبياناً، شاركت فيها 200 مُمرضة ، كانت النتيجة كالآتي : 62% من المُمرضات السعوديات عوانس ، 25% مطلقات ، 18 % فقط متزوجات ، 32% يرفضن الزواج .
وقد شكا لي عدد من الإخوة الغيورين ، بل ورأيت بنفسي في بعض المستشفيات عدداً من المظاهر السيئة وقلة الحياء بين الجنسين ، بسبب الاختلاط والانفتاح بين العاملين .
إن هذا الأمر هو الذي يصد كثيراً من النساء والأسر عن قبول مثل هذه الوظائف في المستشفيات .
ومما يؤكد هذا ، أننا نجد في المقابل ، تزاحم النساء على وظائف التدريس، حتى إن المعلمة تغترب السنة والسنتين والثلاث وأكثر، ويبقى محرمها معها طيلة هذه السنوات، كل ذلك لأن بيئة العمل صالحة ،وبعيدةٌ عن المخالفات الشرعية .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، ويهدي ضالنا ، ويثبت مهتدينا ، إنه بالإجابة جدير ، وهو على كل شيء قدير .

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى .. وقدر فهدى .
عباد الله .. ومع صدور قرار ولاة الأمر وفقهم الله ، فإننا نرجو الله تعالى أن يمضيه إن كان فيه خيراً ، وأن يقيض له من يحسن تنفيذه بما يحقق المصلحة المرجوة منه لهذه البلاد المباركة وأهلها .
ومن أمثل الطرق المقترحة لتطبيق هذا القرار، مشاريع الأسواق النسائية الخاصة التي لا يدخلها إلا النساء بيعاً وشراءً .
وبقيام هذا المشاريع ستتحقق بإذن الله عشرات الآلاف من فرص العمل للمرأة في الأسواق التجارية .
ويمكن أن أذكر في هذا المقام بعض التوصيات المقترحة لمثل هذه المشاريع:
1. لابد من وجود لجنة شرعية تشرف على هذه المشاريع ، وتكسبها الأمان والمصداقية .
2. لا يشترط أن تكون هذه الأسواق مستقلة عن الأسواق العامة ، بل يمكن أن يكون في السوق العام قسم خاص بالنساء .
3. من أسباب نجاح هذا السوق المقترح ألا يسمح ببيع المستلزمات النسائية الخاصة إلا فيه .
4. منع التبرج والألبسة العارية أو السلوكيات السيئة داخل هذه الأسواق سواء من البائعات ، أو المتسوقات ، وهذا الأمر بحمد الله موجود في بعض الأسواق النسائية القائمة .
5. إعطاء الجهات الامنية وهيئات الأمر بالمعروف صلاحيات أقوى في الإشراف على السوق وتطبيق النظام.
6. تقرير العقوبات الشديدة على كل من يثبت استغلاله السيء لهذه الأسواق ، أو العاملات فيها ، سواء من ملاك المحلات أو غيرهم .
7. منع غرف تبديل الملابس لحرمة وضع المرأة ثيابها في غير بيتها ولكي لا تستغل في أمور أخرى .
8. منع استغلال المحلات في أي نشاط تجاري آخر كالمقاهي والانترنت والكوافيرات .
9. المأمول في أهل الخير من التجار وأصحاب الأموال أن يبادروا إلى مثل هذه المشاريع وأن يدعموها بما يحقق المصالح المرجوة منها .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، وأن وفق ولاة أمورنا لكل خير ، ويهيء لهم البطانة الصالحة ... ويهدينا وإياهم سبل السلام ..... الفتن .
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...