gatboulerbah
2009-01-09, 21:50
حين عمّت حمى «مهند» البلاد العربية كافة، استغرب البعض ظاهرة إقبال الناس على مشاهدة المسلسلات التركية المدبلجة الى العربية وتعلقهم بنجومها واستقبالهم بحفاوة لم يحظ بها كثيرون من النجوم العرب، وسارع الشطّار والتجار الى اغتنام الفرصة وطرحوا في السوق بضاعة مختلفة تحمل اسم «مهند» أو زميلته «نور»، وكاد بعضنا أن «يحكي تركي»!
لم يكن شيوع الدراما التركية آتياً من فراغ على رغم كون المسلسلات التي عُرضت لنا أو علينا عادية جداً، إذ إن لهذا الشيوع أسباباً كثيرة لعل أحدها كامن في «عاديتها» حيث اشتاق المتلقي الى مشاهدة ما هو «عادي» ويومي بعد إغراقه بالدراما التاريخية ودراما السيرة والكثير مما لا يمت الى حياته اليومية بصلة، علماً أن الدراما العربية قدمت أعمالاً عدة ناجحة وجيدة وأفضل بكثير مما شاهدناه بالتركي، لكن الأمر لم يرقَ ليصبح سمة عامة.
في إمكان المتخصصين بالنقد التلفزيوني الغوص أكثر وتحليل ظاهرة «نجاح» المسلسلات التركية المدبلجة، وقبلها المسلسلات المكسيكية، غير انني الآن في صدد آخر، وهو الموقف التركي غير المدبلج، الواضح والشجاع من العدوان الإسرائيلي على غزة ومن المذبحة الوحشية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية يومياً بحق أطفال غزة، من دون نسيان ما يتعرض له الفلسطينيون في كل فلسطين بفعل الإرهاب الإسرائيلي المتمادي، ومن دون نسيان أصل البلاء وهو الاحتلال نفسه، ووجود إسرائيل ذاتها القائم على الاغتصاب والعدوان وتزوير التاريخ والجغرافيا معاً.
ربما يجد المحللون والمعلقون ألف ملاحظة على السياسات التركية (أو الفنزويلية حيث بادر تشافيز الى خطوة شجاعة تجلت بطرد سفير الإرهاب الإسرائيلي من كاراكاس)، لكن ما قاله رجب طيب أردوغان يتّسم بكثير من الصدق والشجاعة، خصوصاً حين استشرف أن إسرائيل ستغرق بدماء أطفال فلسطين ودموع الأمهات، وكما نجح «مهند» في «عاديّته»، فإن أردوغان يقول ما هو «عادي» وبديهي وما هو «أضعف الإيمان» في مواجهة الإجرام الإسرائيلي، ولعل كل من سمعه يتكلم سواء أمام مجلس النواب التركي أو في تصريحاته ومقابلاته التلفزيونية تمنى لو كان المتحدث زعيماً عربياً، واشتهى لو كان الموقف الذي ينطق به أردوغان يصل الى آذانه بلغة الضاد مباشرة بدل أن يكون مترجماً (أي مدبلجاً في شكل أو في آخر) من التركية الى العربية.
سيذكّرنا البعض رداً على هذا التعليق بـ «التاريخ» التركي حيال الأرمن أو بـ «الحاضر» حيال الأكراد، وربما يستحضر آخرون «الماضي» العثماني في بلاد العرب. صحيح، فكل يرى الأمور من زاويته ومنظاره، وكاتب هذه السطور ينحاز الى كل المظلومين في العالم بمن فيهم الأرمن والأكراد أو أي شعب يتعرض للظلم والاضطهاد، وأكرر ليس المقصود بهذه الأسطر مديح سياسة أو ذمّ أخرى، لكنني كمتلقٍ عربي كنت أتمنى لو سمعت كلام أردوغان بـ «العربي» لا بـ «التركي»، أو لو أُقفِلت سفارة الإرهاب الإسرائيلي في عاصمة عربية لا في «آخر الدنيا» عند تشافيز، لكن ما العمل وما الحيلة إذا كانت حاجتنا الى «مهند» لا تقتصر على الدراما التلفزيونية؟!
يُقتل أطفال فلسطين بدم إسرائيلي بارد، يذهبون الى قبورهم بأكفانهم البيض مثل أحلامهم، يُدفنون وعيونهم شاخصة، كأن تلك النظرة الأخيرة التي جمّدتها آلة القتل الإسرائيلية بين الأهداب، تحدق فينا جميعاً، تشهد علينا وتسألنا عمّا فعلناه، فهل يملك أحد منا أجوبة شافية للأسئلة التي يطرحها علينا الأطفال الشهداء، اللهم سوى جواب واحد مفاده أن «النظام العربي» برمته وعلى اختلافه تحوّل الى مجرد «مسعف»
لم يكن شيوع الدراما التركية آتياً من فراغ على رغم كون المسلسلات التي عُرضت لنا أو علينا عادية جداً، إذ إن لهذا الشيوع أسباباً كثيرة لعل أحدها كامن في «عاديتها» حيث اشتاق المتلقي الى مشاهدة ما هو «عادي» ويومي بعد إغراقه بالدراما التاريخية ودراما السيرة والكثير مما لا يمت الى حياته اليومية بصلة، علماً أن الدراما العربية قدمت أعمالاً عدة ناجحة وجيدة وأفضل بكثير مما شاهدناه بالتركي، لكن الأمر لم يرقَ ليصبح سمة عامة.
في إمكان المتخصصين بالنقد التلفزيوني الغوص أكثر وتحليل ظاهرة «نجاح» المسلسلات التركية المدبلجة، وقبلها المسلسلات المكسيكية، غير انني الآن في صدد آخر، وهو الموقف التركي غير المدبلج، الواضح والشجاع من العدوان الإسرائيلي على غزة ومن المذبحة الوحشية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية يومياً بحق أطفال غزة، من دون نسيان ما يتعرض له الفلسطينيون في كل فلسطين بفعل الإرهاب الإسرائيلي المتمادي، ومن دون نسيان أصل البلاء وهو الاحتلال نفسه، ووجود إسرائيل ذاتها القائم على الاغتصاب والعدوان وتزوير التاريخ والجغرافيا معاً.
ربما يجد المحللون والمعلقون ألف ملاحظة على السياسات التركية (أو الفنزويلية حيث بادر تشافيز الى خطوة شجاعة تجلت بطرد سفير الإرهاب الإسرائيلي من كاراكاس)، لكن ما قاله رجب طيب أردوغان يتّسم بكثير من الصدق والشجاعة، خصوصاً حين استشرف أن إسرائيل ستغرق بدماء أطفال فلسطين ودموع الأمهات، وكما نجح «مهند» في «عاديّته»، فإن أردوغان يقول ما هو «عادي» وبديهي وما هو «أضعف الإيمان» في مواجهة الإجرام الإسرائيلي، ولعل كل من سمعه يتكلم سواء أمام مجلس النواب التركي أو في تصريحاته ومقابلاته التلفزيونية تمنى لو كان المتحدث زعيماً عربياً، واشتهى لو كان الموقف الذي ينطق به أردوغان يصل الى آذانه بلغة الضاد مباشرة بدل أن يكون مترجماً (أي مدبلجاً في شكل أو في آخر) من التركية الى العربية.
سيذكّرنا البعض رداً على هذا التعليق بـ «التاريخ» التركي حيال الأرمن أو بـ «الحاضر» حيال الأكراد، وربما يستحضر آخرون «الماضي» العثماني في بلاد العرب. صحيح، فكل يرى الأمور من زاويته ومنظاره، وكاتب هذه السطور ينحاز الى كل المظلومين في العالم بمن فيهم الأرمن والأكراد أو أي شعب يتعرض للظلم والاضطهاد، وأكرر ليس المقصود بهذه الأسطر مديح سياسة أو ذمّ أخرى، لكنني كمتلقٍ عربي كنت أتمنى لو سمعت كلام أردوغان بـ «العربي» لا بـ «التركي»، أو لو أُقفِلت سفارة الإرهاب الإسرائيلي في عاصمة عربية لا في «آخر الدنيا» عند تشافيز، لكن ما العمل وما الحيلة إذا كانت حاجتنا الى «مهند» لا تقتصر على الدراما التلفزيونية؟!
يُقتل أطفال فلسطين بدم إسرائيلي بارد، يذهبون الى قبورهم بأكفانهم البيض مثل أحلامهم، يُدفنون وعيونهم شاخصة، كأن تلك النظرة الأخيرة التي جمّدتها آلة القتل الإسرائيلية بين الأهداب، تحدق فينا جميعاً، تشهد علينا وتسألنا عمّا فعلناه، فهل يملك أحد منا أجوبة شافية للأسئلة التي يطرحها علينا الأطفال الشهداء، اللهم سوى جواب واحد مفاده أن «النظام العربي» برمته وعلى اختلافه تحوّل الى مجرد «مسعف»