المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذوقيات المظهر العام


safsa
2012-04-15, 19:23
في الشريعة فرائض و واجبات وسنن و آداب و فيها محرمات و مكروهات ، ووضعت أيضا أصولا لضبط التعامل مع الرأي العام مما يصطلح عليه الذوق و مراعاة الرأي العام . فصياغة الشخصية الدعوية لا ينتهي عند الحدود التي يوجبها الشرع من التزام أحكام الحلال و الحرام و إنما تلزمها أيضا آداب يمليها الذوق الرفيع الحسن لتجميل مشاركة الداعية في حياة الناس اليومية و للارتفاع بمستوى تعامله الاجتماعي ولا بد أن يتميز بأفعاله وعاداته وكلامه وحركاته ومخالطاته عن أعراف العامة وما يعكرها من خشونة و سماجة وهدر لمقاييس الجمال .
و من الناس من يحسب أن هناك خصومة بين الإسلام و الجمال تدعو المسلمين إلى التهجم على الذوقيات و إدارة الظهر إلى ما في الكون من آيات البهجة و الزينة و الجمال ، و قد استغل بعض الخصوم من هذا المسلك سبيلا للطعن في الإسلام ، و سنبين في هذا البحث – بحول الله و قوته – التأصيل الشرعي لمسائل الذوق أو ما يعرف بالأريحيات و المروءات ، هذا الميراث العظيم –المفقود في دنيا الناس – ورثناه عن النبي صلى الله عليه وسلم و عن أئمة و علماء هذه الأمة رحمهم الله .

لا شك أن أذواق الناس قد تمرض ، و أن الرأي العام قد يكون مضللا ، و على هذا الأساس فإن علماء أهل السنة و الجماعة لا يعتبرون العقول وحدها ميزانا للتحسين و التقبيح المرتبطان إلى حد كبير بالعواطف و لذلك نقول ابتداء :
إنه لا قيمة للذوق و لا للرأي العام إذا عارض الفرائض و الواجبات و السنن و الآداب أو دخل دائرة المكروهات أو المحظورات ( المحرمات ).

إذن : مراعاة الذوق و الرأي العام رعاها الشارع في المباحات .

إن الإسلام و الذوق و المروءة مترادفات و متكاملات ، فإذا تعارض ما ظنه الناس ذوقا – أو مروءة-مع الإسلام فذلك علامة على فساد الذوق و سخف المروءة ، أما إذا لم يتعارض شيء من ذلك مع الإسلام فالذوق مقبول – بل مطلوب – " خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ".

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على أنواع من الذوق الرفيع في " الأسماء " و السلوك لأن الإسلام كله ذوق ، فالتوحيد أعلى درجات ذوق القلب ( العقاد يقول أن الشيوعية مذهب ذوي العاهات) و العبادات أعلى درجات ذوق الجسد ، و الاستئذان و التلطف في الخطاب و احترام الصغير للكبير و توقير الكبير للصغير ، و الابتعاد عن الكبر و الخيلاء ... و كل ذلك ذوق رفيع على المسلم أن ينميه.

و قد أخذ هذا الموضوع أهمية بالغة عند علمائنا فقد قال حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في " الإحياء " في معرض تعريفه لحقيقة السخاء و البخل : " إن الواجب قسمان : واجب بالشرع و واجب بالمروءة و العادة ، و السخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع و لا واجب المروءة ، فإن منع واحدا منهما فهو بخيل و لكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل ... فمن أدى واجب الشرع و واجب المروءة اللائقة به فقد تبرأ من البخل "

و قال صاحب كتاب " الدر المختار" بمناسبة الكلام عمن لا تقبل شهادته : " أو يبول أو يأكل على الطريق و كذا كل ما يخل بالمروءة ... " و قيد ابن عابدين – رحمه الله - الأكل لمن كان بمرأى من الناس واستثنى من ذلك شرب الماء و أكل الفاكهة و قال :" لا تقبل شهادة من يعتاد الصياح في الأسواق " إذا: المباح إذا أخل بالمروءة أسقط العدالة .

و المستقرئ اليوم لحال البشرية – في واقعنا المعاصر – يرى سلوكيات أبعد ما تكون عن الذوق السليم، ومن أسباب ذلك :
• غياب التربية الإسلامية .
• غياب القدوة ( الوالد يدخن ، الأم ترمي الأوساخ ، إمام مظهره سيء ...) .
• سلبية المؤسسات الفاعلة في المجتمع ( وسائل الإعلام ، المساجد .......) .
• عدم تهذيب الطبائع .

والمسلم عموما – والداعية خصوصا – مدعو إلى التخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون ربانيا متحليا بمعاني أسماء الله الحسنى وقد جاء في الحديث : " إن الله جميل يحب الجمال " – رواه مسلم- والجمال بشقيه جمال الصور والمعاني ، ومن هنا كانت دعوة القرآن الناس إلى اتخاذ الزينة في كل مسجد " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " ، والملاحظ في هذا النداء أنه موجه لكل الناس و ليس للمسلمين فقط ، وفي أي مكان باعتبار أن كل بقعة هي مسجد للمسلم " وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ".

فالتربية الذوقية في الإسلام أصيلة غير متكلفة و لا طارئة قامت على أسس شرعية منها :
1. الأمر بالخلق الحسن " لا إيمان لمن لا خلق له ".
2. النهي عن سوء الخلق .
3. التحذير من الأذى – حتى إلى الحيوان – ( قصة المرأة مع الهرة ) .
4. إقرار الأعراف الحميدة " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
5. تميز الشخصية المسلمة.






منقول من موقع جيل الترجيح