تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مغبة القيل والقال... الحضُّ على حفظ اللسان والتقليل من الكلام


أبي الإسلام
2012-04-20, 22:23
بسم الله الرحمن الرحيم


" هؤلاء قوم ملوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا "
تقوم صراعات، وتتفرق جماعات، وتذهب أوقات، وتضيع جهود وطاقات، وتثور فتن وشبهات، ... وحين تدقق في مبدأ الأمر ومصدره، تجد الشرارة الأولى، من كلمات طائشة، أو اتهامات ظالمة، أو نقولات خاطئة، وهكذا دواليك ... ثمار حنظل للقيل والقال وزلل الكلام ف" الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحترز من زلـله، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه " 1.
قال أبو بكر محمد بن القاسم رحمه الله:" كان شيخنا أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله إذا أخطأ أحد بين يديه، قال له : أي سكتة فاتتك؟"2.
ومن لا يملك الشفتين يسخو بسوء اللفظ من قيل وقال
قال عليه الصلاة والسلام:" إن الله كره لكم .. قيل و قال ..." 3.
ومعناه كما قال مالك رحمه الله :" هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِرْجَاف نَحْو قَوْلِ النَّاسِ قَالَ فُلَانٌ وَفَعَلَ فُلَانٌ وَالْخَوْض فِيمَا لَا يَنْبَغِي " 4.
وعلى الإقلال من الكلام سار السلف الصالح الكرام، كما وصفهم بذلك إمام المحدثين بالبصرة عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله حيث قال:" أدركت الناس وهم على الجُمل. قال الإمام أحمد رحمه الله معقبا : ( يعني: لا يتكلمون، أي: لا يخاصمون، إنما هي جمل يسيرة بحروف معدودة، تقليلا من الكلام حتى المباح، وإبعادا لاحتمالات الزلل عند الإكثار ) " 5.
وعليه "فمن عرف قدر السلف عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام وكثرة الجدال 6 والخصام والزيادة في البيان على مقدار الحاجة لم يكن عياً ولا جهلا ولا قصوراً وإنما كان ورعا وخشية للَّه واشتغالا عما لا ينفع بما ينفع، وسواء في ذلك كلامهم في أصول الدين وفروعه... وغير ذلك مما تكلموا فيه، فمن سلك سبيلهم فقد اهتدى ومن سلك غير سبيلهم ودخل في كثرة السؤال والبحث والجدال والقيل والقال، فإن اعترف لهم بالفضل وعلى نفسه بالنقص كان حاله قريباً .. وإن ادعى لنفسه الفضل ولمن سبقه النقص والجهل فقد ضل ضلالا مبيناً وخسر خسراناً عظيم" 7.
فالعجب إذن كل العجب ممن يتحفظ عن خمْرٍ وبضْع ، و لم يحترز من لفظاته بل يطلق الكلام كيفما وقع!! كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة – رحمه الله – مُشيراً إلى هذا المعنى : " ومن العجب أنَّ الإنسان يهون عليه التحفُّظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظُّلم ، والزِّنا ، والسَّرقة ، وشُرب الخمر ، ومن النَّظر المحرَّم ، وغير ذلك . ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه!! حتى يُرى الرجُل يُشار إليه بالدين والزُّهد والعبادة، !! وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلْقي لها بالاً ينزل منها أبعدَ ممَّا بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورِّع عن الفواحش والظُّلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يُبالي ما يقول ؟! " 8.
فالله الله في حفظ المنطق والكلام، والحذر الحذر من القيل والقال والخصومات دون زمام، فـ " ما رأيت شيئا أذهب للدين ، ولا أقص للمروءة ، ولا أضيع للذة ، ولا أشغل للقلب من الخصومة" 9 .
قال العلامة السعدي رحمه الله:" ..كثرة القيل والقال، فإن ذلك من دواعي الكذب، وعدم التثبت، واعتقاد غير الحق، ومن أسباب وقوع الفتن، وتنافر القلوب، ومن الاشتغال بالأمور الضارة عن الأمور النافعة.
وقل أن يسلم أحد من شيء من ذلك، إذا كانت رغبته في القيل والقال " 10.
ولو ذهبنا نحصي كلامنا بمعيار السلف لعلمنا حقيقة ما نحن عليه، والغلط الذي نحن فيه 11، بل لصح في حق بعضنا ما نقله مروان بن محمد قال: قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله:" إن فلانا يتعلم النحو "، فقال: " هو إلى أن يتعلم الصمت أحوج " 12، لكن هكذا الحال المرير إذا غفل الناس عن فقه الأولويات حيث تصير الوسائل غايات!!.
قال ابن فارس رحمه الله في بعض أماليه نقلا عن أبي الحسن القطان رحمه الله : وسمعته يقول :" أصبت ببصري، وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أيام الرحلة " 13.
قال الذهبي رحمه الله معلقا: قلت:" صدق والله، فقد كانوا مع حسن القصد، وصحة النية غالبا، يخافون من الكلام، وإظهار المعرفة والفضيلة، واليوم يكثرون الكلام مع نقص العلم، وسوء القصد.
ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه، فنسأل الله التوفيق والإخلاص" 14، والمسامحة والخلاص.
فيا هذا اعلم أن القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها، فصحح نيتك، وحسن قصدك، فكم من اعتقاد فاسد مخزون في الجنان فضحه اللسان 15 عند حلون الإحن والمحن وتحقق الافتتان.
قال ابن بطة رحمه الله:"إن هذه الفتن والأهواء قد فضحت خلقا كثيرا، وكشفت أستارهم عن أصول قبيحة، فإنَ أصون الناس لنفسه: أحفظهم للسانه، وأشغلهم بدينه، وأتركهم لمالا يعنيه" 16.
ومن تم ترى الذين أطلقوا لألسنتهم العنان بدون ميزان في الساحة الدعوية خاصة ملوا الطاعات، وثقلت عليهم العبادات، حتى بخلوا على أنفسهم بتهليلات وتسبيحات..فإن " طول الصمت مفتاح العبادة " 17 والقربات.
قال ابن رجب رحمه الله:" فما سكت من سكت من كثرة الخصام والجدال من سلف الأمة جهلا ولا عجزاً ولكن سكتوا عن علم وخشية للَّه، وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم ولكن حباً للكلام وقلة ورع كما قال الحسن وسمع قوما يتجادلون:( هؤلاء قوم ملوا العبادة، وخف عليهم القول، وقل ورعهم فتكلموا ) " 18.
لكن كما قيل :" إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل " 19، فعلى المكلف إذن " أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء " 20.
وضابط ذلك كشف عنه الإمام الشاطبي رحمه الله حيث قال:" تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة، فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت 21 عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية"22
وإذا اغتممت _ عبد الله _ بالسكوت، فتذكر سلامتك من زلل اللسان، فإن " ذكر الناس داء، وذكر الله دواء " كما قال ابن عون رحمه الله.
قال الذهبي رحمه الله معلقا:" قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء ؟ ! قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم)، (ولذكر الله أكبر)، وقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله، ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له" 23.

_________________________________


1. أدب الدنيا والدين للماوردي رحمه الله 265.
2. سير أعلام النبلاء 18/455.
3. رواه البخاري ومسلم في آخرين.
4. المنتقى لأبي الوليد الباجي رحمه الله 4/458.
5. فضائح الفتن 32.
6. من صفات العالم العاقل أنه لا يسعى إلى المناظرة والمجادلة إلا " على جهة الاضطرار ..لا على الاختيار " أخلاق العلماء للآجري رحمه الله 39، وقال العلامة تقي الدين الهلالي رحمه الله :" ومن رأيي أني أبعد عن المناظرة وأتجنبها، فإذا اضطررت إليها استعنت بالله وخضت غمارها.. " الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة 31.
7. فضل علم السلف على علم الخلف 9.
8. الجواب الكافي 54.
9. الأذكار للنووي رحمه الله 371.
10. بهجة قلوب الأبرار 171.
11. الغلط القائم على المكابرة وإتباع الهوى ناتج عن اللغط كما هو واقع الكثيرين ممن أبعدوا النجعة وراموا الشطط، وكما قيل :" الغلط تحت اللغط " حلية طالب العلم 22.
12. حلية الأولياء 8/16.
13. وفي معجم الأدباء 12/221، وتذكرة الحفاظ 3/857:" أصبت ببصري، وأظن أني عوقبت بكثرة بكاء أمي أيام فراقي لها في طلب الحديث والعلم ".
14. سير أعلام النبلاء 15/465.
15. قال الطيبي رحمه الله:" اللسان ترجمان القلب، وخليفته في ظاهر البدن " تحفة الأحوذي 7/75.
16. الإبانة الكبرى 2/596.
17. كتاب الصمت لابن أبي الدنيا رحمه الله 222.
18. فضل علم السلف على علم الخلف 34_35.
19. كما قال الإمام الأوزاعي رحمه الله ، انظر تذكرة الحفاظ للذهبي رحمه الله 1/135 في آخرين.
20. رياض الصالحين للنووي رحمه الله 483.
21. يقول شيخ الإسلام رحمه الله:" فأما إذا كان المأمور أو المنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء، حتى علا الإسلام وظهر" مجموع الفتاوي 20/59.
22. الموافقات 4/191، ولذا ف" العاقل يختار السكوت على التخليط " قاله ابن دقيق العيد رحمه الله كما في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي رحمه الله 9/239.
23. سير أعلام النبلاء 6/369.


م/ن للفائدة

أبي الإسلام
2012-04-22, 21:02
سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم

أبوعبد اللّه 16
2012-04-22, 21:13
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله خيرا اختي
ممكن تعطينا تزكية للشيخ ابو أويس
و اعتذر عن الخروج عن الموضوع
و بارك الله فيك اختي

أبي الإسلام
2012-04-22, 21:51
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ذكرت اسم الكاتب فقط من باب أمانة النقل
وهذا أمر سأبحث عنه لاحقا إن كان يجوز عدم ذكر اسم الكاتب إن كان من المخالفين وإضافة فقط كلمة منقول
والله اعلم

أبي الإسلام
2012-04-22, 22:02
على كلٍ حذفت اسم الكاتب إلى حين التأكد
وشكرا على التنبيه

أبوعبد اللّه 16
2012-04-23, 09:24
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
دائما أكتب منقول ولا أذكر المصدر إن كان من المخالفين
أما غير ذلك فالمصدر موجود كرابط عند الضغط على كلمة م/ن
وذكرت اسم الكاتب فقط من باب أمانة النقل
وهذا أمر سأبحث عنه لاحقا إن كان يجوز عدم ذكر اسم الكاتب إن كان من المخالفين وإضافة فقط كلمة منقول
والله اعلم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اختي الفاضلة أبي الاسلام، فأنا، لو لم اعلم انك على المنهج القويم، (نحسبك عليه، و الله حسيبك، و لا نزكي على الله احد) لما وضعت الرد السابق،
و لي تعليق بسيط على ما لونته بالاحمر في كلامك المقتبس،
اختي الفاضلة اعلمي رحمني الله و اياك، ان المخالف، لا تُنقل من كلامه اصلا، و لا يقرأ لكتباته، و ليس العبرة ان ننقل كتابته دون ذكر اسمه، يجوز ام لا. العبرة هي: هل المخالف، نقرأ له او لا، قبل ان ننقل كلامه، و الجواب هو لا،
حتى و ان كان هذا الكاتب مجهول الحال يعني لا نعرف منهجه هل هو سليم او لا، هنا، نفس الجواب، و هو لا نسمع لمجهول الحال و لا نقرأ كتاباته، و لا ننقلها

و لعل هذه المشاركة مفيدة لي و لك و لكل الاعضاء، حول "مجهول الحال"
http://www.djelfa.info/vb/showpost.php?p=8902218&postcount=8




على كلٍ حذفت اسم الكاتب إلى حين التأكد
وشكرا على التنبيه
بارك الله فيك اخيتي و جزاك الله خيرا
و شكر موصول لك على تفهمك و حسن خُلقك

أبي الإسلام
2012-04-23, 15:46
صدقتم فيما قلتم
ويجب علي مراجعة هذا الأمر مع نفسي فقد التبس علي الأمر بعض الشيء
أحسن الباري إليكم

أبوعبد اللّه 16
2012-04-23, 16:03
صدقتم فيما قلتم
ويجب علي مراجعة هذا الأمر مع نفسي فقد التبس علي الأمر بعض الشيء
أحسن الباري إليكم


احسن الله اليك اختي الفاضلة
بارك الله فيك، احيانا نقع في خطأ نعرفه. قال تعلى "فذكر، ان الذكرى تنفع المؤمنين"،

أبي الإسلام
2012-05-22, 16:18
أحسن المولى إليكم

فـاطمة الزهراء
2012-05-22, 18:32
جزاكِ الله خيرا اخيتي وبارك الله فيك

mapedi
2012-05-22, 20:30
أحمل لك باقات من الشكر والعرفان
وأنهار من الثناء والامتنان..
لقاء مجهودك المتميز..
كثر الله من أمثالك