oussama-kun
2012-04-22, 12:45
مابعد غروب الشمس..
جمعت الشمس آخر خصلاتها البرتقالية ، مستعدة لتغادر هذه الدنيا، الغروب كاللَّهيب المحمرِّ يبعث النَّشوة في النفوس ، نشوة لا أظن أن لها مثيلا ، وكأنه يودِّعني ليغادر بلا رجعة ، فقرر أن يمتِّعني في آخر لحظات حياته..
نعم كانت تلك آخر لحظات الغروب بالنسبة لي ، لم أودعه لأني لم اكن أظن أن شمس الحرية سَتَأفُل عن عالمي.. أخذت جنود اللَّيل تزحف على عجل لتُواري الأرض برداء خَانق من الكآبة والأسى، انتظرت القمر لآنس به لكن السَّماء اِكفَهَرَّت بالغيوم السوداء الداكنة المملوءة بأمطار مشبعة بالحقد .. أرسلت الوَدْق رذاذا على أديم الأرض، كان يبدو لي وكأنه دم يتقاطر ويتناثر ،لا عجب، فأنا قد فقدت بصيرة الحياة الحلوة بطبعها ، لم أعد أرى سوى سواد الليل وحمرة الدِّماء.. تمرّغ اللّيل على أفكاري فأخذت طابعه الأسو د، وانتصب الموت قائما ببرودته تجمدت أحلامي وطموحاتي، ولا وجود للدِّفء لأذيبها وأحررها من سجنه الجليدي.. حاولت استذكار قصصي مع الماضي لكن لم أسترجع منها إلا الذِّكريات المريرة التي بقيت عالقة في قلبي ، وقد حاولت نزعها لكن عبثا.. وهناك على مرمى البصر المغشى بالضباب تتبادى دوامات الرياح القاتلة المتوحشة تصول وتجول على درب الوحدة والسكون، وترقص رقصة ملؤها البرودة والغضب.. تتلاعب –وعلى ثغرها ضحكة ساخرة - بالأوراق التي كنت قد خططت عليها طموحاتي وأمنياتي وبعثرتها بلا رحمة في الاجواء ..قررت اللحاق بكل واحدة منها وجمعها معا، لأكمل بناء سور طموحاتي الذي سيكون عائقا ضد اليأس ، لكنني سرعان ما عدلت عن قراري ..لا أعلم السبب الذي حال دون تنفيذي له، ربما هو لان نفسي ضعيفة أو... لا أعلم ..
تلك الأجواء قد نسجت حولها عناكب الشؤم شبكات لزجة تصطاد بها الكوابيس الهاربة وتلقيها علي ، مزجت في صنعها قليلا من الظلام وبعضا من البَلادة،.. رفعت ناظري إليها فبدت لي الكوابيس الممتلئة ظلاما تعمُّ المكان وتغمره، غير تاركة –ولو مكانا صغيرا- للأمل ..عندها أدركت أن الأمل حتى ولو كان متواجدا فإن لا مكان له في هذا الجحيم ..لذلك لا فائدة من البحث عنه.. النسائم الخانقة المحملة بالسموم تتغلغل في صدري وتَلِجُ قلبي كرها مني ، محاولة وبكلِّ عنفٍ أن تزرع فيه بذور الهزيمة إن لم تستطع سحقه وتمزيق أشلائه..
جسدي المثخن بالجراح والمثقل بالهموم لم يعد يقو ى على مواصلة المسير والكفاح ، ودفء قلبي بدأ بالزوال بمجرَّد إنتاش بذور الهزيمة المزروعة فيه، فغادرت مخططاتي وأحلامي وذهبت أدراج الرياح ..لكن نفسي قد مازالت فيها بعض الذماء ، ولكنها قريبا ستهلك.. لا يهمُّ .. ما دامت في ساحة الحياة تصارع الموت، إذن جسدي لم تعد له أية مهمة يؤدِّيها ،لذلك سأخلعه وأتركه ورائي يتوسد تراب الانكسارات ويلتف رمل الأحزان، ولن يحاول أبدًا اللحاق بي..
بدأت روايتي القصيرة المبعثرة السطور ، التي تتردد على مسامعي دوما ، في يقظتي وحلمي ، في اللَّيل والنهار... آه !!.. ماذا قلت؟!!...اللَّيل والنهار!!..عفوا لا يوجد نهار!! قصدت اللَّيل واللَّيل !.... لا جدوى من تجاهلها فهي دوما على ظهري حمل ثقيل ،لا أستطيع له نزعا.. تتجلَّى فيها معاركي الطاحنة مع الظلام ، مع الذِّكريات البالية الرثَّة ،مع الطُّموحات الهشَّة.. وتتجلى أيضا بوضوح هزائمي وانكساراتي المتتالية ..لأجرَّ أذيال هزيمتي وأركد ماء على أديم محيط العواصف المخضَّل بالأوهام والفشل ...
عيناي قد فَقدتا بريقهما وسطوعهما ، بعدما كانتا جوهرتين متلألئتين في ظلام الليل السَّرمد ..حتى سواد اللَّيل وحمرة الدِّماء لم أعد أراهما بوضوح .. فصرت أهيم على وجهي في ذلك العالم الَّذي سرق مني كلَّ شيء .. الوهن والضعف قد بدأت أحس دَبِيبهما فيَّ و بدآ يسيطران علي ويمهِّدان الطَّريق لغزو روحي ، حتى إرادتي وعزيمتي طفقتا تسلبان ..رميت بصري على امتداد الأفق فرأيت الأشباح تطوي الأرض مسرعة للظَّفر بي ..وفعلا.. تمكنَّت مني، فصرت فريسة تتصارع عليه النُّسور والحيوانات القَمَّامة بعدما شبعت منها الأسود..
وكأفلام مصاصي الدماء، صرت شبحا ، رمى كل ما كان يتعلق به، الذكريات ، الـأحلام، الـأماني ، الطُّموحات ، وحتى السَّذاجات والحماقات، بكلمة أو كلمتين صرت فراغا في فراغ..
لم يبق في ذلك الشَّبح أيُّ شيء من ذلك الشخص الذي تكوَّن منه.. فنشأ شبح إنساني جديد لينظم إلى عصابات أشباح اللَّيل...
فجأة، الزمن المتقلب المتعود على المفاجآت السارَّة وغير السارَّة ، قد قلب الموازين، فذلك الجوُّ الخانق الذي شتمته طوال الأسطر الفائتة قد اضمَحلَّ ، ليجرَّ اللَّيل آخر أخيلته السَّوداء، ويبسط نور الشَّمس الساطع الذهبي جناحيه المتلألئين ..دروب اليأس تُطوى، وأرصفة الظلام تُحف بأزهار المودَّة والصَّفاء ،ذلك الأمل الَّذي كان منبوذا ومسجونا في سجن الوحدة مدة طويلة قد عاد مفتخرا طاردا اليأس والكوابيس ، واستفاقت الـأحلام والـأماني والطموحات لتطير فراشات وتحوم بين ورود عبقت بشذى السعادة والبهجة الـأبديتين.. برزت صفحة السماء الزجاجية الزرقاء بعد انقشاع الغيوم المعتمة ، وهبت النسائم تتراقص فرحا وزهوا مداعبة أطراف الحشائش رقَّة وحنُّوا.. وهذه المرة إذا غربت الشمس تعد الارض بأن ترجع في الصباح بعد أن ترتاح في فراشها المتواجد ما وراء تلك الجبال ، ليس كالمرة السابقة..
لكن هذا الجمال كله وهاته الطلل البهية لن أستطيع التمتع بهما ،والتمتع بالحرية التي لطالما كنت اتوق ، لأني صرت شبحا، الليل الاسود مجاله ، والظلمة الباردة مأواه ، والقنص والصيد وسفك الدم همه ..جردني من كل ما أملك وجداني وفكري وخيالي .. وفي لحظة وبدون عناء تفكير ،اكتشفت أنه قد ترك نفسي متشردة ، كانت مشرفة على الهلاك ، بيد أنها صممت على الكفاح للتحرر ولكن.. كل ما بقي لها في ذلك العالم ، رابية من الهموم تتسلقها كل يوم علها تلمح ولو شعاع خيط من خيوط شمس الحرية ، ولكنها لا تلبث وتزل لتقع ..وحصيات تعاسة ،ترمي بها في مياه جدول الأوهام ، لتخلق تيارات خفيفة يائسة تعكس حزنها المكتوم وغيظها الشديد...
بقيت في ذلك العالم تتعذَّب بذكرياتي المرة وكوابيسي المزعجة ، التي خلفتها هناك ، لا تستطيع فك أغلال اليأس المطبقة عليها..
تلك حكايتي وحكاية نفسي ، أظنهما حكاية واحدة ولكنَّهما حكايتان لا واحدة ، حبست في ذلك العالم إلى الأبد.. أين قتلت الحياة!! وأحيي الموت!
جمعت الشمس آخر خصلاتها البرتقالية ، مستعدة لتغادر هذه الدنيا، الغروب كاللَّهيب المحمرِّ يبعث النَّشوة في النفوس ، نشوة لا أظن أن لها مثيلا ، وكأنه يودِّعني ليغادر بلا رجعة ، فقرر أن يمتِّعني في آخر لحظات حياته..
نعم كانت تلك آخر لحظات الغروب بالنسبة لي ، لم أودعه لأني لم اكن أظن أن شمس الحرية سَتَأفُل عن عالمي.. أخذت جنود اللَّيل تزحف على عجل لتُواري الأرض برداء خَانق من الكآبة والأسى، انتظرت القمر لآنس به لكن السَّماء اِكفَهَرَّت بالغيوم السوداء الداكنة المملوءة بأمطار مشبعة بالحقد .. أرسلت الوَدْق رذاذا على أديم الأرض، كان يبدو لي وكأنه دم يتقاطر ويتناثر ،لا عجب، فأنا قد فقدت بصيرة الحياة الحلوة بطبعها ، لم أعد أرى سوى سواد الليل وحمرة الدِّماء.. تمرّغ اللّيل على أفكاري فأخذت طابعه الأسو د، وانتصب الموت قائما ببرودته تجمدت أحلامي وطموحاتي، ولا وجود للدِّفء لأذيبها وأحررها من سجنه الجليدي.. حاولت استذكار قصصي مع الماضي لكن لم أسترجع منها إلا الذِّكريات المريرة التي بقيت عالقة في قلبي ، وقد حاولت نزعها لكن عبثا.. وهناك على مرمى البصر المغشى بالضباب تتبادى دوامات الرياح القاتلة المتوحشة تصول وتجول على درب الوحدة والسكون، وترقص رقصة ملؤها البرودة والغضب.. تتلاعب –وعلى ثغرها ضحكة ساخرة - بالأوراق التي كنت قد خططت عليها طموحاتي وأمنياتي وبعثرتها بلا رحمة في الاجواء ..قررت اللحاق بكل واحدة منها وجمعها معا، لأكمل بناء سور طموحاتي الذي سيكون عائقا ضد اليأس ، لكنني سرعان ما عدلت عن قراري ..لا أعلم السبب الذي حال دون تنفيذي له، ربما هو لان نفسي ضعيفة أو... لا أعلم ..
تلك الأجواء قد نسجت حولها عناكب الشؤم شبكات لزجة تصطاد بها الكوابيس الهاربة وتلقيها علي ، مزجت في صنعها قليلا من الظلام وبعضا من البَلادة،.. رفعت ناظري إليها فبدت لي الكوابيس الممتلئة ظلاما تعمُّ المكان وتغمره، غير تاركة –ولو مكانا صغيرا- للأمل ..عندها أدركت أن الأمل حتى ولو كان متواجدا فإن لا مكان له في هذا الجحيم ..لذلك لا فائدة من البحث عنه.. النسائم الخانقة المحملة بالسموم تتغلغل في صدري وتَلِجُ قلبي كرها مني ، محاولة وبكلِّ عنفٍ أن تزرع فيه بذور الهزيمة إن لم تستطع سحقه وتمزيق أشلائه..
جسدي المثخن بالجراح والمثقل بالهموم لم يعد يقو ى على مواصلة المسير والكفاح ، ودفء قلبي بدأ بالزوال بمجرَّد إنتاش بذور الهزيمة المزروعة فيه، فغادرت مخططاتي وأحلامي وذهبت أدراج الرياح ..لكن نفسي قد مازالت فيها بعض الذماء ، ولكنها قريبا ستهلك.. لا يهمُّ .. ما دامت في ساحة الحياة تصارع الموت، إذن جسدي لم تعد له أية مهمة يؤدِّيها ،لذلك سأخلعه وأتركه ورائي يتوسد تراب الانكسارات ويلتف رمل الأحزان، ولن يحاول أبدًا اللحاق بي..
بدأت روايتي القصيرة المبعثرة السطور ، التي تتردد على مسامعي دوما ، في يقظتي وحلمي ، في اللَّيل والنهار... آه !!.. ماذا قلت؟!!...اللَّيل والنهار!!..عفوا لا يوجد نهار!! قصدت اللَّيل واللَّيل !.... لا جدوى من تجاهلها فهي دوما على ظهري حمل ثقيل ،لا أستطيع له نزعا.. تتجلَّى فيها معاركي الطاحنة مع الظلام ، مع الذِّكريات البالية الرثَّة ،مع الطُّموحات الهشَّة.. وتتجلى أيضا بوضوح هزائمي وانكساراتي المتتالية ..لأجرَّ أذيال هزيمتي وأركد ماء على أديم محيط العواصف المخضَّل بالأوهام والفشل ...
عيناي قد فَقدتا بريقهما وسطوعهما ، بعدما كانتا جوهرتين متلألئتين في ظلام الليل السَّرمد ..حتى سواد اللَّيل وحمرة الدِّماء لم أعد أراهما بوضوح .. فصرت أهيم على وجهي في ذلك العالم الَّذي سرق مني كلَّ شيء .. الوهن والضعف قد بدأت أحس دَبِيبهما فيَّ و بدآ يسيطران علي ويمهِّدان الطَّريق لغزو روحي ، حتى إرادتي وعزيمتي طفقتا تسلبان ..رميت بصري على امتداد الأفق فرأيت الأشباح تطوي الأرض مسرعة للظَّفر بي ..وفعلا.. تمكنَّت مني، فصرت فريسة تتصارع عليه النُّسور والحيوانات القَمَّامة بعدما شبعت منها الأسود..
وكأفلام مصاصي الدماء، صرت شبحا ، رمى كل ما كان يتعلق به، الذكريات ، الـأحلام، الـأماني ، الطُّموحات ، وحتى السَّذاجات والحماقات، بكلمة أو كلمتين صرت فراغا في فراغ..
لم يبق في ذلك الشَّبح أيُّ شيء من ذلك الشخص الذي تكوَّن منه.. فنشأ شبح إنساني جديد لينظم إلى عصابات أشباح اللَّيل...
فجأة، الزمن المتقلب المتعود على المفاجآت السارَّة وغير السارَّة ، قد قلب الموازين، فذلك الجوُّ الخانق الذي شتمته طوال الأسطر الفائتة قد اضمَحلَّ ، ليجرَّ اللَّيل آخر أخيلته السَّوداء، ويبسط نور الشَّمس الساطع الذهبي جناحيه المتلألئين ..دروب اليأس تُطوى، وأرصفة الظلام تُحف بأزهار المودَّة والصَّفاء ،ذلك الأمل الَّذي كان منبوذا ومسجونا في سجن الوحدة مدة طويلة قد عاد مفتخرا طاردا اليأس والكوابيس ، واستفاقت الـأحلام والـأماني والطموحات لتطير فراشات وتحوم بين ورود عبقت بشذى السعادة والبهجة الـأبديتين.. برزت صفحة السماء الزجاجية الزرقاء بعد انقشاع الغيوم المعتمة ، وهبت النسائم تتراقص فرحا وزهوا مداعبة أطراف الحشائش رقَّة وحنُّوا.. وهذه المرة إذا غربت الشمس تعد الارض بأن ترجع في الصباح بعد أن ترتاح في فراشها المتواجد ما وراء تلك الجبال ، ليس كالمرة السابقة..
لكن هذا الجمال كله وهاته الطلل البهية لن أستطيع التمتع بهما ،والتمتع بالحرية التي لطالما كنت اتوق ، لأني صرت شبحا، الليل الاسود مجاله ، والظلمة الباردة مأواه ، والقنص والصيد وسفك الدم همه ..جردني من كل ما أملك وجداني وفكري وخيالي .. وفي لحظة وبدون عناء تفكير ،اكتشفت أنه قد ترك نفسي متشردة ، كانت مشرفة على الهلاك ، بيد أنها صممت على الكفاح للتحرر ولكن.. كل ما بقي لها في ذلك العالم ، رابية من الهموم تتسلقها كل يوم علها تلمح ولو شعاع خيط من خيوط شمس الحرية ، ولكنها لا تلبث وتزل لتقع ..وحصيات تعاسة ،ترمي بها في مياه جدول الأوهام ، لتخلق تيارات خفيفة يائسة تعكس حزنها المكتوم وغيظها الشديد...
بقيت في ذلك العالم تتعذَّب بذكرياتي المرة وكوابيسي المزعجة ، التي خلفتها هناك ، لا تستطيع فك أغلال اليأس المطبقة عليها..
تلك حكايتي وحكاية نفسي ، أظنهما حكاية واحدة ولكنَّهما حكايتان لا واحدة ، حبست في ذلك العالم إلى الأبد.. أين قتلت الحياة!! وأحيي الموت!